بدع وهرطقات

2- مراحل نمو الأدفنتست



2- مراحل نمو الأدفنتست

2- مراحل نمو الأدفنتست

قد
مرت جماعة الأدفنتست في مراحل متعددة. قبل أن تأخذ الوضع الذي صارت إليه في أيامنا
هذه. ولعل أبرز ما يستوقفنا من رجالاتها هو وليم مِلَر المعمداني المعتقد في
الأصل. وهو أميركي مولود عام 1782. فهذا المعلم المتخصص في دراسة النبوات توصل إلى
استنتاج يثير الفضول.،وهو أن المسيح سيأتي ثانية سنة 1843. وقد بنى استنتاجه على
النص القائل في دانيال: «فَسَمِعْتُ قُدُّوساً وَاحِداً يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ
قُدُّوسٌ وَاحِدٌ لِفُلانٍ المُتَكَلِّمِ: «إِلَى مَتَى الرُّؤْيَا مِنْ جِهَةِ
المُحْرَقَةِ الدَّائِمَةِ وَمَعْصِيَةِ الخَرَابِ، لِبَذْلِ القُدْسِ وَالجُنْدِ
مَدُوسَيْنِ؟» فَقَالَ لِي: «إِلَى أَلْفَيْنِ وَثَلاثِ مِئَةِ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ،
فَيَتَبَرَّأُ القُدْسُ» (دانيال 8: 13-14).

 

فمِلَر
افترض أن تتم تبرئة القدس المذكورة هنا برجوع المسيح إلى الأرض وإقامة النظام
عليها وأن ال 2300 صباحاً ومساءً تعني 2300 سنة، وأن هذا الزمن يبدأ في نفس الوقت
الذي بدأت فيه السبعون أسبوعاً المذكورة في دانيال 9: 24-25، أي في العام 457 قبل
الميلاد. العام الذي فيه سمح ارتحششتا الملك بإعادة بناء أورشليم، استجابة لتوسلات
عزرا الكاتب. وقد أجرى مِلَر حسابه هكذا: 2300 ناقص 457 تساوي 1843. وقد وصل مِلَر
إلى استنتاجه سنة 1822، إلا أنه لم يعلنه إلا في سنة 1831 قولاً وكتابة.

 

في
تلك الفترة من الزمن دعاه الواعظ الشهير فني إلى مكتبه، وحاول أن يرجعه عن هذا
الخطأ الذي ارتكبه. ولكن المحاولة لم تنجح بسبب عناد ملَّر (مذكرات فني ف 27 ص
371).

 

ومع
أن مِلَر لم ينل إلا نجاحاً يسيراً في البداية، إلا أن أتباعه أخذوا يتكاثرون مع
اقتراب الوقت الذي حدده لمجيء المسيح. وتبعاً لذلك فتحت عدة كنائس أبوابها لتقبل
أفكار مِلَر، وكانت جموع غفيرة تقبل على المحاضرات التي كان يلقيها مِلَر في
القاعات الكبرى أو في الخيم، وكان أتباعه يشرفون على تنظيم تلك الاجتماعات. ونجم
عن ذلك انضمام الكثيرين إلى حركته، بالرغم من المعارضة التي تصدت لنشاطاته التي
سبت هؤلاء بعنوانها الجذاب «حركة منتظري المسيح» والتي أدت في الأخير إلى طرد جميع
الذين شايعوه من كنائسهم الأساسية.

 

في
تلك البرهة عينها أعاد مِلَر النظر في أرقام التاريخ الذي حدده لمجيء المسيح، وبعد
البحث طلع بحساب جديد مفاده أن المجيء سيتم في السنة العبرية وفقاً لروزنامة
الكتاب المقدس. أي بين ربيع 1843 وربيع 1844، مستخلصاً أرقامه الجديدة بالاستناد
على ما جاء في خروج 12: 2 ولاويين 23: 5، وذلك ليدعم نظريته الجديدة بأن المجيء
يجب أن يتم في أول شهر من السنة العبرية.

