المسيحية

تفسير معنى تحريف الكتاب المقدس فى القرآن



تفسير معنى تحريف الكتاب المقدس فى القرآن

تفسير
معنى تحريف الكتاب المقدس فى القرآن

يزعم
الكثير من الكتاب المسلميين فى مواقعهم ومنتدياتهم ان القرآن أكد على تحريف نصوص
التوراة والانجيل فى احدى عشر أية هم

1.     فَوَيْلٌ
لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ
عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا
كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {79} البقرة

2.           
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ
الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {71} أل
عمران

3.     فَبِمَا
نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ
بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً
مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {13}
المائدة

4.     يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا
كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ
اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ {15} المائدة

5.     وَمَا
قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ
مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً
وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً
وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ
ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {91} الانعام

6.     يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ
الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ
الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ
يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ
أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ
اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ
وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41}‏ المائدة

7.     مِّنَ
الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ
سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن
لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً {46} النساء

8.     وَلَمَّا
جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن
قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا
عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ {89} البقرة

9.     وَلَمَّا
جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ
مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ
كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {101} البقرة

10.       
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ
كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن
بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {75} البقرة

11.   إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً
أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ
يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ {77}‏ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ
عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78} أل عمران

 

فهل
هذه الايات تكلمت عن تحريف نصوص فى التوراة والانجيل بالفعل؟؟؟

و
ما هو المقصود بمعنى يحرفون فى ما ورد فى هذه الايات؟؟؟هل التبديل بزيادة او نقصان
فى النصوص؟ام هو التأويل الفاسد اى التفسير المغلوط؟؟؟

ماذا
قال أئمة وشيوخ الاسلام فى تفسير هذه الايات؟؟؟

هل
رأى نبى الاسلام التوراة واحتكم أليها؟؟هل قال انها محرفة ولا يجوز الاحتكام
بها؟؟؟

 

هذا ما سنبينه فى هذه الدراسة والتى رجعنا فيها الى أكثر من خمسون
تفسيرا لشيوخ وأئمة الاسلام لتقصى الحقيقة المطلقة حول هذه الايات

 

قبل
ان نبدأ فى سرد ماذا قاله شيوخ وائمة الاسلام فى تفاسيرهم لهذه الاية يجب ان نعرف
حادثة هامة ستوضح لنا الكثير فى هذه التفاسير وهى رؤيا محمد للتوراة

 

صحيح
البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين

‏حدثني
‏ ‏إبراهيم بن المنذر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو ضمرة ‏ ‏حدثنا ‏ ‏موسى بن عقبة ‏ ‏عن ‏
‏نافع ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمر ‏ ‏رضي الله عنهما ‏‏أن ‏ ‏اليهود ‏ ‏جاءوا إلى
النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏برجل منهم ‏ ‏وامرأة ‏ ‏قد زنيا فقال لهم ‏ ‏كيف
تفعلون بمن زنى منكم قالوا ‏ ‏نحممهما ‏ ‏ونضربهما فقال لا تجدون في التوراة الرجم
فقالوا لا نجد فيها شيئا فقال لهم ‏ ‏عبد الله بن سلام ‏ ‏كذبتم فأتوا بالتوراة
فاتلوها إن كنتم صادقين فوضع ‏ ‏مدراسها ‏ ‏الذي يدرسها منهم كفه على ‏ ‏آية الرجم
‏ ‏فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها ولا يقرأ ‏ ‏آية الرجم ‏ ‏فنزع يده عن ‏ ‏آية
الرجم ‏ ‏فقال ما هذه فلما رأوا ذلك قالوا هي ‏ ‏آية الرجم ‏ ‏فأمر بهما فرجما
قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد فرأيت صاحبها ‏ ‏يحني ‏ ‏عليها يقيها
الحجارة

 

هذه
الحادثة استشهد بها الكثير من مفسرى القرآن فى تبيان معنى التحريف المقصود فى القرآن
والمفهوم من هذه الحادثة هو ان احدهم وضع يده وخبأ اية الرجم عن عينيى محمد فلا
يراها فلا يتم تنفيذ حكم الرجم والملاحظ هنا هو انه لا اشارة مطلقا لتحريف النصوص
بل انما هو فى داخل قلب الرجل كما جاء

 

و
هنا نضع معنى التحريف كما جاء فى معاجم اللغة كى نفهم ما الذى قصده القرآن فى
التحريف

 

فى
المحيط

التَّحْرِيفُ:
مص.-: التغيير والصرف عن الوجه الَأصليّ أو المستقيم؛ يؤدّي تحريف الكلام حين نقله
أو روايته إلى الإفساد بين الناس/ قد يكون التحريف في المخطوطات لا في المعنى /
التحريف في المخطوطات هو الاختلاف بين الأصل المخطوط والنُّسَخ التي أخذت عنه.-: في
علم الكلام هو المُؤَوَّلُ الشادُّ التأْويل.

 

و
فى الغنى

تَحْرِيفٌ
– [ح ر ف]. (مص. حَرَّفَ). “تَحْرِيفُ الكَلاَمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ”: تَغْيِيرُهُ
وَتَبْدِيلُهُ وَإِعْطَاؤُهُ تَفْسِيرًا مُغَايِراً لِمَقَاصِدِهِ.

 

اى
ان معنى التحريف هو التغيير عن المستقيم والاصل بغض النظر عن طرق هذا التحريف هل
كان نصا او تأويلا او اختلاقا او اخفاء

 

وفى
حلال عرض تفاسير النصوص المذكورة فى المداخلة السابقة سنجد ان القرآن اشار الى
اربعة انواع من التحريف لا يوجد فيهم تحريف النص مطلقا وهم التحريف بالاختلاق اى
اختلاق كتابا جديدا او التحريف بالاخفاء اى اخفاء نصوص معينة عن عامة الشعب او
التأويل الفاسد او التحريف بلى اللسان اى نطق الكلمات بتغيير اعرابها فيتغير
معناها ولا يوجد اى اشارة من قريب او بعيد الى ذكر تحريف النصوص كم سنرى.

 

لنبدأ
فى عرض التفاسير..

فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ
يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ
لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {79}
البقرة

 

قال
الحافظ ابن كثير عمدة المفسرين


فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ” قَالَ هُمْ
أَحْبَار الْيَهُود وَكَذَا قَالَ سَعِيد عَنْ قَتَادَة هُمْ الْيَهُود وَقَالَ
سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلْقَمَة سَأَلْت اِبْن عَبَّاس
– رَضِيَ اللَّه عَنْهُ – عَنْ قَوْله تَعَالَى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ
الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكِتَاب
وَقَالَ: السُّدِّيّ كَانَ نَاس مِنْ الْيَهُود كَتَبُوا كِتَابًا مِنْ عِنْدهمْ
يَبِيعُونَهُ مِنْ الْعَرَب وَيُحَدِّثُونَهُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه
فَيَأْخُذُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَقَالَ الزُّهْرِيّ أَخْبَرَنِي عُبَيْد
اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: يَا مَعْشَر
الْمُسْلِمِينَ كَيْف تَسْأَلُونَ أَهْل الْكِتَاب عَنْ شَيْء وَكِتَاب اللَّه
الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه أَحْدَث أَخْبَار اللَّه تَقْرَءُونَهُ غَضًّا
لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَهْل الْكِتَاب قَدْ
بَدَّلُوا كِتَاب اللَّه وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَاب
وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَفَلَا
يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْم عَنْ مُسَاءَلَتهمْ وَلَا وَاَللَّه مَا
رَأَيْنَا مِنْهُمْ أَحَدًا قَطُّ سَأَلَكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ
رَوَاهُ الْبُخَارِيّ مِنْ طُرُق عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَالَ الْحَسَن بْن أَبِي
الْحَسَن الْبَصْرِيّ: الثَّمَن الْقَلِيل الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا. وَقَوْله
تَعَالَى ” فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا
يَكْسِبُونَ ” أَيْ فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ
الْكَذِب وَالْبُهْتَان وَالِافْتِرَاء وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا أَكَلُوا بِهِ مِنْ
السُّحْت كَمَا قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
فَوَيْل لَهُمْ يَقُول فَالْعَذَاب عَلَيْهِمْ مِنْ الَّذِي كَتَبُوا
بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَذِب وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ يَقُول
مِمَّا يَأْكُلُونَ بِهِ النَّاس السَّفَلَة وَغَيْرهمْ

 

و
قال ابن جرير الطبرى:

الْقَوْل
فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ
ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا }.
يَعْنِي بِذَلِكَ: الَّذِينَ حَرَّفُوا كِتَاب اللَّه مِنْ يَهُود بَنِي
إسْرَائِيل , وَكَتَبُوا كِتَابًا عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ تَأْوِيلَاتهمْ
مُخَالِفًا لِمَا أَنَزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ , ثُمَّ بَاعُوهُ مِنْ قَوْم لَا عِلْم لَهُمْ بِهَا وَلَا بِمَا فِي
التَّوْرَاة جُهَّال بِمَا فِي كُتُب اللَّه لِطَلَبِ عَرْض مِنْ الدُّنْيَا
خَسِيس , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ: { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ
وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ }. كَمَا: 1145 – حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرو , قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ: { فَوَيْل لِلَّذِينَ
يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ: كَانَ نَاس مِنْ الْيَهُود كَتَبُوا
كِتَابًا مِنْ عِنْدهمْ يَبِيعُونَهُ مِنْ الْعَرَب , وَيُحَدِّثُونَهُمْ أَنَّهُ
مِنْ عِنْد اللَّه لِيَأْخُذُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا. 1146 – حَدَّثَنَا أَبُو
كُرَيْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْر بْن
عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ: الْأُمِّيُّونَ
قَوْم لَمْ يُصَدِّقُوا رَسُولًا أَرْسَلَهُ اللَّه , وَلَا كِتَاب أَنَزَلَهُ
اللَّه , فَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ

 

و
قال محمد بن على الشوكانى فى تفسيره “فتح القدير”:

يقدر
لك المقدر. قال في الكشاف: ” والاشتقاق من مَنّي إذا قدّر؛ لأن المتمني يقدر
في نفسه، ويجوّز ما يتمناه، وكذلك المختلق، والقارىء يقدران كلمة كذا بعد كذا
“. انتهى. و«إن» في قوله: { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } نافية، أي: ما
هم. والظن هو: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم. كذا في القاموس. أي:
ما هم إلا يترددون بغير جزم، ولا يقين، وقيل الظن هنا بمعنى: الكذب. وقيل: هو: مجرد
الحدس، لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرّفون كلام الله
من بعد ما عقلوه، وهم يعلمون، ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأماني،
ويعتمدون على الظن، الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره، ولا يظفرون بسواه

 

و
قال ابن عادل فى تفسيره “اللباب”:

واعلم
أنه تعالى لما وصف اليهود العِنَادِ، وأزال الطمع عن إيمانهم بين فرقهم، فالفرقة
الأولى هي الضَّالة والمضلّة، وهم الذين يحرّفون لكلم عن مواضعه.

والفرقة
الثانية: المنافقون.

والفرقة
الثالثة: الذين يُجَادلون المنافقين.

والفرقة
الرابعة: هم المذكورون هنا، وهم العامة الأمّيون الذين لا يعرفون القراءة، ولا
الكتابة، وطريقتهم التقليد وقَبُول ما يقال لهم، فبين الله تعالى أن
المُمْتَنِعِينَ عن الإيمان ليس سبب ذلك واحداً، بل لكل قسم سبب

 

و
قال الامام ناصر الدين البيضاوى فى تفسيره ” أنوار التنزيل وأسرار التأويل
“:

{
فَوَيْلٌ } أي تحسر وهلك. ومن قال إنه واد أو جبل في جهنم فمعناه: أن فيها موضعاً
يتبوأ فيه من جعل له الويل، ولعله سماه بذلك مجازاً. وهو في الأصل مصدر لا فعل له
وإنما ساغ الابتداء به نكرة لأنه دعاء. { لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب } يعني
المحرفين، ولعله أراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة. { بِأَيْدِيهِمْ } تأكيد
كقولك: كتبته بيميني { ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ
ثَمَنًا قَلِيلاً } كي يحصلوا به عرضاً من أعراض الدنيا، فإنه وإن جعل قليل
بالنسبة إلى ما استوجبوه من العقاب الدائم

 

و
قال الأمام ابو البركات النسفى فى تفسيره “مدارك التنزيل وحقائق
التأويل”:

تمنى
كتاب الله أول ليلة.. وآخرها لا في حمام المقادر

أي
لا يعلمون هؤلاء حقيقة المنزل وإنما يقرؤون أشياء أخذوها من أحبارهم. والاستثناء
منقطع. { وَإِنْ هُمْ } وما هم { إِلاَّ يَظُنُّونَ } لا يدرون ما فيه فيجحدون
نبوتك بالظن. ذكر العلماء الذين عاندوا بالتحريف مع العلم ثم العوام الذين قلدوهم
{ فَوَيْلٌ } في الحديث « ويل واد في جهنم » { لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب }
المحرف { بِأَيْدِيهِمْ } من تلقاء أنفسهم من غير أن يكون منزلاً

 

و
قال ابو الحسن البصرى الشهير بالماوردى فى تفسيره ” النكت والعيون”:

قوله
تعالى: { وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ } فيه قولان:

أحدهما:
أن الأُمّي: الذي لا يكتب ولا يقرأ، وهو قول مجاهد وأظهرُ تأويله.

والثاني:
أنَّ الأُمّيين: قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، وكتبوا
كتاباً بأيديهم، وقال الجهال لقومهم: هذا من عند الله، وهذا قول ابن عباس

و
قال ابو السعود العمادى فى تفسيره “إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب
الكريم”:

{
لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب } أي المحرَّفَ أو ما كتبوه من التأويلات الزائغة {
بِأَيْدِيهِمْ } تأكيدٌ لدفع توهمِ المجاز كقولك: كتبتُه بيميني { ثُمَّ
يَقُولُونَ هذا } أي جميعاً على الأول

و
قال ابو زيد الثعالبى فى تفسيره ” الجواهر الحسان في تفسير القرآن”:

والذين
يكْتُبُونَ: هم الأَحْبَارُ والرؤساءُ.

و
{ بِأَيْدِيهِمْ } قال ابن السَّرَّاج: هي كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل
عليهم

و
قال ابن عاشور فى تفسيره “التحرير والتنوير”:

ومعنى:
{ يكتبون الكتاب بأيديهم } أنهم يكتبون شيئاً لم يأتهم من رسلهم بل يضعونه
ويبتكرونه كما دل عليه قوله: { ثم يقولون هذا من عند الله } المشعر بأن ذلك قولهم:
بأفواههم ليس مطابقاً لما في نفس الأمر

 

و
قال الامامان المحلى والسيوطى فى تفسيرهما “الجلالين”:

{
فَوَيْلٌ } شدّة عذاب { لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ } أي
مُخْتَلقاً من عندهم { ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ
ثَمَنًا قَلِيلاً } من الدنيا وهم اليهود غيَّروا صفة النبي في التوراة وآية الرجم
وغيرهما وكتبوها على خلاف ما أَنزل { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مّمَّا كَتَبَتْ
أَيْدِيهِمْ } من المختلق { وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } من الرشا جمع
رشوة

 

و
قال ابن عرفة التونسى:

قوله
تعالى: { ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِندِ الله.. }.


ثم ») لبعد ما بين منزلة الكتب والقول.

قيل
لابن عرفة: (الكتاب) لا شيء فيه، إنما العقوبة على نسبته إلى الله.

فقال:
لا بل على الأمرين كمن يكتب (عقودا) يضرب فيها على الخطوط والشهادات (ويخليها)
عنده، فإنه قد ارتكب محظورا فإن أظهرها ونسبها إلى تلك الشهود وطلب بها فهو قد فعل
محظورا (آخر).

 

و
قال شيخ الازهر الامام سيد طنطاوى فى تفسيره “التفسير الوسيط”:

ومعنى
الآية الكريمة: أفتطمعون – أيها المؤمنون – بعد أن وصفت لكم من حال اليهود ما وصفت
من جحود ونكران، أن يدخلوا في الإِسلام. والحال أنه كان فريق من علمائهم وأحبارهم
يسمعون كلام الله ثم يميلونه عن وجهه الصحيح من بعد ما فهموه، وهم يلعمون أنهم
كاذبون بهاذا التحريف على الله تعالى، أو يعلمون ما يستحقه مرفه من الخزي والعذاب
الأليم

 

و
جاء فى تفسير “المنتخب” اعداد لجنة من علماء الازهر:

ومن
اليهود فريق جهلة أميون لا يعرفون عن التوراة إلا أكاذيب تتفق مع أمانيهم، لفَّقها
لهم أحبارهم، وألقوا فى ظنهم أنها حقائق من الكتاب. فالهلاك والعذاب لهؤلاء
الأحبار الذين يكتبون كتباً بأيديهم، ثم يقولون للأميين: هذه هى التوراة التى جاءت
من عند الله، ليصلوا من وراء ذلك إلى غرض تافه من أغراض الدنيا فيشتروا التافه من
حطام الدنيا بثمن غال وعزيز هو الحقيقة والصدق، فويل لهم مما تقوَّلوه على الله،
وويل لهم مما يكسبون من ثمرات افترائهم.

 

و
قال عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي فى تفسيره “تيسير الكريم الرحمن في تفسير
كلام المنان”:

توعد
تعالى المحرفين للكتاب، الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون: { هَذَا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ } وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق، وإنما فعلوا ذلك مع علمهم {
لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا } والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل،
فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس، فظلموهم من وجهين: من جهة تلبيس
دينهم عليهم، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق

 

و
جاء فى التفسير الميسر اعداد عدد من استاذة التفسير فى مجمع الملك فهد لطباعة
المصحف الشريف:

فهلاك
ووعيد شديد لأحبار السوء من اليهود الذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: هذا
من عند الله وهو مخالف لما أنزل الله على نبيِّه موسى عليه الصلاة والسلام;
ليأخذوا في مقابل هذا عرض الدنيا. فلهم عقوبة مهلكة بسبب كتابتهم هذا الباطل
بأيديهم، ولهم عقوبة مهلكة بسبب ما يأخذونه في المقابل من المال الحرام، كالرشوة
وغيرها

 

و
قال اسعد حومد فى تفسيره ” ايسر التفاسير”:

هؤَلاَءِ
صِنْفٌ مِنَ اليَهُودِ هُمُ العُلَمَاءُ، وَالدُّعَأةُ إِلى الضَّلاَلَةِ
بِالكَذِبِ وَالبُهْتَانِ والزُّورِ، وَقَوْلِ غَيْرِ الحَقِّ عَلَى اللهِ،
وَأَكْلِ أَمْوالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَهُمْ أَحْبَارُ اليَهُودِ الذِينَ
كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ كِتَاباً مُحَرَّفاً وَمُلَفْقاً مِنْ عِنْدِهِمْ،
يِبِيعُونَهُ لِعَوامِّهِمْ زَاعِمِينَ أَنَّهُ التَّورَاةُ المُنْزَلَةُ مِنْ
عِنْدِ اللهِ، لِيَأْخُذُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً مِنْهُمْ. وَيُُحَََذِّرُ اللهُ
هؤَلاءِ المُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: الوَيْلُ لَهُمْ – أَيِ
الهَلاَكُ وَالدَّمَارُ لَهُمْ وَشِدَّةُ الشَّرِّ – مِمَّا أَكَلُوا مِنْ هذا
الكَسْبِ الحَرَامِ

 

و
قال احمد الواحدى فى تفسيره ” الوجيز في تفسير الكتاب العزيز”

{
فويلٌ } فشدَّةُ عذابٍ { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } أَيْ: من قِبَلِ أنفسهم من
غير أن يكون قد أُنزل

 

و
جاء فى تفسير “هميان الزاد”:

{
للَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ }: فقط بدون أن تسبقهم كتابة من
الله، أو من موسى ونحوه من الصادقين، فكان ما يكتبوه كذباً إذ لم يكن من الله لفظه
ومعناه، ولا معناه والكتابة، ولو كانت لا تكون إلا باليد لكن لما أريد بذكر الأيدى
التعبير عن أنهم كتبوا من عند أنفسهم لا صدقاً

 

الخلاصة

اجمع
المفسرون على ان المقصود من هذا النص هو اختراع واختلاق اليهود كتابا جديدا غير
كتاب الله يبيعونه للناس ونقول ان هذا ليس تحريفا بل اختلاقا وما اسهله ان يقوم
الانسان بكتابة كتاب ويقول انه من عند الله ولكن التحريف النصى يكون فى النص
الاصلى الذى انزله الله وهذا ما لا نراه مطلقا فى اى تفسير مما قاله شيوخ الاسلام
مما يبطل زعم القائلين بأن القرآن اشار الى تحريف التوراة فى هذه الاية.

 

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {71} أل عمران

قال
ابن جرير الطبرى فى تفسيره “جامع البيان في تأويل القرآن”:

الْقَوْل
فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ
بِالْبَاطِلِ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا أَهْل التَّوْرَاة
وَالْإِنْجِيل , لِمَ تَلْبِسُونَ , يَقُول: لِمَ تَخْلِطُونَ الْحَقّ
بِالْبَاطِلِ. وَكَانَ خَلْطهمْ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ: إِظْهَارهمْ
بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ التَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
, وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , غَيْر الَّذِي فِي قُلُوبهمْ مِنْ
الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة. كَمَا: 5706 – حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد ,
قَالَ: ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد ,
عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ: قَالَ
عَبْد اللَّه بْن الصَّيِّف وَعَدِيّ بْن زَيْد وَالْحَارِث بْن عَوْف بَعْضهمْ
لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نُؤْمِن بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه غَدْوَة
, وَنَكْفُر بِهِ عَشِيَّة , حَتَّى نَلْبِس عَلَيْهِمْ دِينهمْ , لَعَلَّهُمْ
يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَع , فَيَرْجِعُوا عَنْ دِينهمْ. فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ
وَجَلَّ فِيهِمْ: { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ }..
إِلَى قَوْله: { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم }. 5707 – حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ: ثنا
يَزِيد , قَالَ: ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة: { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ } يَقُول: لِمَ تَلْبِسُونَ الْيَهُودِيَّة
وَالنَّصْرَانِيَّة بِالْإِسْلَامِ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ دِين اللَّه الَّذِي
لَا يَقْبَل غَيْره الْإِسْلَام وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ. 5708 – حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا إِسْحَاق , قَالَ: ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ
أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي لَا يَقْبَل
مِنْ أَحَد غَيْره الْإِسْلَام , وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ. 5709
– حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ: ثنا الْحُسَيْن , قَالَ: ثني حَجَّاج , عَنْ
اِبْن جُرَيْج , قَوْله: { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقّ
بِالْبَاطِلِ }: الْإِسْلَام بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة. وَقَالَ
آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا

 

و
قال القرطبى:

يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ

اللَّبْس
الْخَلْط , وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَة. وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي
قَبْلهَا مَعْنَى ذَلِكَ.

بِالْبَاطِلِ
وَتَكْتُمُونَ

وَيَجُوز
” تَكْتُمُوا ” عَلَى جَوَاب الِاسْتِفْهَام.

الْحَقَّ
وَأَنْتُمْ

جُمْلَة
فِي مَوْضِع الْحَال

 

و
قال الامام الحسين ابن مسعود البغوى فى تفسيره “معالم التنزيل”

{
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ } تخلطون الإسلام
باليهودية والنصرانية، وقيل: لم تخلطون الإيمان بعيسى عليه السلام وهو الحق بالكفر
بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الباطل؟

 

و
قال شهاب الدين الالوسى فى تفسيره “روح المعاني في تفسير القرآن العظيم
والسبع المثاني”:

{
ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل } أي تسترونه به، أو تخلطونه به، والباء
صلة

1-)
أن المراد إظهارهم الإسلام وإبطانهم النفاق قاله ابن عباس وقتادة

2-)
أن المراد الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد عليهم الصلاة والسلام

3-)
أن المراد ما يعلمونه في قلوبهم من حقية رسالته صلى الله عليه وسلم وما يظهرونه من
تكذيبه، عن أبي علي وأبي مسلم

 

و
قال الامام ابو الفرج ابن الجوزى فى تفسيره “زاد المسير”:

قوله
تعالى: { لم تلبسون الحق بالباطل؟ } قال اليزيدي: معناه: لم تخلطون الحق بالباطل؟
قال ابن فارس: واللبس: اختلاط الأمر، وفي الأمر لبسة، أي: ليس بواضح

أن
الحق: إقرارهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والباطل: كتمانهم بعض أمره.
والثاني: الحق: إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم غدوة، والباطل: كفرهم به عشية،
رويا عن ابن عباس

الحق:
الإسلام، والباطل: اليهودية والنصرانية، قاله قتادة

قوله
تعالى: { وتكتمون الحق } قال قتادة: كتموا الإسلام، وكتموا محمداً صلى الله عليه
وسلم

 

و
قال الامام فخر الدين الرازى فى تفسيره “مفاتيح الغيب”:

علم
أن علماء اليهود والنصارى كانت لهم حرفتان إحداهما: أنهم كانوا يكفرون بمحمد صلى
الله عليه وسلم مع أنهم كانوا يعلمون بقلوبهم أنه رسول حق من عند الله والله تعالى
نهاهم عن هذه الحرفة في الآية الأولى وثانيتهما: إنهم كانوا يجتهدون في إلقاء
الشبهات، وفي إخفاء الدلائل والبينات والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في هذه
الآية الثانية، فالمقام الأول مقام الغواية والضلالة والمقام الثاني مقام الإغواء
والإضلال.

 

و
قال ابو الليث السمرقندى فى تفسيره “بحر العلوم”:

{
تَشْهَدُونَ ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل } يقول لِمَ تخلطون الكفر
بالإيمان؟ لأنهم آمنوا ببعضه، وكفروا ببعضه { وَتَكْتُمُونَ الحق } يعني بعث محمد
صلى الله عليه وسلم { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه حق

 

و
قال ابن عادل فى تفسيره ” اللباب”:

{
تَلْبِسُونَ } تخلطون { الحق بالباطل } الإسلام باليهودية والنصرانية.

وقيل:
تخلطون الإيمان بعيسى – وهو الحق – بالكفر بمحمد – وهو الباطل , وقال ابنُ عباس
وقتادةُ: تواضعوا على إظهار الإسلام أول النهار، ثم الرجوع عنه في آخر النهار
تشكيكاً للناس

قال
القاضي: أن يكون في التوراة ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم من البشارة
والنعت والصفة، ويكون في التوراة – أيضاً – ما يوهم خلاف ذلك، فيكون كالمحكم
والمتشابه، فيلبسون على الضعفاء أحد الأمرين بالآخر.

وقيل
إنهم كانوا يقولون: إنَّ محمداً معترفٌ بأن موسى حَقٌّ، ثم إنّ التوراةَ دالة على
أن شرع موسى لا ينسخ، وكل ذلك إلقاء للشبهات.

 

و
قال ابو البركات النسفى فى تفسيره “مدارك التنزيل وحقائق التأويل”:

{
ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل } تخلطون الإيمان بموسى وعيسى بالكفر
بمحمد صلى الله عليه وسلم

 

و
قال جلال الدين السيوطى فى تفسيره” الدر المنثور في التأويل بالمأثور”:

وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج { لمَ تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون } على
أن الدين عند الله الإسلام، ليس لله دين غيره.

وأخرج
ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله { لمَ تلبسون الحق بالباطل } يقول: لمَ
تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد
غيره الإسلام

 

و
قال ابو زيد الثعالبى فى تفسيره “الجواهر الحسان في تفسير القرآن”

وقوله:
{ لِمَ تَلْبِسُونَ }: معناه: تَخْلِطُونَ: تَقُولُ: لَبَسْتُ الأَمْرَ؛ بفتح
الباءِ: بمعنى خَلَطْتُهُ؛ ومنه قوله تعالى: { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا
يَلْبِسُونَ } [ الأنعام: 9 ].وفي قوله: { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } توقيفٌ علَى
العنادِ ظاهرٌ.

 

و
قال سيد قطب فى تفسيره ” الظلال”:

يلي
ذلك في السياق كشف الهدف الأصيل الكامن وراء مماراة أهل الكتاب في إبراهيم وغير
إبراهيم – مما سبق في السورة ومما سيجيء – فهو الرغبة الملحة في إضلال المسلمين عن
دينهم – وتشكيكهم في عقيدتهم.. ومن ثم يتجه بالتقريع إلى المضللين: { يا أهل
الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون؟ يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل
وتكتمون الحق وأنتم تعلمون؟ }..

ثم
يطلع الجماعة المسلمة على لون من تبييت أعدائهم وتدبيرهم، لزعزعة ثقتهم في عقيدتهم
ودينهم بطريقة خبيثة ماكرة لئيمة. ذلك أن يعلنوا إيمانهم بالإسلام أول النهار، ثم
يكفروا بالإسلام آخره.. كي يلقوا في روع غير المتثبتين في الصف المسلم – ومثلهم
موجود دائماً في كل صف – أنه لأمر ارتد أهل الكتاب، الخبيرون بالكتب والرسل
والديانات: { وقالت طائفة من أهل الكتاب: آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه
النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون }.. وهو كيد خبيث لئيم!

ثم
يكشف عن طبيعة أهل الكتاب وأخلاقهم ونظرتهم للعهود والمواثيق – على أمانة في بعضهم
لا ينكرها عليهم – فأما البعض الآخر فلا أمانة له ولا عهد ولا ذمة؛ وهم يفلسفون
جشعهم وخيانتهم ويدعون لها سنداً من دينهم، ودينهم من هذا الخلق بريء.

 

و
جاء فى تفسير مقاتل:

نزلت:
{ ياأهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله }، يعنى القرآن { وَأَنْتُمْ
تَشْهَدُونَ } [ آية: 70 ] أن محمداً رسول الله، ونعته معكم فى التوراة، { ياأهل
الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ الحق }، يعنى لم تخلطون الحق { بالباطل وَتَكْتُمُونَ
الحق }، وذلك أن اليهود أقروا ببعض أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضاً {
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ آية: 71 ] أن محمداً نبى ورسول صلى الله عليه وسلم.

 

و
جاء فى تفسير القشيرى:

كتمون
الحق في شأن محمد عليه السلام وأنتم تعلمون أنه النبي الصادق، وهل هذا حكم الخذلان
وقضية الحرمان، ثم أخبر أَنَّ منهم من ينافق في حالته، فيريد أن يدفع عنه أذى
المسلمين، ولا يخالف إخوانه من الكافرين، فتواصوا فيما بينهم بموافقة الرسول عليه
السلام والمسلمين جهراً، والخلوص في عقائدهم الفاسدة بعضهم مع بعض سِرَّاً

 

و
جاء فى تفسير المنتخب:

69-
إن فريقاً من أهل الكتاب يتمنون إضلال المؤمنين وفتنهم عن دينهم، بإلقاء الشبه
التى توهن الاعتقاد، وهم فى عملهم هذا لا يضلُّون إلا أنفسهم بإصرارهم على الضلال
الذى يحيق بهم – وحدهم – ولا يعلمون إن عاقبة سعيهم هذا لاحقة بهم ولا تضر
المؤمنين.

70-
يا أهل الكتاب لم تكذّبون بآيات الله المنزلة الدالة على صدق نبوة محمد – صلى الله
عليه وسلم – وأنتم تعلمون أنها حق؟.

71-
يا أهل الكتاب لم تخلطون الحق الذى جاء به الأنبياء ونزلت به الكتب بما جئتم به من
شبهات واهية، وتأويلات باطلة، ولا تذيعون الحق صريحاً واضحاً بعيداً عن التخليط،
وأنتم تعرفون أن عقاب الله على مثل هذا الفعل عظيم؟.

 

و
جاء فى تفسير القطان:

تلبسون:
تخلطون.

يا
أهل الكتاب، لماذا تكفرون بما ترونه من البراهين الواضحة الدالة على صدق نبوة محمد
وأنتم في قرارة نفوسكم تشهدون بأنها حق!

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى تفسيره “ايسر التفاسير”:

وفي
الآية (71) وبخهم أيضاً على خلطهم الحق بالباطل حتى لا يعرف ويؤخذ به ويهتدى عليه
فقال تعالى: { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل } وشنع عليهم بكتمانهم الحق
الذي هو نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المبينّة في كتبه وعلى ألسنة رسلهم
فقال: { وتكتمون الحق وأنتم تشهدون } أنه الحق من الله

و
قال عبد الرحمن السعدى فى تفسيره “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام
المنان”:

{
يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } فوبخهم على لبس
الحق بالباطل وعلى كتمان الحق، لأنهم بهذين الأمرين يضلون من انتسب إليهم، فإن
العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهما وكتموا
الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم
يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن
يظهروا للناس الحق ويعلنوا به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب،
والحلال والحرام، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون يرجع
الضالون وتقوم الحجة على المعاندين قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا
الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم }.

 

و
قال أسعد حومد فى تفسيره “ايسر التفاسير”:

{
ياأهل الكتاب } { بالباطل }

(71)
– يُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَى اليَهُودِ كُفْرَهُمْ، وَخَلْطَهُمُ الحَقَّ
الذِي جَاءَ بِهِ الأنْبِياءُ، وَنَزَلَتْ بِهِ الكُتُبُ، بِالشُّبُهَاتِ
الوَاهِيَةِ، والتَّأوِيلاتِ البَاطِلَةِ، وَعَدَمَ إذاعَتِهِم الحَقَّ صَرِيحاً
وَاضِحاً بَعِيداً عَنِ التَّخْلِيطِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ عِقَابَ اللهِ
عَظِيمٌ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الأعْمَالِ.

تَلْبِسُونَ
– تَخْلِطُونَ وَتُمَوِّهُونَ أوْ تَسْتُرُونَ

 

و
قال الهوارى الاباضى فى تفسيره:

قال
الحسن: ثم قال: { يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ } أي لِمَ تخلطون {
الحَقَّ بِالْبَاطِلِ } أي تلبسون الإِسلام باليهودية والنصرانية في تفسير الحسن
وغيره { وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } قال الحسن: تعلمون أن
محمداً رسول الله وأن دينه حق.

 

الخلاصة

اجمع
الشيوخ والمفسرين على ان الباس الحق بالباطل هنا هو فى ثلاث امور هم الباس
اليهودية والنصرانية بالاسلام او الباس الصدق بعيسى والكفر بمحمد او الباس الحق
الموجود بالكتب بما يقولونه من تأويلات وتفاسير فاسدة ومغلوطة ولا نرى اى اثر لأى
مفسر قال بتحريف النصوص فى هذا النص مما يبطل ما يزعمه البعض بأن هذا النص قال
بتحريف نص التوراة

 

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ
قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا
ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ
قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ {13} المائدة

 

قال
الحافظ ابن كثير:

يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ” أَيْ فَسَدَتْ فُهُومُهُمْ وَسَاءَ
تَصَرُّفُهُمْ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَتَأَوَّلُوا كِتَابَهُ عَلَى غَيْرِ مَا
أَنْزَلَهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى غَيْر مُرَاده وَقَالُوا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ
عِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ” وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
” أَيْ وَتَرَكُوا الْعَمَل بِهِ رَغْبَة عَنْهُ وَقَالَ الْحَسَن: تَرَكُوا
عُرَى دِينهمْ وَوَظَائِف اللَّه تَعَالَى الَّتِي لَا يَقْبَل الْعَمَل إِلَّا
بِهَا وَقَالَ غَيْره: تَرَكُوا الْعَمَل فَصَارُوا إِلَى حَالَة رَدِيئَة فَلَا
قُلُوب سَلِيمَة وَلَا فِطَر مُسْتَقِيمَة وَلَا أَعْمَال قَوِيمَة ” وَلَا تَزَال
تَطَّلِع عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ” يَعْنِي مَكْرهمْ وَغَدْرهمْ لَك
وَلِأَصْحَابِك وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره: يَعْنِي بِذَلِكَ تَمَالُؤَهُمْ عَلَى
الْفَتْكِ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” فَاعْفُ
عَنْهُمْ وَاصْفَحْ” وَهَذَا هُوَ عَيْن النَّصْر وَالظَّفَر كَمَا قَالَ
بَعْض السَّلَف مَا عَامَلْت مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيك بِمِثْلِ أَنْ تُطِيع
اللَّهَ فِيهِ وَبِهَذَا يَحْصُلُ لَهُمْ تَأْلِيفٌ وَجَمْعٌ عَلَى الْحَقِّ
وَلَعَلَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ” إِنَّ اللَّه يُحِبّ
الْمُحْسِنِينَ ” يَعْنِي بِهِ الصَّفْح عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْك وَقَالَ
قَتَادَة: هَذِهِ الْآيَة ” فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ” مَنْسُوخَة
بِقَوْلِهِ ” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا
بِالْيَوْمِ الْآخِر ” الْآيَة

 

و
قال القرطبى:

يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ

أَيْ
يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله , وَيُلْقُونَ ذَلِكَ إِلَى الْعَوَامّ ,
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُبَدِّلُونَ حُرُوفه. و” يُحَرِّفُونَ ” فِي
مَوْضِع نَصْب , أَيْ جَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة مُحَرِّفِينَ , وَقَرَأَ
السُّلَمِيّ وَالنَّخَعِيّ ” الْكَلَام ” بِالْأَلِفِ وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ غَيَّرُوا صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَة
الرَّجْم.

 

قال
الامام فخر الدين الرازى فى تفسيره “مفاتيح الغيب”:

ثم
أنه تعالى ذكر بعض ما هو من نتائج تلك القسوة فقال { يُحَرّفُونَ الكلم عَن مواضعه
} وهذا التحريف يحتمل التأويل الباطل، ويحتمل تغيير اللفظ، وقد بينا فيما تقدم أن
الأول أولى لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ

 

و
قال ابى بكر البقاعى فى تفسيره “نظم الدرر في تناسب الآيات والسور”:

أخبر
أنهم على غير ذلك بقوله: { وجعلنا } أي بعظمتنا { قلوبهم قاسية } أي صلبة عاسية
بالغش فهي غير قابلة للنصحية، لأن الذهب الخالص يكون ليناً، والمغشوش يكون فيه يبس
وصلابة، وكل لين قابل للصلاح بسهولة، ثم بين قساوتها بما دل على نقضهم بقوله: {
يحرّفون الكلم } أي يجددون كل وقت تحريفه { عن مواضعه } فإنهم كلما وجدوا شيئاً من
كلام الله يشهد بضلالهم حرفوه إلى شهواتهم، وأولوه التأويل الباطل بأهوائهم، فهم
يحرفون الكلم ومعانيها

 

و
قال النسفى تفسيره “مدارك التنزيل وحقائق التأويل”:

{
فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم } «ما» مزيد لإفادة تفخيم الأمر { لعناهم } طردناهم
وأخرجناهم من رحمتنا أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ
قَاسِيَةً } يابسة لا رحمة فيها ولا لين. «قسيّة»: حمزة وعلي أي رديئة من قولهم: «درهم
قسي» أي رديء { يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مواضعه } يفسرونه على غير ما أنزل وهو بيان
لقسوة قلوبهم لأنه لا قسوة أشد من الافتراء على الله وتغيير وحيه

 

و
قال الامام الزمخشرى جار الله فى تفسيره “الكشاف”:

{
يُحَرّفُونَ الكلم } بيان لقسوة قلوبهم، لأنه لا قسوة أشدّ من الافتراء على الله
وتغيير وحيه

و
قال ابو الحسن البصرى الشهير بالماوردى فى تفسيره “النكت والعيون”:

قوله
تعالى: { فَبِمَا نَقَْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ } وتقديره: فبنقضهم
ميثاقهم لعنَّاهم، و« ما » صلة زايدة.

{
وَجَعَلْنَا قَلُوبَهُمْ قَاسيَةً } من القسوة وهي الصلابة.

وقرأ
حمزة والكسائي { قَسِيّةً } وفيه تأويلان:

أحدهما:
أنها أبلغ من قاسية.

والثاني:
أنها بمعنى قاسية.

{
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } يعني بالتغيير والتبديل، وسوء التأويل

 

و
قال ابن عاشور فى تفسيره ” التحرير والتنوير”:

وجملة
{ يُحرّفون الكَلِم عن مواضعه } استئناف أو حال من ضمير { لَعنّاهم }. والتحريف: الميل
بالشيء إلى الحرف، والحرف هو الجانب. وقد كثر في كلام العرب استعارة معاني السير
وما يتعلّق به إلى معاني العمل والهُدى وضدّه؛ فمن ذلك قولهم: السلوك، والسيرة؛
والسعي؛ ومن ذلك قولهم: الصراط المستقيم، وصراطاً سوياً، وسواء السبيل، وجادّة الطريق،
والطريقة الواضحة، وسواء الطريق؛ وفي عكس ذلك قالوا: المراوغة، والانحراف، وقالوا:
بنيَّات الطريق، ويعْبُد الله على حرف، ويشعِّبُ الأمور. وكذلك ما هنا، أي يعدلون
بالكلم النبويّة عن مواضعها فيسيرون بها في غير مسالكها، وهو تبديل معاني كتبهم
السماوية. وهذا التحريف يكون غالباً بسوء التأويل اتّباعاً للهوى، ويكون بكتمان
أحكام كثيرة مجاراة لأهواة العامّة

 

و
جاء فى المنتخب اعداد لجنة من علماء الازهر:

فبسبب
نقض بنى إسرائيل عهودهم، استحقوا الطرد من رحمة الله، وصارت قلوبهم صلبة لا تلين
لقبول الحق، وأخذوا يصرفون كلام الله فى التوراة عن معناه، إلى ما يوافق أهواءهم،
وتركوا نصيباً وافياً مما أمروا به فى التوراة، وستظل أيها الرسول ترى منهم
ألواناً من الغدر ونقض العهد، إلا نفراً قليلا منهم آمنوا بك فلم يخونوا ولم
يغدروا. فتجاوز أيها الرسول عما فرط من هؤلاء، واصفح وأحسن إليهم، إن الله يحب
المحسنين.

 

و
جاء فى تفسير القطان:

لكن
بني اسرائيل نقضوا الميثاق. لذا استحقّوا اللعن والطرد من رحمة الله وصارت قلوبهم
قاسيةً لا تلين لقبول الحق. لقد أخذوا يحرّفون كلام الله عن معناه الأصلي الى ما
يوافق هواهم، وتخلّوا عن كثير مما أُمروا به في التوراة. وها أنت يا محمد لا تزال
تطَّلع من اليهود على خيانة إثر خيانة، فلا تظنَّ أنك أمِنت كيدهم بتأمينك إياهم
على أنفسهم.. لا، فهم قوم غدّارون لا أمان لهم، الا قليلا منهم أسلموا وصدّقوا فلم
يخونوا. وعن هؤلاء تجاوزْ يا محمد واصفحْ، وأسحن اليهم، ان الله يحب المحسنين.

 

و
قال ابن عطية المحاربى فى تفسيره “المحرر الوجيز”:

{
يحرفون الكلم } فقال قوم منهم ابن عباس، تحريفهم هو بالتأويل ولا قدرة لهم على
تبديل الألفاظ في التوراة ولا يتمكن لهم ذلك ويدل على ذلك بقاء آية الرجم
واحتياجهم إلى أن يضع القارىء يده عليها

 

و
قال عبد الرحمن بن السعدى فى تفسيره “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام
المنان”:

{
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ } أي: ابتلوا بالتغيير والتبديل، فيجعلون
للكلم الذي أراد الله معنى غير ما أراده الله ولا رسوله

 

و
قال أسعد حومد فى تفسيره “ايسر التفاسير”:

فَبِسَبَبِ
جَمِيعِ مَا اقْتَرَفُوهُ مِنْ ذُنُوبٍ وَمَعَاصٍ جَعَلَ اللهُ قُلُوبَهُمْ
قَاسِيَةً، فَلاَ يَتَّعِظُونَ بِمَوْعِظَةٍ لِغِلْظَةِ قُلُوبِهِمْ وَقَسْوَتِها،
وَجَعَلَ أَفْهَامَهُمْ فَاسِدَةً فَسَاءَتْ تَصَرُّفَاتُهُمْ فِي آيَاتِ اللهِ،
فَأَخَذُوا فِي تَحْرِيفِها وَتَأوِيلِها عَلَى غَيْرِ مَا أنْزِلَتْ لَهُ،
وَحَمَلُوهَا عَلَى غَيْرِ المُرَادِ مِنْهَا (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ
مَوَاضِعِهِ) وَتَرَكُوا العَمَلَ بِهَا رَغْبَةً عَنْهَا

 

الخلاصة

اجمع الشيوخ والمفسرين على ان المقصود بالتحريف هنا هو التأويل المغلوط
والتفسير الفاسد لنصوص التوراة وليس النصوص ذاتها مما يجعل ادعاء المسلميين بان
هذا النص قال بتحريف التوراة ادعاء باطل لا دليل عليه

 

يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا
كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ
اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ {15} المائدة

 

قال
الطبرى:

وَقَوْله:
{ يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول: يُبَيِّنُ
لَكُمْ مُحَمَّد رَسُولنَا كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَهُ النَّاس وَلَا
تُبَيِّنُونَهُ لَهُمْ مِمَّا فِي كِتَابكُمْ. وَكَانَ مِمَّا يُخْفُونَهُ مِنْ
كِتَابهمْ فَبَيَّنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ:
رَجْم الزَّانِيَيْنِ الْمُحْصَنَيْنِ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ
فِي تَبْيِين رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ مِنْ
إِخْفَائِهِمْ ذَلِكَ مِنْ كِتَابهمْ

 

و
قال ابن كثير:

يَا
أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا
كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب وَيَعْفُو عَنْ كَثِير ” أَيْ يُبَيِّن
مَا بَدَّلُوهُ وَحَرَّفُوهُ وَأَوَّلُوهُ وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّه فِيهِ
وَيَسْكُت عَنْ كَثِير مِمَّا غَيَّرُوهُ وَلَا فَائِدَة فِي بَيَانه وَقَدْ رَوَى
الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث الْحُسَيْن بْن وَاقِد عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ
عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: مَنْ كَفَرَ
بِالرَّجْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِالقرآن مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب قَوْله ” يَا
أَهْل الْكِتَاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولنَا يُبَيِّن لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا
كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَاب ” فَكَانَ الرَّجْم مِمَّا أَخْفَوْهُ
ثُمَّ قَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ
القرآن الْعَظِيم الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه الْكَرِيم فَقَالَ ” قَدْ
جَاءَكُمْ مِنْ اللَّه نُور وَكِتَاب مُبِين يَهْدِي بِهِ اللَّه مَنْ اِتَّبَعَ
رِضْوَانه سُبُل السَّلَام “

 

و
قال القرطبى

رَسُولُنَا
يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ

أَيْ
مِنْ كُتُبكُمْ ; مِنْ الْإِيمَان بِهِ , وَمِنْ آيَة الرَّجْم , وَمِنْ قِصَّة
أَصْحَاب السَّبْت الَّذِينَ مُسِخُوا قِرَدَة ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُخْفُونَهَا.

 

قال
ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله
تعالى: { يبيّن لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب } قال ابن عباس: أخفوا آية
الرّجم وأمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته { ويعفو عن كثير } يتجاوز، فلا يخبرهم
بكتمانه. فان قيل: كيف كان له أن يمسك عن حق كتموه فلا يبينه؟ فعنه جوابان.

أحدهما:
أنه كان متلقياً ما يؤمر به، فإذا أُمِر باظهار شيءٍ من أمرهم، أظهره، وأخذهم به،
وإِلا سكت.

والثاني:
أن عقد الذّمة إِنما كان على أن يُقرّوا على دينهم، فلما كتموا كثيراً مما أُمروا
به، واتخذوا غيره ديناً، أظهر عليهم ما كتموه مِن صفته وعلامة نبوته، لتتحقّق
معجزته عندهم، واحتكموا إِليه في الرجم، فأظهر ما كتموا مما يوافق شريعته، وسكت عن
أشياء ليتحقق إِقرارهم على دينهم

 

و
قال فخر الدين الرازى:

وأعلم
أنه تعالى لما حكى عن اليهود وعن النصارى نقضهم العهد وتركهم ما أمروا به، دعاهم
عقيب ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال { يا أَهْلِ الكتاب } والمراد
بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وإنما وحد الكتاب لأنه خرج مخرج الجنس، ثم وصف
الرسول بأمرين: الأول: أنه يبين لهم كثيراً مما كانوا يخفون. قال ابن عباس: أخفوا
صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأخفوا أمر الرجم، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم
بيّن ذلك لهم.

 

و
قال البقاعى:

{
يا أهل الكتاب } أي عامة { قد جاءكم رسولنا } أي الذي أرسلناه مما لنا من العظمة
فليظهرن بذلك على من ناواه { يبين لكم } أي يوضح إيضاحاً شافياً { كثيراً مما كنتم
} أي بما لكم من جبلة الشر والخيانة { تخفون من الكتاب } أي العظيم المنزل عليكم،
من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وحكم الزنا وغيرهما، لإحياء سنة وإماتة بدعة – كما
مضى منه ما شاء الله في سورة البقرة، وذلك دال بلا شبهة على صحة رسالته { ويعفوا
عن كثيراً * } أي فلا يفضحكم بإظهاره امتثالاً لأمرنا له بذلك – كما تقدم أنه
إحسان منه صلى الله عليه وسلم إليكم، لأنه لا فائدة في إظهاره إلا فضيحتكم.

 

و
قال السمرقندى:

{
يَا أهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } يعني؛ محمد صلى الله عليه وسلم {
يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب } يعني: يكتمون ما
بين في التوراة، وذلك أنهم كتموا آية الرجم وتحريم الخمر وأكل الربا ونعت محمد صلى
الله عليه وسلم { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } يعني يتجاوز عن كثير ولا يخبركم به

 

و
قال ابن عادل فى اللباب:

لما
حكى عن اليهود والنَّصارى نَقْضَ العَهْد، دَعَاهُم بعد ذلك إلى الإيمان
بِمُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فقال: { يَا أَهْلَ الكتاب } وأراد اليَهُود
والنَّصَارى، وَوَحَّد « الكِتَاب » إرادة للْجِنْس.

ثم
قال: { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ }.

قال
ابن عباس: أخْفُوا آية الرَّجْمِ من التَّوْراة وبَيَّنَها الرَّسُول – عليه
السلام – لهم، وهو لَمْ يَقْرأ [ كتاباً ] ولم يتعلَّم علماً من أحَد

 

و
قال البيضاوى:

{
يَا أَهْلَ الكتاب } يعني اليهود والنصارى، ووحد الكتاب لأنه للجنس. { قَدْ
جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ
الكتاب } كنَت محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة

 

و
قال الزمخشرى فى الكشاف:

{
يا أَهْلَ الكتاب } خطاب لليهود والنصارى { مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ } من نحو صفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن نحو الرجم { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } مما
تخفونه لا يبينه إذا لم تضطر إليه مصلحة دينية، ولم يكن فيه فائدة إلا اقتضاء حكم
وصفته مما لا بدّ من بيانه، وكذلك الرجم وما فيه إحياء شريعة وإماتة بدعة.

 

و
قال جلال الدين السيوطى فى الدر المنثور:

وأخرج
ابن جرير عن قتادة في قوله { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا } قال: هو محمد صلى
الله عليه وسلم { يبين لكم كثيراً } يقول: يبين لكم محمد رسولنا كثيراً مما كنتم
تكتمونه الناس؛ ولا تبينونه لهم مما في كتابكم، وكان مما يخفونه من كتابهم فبينه
رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: رجم الزانيين المحصنين

 

و
جاء فى تفسير الخازن:

قوله
تعالى: { يا أهل الكتاب } يعني اليهود والنصارى { قد جاءكم رسولنا } يعني محمد صلى
الله عليه وسلم { يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب } يعني أن محمداً صلى
الله عليه وسلم يظهر كثيراً مما أخفوا وكتموا من أحكام التوراة والإنجيل وذلك أنهم
أخفوا آية الرجم وصفة محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ثم إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيَّن ذلك وأظهره.

 

و
قال الثعالبى:

وقوله
سبحانه: { ياأهل الكتاب قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً
مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب.. } الآية: أهْلُ الكتابِ: لفظٌ يعمُّ
اليهودَ والنصارى، ولكنْ نوازل الإخفاء؛ كالرَّجْم وغيره، إنما حُفِظَتْ لليهود؛
لأنهم كانوا مُجَاوِرِي رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في مُهَاجَرِهِ، وفي
إعلامه صلى الله عليه وسلم بِخَفِيِّ ما في كُتُبِهِمْ، وهو أُمِّيٌّ لاَ يَكْتُبُ،
ولا يَصْحَبُ القُرَّاءَ دليلٌ على صحَّة نبوَّته؛ لو ألهمهم اللَّه للخَيْر،

 

و
جاء فى تفسير الجلالين:

{
ياأهل الكتاب } اليهود والنصارى { قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا } محمد { يُبَيِّنُ
لَكُمْ كَثِيراً مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ } تكتمون { مّنَ الكتاب } التوراة
والإنجيل كآية الرجم وصفته { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } من ذلك فلا يبينه إذا لم
يكن فيه مصلحة إلا افتضاحكم و{ قَدْ جَاءكُمْ مّنَ الله نُورٌ } هو النبي صلى الله
عليه وسلم { وكتاب } قرآن { مُّبِينٌ } بَيِّنٌ ظاهر.

 

و
قال مقاتل:

{
يَا أَهْلَ الكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } محمد صلى الله عليه وسلم، {
يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب }، يعنى
التوراة، أخفوا أمر الرجم، وأمر محمد صلى الله عليه وسلم، { وَيَعْفُواْ عَن
كَثِيرٍ }، يعنى ويتجاوز عن كثير مما كتمتم، فلا يخبركم بكتمانه،

 

و
قال عز الدين بن عبد السلام:

{
تُخْفُونَ } من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ورجم الزانيين. { نُورٌ } محمد صلى
الله عليه وسلم أو القرآن العزيز.

 

و
قال طنطاوى فى الوسيط:

المعنى:
{ يَا أَهْلَ الكتاب } من اليهود والنصارى { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } محمد صلى
الله عليه وسلم { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ
الكتاب } أي: يظهركم لكم كثيراً من الأحكام والمسائل التي ذكرتها كتبكم وكتمتموها
عن الناس، كإخفائكم صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي تجدونها في التوراة
والإِنجيل وكتمانكم ما جاء فيها من بشارات تبشر به. وغير ذلك من الأحكام التي
أخفاها علماؤكم عن العامة، وتولي الرسول صلى الله عليه وسلم إعلانها إظهاراً للحق،
ووضعا للأمور في نصابها

 

و
جاء فى التفسير المنتخب:

يا
أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا – محمد – داعياً إلى الحق، يظهر لكم كثيراً مما كنتم
تكتمونه من التوراة والإنجيل، ويدع كثيراً مما أخفيتموه مِمَّا لم تدع الحاجة إلى
إظهاره، قد جاءكم من عند الله شريعة كاملة هى نور فى ذاتها، ويبيِّنها كتاب واضح.

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى ايسر التفاسير:

{
قد جاءكم رسولنا }: محمد صلى الله عليه وسلم.

{
تخفون من الكتاب }: الكتاب التوراة والإِنجيل، وما يخفونه صفات النبي صلى الله
عليه وسلم وبعض الأحكام، المخالفين لها يجحدونها خوف المعرة كالرجم مثلاً.

{
ويعفو عن كثير }: لا يذكرها لكم لعدم الفائدة من ذكرها.

السياق
في أهل الكتاب فبعد أن بين تعالى باطلهم وما هم عليه نم شر وسوء داعهم وهو ربهم
أورحم بهم من أنفسهم إلى سبيل نجاتهم وكمالهم دعاهم إلى الإِيمان برسوله وكتابه
ذلك الرسول الذي ما اتبعه أحد وندم وخزى والكتاب الذي ما ائتم به أحد وضل أو شقي،
فقال: { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا } أي محمد صلى الله عليه وسلم { يبين لكم }
بوحينا { كثيراً } من مسائل الشرع والدين التي تخفونها خشية الفضيحة لأنها حق
جحدتموه وذلك كنعوت النبي الأمي وصفاته حتى لا يؤمن به الناس، وكحكم الرجم في
التوراة وما إلى ذلك.

 

و
جاء فى التفسير الميسر:

يا
أهل الكتاب من اليهود والنصارى، قد جاءكم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يبيِّن
لكم كثيرًا مما كنتم تُخْفونه عن الناس مما في التوراة والإنجيل، ويترك بيان ما لا
تقتضيه الحكمة. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين: وهو القرآن الكريم.

 

و
قال حومد:

يَا
أَهْلَ الكِتَابِ إنَّا أرْسَلْنَا مُحَمَّداً رَسُولَ اللهِ، وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ كَثِيراً مِنَ الأَحْكَامِ التي أنْزَلَهَا
اللهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، وَكُنْتُمْ تُخْفُونَهَا (كَالرَّجْمِ
لِلزَّانِي المُحْصَنِ، وَكَصِفَاتِ مُحَمَّدِ، وَالبشَارَةِ بِهِ التِي
حَرَّفْتُمُوهَا وَحَمَلْتُمُوهَا عَلَى مَعَانٍ أخْرَى، وَمِثْلِ الأحْكَامِ
التِي أخْفَيْتُمُوهَا وَنَسِيتُمُوهَا كَنِسْيَانِ اليَهُودِ مَا جَاءَ فِي
التَّورَاةِ مِنْ أخْبَارِ الحِسَابِ وَالجَزَاءِ فِي الآخِرَةِ، وَقَدْ أظْهَرَ
الرَّسُولُ لَهُمْ كَلَّ ذّلِكَ) وَمَعَ هَذا فَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ الكَرِيمُ
يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانُوا يُحْفُونَهُ، وَلا يُظْهِرُ الكَثِيرَ مِمَّا
كَانُوا يِكْتُمُونَهُ

 

و
قال الواحدى فى الوجيز:

{
يا أهل الكتاب } يعني: اليهود والنَّصارى { قد جاءكم رسولنا } محمَّد { يبين لكم
كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب } تكتمون ممَّا في التَّوراة والإِنجيل، كآية
الرَّجم، وصفة محمَّد عليه السَّلام { ويعفو عن كثير } يتجاوز عن كثير فلا يخبركم
بكتمانه { قد جاءكم من الله نور } يعني: النبيَّ { وكتاب مبين } القرآن فيه بيانٌ
لكلِّ ما تختلفون فيه.

 

الخلاصة

ان
المقصود بهذا القول هو اخفاء اليهود للنصوص التى كانت تزعجهم مثل رجم الزناة والذى
اوضحناه سابقا فى حديث البخارى وليس تحريف النص وانما اخفاء النص بطريقة او باخرى
من أجل منفعة ما لديهم ولا يوجد ذكر مطلقا لتحريف النصوص

 

وَمَا
قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ
مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً
وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً
وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ
ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {91} الانعام

 

قال
ابن كثير:


تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ” أَيْ
تَجْعَلُونَ جُمْلَتهَا قَرَاطِيس أَيْ قِطَعًا تَكْتُبُونَهَا مِنْ الْكِتَاب
الْأَصْلِيّ الَّذِي بِأَيْدِيكُمْ وَتُحَرَّفُونَ مِنْهَا مَا تُحَرِّفُونَ
وَتُبَدِّلُونَ وَتَتَأَوَّلُونَ وَتَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه أَيْ فِي
كِتَابه الْمُنَزَّل وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَلِهَذَا قَالَ ”
تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا “

 

و
قال الطبرى:

{
تَجْعَلُونَهُ } جَعَلَهُ خِطَابًا لِلْيَهُودِ عَلَى مَا بَيَّنْت مِنْ تَأْوِيل
مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَمَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ: ”
يَجْعَلُونَهُ ” فَتَأْوِيله فِي قِرَاءَته: يَجْعَلهُ أَهْله قَرَاطِيس ,
وَجَرَى الْكَلَام فِي ” يُبْدُونَهَا ” بِذِكْرِ الْقَرَاطِيس ,
وَالْمُرَاد مِنْهُ: الْمَكْتُوب فِي الْقَرَاطِيس , يُرَاد يُبْدُونَ كَثِيرًا
مِمَّا يَكْتُبُونَ فِي الْقَرَاطِيس , فَيُظْهِرُونَهُ لِلنَّاسِ وَيُخْفُونَ
كَثِيرًا مِمَّا يُثْبِتُونَهُ فِي الْقَرَاطِيس فَيُسِرُّونَهُ وَيَكْتُمُونَهُ
النَّاس

 

و
قال القرطبى:

تَجْعَلُونَهُ
قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا

لِلْيَهُودِ.

وَعُلِّمْتُمْ
مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ

لِلْمُسْلِمِينَ
وَهَذَا يَصِحّ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ” يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس
يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ ” بِالْيَاءِ. وَالْوَجْه عَلَى قِرَاءَة التَّاء
أَنْ يَكُون كُلّه لِلْيَهُودِ , وَيَكُون مَعْنَى ” وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ
تَعْلَمُوا ” أَيْ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَهُ أَنْتُمْ
وَلَا آبَاؤُكُمْ عَلَى وَجْه الْمَنّ عَلَيْهِمْ بِإِنْزَالِ التَّوْرَاة.
وَجُعِلَتْ التَّوْرَاة صُحُفًا فَلِذَلِكَ قَالَ ” قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا
” أَيْ تُبْدُونَ الْقَرَاطِيس. وَهَذَا ذَمّ لَهُمْ ; وَلِذَلِكَ كَرِهَ
الْعُلَمَاء كُتُب القرآن أَجْزَاء

 

قال
البغوى:

{
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } أي: هداهم الله، { فَبِهُدَاهُمُ } فبسنتهم
وسيرتهم، { اقْتَدِهِ } الهاء فيها هاء الوقف، وحذف حمزة والكسائي الهاء في الوصل،
والباقون بإثباتها وصلا ووقفا، وقرأ ابن عامر: ” اقتده ” بإشباع الهاء
كسرا { قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ } ما هو، { إِلا ذِكْرَى
} أي: تذكرة وعظة، { لِلْعَالَمِينَ }

قوله
تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق عظمته، وقيل: ما
وصفوه حق صفته، { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ }
قال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله
عليه وسلم بمكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أنشدك بالذي أنزل
التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين” وكان حبرا
سمينا فغضب، وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء

 

و
قال الالوسى:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى } فإن المراد أنه تعالى قد أنزل
التوراة على موسى عليه السلام ولا سبيل لكم إلى إنكار ذلك فلم لا تجوزون إنزال القرآن
على محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا ينحل استشكال ما عليه الجمهور بأن اليهود
يقولون إن التوراة كتاب الله تعالى أنزله على موسى عليه السلام فكيف يقولون: { مَا
أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْء } وحاصل ذلك أنهم أبرزوا إنزال القرآن عليه
عليه الصلاة والسلام في صورة الممتنعات حتى بالغوا في إنكاره فألزموا بتجويزره،
وقيل: إن صدور هذا القول كان عن غضب وذهول عن حقيقته، فقد أخرج ابن جرير والطبراني
عن سعيد بن جبير أن مالك بن الصيف من أحبار اليهود قال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم: أنشدك الله تعالى الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أن الله تعالى
يبغض الحبر السمين؟ فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود فضحك
القوم فغضب فالتفت إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال: ما أنزل الله على بشر من شيء
فقال له قومه: ما هذا الذي بلغنا عنك؟ قال: إنه أغضبني فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن
الأشرف فأنزل الله تعالى هذه الآية، واعترض بأن هذا لا يلائم الإلزام بإنزال
التوراة على موسى عليه السلام فقد اعترف القائل بأنه إنما صدر ذلك عنه من الغضب
فليفهم.

 

و
قال الشوكانى فى فتح القدير:

قوله:
{ تَجْعَلُونَهُ قراطيس } أي تجعلون الكتاب الذي جاء به موسى في قراطيس تضعونه
فيها ليتمّ لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل، وكتم صفة النبي صلى الله عليه
وسلم المذكورة فيه، وهذا ذمّ لهم، والضمير في { تُبْدُونَهَا } راجع إلى القراطيس،
وفي { تَجْعَلُونَهُ } راجع إلى الكتاب، وجملة { تجعلونه } في محل نصب على الحال،
وجملة { تبدونها } صفة لقراطيس { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } معطوف على { تبدونها } أي
وتخفون كثيراً منها

 

و
قال ابو الفرج ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله
تعالى: { يجعلونه قراطيس } معناه: يكتبونه في قراطيس. وقيل: إنما قال: قراطيس،
لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطَّعة، حتى لا تكون مجموعة، ليخفوا منها ما شاؤوا.

قوله
تعالى: { يبدونها } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «يجعلونه قراطيس يبدونها» و«يخفون»
بالياء فيهن. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء فيهن. فمن قرأ
بالياء، فلأن القوم غُيّب، بدليل قوله: { وما قدروا الله حق قدره } ومن قرأ بالتاء،
فعلى الخطاب، والمعنى: تبدون منها ما تحبون، وتخفون كثيراً

 

و
قال السمرقندى فى بحر العلوم:

{
قُلْ } يا محمد { مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى } وهو التوراة { نُوراً
} يعني: ضياء { وهدى } يعني: بياناً { لِلنَّاسِ } من الضلالة { تَجْعَلُونَهُ
قراطيس } يقول: تكتبونه في الصحف { تُبْدُونَهَا } يقول: تظهرونها في الصحف

 

و
قال البيضاوى فى أنوار التنزيل وأسرار التأويل:

وقراءة
الجمهور { تَجْعَلُونَهُ قراطيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } بالتاء وإنما
قرأ بالياء ابن كثير وأبو عمرو حملاً على قالوا وما قدروا، وتضمن ذلك توبيخهم على
سوء جهلهم بالتوراة وذمهم على تجزئتها بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرقة
وإخفاء بعض لا يشتهونه

 

و
قالى الثعالبى:

وقوله
تعالى: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب }، يعني: التوراةَ، و{ قراطيس }: جمع قِرْطَاس،
أي: بطائق وأوراقاً، وتوبيخهم بالإبداء والإِخفاء هو على إخفائهم أمر محمَّد صلى
الله عليه وسلم وجَميعَ ما عليهم فيه حُجَّة

 

و
قال المحلى والسيوطى فى الجلالين:

{
وَمَا قَدَرُواْ } أي اليهود { الله حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق عظمته، أو ما
عرفوه حق معرفته { إِذْ قَالُواْ } للنبي صلى الله عليه وسلم – وقد خاصموه في القرآن
– { مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْءٍ قُلْ } لهم { مَنْ أَنزَلَ الكتاب
الذى جَاء بِهِ موسى نُوراً وَهُدًى لّلنَّاسِ تَجْعَلونَهُ } بالياء والتاء في
المواضع الثلاثة { قراطيس } أي يكتبونه في دفاتر مقطعة { يُبْدُونَهَا } أي ما
يحبون إبداءه منها { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } مما فيها كنعت محمد صلى الله عليه
وسلم

 

و
قال مقاتل فى تفسيره:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى نُوراً }، يعنى ضياء من الظلمة، {
وَهُدًى لِّلنَّاسِ } من الضلالة، { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ }، يعنى صحفاً ليس
فها شىء، { تُبْدُونَهَا } تعلنونها، { وَتُخْفُونَ }، يعنى وتسرون، { كَثِيراً }،
فكان مما أخفوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الرجم فى التوراة

 

و
قال القشيرى فى تفسيره:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا } أي سَلْهم عن
الأحوال، وخاطِبْهم في معاني أحكام الرسول والأطلال، فَإِنْ بقوا في ظلمة (الحيرة)
فَقُلْ: الله تعالى، ثم ذَرْهُم. يعني صَرِّح بالإخبار عن التوحيد، ولا يهولنَّك
تماديهم في الباطل، فإنَّ تمويهاتِ الباطلِ لا تأثير لها في الحقائق

 

و
جاء فى تفسير “حقى”:

{
تجعلونه قراطيس } اى تضعونه فى قراطيس مقطعة وورقات مفرقة بحذف الجار بناء على
تشبيه القراطيس بالظرف المبهم وهى جمع قرطاس بمعنى الصحيفة { تبدونها } صفة قراطيس
اى تظهرون ما تحبون ابداءه منها

 

و
قال ابن عجيبة فى تفسيره:

{
قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهُدًى للناس }، فالنور للبواطن،
والهداية للظواهر، { تجعلونه } أي: التوارة، { قراطيسَ } أي: تُجَزِّؤُونه أجزاء
متفرقة، ما وافقَ أهواءكم أظهرتموه وكتبتموه في ورقات متفرقة، وما خالف أهواءكم
كتمتموه وأخفيتموه

و
قال محمد سيد طنطاوى فى الوسيط:

القراطيس:
جمع قرطاس وهو ما يكتب فيه من ورق ونحوه.

أى:
تجعلون هذا الكتاب الذى أنزله الله نورا وهداية للناس أوراقا مكتوبة مفرقة
لتتمكنوا من إظهار ما تريدون إظهاره منها، ومن إخفاء الكثير منها على حسب ما تمليه
عليكم نفوسكم السقيمة وشهواتكم الأثيمة

 

و
جاء فى التفسير المنتخب:

هؤلاء
الكفار لم يقدروا الله ورحمته وحكمته حق التقدير، إذ أنكروا أن تنزل رسالته على
أحد من البشر! قل – أيها النبى – للمشركين ومن يشايعهم على ذلك من اليهود: من أنزل
الكتاب الذى جاء به موسى نوراً يضئ، وهدى يرشد؟ إنكم – أيها اليهود – تجعلون
كتابته فى أجزاء متفرقة تظهرون منها ما يتفق وأهواءكم، وتخفون كثيراً مما يلجئكم
إلى الإيمان والتصديق بالقرآن، وعلمتم منه ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم!!
وتول أنت – أيها النبى – الجواب، وقل لهم: الله هو الذى أنزل التوراة، ثم اتركهم
يمضون فى الضلال عابثين كالصبيان.

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى ايسر التفاسير:

{
من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً } يستضاء به في معرفة الطريق إلى الله
تعالى وهدى يهتدى به إلى ذلك وهو التوراة جعلها اليهود قراطيس يبدون بعضها ويخفون
بعضها حسب أهوائهم وأطماعهم.

 

و
جاء فى التفسير الميسر:

وما
عَظَّم هؤلاء المشركون الله حق تعظيمه; إذ أنكروا أن يكون الله تعالى قد أنزل على
أحد من البشر شيئًا من وحيه. قل لهم -أيها الرسول-: إذا كان الأمر كما تزعمون، فمن
الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى إلى قومه نورًا للناس وهداية لهم؟ ثم توجه
الخطاب إلى اليهود زَجْرًا لهم بقوله: تجعلون هذا الكتاب في قراطيس متفرقة، تظهرون
بعضها، وتكتمون كثيرًا منها.

 

و
قال حومد فى ايسر التفاسير:

أَرْسَلَ
مُشْرِكُو قُرَيشٍ وَفْداً إلَى المَدِينَةِ يَسْأَلُونَ أَحْبَارَ اليَهُودِ
عَمَّا يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَصِفَتِهِ،
فَرَدَّ الأَحْبَارُ عَلَيْهِم: إِنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ عَنْهُ شَيْئاً. وَقَدْ
اهْتَدَى اليَهُودُ بِالتَّوْرَاةِ، وَصَارُوا خَلْقاً آخَرَ مُتَمَسِّكاً
بِالحَقِّ وَالعَدْلِ، حَتَّى اخْتَلَفُوا، وَنُسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ،
وَاتَّبَعُو أَهْوَاءَهُمْ، وَجَعَلُوا كِتَابَهُمْ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا
عِنْدَ الحَاجَةِ، فَكَانَ الحِبْرُ مِنْ أَحْبَارِهِمْ إذَا اسْتُفْتِيَ فِي
مَسْأَلَةٍ لَهُ هَوًى فِي إِظْهَارِ حُكْمِ اللهِ فِيهَا كَتَبَ ذَلِكَ الحُكْمَ
فِي قِرْطَاسٍ، وَأَظْهَرَهُ لِلْمُسْتَفْتِي وَخُصُومِهِ. وَكَانُوا يُخْفُونَ
كَثِيراً مِنْ أَحْكَامِ الكِتَابِ وَأَخْبَارِهِ، إذَا كَانَ لَهُمْ هَوًى فِي
ذَلِكَ وَمَصْلَحَةً. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أنَّ الكِتَابَ كَانَ فِي أَيْدِي
الأَحْبَارِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِي العَامَّةِ نَسَخَ مِنْهُ

 

و
قال الواحدى فى تفسيره الوجيز:

{
مَنْ أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } يعني: التَّوراة { تجعلونه قراطيس } مكتوبة
وتودعونه إيَّاها { تبدونها } يعني: القراطيس يبدون ما يحبُّون

 

و
قال الاعقم الزيدى فى تفسيره:

قوله
تعالى: { تجعلونه قراطيس } أي كتباً وصحفاً { تبدونها وتخفون كثيراً } أي تظهرون
بعضاً وتكتمون بعضاً

 

و
قال الهوارى الاباضى فى تفسيره:

{
قُلْ } لهم { مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى
لِّلنَّاسِ } أي: لمن اهتدى به { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } مقرأ الحسن على التاء.
{ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } والقراطيس الكتب التي كتبوا بأيديهم بما
حرّفوا من التوراة

 

و
جاء فى تفسير ” هميان الزاد”:

{
قُلْ مَنْ انْزل الكتاب الَّذى جَاء به مُوسَى نُوراً وهُدًى للنَّاس تَجْعلونَه
قَراطِيسَ تُبدونَها وتُخْفون كَثيراً } فإن غير اليهود لا يقرون بموسى عليه
السلام والتوراة، فكيف يحتج على غيرهم بهما إذ أنكروا سيدنا محمداً صلى الله عليه
وسلم، وقريش لو خالطوا اليهود وذاكرو موسى والتوراة، وتناولوا الإيمان بهما، لكن
لم يَبلغوا من الإيمان بهما بحيث يحتج عليهم بهما إذ لم يرسخ ذلك، والذين يجعلون
التوراة قراطيسَ يبدونها ويخفون كثيراً هم اليهود لا غيرهم، والخطاب لهم.

 

الخلاصة

ان
قوم من اليهود كانوا يكتبون التوراة فى قراطيس فيجعلون الظاهر منها ما يريدون وما
لا يريدونه يخفونه ولا يوجد اى اشارة ولو من بعيد فى اقوال المفسرين لتحريف نصى
مما يبطل اقوال الزاعمين بقول هذا النص بتحريف التوراة

 

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ
اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ
مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا
وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ
آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {91} الانعام

 

قال
ابن كثير:


تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ” أَيْ
تَجْعَلُونَ جُمْلَتهَا قَرَاطِيس أَيْ قِطَعًا تَكْتُبُونَهَا مِنْ الْكِتَاب
الْأَصْلِيّ الَّذِي بِأَيْدِيكُمْ وَتُحَرَّفُونَ مِنْهَا مَا تُحَرِّفُونَ
وَتُبَدِّلُونَ وَتَتَأَوَّلُونَ وَتَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه أَيْ فِي
كِتَابه الْمُنَزَّل وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَلِهَذَا قَالَ ”
تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا “

 

و
قال الطبرى:

{
تَجْعَلُونَهُ } جَعَلَهُ خِطَابًا لِلْيَهُودِ عَلَى مَا بَيَّنْت مِنْ تَأْوِيل
مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَمَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ: ”
يَجْعَلُونَهُ ” فَتَأْوِيله فِي قِرَاءَته: يَجْعَلهُ أَهْله قَرَاطِيس ,
وَجَرَى الْكَلَام فِي ” يُبْدُونَهَا ” بِذِكْرِ الْقَرَاطِيس ,
وَالْمُرَاد مِنْهُ: الْمَكْتُوب فِي الْقَرَاطِيس , يُرَاد يُبْدُونَ كَثِيرًا
مِمَّا يَكْتُبُونَ فِي الْقَرَاطِيس , فَيُظْهِرُونَهُ لِلنَّاسِ وَيُخْفُونَ
كَثِيرًا مِمَّا يُثْبِتُونَهُ فِي الْقَرَاطِيس فَيُسِرُّونَهُ وَيَكْتُمُونَهُ
النَّاس

 

و
قال القرطبى:

تَجْعَلُونَهُ
قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا

لِلْيَهُودِ.

وَعُلِّمْتُمْ
مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ

لِلْمُسْلِمِينَ
وَهَذَا يَصِحّ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ” يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس
يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ ” بِالْيَاءِ. وَالْوَجْه عَلَى قِرَاءَة التَّاء
أَنْ يَكُون كُلّه لِلْيَهُودِ , وَيَكُون مَعْنَى ” وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ
تَعْلَمُوا ” أَيْ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَهُ أَنْتُمْ
وَلَا آبَاؤُكُمْ عَلَى وَجْه الْمَنّ عَلَيْهِمْ بِإِنْزَالِ التَّوْرَاة.
وَجُعِلَتْ التَّوْرَاة صُحُفًا فَلِذَلِكَ قَالَ ” قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا
” أَيْ تُبْدُونَ الْقَرَاطِيس. وَهَذَا ذَمّ لَهُمْ ; وَلِذَلِكَ كَرِهَ
الْعُلَمَاء كُتُب القرآن أَجْزَاء

 

قال
البغوى:

{
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } أي: هداهم الله، { فَبِهُدَاهُمُ } فبسنتهم
وسيرتهم، { اقْتَدِهِ } الهاء فيها هاء الوقف، وحذف حمزة والكسائي الهاء في الوصل،
والباقون بإثباتها وصلا ووقفا، وقرأ ابن عامر: ” اقتده ” بإشباع الهاء
كسرا { قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ } ما هو، { إِلا ذِكْرَى
} أي: تذكرة وعظة، { لِلْعَالَمِينَ }

قوله
تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق عظمته، وقيل: ما
وصفوه حق صفته، { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ }
قال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله
عليه وسلم بمكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أنشدك بالذي أنزل
التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين” وكان حبرا
سمينا فغضب، وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء

 

و
قال الالوسى:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى } فإن المراد أنه تعالى قد أنزل
التوراة على موسى عليه السلام ولا سبيل لكم إلى إنكار ذلك فلم لا تجوزون إنزال القرآن
على محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا ينحل استشكال ما عليه الجمهور بأن اليهود
يقولون إن التوراة كتاب الله تعالى أنزله على موسى عليه السلام فكيف يقولون: { مَا
أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْء } وحاصل ذلك أنهم أبرزوا إنزال القرآن عليه
عليه الصلاة والسلام في صورة الممتنعات حتى بالغوا في إنكاره فألزموا بتجويزره،
وقيل: إن صدور هذا القول كان عن غضب وذهول عن حقيقته، فقد أخرج ابن جرير والطبراني
عن سعيد بن جبير أن مالك بن الصيف من أحبار اليهود قال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم: أنشدك الله تعالى الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أن الله تعالى يبغض
الحبر السمين؟ فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود فضحك القوم
فغضب فالتفت إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال: ما أنزل الله على بشر من شيء فقال
له قومه: ما هذا الذي بلغنا عنك؟ قال: إنه أغضبني فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن
الأشرف فأنزل الله تعالى هذه الآية، واعترض بأن هذا لا يلائم الإلزام بإنزال
التوراة على موسى عليه السلام فقد اعترف القائل بأنه إنما صدر ذلك عنه من الغضب
فليفهم.

 

و
قال الشوكانى فى فتح القدير:

قوله:
{ تَجْعَلُونَهُ قراطيس } أي تجعلون الكتاب الذي جاء به موسى في قراطيس تضعونه
فيها ليتمّ لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل، وكتم صفة النبي صلى الله عليه
وسلم المذكورة فيه، وهذا ذمّ لهم، والضمير في { تُبْدُونَهَا } راجع إلى القراطيس،
وفي { تَجْعَلُونَهُ } راجع إلى الكتاب، وجملة { تجعلونه } في محل نصب على الحال،
وجملة { تبدونها } صفة لقراطيس { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } معطوف على { تبدونها } أي
وتخفون كثيراً منها

 

و
قال ابو الفرج ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله
تعالى: { يجعلونه قراطيس } معناه: يكتبونه في قراطيس. وقيل: إنما قال: قراطيس،
لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطَّعة، حتى لا تكون مجموعة، ليخفوا منها ما شاؤوا.

قوله
تعالى: { يبدونها } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «يجعلونه قراطيس يبدونها» و«يخفون»
بالياء فيهن. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء فيهن. فمن قرأ
بالياء، فلأن القوم غُيّب، بدليل قوله: { وما قدروا الله حق قدره } ومن قرأ بالتاء،
فعلى الخطاب، والمعنى: تبدون منها ما تحبون، وتخفون كثيراً

 

و
قال السمرقندى فى بحر العلوم:

{
قُلْ } يا محمد { مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى } وهو التوراة { نُوراً
} يعني: ضياء { وهدى } يعني: بياناً { لِلنَّاسِ } من الضلالة { تَجْعَلُونَهُ
قراطيس } يقول: تكتبونه في الصحف { تُبْدُونَهَا } يقول: تظهرونها في الصحف

 

و
قال البيضاوى فى أنوار التنزيل وأسرار التأويل:

وقراءة
الجمهور { تَجْعَلُونَهُ قراطيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } بالتاء وإنما
قرأ بالياء ابن كثير وأبو عمرو حملاً على قالوا وما قدروا، وتضمن ذلك توبيخهم على
سوء جهلهم بالتوراة وذمهم على تجزئتها بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرقة
وإخفاء بعض لا يشتهونه

 

و
قالى الثعالبى:

وقوله
تعالى: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب }، يعني: التوراةَ، و{ قراطيس }: جمع قِرْطَاس،
أي: بطائق وأوراقاً، وتوبيخهم بالإبداء والإِخفاء هو على إخفائهم أمر محمَّد صلى
الله عليه وسلم وجَميعَ ما عليهم فيه حُجَّة

 

و
قال المحلى والسيوطى فى الجلالين:

{
وَمَا قَدَرُواْ } أي اليهود { الله حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق عظمته، أو ما
عرفوه حق معرفته { إِذْ قَالُواْ } للنبي صلى الله عليه وسلم – وقد خاصموه في القرآن
– { مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْءٍ قُلْ } لهم { مَنْ أَنزَلَ الكتاب
الذى جَاء بِهِ موسى نُوراً وَهُدًى لّلنَّاسِ تَجْعَلونَهُ } بالياء والتاء في
المواضع الثلاثة { قراطيس } أي يكتبونه في دفاتر مقطعة { يُبْدُونَهَا } أي ما
يحبون إبداءه منها { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } مما فيها كنعت محمد صلى الله عليه
وسلم

 

و
قال مقاتل فى تفسيره:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى نُوراً }، يعنى ضياء من الظلمة، {
وَهُدًى لِّلنَّاسِ } من الضلالة، { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ }، يعنى صحفاً ليس
فها شىء، { تُبْدُونَهَا } تعلنونها، { وَتُخْفُونَ }، يعنى وتسرون، { كَثِيراً }،
فكان مما أخفوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الرجم فى التوراة

 

و
قال القشيرى فى تفسيره:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا } أي سَلْهم عن
الأحوال، وخاطِبْهم في معاني أحكام الرسول والأطلال، فَإِنْ بقوا في ظلمة (الحيرة)
فَقُلْ: الله تعالى، ثم ذَرْهُم. يعني صَرِّح بالإخبار عن التوحيد، ولا يهولنَّك
تماديهم في الباطل، فإنَّ تمويهاتِ الباطلِ لا تأثير لها في الحقائق

 

و
جاء فى تفسير “حقى”:

{
تجعلونه قراطيس } اى تضعونه فى قراطيس مقطعة وورقات مفرقة بحذف الجار بناء على
تشبيه القراطيس بالظرف المبهم وهى جمع قرطاس بمعنى الصحيفة { تبدونها } صفة قراطيس
اى تظهرون ما تحبون ابداءه منها

 

و
قال ابن عجيبة فى تفسيره:

{
قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهُدًى للناس }، فالنور للبواطن،
والهداية للظواهر، { تجعلونه } أي: التوارة، { قراطيسَ } أي: تُجَزِّؤُونه أجزاء
متفرقة، ما وافقَ أهواءكم أظهرتموه وكتبتموه في ورقات متفرقة، وما خالف أهواءكم
كتمتموه وأخفيتموه

و
قال محمد سيد طنطاوى فى الوسيط:

القراطيس:
جمع قرطاس وهو ما يكتب فيه من ورق ونحوه.

أى:
تجعلون هذا الكتاب الذى أنزله الله نورا وهداية للناس أوراقا مكتوبة مفرقة
لتتمكنوا من إظهار ما تريدون إظهاره منها، ومن إخفاء الكثير منها على حسب ما تمليه
عليكم نفوسكم السقيمة وشهواتكم الأثيمة

 

و
جاء فى التفسير المنتخب:

هؤلاء
الكفار لم يقدروا الله ورحمته وحكمته حق التقدير، إذ أنكروا أن تنزل رسالته على
أحد من البشر! قل – أيها النبى – للمشركين ومن يشايعهم على ذلك من اليهود: من أنزل
الكتاب الذى جاء به موسى نوراً يضئ، وهدى يرشد؟ إنكم – أيها اليهود – تجعلون
كتابته فى أجزاء متفرقة تظهرون منها ما يتفق وأهواءكم، وتخفون كثيراً مما يلجئكم
إلى الإيمان والتصديق بالقرآن، وعلمتم منه ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم!!
وتول أنت – أيها النبى – الجواب، وقل لهم: الله هو الذى أنزل التوراة، ثم اتركهم
يمضون فى الضلال عابثين كالصبيان.

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى ايسر التفاسير:

{
من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً } يستضاء به في معرفة الطريق إلى الله
تعالى وهدى يهتدى به إلى ذلك وهو التوراة جعلها اليهود قراطيس يبدون بعضها ويخفون
بعضها حسب أهوائهم وأطماعهم.

 

و
جاء فى التفسير الميسر:

وما
عَظَّم هؤلاء المشركون الله حق تعظيمه; إذ أنكروا أن يكون الله تعالى قد أنزل على
أحد من البشر شيئًا من وحيه. قل لهم -أيها الرسول-: إذا كان الأمر كما تزعمون، فمن
الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى إلى قومه نورًا للناس وهداية لهم؟ ثم توجه
الخطاب إلى اليهود زَجْرًا لهم بقوله: تجعلون هذا الكتاب في قراطيس متفرقة، تظهرون
بعضها، وتكتمون كثيرًا منها.

 

و
قال حومد فى ايسر التفاسير:

أَرْسَلَ
مُشْرِكُو قُرَيشٍ وَفْداً إلَى المَدِينَةِ يَسْأَلُونَ أَحْبَارَ اليَهُودِ عَمَّا
يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَصِفَتِهِ،
فَرَدَّ الأَحْبَارُ عَلَيْهِم: إِنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ عَنْهُ شَيْئاً. وَقَدْ
اهْتَدَى اليَهُودُ بِالتَّوْرَاةِ، وَصَارُوا خَلْقاً آخَرَ مُتَمَسِّكاً
بِالحَقِّ وَالعَدْلِ، حَتَّى اخْتَلَفُوا، وَنُسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ،
وَاتَّبَعُو أَهْوَاءَهُمْ، وَجَعَلُوا كِتَابَهُمْ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا
عِنْدَ الحَاجَةِ، فَكَانَ الحِبْرُ مِنْ أَحْبَارِهِمْ إذَا اسْتُفْتِيَ فِي
مَسْأَلَةٍ لَهُ هَوًى فِي إِظْهَارِ حُكْمِ اللهِ فِيهَا كَتَبَ ذَلِكَ الحُكْمَ
فِي قِرْطَاسٍ، وَأَظْهَرَهُ لِلْمُسْتَفْتِي وَخُصُومِهِ. وَكَانُوا يُخْفُونَ
كَثِيراً مِنْ أَحْكَامِ الكِتَابِ وَأَخْبَارِهِ، إذَا كَانَ لَهُمْ هَوًى فِي
ذَلِكَ وَمَصْلَحَةً. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أنَّ الكِتَابَ كَانَ فِي أَيْدِي
الأَحْبَارِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِي العَامَّةِ نَسَخَ مِنْهُ

 

و
قال ابو الحسن الواحدى فى تفسيره الوجيز:

{
مَنْ أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } يعني: التَّوراة { تجعلونه قراطيس } مكتوبة
وتودعونه إيَّاها { تبدونها } يعني: القراطيس يبدون ما يحبُّون

 

و
قال الاعقم الزيدى فى تفسيره:

قوله
تعالى: { تجعلونه قراطيس } أي كتباً وصحفاً { تبدونها وتخفون كثيراً } أي تظهرون
بعضاً وتكتمون بعضاً

 

و
قال الهوارى الاباضى فى تفسيره:

{
قُلْ } لهم { مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى
لِّلنَّاسِ } أي: لمن اهتدى به { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } مقرأ الحسن على التاء.
{ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } والقراطيس الكتب التي كتبوا بأيديهم بما
حرّفوا من التوراة

 

و
جاء فى تفسير ” هميان الزاد”:

{
قُلْ مَنْ انْزل الكتاب الَّذى جَاء به مُوسَى نُوراً وهُدًى للنَّاس تَجْعلونَه
قَراطِيسَ تُبدونَها وتُخْفون كَثيراً } فإن غير اليهود لا يقرون بموسى عليه
السلام والتوراة، فكيف يحتج على غيرهم بهما إذ أنكروا سيدنا محمداً صلى الله عليه
وسلم، وقريش لو خالطوا اليهود وذاكرو موسى والتوراة، وتناولوا الإيمان بهما، لكن لم
يَبلغوا من الإيمان بهما بحيث يحتج عليهم بهما إذ لم يرسخ ذلك، والذين يجعلون
التوراة قراطيسَ يبدونها ويخفون كثيراً هم اليهود لا غيرهم، والخطاب لهم.

 

الخلاصة

ان
هذا النص يتكلم عن فرقة من اليهود كانوا يكتبون التوراة فى قراطيس فيجعلون الظاهر
فيها هو ما يريدونه ويخفون منها ما يريدون ولا يوجد اى اشارة من بعيد او قريب الى
تحريف النصوص فيبطل اقوال هؤلاء المشبهين شيوخهم بانفسهم

 

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ
اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ
مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا
وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ
آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ {91} الانعام

 

قال
ابن كثير:


تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ” أَيْ
تَجْعَلُونَ جُمْلَتهَا قَرَاطِيس أَيْ قِطَعًا تَكْتُبُونَهَا مِنْ الْكِتَاب
الْأَصْلِيّ الَّذِي بِأَيْدِيكُمْ وَتُحَرَّفُونَ مِنْهَا مَا تُحَرِّفُونَ
وَتُبَدِّلُونَ وَتَتَأَوَّلُونَ وَتَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه أَيْ فِي
كِتَابه الْمُنَزَّل وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَلِهَذَا قَالَ ”
تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا “

 

و
قال الطبرى:

{
تَجْعَلُونَهُ } جَعَلَهُ خِطَابًا لِلْيَهُودِ عَلَى مَا بَيَّنْت مِنْ تَأْوِيل
مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَمَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ: ”
يَجْعَلُونَهُ ” فَتَأْوِيله فِي قِرَاءَته: يَجْعَلهُ أَهْله قَرَاطِيس ,
وَجَرَى الْكَلَام فِي ” يُبْدُونَهَا ” بِذِكْرِ الْقَرَاطِيس ,
وَالْمُرَاد مِنْهُ: الْمَكْتُوب فِي الْقَرَاطِيس , يُرَاد يُبْدُونَ كَثِيرًا
مِمَّا يَكْتُبُونَ فِي الْقَرَاطِيس , فَيُظْهِرُونَهُ لِلنَّاسِ وَيُخْفُونَ
كَثِيرًا مِمَّا يُثْبِتُونَهُ فِي الْقَرَاطِيس فَيُسِرُّونَهُ وَيَكْتُمُونَهُ
النَّاس

 

و
قال القرطبى:

تَجْعَلُونَهُ
قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا

لِلْيَهُودِ.

وَعُلِّمْتُمْ
مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ

لِلْمُسْلِمِينَ
وَهَذَا يَصِحّ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ” يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيس
يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ ” بِالْيَاءِ. وَالْوَجْه عَلَى قِرَاءَة التَّاء
أَنْ يَكُون كُلّه لِلْيَهُودِ , وَيَكُون مَعْنَى ” وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ
تَعْلَمُوا ” أَيْ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَهُ أَنْتُمْ
وَلَا آبَاؤُكُمْ عَلَى وَجْه الْمَنّ عَلَيْهِمْ بِإِنْزَالِ التَّوْرَاة.
وَجُعِلَتْ التَّوْرَاة صُحُفًا فَلِذَلِكَ قَالَ ” قَرَاطِيس تُبْدُونَهَا
” أَيْ تُبْدُونَ الْقَرَاطِيس. وَهَذَا ذَمّ لَهُمْ ; وَلِذَلِكَ كَرِهَ
الْعُلَمَاء كُتُب القرآن أَجْزَاء

 

قال
البغوى:

{
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } أي: هداهم الله، { فَبِهُدَاهُمُ } فبسنتهم
وسيرتهم، { اقْتَدِهِ } الهاء فيها هاء الوقف، وحذف حمزة والكسائي الهاء في الوصل،
والباقون بإثباتها وصلا ووقفا، وقرأ ابن عامر: ” اقتده ” بإشباع الهاء
كسرا { قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ } ما هو، { إِلا ذِكْرَى
} أي: تذكرة وعظة، { لِلْعَالَمِينَ }

قوله
تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق عظمته، وقيل: ما
وصفوه حق صفته، { إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ }
قال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله
عليه وسلم بمكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “أنشدك بالذي أنزل
التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين” وكان حبرا
سمينا فغضب، وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء

 

و
قال الالوسى:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى } فإن المراد أنه تعالى قد أنزل
التوراة على موسى عليه السلام ولا سبيل لكم إلى إنكار ذلك فلم لا تجوزون إنزال القرآن
على محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا ينحل استشكال ما عليه الجمهور بأن اليهود
يقولون إن التوراة كتاب الله تعالى أنزله على موسى عليه السلام فكيف يقولون: { مَا
أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْء } وحاصل ذلك أنهم أبرزوا إنزال القرآن عليه
عليه الصلاة والسلام في صورة الممتنعات حتى بالغوا في إنكاره فألزموا بتجويزره،
وقيل: إن صدور هذا القول كان عن غضب وذهول عن حقيقته، فقد أخرج ابن جرير والطبراني
عن سعيد بن جبير أن مالك بن الصيف من أحبار اليهود قال لرسول الله صلى الله عليه
وسلم: أنشدك الله تعالى الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أن الله تعالى
يبغض الحبر السمين؟ فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود فضحك
القوم فغضب فالتفت إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال: ما أنزل الله على بشر من شيء
فقال له قومه: ما هذا الذي بلغنا عنك؟ قال: إنه أغضبني فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن
الأشرف فأنزل الله تعالى هذه الآية، واعترض بأن هذا لا يلائم الإلزام بإنزال
التوراة على موسى عليه السلام فقد اعترف القائل بأنه إنما صدر ذلك عنه من الغضب
فليفهم.

 

و
قال الشوكانى فى فتح القدير:

قوله:
{ تَجْعَلُونَهُ قراطيس } أي تجعلون الكتاب الذي جاء به موسى في قراطيس تضعونه
فيها ليتمّ لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل، وكتم صفة النبي صلى الله عليه
وسلم المذكورة فيه، وهذا ذمّ لهم، والضمير في { تُبْدُونَهَا } راجع إلى القراطيس،
وفي { تَجْعَلُونَهُ } راجع إلى الكتاب، وجملة { تجعلونه } في محل نصب على الحال،
وجملة { تبدونها } صفة لقراطيس { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } معطوف على { تبدونها } أي
وتخفون كثيراً منها

 

و
قال ابو الفرج ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله
تعالى: { يجعلونه قراطيس } معناه: يكتبونه في قراطيس. وقيل: إنما قال: قراطيس،
لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطَّعة، حتى لا تكون مجموعة، ليخفوا منها ما شاؤوا.

قوله
تعالى: { يبدونها } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «يجعلونه قراطيس يبدونها» و«يخفون»
بالياء فيهن. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بالتاء فيهن. فمن قرأ
بالياء، فلأن القوم غُيّب، بدليل قوله: { وما قدروا الله حق قدره } ومن قرأ بالتاء،
فعلى الخطاب، والمعنى: تبدون منها ما تحبون، وتخفون كثيراً

 

و
قال السمرقندى فى بحر العلوم:

{
قُلْ } يا محمد { مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى } وهو التوراة { نُوراً
} يعني: ضياء { وهدى } يعني: بياناً { لِلنَّاسِ } من الضلالة { تَجْعَلُونَهُ
قراطيس } يقول: تكتبونه في الصحف { تُبْدُونَهَا } يقول: تظهرونها في الصحف

 

و
قال البيضاوى فى أنوار التنزيل وأسرار التأويل:

وقراءة
الجمهور { تَجْعَلُونَهُ قراطيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } بالتاء وإنما
قرأ بالياء ابن كثير وأبو عمرو حملاً على قالوا وما قدروا، وتضمن ذلك توبيخهم على
سوء جهلهم بالتوراة وذمهم على تجزئتها بإبداء بعض انتخبوه وكتبوه في ورقات متفرقة
وإخفاء بعض لا يشتهونه

 

و
قالى الثعالبى:

وقوله
تعالى: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب }، يعني: التوراةَ، و{ قراطيس }: جمع قِرْطَاس،
أي: بطائق وأوراقاً، وتوبيخهم بالإبداء والإِخفاء هو على إخفائهم أمر محمَّد صلى
الله عليه وسلم وجَميعَ ما عليهم فيه حُجَّة

 

و
قال المحلى والسيوطى فى الجلالين:

{
وَمَا قَدَرُواْ } أي اليهود { الله حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما عظموه حق عظمته، أو ما
عرفوه حق معرفته { إِذْ قَالُواْ } للنبي صلى الله عليه وسلم – وقد خاصموه في القرآن
– { مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَىْءٍ قُلْ } لهم { مَنْ أَنزَلَ الكتاب
الذى جَاء بِهِ موسى نُوراً وَهُدًى لّلنَّاسِ تَجْعَلونَهُ } بالياء والتاء في
المواضع الثلاثة { قراطيس } أي يكتبونه في دفاتر مقطعة { يُبْدُونَهَا } أي ما
يحبون إبداءه منها { وَتُخْفُونَ كَثِيراً } مما فيها كنعت محمد صلى الله عليه
وسلم

 

و
قال مقاتل فى تفسيره:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذي جَآءَ بِهِ موسى نُوراً }، يعنى ضياء من الظلمة، {
وَهُدًى لِّلنَّاسِ } من الضلالة، { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ }، يعنى صحفاً ليس
فها شىء، { تُبْدُونَهَا } تعلنونها، { وَتُخْفُونَ }، يعنى وتسرون، { كَثِيراً }،
فكان مما أخفوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الرجم فى التوراة

 

و
قال القشيرى فى تفسيره:

{
قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِى جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا } أي سَلْهم عن
الأحوال، وخاطِبْهم في معاني أحكام الرسول والأطلال، فَإِنْ بقوا في ظلمة (الحيرة)
فَقُلْ: الله تعالى، ثم ذَرْهُم. يعني صَرِّح بالإخبار عن التوحيد، ولا يهولنَّك
تماديهم في الباطل، فإنَّ تمويهاتِ الباطلِ لا تأثير لها في الحقائق

 

و
جاء فى تفسير “حقى”:

{
تجعلونه قراطيس } اى تضعونه فى قراطيس مقطعة وورقات مفرقة بحذف الجار بناء على
تشبيه القراطيس بالظرف المبهم وهى جمع قرطاس بمعنى الصحيفة { تبدونها } صفة قراطيس
اى تظهرون ما تحبون ابداءه منها

 

و
قال ابن عجيبة فى تفسيره:

{
قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهُدًى للناس }، فالنور للبواطن،
والهداية للظواهر، { تجعلونه } أي: التوارة، { قراطيسَ } أي: تُجَزِّؤُونه أجزاء
متفرقة، ما وافقَ أهواءكم أظهرتموه وكتبتموه في ورقات متفرقة، وما خالف أهواءكم
كتمتموه وأخفيتموه

و
قال محمد سيد طنطاوى فى الوسيط:

القراطيس:
جمع قرطاس وهو ما يكتب فيه من ورق ونحوه.

أى:
تجعلون هذا الكتاب الذى أنزله الله نورا وهداية للناس أوراقا مكتوبة مفرقة
لتتمكنوا من إظهار ما تريدون إظهاره منها، ومن إخفاء الكثير منها على حسب ما تمليه
عليكم نفوسكم السقيمة وشهواتكم الأثيمة

 

و
جاء فى التفسير المنتخب:

هؤلاء
الكفار لم يقدروا الله ورحمته وحكمته حق التقدير، إذ أنكروا أن تنزل رسالته على
أحد من البشر! قل – أيها النبى – للمشركين ومن يشايعهم على ذلك من اليهود: من أنزل
الكتاب الذى جاء به موسى نوراً يضئ، وهدى يرشد؟ إنكم – أيها اليهود – تجعلون
كتابته فى أجزاء متفرقة تظهرون منها ما يتفق وأهواءكم، وتخفون كثيراً مما يلجئكم
إلى الإيمان والتصديق بالقرآن، وعلمتم منه ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم!!
وتول أنت – أيها النبى – الجواب، وقل لهم: الله هو الذى أنزل التوراة، ثم اتركهم
يمضون فى الضلال عابثين كالصبيان.

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى ايسر التفاسير:

{
من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً } يستضاء به في معرفة الطريق إلى الله
تعالى وهدى يهتدى به إلى ذلك وهو التوراة جعلها اليهود قراطيس يبدون بعضها ويخفون
بعضها حسب أهوائهم وأطماعهم.

 

و
جاء فى التفسير الميسر:

وما
عَظَّم هؤلاء المشركون الله حق تعظيمه; إذ أنكروا أن يكون الله تعالى قد أنزل على
أحد من البشر شيئًا من وحيه. قل لهم -أيها الرسول-: إذا كان الأمر كما تزعمون، فمن
الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى إلى قومه نورًا للناس وهداية لهم؟ ثم توجه
الخطاب إلى اليهود زَجْرًا لهم بقوله: تجعلون هذا الكتاب في قراطيس متفرقة، تظهرون
بعضها، وتكتمون كثيرًا منها.

 

و
قال حومد فى ايسر التفاسير:

أَرْسَلَ
مُشْرِكُو قُرَيشٍ وَفْداً إلَى المَدِينَةِ يَسْأَلُونَ أَحْبَارَ اليَهُودِ
عَمَّا يَجِدُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَصِفَتِهِ،
فَرَدَّ الأَحْبَارُ عَلَيْهِم: إِنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ عَنْهُ شَيْئاً. وَقَدْ
اهْتَدَى اليَهُودُ بِالتَّوْرَاةِ، وَصَارُوا خَلْقاً آخَرَ مُتَمَسِّكاً
بِالحَقِّ وَالعَدْلِ، حَتَّى اخْتَلَفُوا، وَنُسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ،
وَاتَّبَعُو أَهْوَاءَهُمْ، وَجَعَلُوا كِتَابَهُمْ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا
عِنْدَ الحَاجَةِ، فَكَانَ الحِبْرُ مِنْ أَحْبَارِهِمْ إذَا اسْتُفْتِيَ فِي
مَسْأَلَةٍ لَهُ هَوًى فِي إِظْهَارِ حُكْمِ اللهِ فِيهَا كَتَبَ ذَلِكَ الحُكْمَ
فِي قِرْطَاسٍ، وَأَظْهَرَهُ لِلْمُسْتَفْتِي وَخُصُومِهِ. وَكَانُوا يُخْفُونَ
كَثِيراً مِنْ أَحْكَامِ الكِتَابِ وَأَخْبَارِهِ، إذَا كَانَ لَهُمْ هَوًى فِي
ذَلِكَ وَمَصْلَحَةً. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أنَّ الكِتَابَ كَانَ فِي أَيْدِي
الأَحْبَارِ، وَلَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِي العَامَّةِ نَسَخَ مِنْهُ

 

و
قال ابو الحسن الواحدى فى تفسيره الوجيز:

{
مَنْ أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } يعني: التَّوراة { تجعلونه قراطيس } مكتوبة
وتودعونه إيَّاها { تبدونها } يعني: القراطيس يبدون ما يحبُّون

 

و
قال الاعقم الزيدى فى تفسيره:

قوله
تعالى: { تجعلونه قراطيس } أي كتباً وصحفاً { تبدونها وتخفون كثيراً } أي تظهرون
بعضاً وتكتمون بعضاً

 

و
قال الهوارى الاباضى فى تفسيره:

{
قُلْ } لهم { مَنْ أَنزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى
لِّلنَّاسِ } أي: لمن اهتدى به { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } مقرأ الحسن على التاء.
{ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } والقراطيس الكتب التي كتبوا بأيديهم بما
حرّفوا من التوراة

 

و
جاء فى تفسير ” هميان الزاد”:

{
قُلْ مَنْ انْزل الكتاب الَّذى جَاء به مُوسَى نُوراً وهُدًى للنَّاس تَجْعلونَه
قَراطِيسَ تُبدونَها وتُخْفون كَثيراً } فإن غير اليهود لا يقرون بموسى عليه
السلام والتوراة، فكيف يحتج على غيرهم بهما إذ أنكروا سيدنا محمداً صلى الله عليه
وسلم، وقريش لو خالطوا اليهود وذاكرو موسى والتوراة، وتناولوا الإيمان بهما، لكن
لم يَبلغوا من الإيمان بهما بحيث يحتج عليهم بهما إذ لم يرسخ ذلك، والذين يجعلون
التوراة قراطيسَ يبدونها ويخفون كثيراً هم اليهود لا غيرهم، والخطاب لهم.

 

الخلاصة

ان
هذا النص يتكلم عن فرقة من اليهود كانوا يكتبون التوراة فى قراطيس فيجعلون الظاهر
فيها هو ما يريدونه ويخفون منها ما يريدون ولا يوجد اى اشارة من بعيد او قريب الى
تحريف النصوص فيبطل اقوال هؤلاء المشبهين شيوخهم بانفسهم

 

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي
الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن
قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ
لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ
وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي
الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {41}‏ المائدة

 

قال
ابن كثير:

نَزَلَتْ
هَذِهِ الْآيَات الْكَرِيمَات فِي الْمُسَارِعِينَ فِي الْكُفْر الْخَارِجِينَ
عَنْ طَاعَة اللَّه وَرَسُوله الْمُقَدِّمِينَ آرَاءَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ عَلَى
شَرَائِع اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ” مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا
بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبهمْ” أَيْ أَظْهَرُوا الْإِيمَان
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَقُلُوبُهُمْ خَرَاب خَاوِيَة مِنْهُ وَهَؤُلَاءِ هُمْ
الْمُنَافِقُونَ ” مِنْ الَّذِينَ هَادُوا ” أَعْدَاء الْإِسْلَام
وَأَهْله وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ ” سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ “

 

و
قال الطبرى:

لْقَوْل
فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم مِنْ بَعْد مَوَاضِعه
يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره: يُحَرِّف هَؤُلَاءِ السَّمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ,
السَّمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمْ يَأْتُوك بَعْد مِنْ الْيَهُود
الْكَلِم. وَكَانَ تَحْرِيفهمْ ذَلِكَ: تَغْيِيرهمْ حُكْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره
الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي التَّوْرَاة فِي الْمُحْصَنَات وَالْمُحْصَنِينَ مِنْ
الزُّنَاة بِالرَّجْمِ إِلَى الْجَلْد وَالتَّحْمِيم , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره: {
يُحَرِّفُونَ الْكَلِم } يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْيَهُود , وَالْمَعْنَى: حُكْم
الْكَلِم , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْخَبَر مِنْ تَحْرِيف الْكَلِم عَنْ ذِكْر
الْحُكْم لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ لِمَعْنَاهُ. وَكَذَلِكَ قَوْله: { مِنْ بَعْد
مَوَاضِعه } وَالْمَعْنَى: مِنْ بَعْد وَضْع اللَّه ذَلِكَ مَوَاضِعه , فَاكْتَفَى
بِالْخَبَرِ مِنْ ذِكْر مَوَاضِعه عَنْ ذِكْر وَضْع ذَلِكَ , كَمَا قَالَ تَعَالَى
ذِكْره: { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر }
وَالْمَعْنَى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر

 

و
قال القرطبى:

َأْتُوكَ
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ

أَيْ
يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله بَعْد أَنْ فَهِمُوهُ عَنْك وَعَرَفُوا
مَوَاضِعه الَّتِي أَرَادَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ; وَبَيَّنَ أَحْكَامه ;
فَقَالُوا: شَرْعه تَرْك الرَّجْم ; وَجَعْلُهُمْ بَدَلَ رَجْمِ الْمُحْصَنِ
جَلْدَ أَرْبَعِينَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. و”
يُحَرِّفُونَ ” فِي مَوْضِع الصِّفَة لِقَوْلِهِ ” سَمَّاعُونَ ”
وَلَيْسَ بِحَالٍ مِنْ الضَّمِير الَّذِي فِي ” يَأْتُوك ” لِأَنَّهُمْ
إِذَا لَمْ يَأْتُوا لَمْ يَسْمَعُوا , وَالتَّحْرِيف إِنَّمَا هُوَ مِمَّنْ
يَشْهَد وَيَسْمَع فَيُحَرِّف , وَالْمُحَرِّفُونَ مِنْ الْيَهُود بَعْضهمْ لَا
كُلّهمْ , وَلِذَلِكَ كَانَ حَمْلُ الْمَعْنَى عَلَى ” مِنْ الَّذِينَ هَادُوا
” فَرِيق سَمَّاعُونَ أَشْبَهَ

 

قال
الشوكانى فى فتح القدير:

قوله:
{ يُحَرّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مواضعه } من جملة صفات القوم المذكورين: أي
يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها، ويتأوّلونه على غير تأويله. والمحرّفون هم
اليهود؛ وقيل: إن هذه الجملة خبر مبتدأ محذوف؛ وقيل في محل نصب على الحال من {
لَمْ يَأْتُوكَ } وقيل: مستأنفة لا محل لها من الإعراب، لقصد تعداد معايبهم
ومثالبهم. ومعنى: { مِن بَعْدِ مواضعه } من بعد كونه موضوعاً في مواضعه، أو من بعد
وضعه في مواضعه التي وضعه الله فيها

 

و
قال السمرقندى فى بحر العلوم:

{
سماعون لِلْكَذِبِ سماعون } يعني: أهل خيبر لم يأتوك، وذلك أن رجلاً وامرأة من أهل
خيبر زنيا فكرهوا رجمهما، فكتبوا إلى يهود بني قريظة أن يذهبوا بهما إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فإن حكم بالجلد رضوا عنه بحكمه؛ وإن حكم بالرجم لم يقبلوا.
وروى نافع عن ابن عمر أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكروا
له أن رجلاً وامرأة زنيا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَا
تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ ” فقالوا: يحممان ويجلدان،
يعني: تُسَوَّدُ وجوههما. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم، فأتوا
بالتوراة. فأتوا بها فنشروها؛ فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما
بعدها، وقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم.

 

و
قال البيضاوى فى انوار التنزيل:

{
يُحَرِّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مواضعه } أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها،
إما لفظاً: بإهماله أو تغيير وضعه، وإما معنى: بحمله على غير المراد وإجرائه في
غير مورده، والجملة صفة أخرى لقوم أو صفة لسماعون أو حال من الضمير فيه أو استئناف
لا موضع له، أو في موضع الرفع خبراً لمحذوف أي هم يحرفون

و
قال النسفى فى مدارك التنزيل:

{
يُحَرّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مواضعه } أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعه
الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا موضع

 

و
قال النيسابورى فى تفسيره:

{
يحرّفون الكلم } مبدلين ومغيرين سماعون لأجل قوم آخرين وجوههم عيوناً وجواسيس { من
بعد مواضعه } أي التي وضعها الله فيها من أمكنة الحل والحظر والفرض والندب وغير
ذلك، أو من وجوه الترتيب والنظم فيهملوها بغير مواضع بعد أن كانت ذات موضع

 

و
قال الزمخشرى فى الكشاف:

{
يُحَرّفُونَ الكلم } يميلونه ويزيلونه { عَن مواضعه } التي وضعه الله تعالى فيها،
فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع

 

و
قال الحسن البصرى الشهير بالماوردى:

{
يُحرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضَعِهِ } فيه قولان:

أحدهما:
أنهم إذا سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم غيروه بالكذب عليه، وهذا قول الحسن.

والثاني:
هو تغيير حكم الله تعالى في جَلْد الزاني بدلاً من رجمه، وقيل في إسقاط القود عند
استحقاقه

و
قال ابو السعود العمادى فى تفسيره إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم:

{
يُحَرّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مواضعه } صفةٌ أخرى لقوم وصِفوا أولاً بمغايَرَتِهم للسماعين
تنبيهاً على استقلالهم وأصالتهم في الرأي والتدبير، ثم بعدم حضورِهم مجلسَ الرسول
عليه الصلاة والسلام إيذاناً بكمال طغيانهم في الضلال، ثم باستمرارهم على التحريف
بياناً لإفراطهم في العتوِّ والمكابرةِ والاجتراء على الافتراء على الله تعالى
وتعييناً للكذب الذي سمعه السماعون، أي يُميلونه ويُزيلونه عن مواضعه بعد أن وضعه
الله تعالى فيها إما لفظاً بإهمالِه أو تغييرِ وضعه، وإما معنى بحَمْلِه على غير
المراد وإجرائِه في غير موردِه، وقيل: الجملةُ مستأنفة لا محل لها من الإعراب
ناعيةٌ عليهم شنائعَهم.

 

و
قال الثعالبى

وقوله
سبحانه: { يُحَرّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مواضعه }: هذه صفةُ اليهود في معنى ما
حرَّفوه من التوراةِ، وفيما يحرِّفونه من الأقوال عند كذبهم { مِن بَعْدِ مواضعه }،
أي: من بعد أن وُضِعَ مواضِعَهُ، وقصدت به وجوهه القويمة، يقولون إن أوتيتم هذا،
فخذوه، روي أنَّ يهود فَدَك قالوا ليهودِ المدينةِ: استفتوا محمَّداً، فإن أفتاكم
بما نَحْنُ عليه من الجَلْد والتَّجْبِيَةِ، فخذوه، وإن أفتاكم بالرَّجْم، فاحذروا
الرجْمَ؛ قاله الشعبيُّ وغيره وقيل غير هذا من وقائعهم.

 

و
قال مقاتل موضحا التحريف المذكور:

{
يُحَرِّفُونَ الكلم }، يعنى أمر الرجم، { مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } عن بيانه فى
التوراة.

وذلك
أن رجلاً من اليهود يسمى يهوذا، وامرأة تسمى بسرة من أهل خيبر من أشراف اليهود،
زنيا وكانا قد أحصنا، فكرهت اليهود رجمهما من أجل شرفهما وموضعهما، فقالت يهود
خيبر، نبعث بهذين إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فإن فى دينه الضرب، وليس فى دينه
الرجم، ونوليه الحكم فيهما، فإن أمركم فيهما بالضرب فخذوه، وإن أمركم فيهما بالرجم
فاحذروه، فكتب يهود خيبر إلى يهود المدينة، إلى كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد،
ومالك بن الضيف، وأبى لبابة، وبعثوا نفراً منهم، فقالوا: سلوا لنا محمداً، عليه
السلام، عن الزانيين إذا أحصنا ما عليهما؟ فإن أمركم بالجلد فخذوا به، والجلد
الضرب بحبل من ليف مطلى بالقار، وتسود وجوههما ويحملان على حمار، وتجعل وجوههما
مما يلى ذنب الحمار، فذلك التجبية.

 

و
جاء فى تفسير حقى:

{
يحرفون الكلم من بعد مواضعه } صفة اخرى لقوم اى يميلونه ويزيلونه عن مواضعه بعد ان
وضعه الله فيها اما لفظا باهماله او تغيير وصفه واما بحمله على غير المراد واجرائه
فى غير مورده

 

و
قال ابن عجيبة:

قول
الحقّ جلّ جلاله: { ومن الذين هادوا } صنف { سماعون للكذب } أي: كثيروا السماع
للكذب والقبول له، وهم يهود بني قريظة، { سماعون لقوم آخرين } وهم يهود خيبر، { لم
يأتوك } أي: لم يحضروا مجلسك، تكبرًا وبغضًا، { يُحرفون الكلم من بعد مواضعه } أي:
يميلونه عن مواضعه الذي وضعه الله فيها، إما لفظًا أو تأويلاً: { يقولون }: أي: الذين
لم يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يهود خيبر.

 

و
قال عز الدين بن عبد السلام:

{
الَّذِينَ يُسَارِعُونَ } المنافقون. { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } يسمعون كلامك
ليكذبوا عليك { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ } ليكذبوا عليك عندهم إذا أتوا
بعدهم، أو قابلون الكذب عليك { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ } في قصة الزاني
المحصن من اليهود، حكم الرسول صلى الله عليه وسلم برجمه فأنكروه. { يُحَرِّفُونَ }
كلام محمد صلى الله عليه وسلم إذا سمعوه غيَّروه أو تغيير حكم الزاني وإسقاط
القَوَد عند وجوبه.

 

و
قال شيخ الازهر طنطاوى فى تفسيره:

وردت
أحاديث متعددة في سبب نزول هذه الآيات الكريمة، ومن ذلك: ما أخرجه البخاري عن ابن
عمر – رضي الله عنهما – أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكرواله أن رجلا منهم وامرأة قد زنيا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما تجدون في
التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم. إن
فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها.

فوضع
أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبدالله بن سلام: ارفع
يدك. فرفع يده فإذا آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد؛ فيها آية الرجم. فأمر بهما
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما.

فقال
عبد الله بن عمر: فرأيت الرجل يميل نحو المرأة يقيها الحجارة.

وروى
مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب قال: مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي
محمم مجلود – أي قد وضع الفحم الأسود على وجهه للتنكيل به -.

فدعاهم
فقال. هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقالوا: نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال: انشدك
بالذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: لا والله
ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، تجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في
أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه. وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد. فقلنا:
تعالوا حتى نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والوضيع. فاجتمعنا على التحميم والجلد –
مكان الرجم.

 

و
جاء فى تفسير القطان:

{
يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ.. }.

اي
يحرّفون كلام التوراة بعد أن ثبّته الله في مواضعه المعّينة إما تحريفاً لفظياً
بإبدال كلماته، أو باخفائه وكتمانه تسهيلاً لزيادةٍ فيه او النقص منه، وإما
تحريفاً معنوياً بالالتواء في التفسير

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى ايسر التفاسير:

{
سماعون للكذب } سماعون ليهود آخرين لم يأتوك كيهود خيبر وفدك أي كثيرا السمع للكذب
الذي يقوله أحبارهم لما فيه من الإساءة إليك سماعون لأهل قوم آخرين ينقلوبن إليهم
أخبارك كوسائط وهم لم يأتوك وهم يهو خيبر إذا أوعزوا إليهم أن يسألوا لهم النبي
صلى الله عليه وسلم عن حد الزنى { يحرفون الكلم من بعد مواضعه }، أي يغيرون حكم
الله الذي تضمنه الكلام، يقولون لهم إن أفتاكم في الزانين المحصنين بالجلد
والتحميم بالفحم فاقبلوا ذلك وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا قبول ذلك. هذا معنى قوله
تعالى في هذه الآية { يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن
لم تؤتوه فاحذروا }

 

و
قال ابن عطية فى المحرر الوجيز

{
يحرفون الكلم } صفة لليهود فيما حرفوا من التوراة إذ ذاك أخطر أمر حرفوا فيه.
ويحتمل أن يكون صفة لهم وللمنافقين فيما يحرفون من الأقوال عند كذبهم، لأن مبادىء
كذبهم لا بد أن تكون من أشياء قيلت أو فعلت، وهذا هو الكذب المزين الذي يقرب قبوله،
وأما الكذب الذي لا يرفد بمبدأ فقليل الأثر في النفس، وقوله: { من بعد مواضعه } أي
من بعد أن وضع مواضعه وقصدت به وجوهه القويمة والإشارة بهذا قيل هي إلى التحميم
والجلد في الزنا، وقيل: هي إلى قبول الدية في أمر القتل، وقيل إلى إبقاء عزة
النضير على قريظة، وهذا بحسب الخلاف المتقدم في الآية.

 

و
قال عبد الرحمن السعدى فى تفسيره تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:

{
وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا } أي: اليهود { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ
لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أي: مستجيبون ومقلدون لرؤسائهم، المبني أمرهم على
الكذب والضلال والغي. وهؤلاء الرؤساء المتبعون { لَمْ يَأْتُوكَ } بل أعرضوا عنك،
وفرحوا بما عندهم من الباطل وهو تحريف الكلم عن مواضعه، أي: جلب معان للألفاظ ما
أرادها الله ولا قصدها، لإضلال الخلق ولدفع الحق، فهؤلاء المنقادون للدعاة إلى
الضلال، المتبعين للمحال، الذين يأتون بكل كذب، لا عقول لهم ولا همم. فلا تبال
أيضا إذا لم يتبعوك، لأنهم في غاية النقص، والناقص لا يؤبه له ولا يبالى به.

 

و
جاء فى التفسير