 

وبعد
هذا التعديل في التاريخ أصدر أحد المشايعين، وهو السيد صموئيل سنوو، بياناً قال
فيه أن ال 23 صباحاً ومساء يجب أن تنتهي في الخريف، في يوم الكفارة العظيم. وعلى
هذه الصورة تتم تبرئة القدس، التي أشار اليها دانيال في الأصحاح 8: 14. لأن في هذا
اليوم العظيم يحتفل الإسرائيليون بعيد التطهير المنصوص عنه في لاويين 16، أي 22
تشرين الأول (أكتوبر) 1844. وقد أصدر السيد سنوو بيانه بعد أن لاحظ أن
الإسرائيليين قد عدلوا تقويمهم، بحيث جعلوا سنتهم تبدأ في الخريف بدلاً من الربيع.

 

واستناداً
على هذا البيان اقتنع جميع الأدفنتست بأنهم سيُخطَفون في ذلك اليوم في السحب
لملاقاة الرب في الهواء. ولكن شد ما كانت خيبتهم مريرة حين دقت ساعة منتصف الليل
المنتظر دقاتها الإثنتي عشرة دون أن يحدث شيء مما توقعوه.

 

بعد
هذا الفشل المريع اعترف مِلَر بكل بساطة بأنه أخطأ في حساباته، وأعطى أمراً بوجوب
انتظار عودة المسيح دون تحديد وقت معين. ولكن الأمر لم ينته بهذه السهولة، لأن هذا
الفشل أحدث بلبلة في صفوف المريدين الذين سبق أن هجروا كنائسهم الأصلية بملء
إرادتهم، أو أجبروا على ذلك. فتجمع هؤلاء في تنظيم جديد، أطلقوا عليه اسم
«الأدفنتست الإنجيليين» وهم يختلفون عن الفرق الإنجيلية الأخرى بتمسكهم الشديد
بالنبوات. وأكبر مجموعة منهم توجد في الولايات المتحدة الإميركية.

 

في
العام 1856 حدث انشقاق في الصفوف، فانفصل عنهم جماعة لقبوا أنفسهم «بالأدفنتست
المسيحيين»، هؤلاء يعتقدون برقاد أنفس الأموات، وبالخلود المشروط. وهاتان
العقيدتان أدخلتا في أندية الأدفنتست بواسطة المدعو جورج ستورز (1796-1879) وقد
قوبل ادخالهما بمعارضة شديدة من مِلَر، الذي كان يؤمن بوجود العذاب الأبدي بالنسبة
للأشرار. بيد أن الأدفنتست المسيحيين لم يستطيعوا إحداث حركة واسعة، كما أنهم لم
يقدروا أن ينشروا دعوتهم خارج الولايات المتحدة الأميركية.

 

قد
تراءى للجميع يومئذ أن الحركة الأدفنتستية على وجه العموم قد بدأت تضعف بعد نشاطها
الكبير في الفترة من سنة 1840 إلى سنة 1844. ولكن على عكس ما فكر كثيرون ففي تلك
الفترة من الزمن كانت الجماعة تستعد لوثبة جديدة.

 

ففي
صباح 23 تشرين أول 1844 كتب أحد أقطاب دعاة الأدفنتست وهو حيرام أدسون بياناً هذا
نصه: علمت في رؤيا أن خروج كاهننا العظيم من قدس الأقداس، لكي يأتي إلى الأرض، لا
زال بعيداً جداً. إلا أنه في نهاية ال 2300 صباحاً ومساء، دخل للمرة الأولى القسم
الأول من القدس لكي يكمل أحد الأعمال، قبل مجيئه إلى الأرض. وكانت هذه الشهادة
بمثابة نجدة للأدفنتست، لكي يدعموا حساباتهم السابقة، ويبرهنوا للعالم أنهم لم
يفشلوا في تنبؤات مِلَر.

 

وكذلك
في بدء العام 1844 اتصل بعض معلمي الأدفنتست بالسيدة راشيل واكس (1892) التي تنتمي
إلى جماعة صغيرة من المعمدانيين أطلقوا على أنفسهم اسم «معمدانيي اليوم السابع»
ويعود ظهورهم إلى القرن السابع عشر. وكانت نتيجة الإتصال أن اقتنع الأدفنتست بأن
يوم الراحة يجب أن يكون يوم السبت. وكان أشدهم حماساً للموضوع الكابتن جوزيف باتز
(1792 – 1872). وقد صيّره حماسه بطل هذه العقيدة لدى إخوته.

 

وفي
شهر كانون الأول (ديسمبر) 1844 أعلنت فتاة في السابعة عشرة، إسمها إلين هرمون
(1827 – 1915) أنها تمتعت برؤياها الأولى، وخلالها رأت الآلام التي سيتجرعها
الإدفنتست وهم في الطريق إلى المدينة السماوية.

 

هذه
الحادثة لم تكن بالأمر الجديد على الجماعة، فقد أعلن بعض منهم، أنهم حصلوا على رؤى
مماثلة. بيد أن هذا الأمر أثار خواطر الرؤساء، وخصوصاً مِلَر. إلا أنه لم يستطع أن
يفعل شيئاً، لأن عدداً من أقطاب الحركة تحمسوا للموضوع، وقالوا إن هذا النوع من
الرؤى يدل على تجدد مواهب الروح، واعتقدوا أن إلين هرمون نبية مرسلة من الله.

 

في
سنة 1846 تزوجت إلين هرمون من السيد جايمس هوايت، الذي كان أحد معاوني ملَّر خلال
شهور طويلة. وقد اختارته زوجاً لها بعد أن رأت فيه مواهب تخوله التقدم والوصول إلى
زعامة الحركة.

 

لقد
تبنت السيدة إلين هوايت آراء أدسون في ما يختص بتبرئة القدس. كما تبنت أيضاً
اعتقاد معمدانيي اليوم السابع في كل ما يتعلق بتقديس السبت، ثم وافقت على كل أفكار
ستورز في موضوع رقاد أنفس الأموات وملاشاة الأشرار عديمي الصبر، وأدخلت كل هذه
المبادئ في صلب عقيدة جماعة الإدفنتست.

 

في
البداية كان عدد مقدِّسي السبت ضئيلاً، لأنهم كانوا أقلية بين أتباع مِلَر، ولم
يفكروا جدياً في تنظيم أنفسهم بسبب إقتناعهم بأن النهاية أصبحت قريبة. ولكن في
الفترة من 1861-1863 أعلنوا نظامهم الرسمي بعد إصدار عدد عديد من النشرات، وإقامة
سلسلة من المحاضرات. وفي احتفال رسمي كبير أطلقوا على أنفسهم اسم أدفنتست اليوم
السابع. وتبعاً لذلك سموا أيضاً سبتيين.

 

حين
بدأوا نشاطهم في أوروبا كانت حركتهم متواضعة جداً. وقد كان الرائد الأول كاهناً
بولونيا، اسمه كريستوفيرسكي سنة 1876، وكان قد هاجر إلى أميركا. وهناك اعتنق
المذهب البروتستانتي، ثم صار بعد ذلك سبتياً. فهذا الرجل عاد إلى أوروبا، ومع أنه
لم يكلف بالقيام بأي عمل، إلا أنه بذل نشاطاً حثيثاً في بث الدعوة السبتية. وفي
فترة قصيرة من الزمن استطاع أن يجمع حوله بعض الناس في كل من قرى فلورية، ولاشودي
فوند، وتراميلاند من سويسرا. وفي قرية تراميلاند أنشئت أول كنيسة سبتية في أوروبا
سنة 1876.

 

بعد
هذا النجاح أرسل أدفنتستيو أميركا أحد رؤسائهم اندروير (1829-1883) إلى أوروبا،
فأسس مركزاً في مدينة بال. وهذا المركز صار في ما بعد نقطة انطلاق إلى مدن سويسرا
وفرنسا وألمانيا. وفي سنة 1876 أصدر مجلة بعنوان «علامات الأزمنة».

 

أما
بالنسبة للعمل المرسلي في البلاد الوثنية، فلم يبدأ إلا في سنة 1894 وذلك في
إفريقيا الجنوبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار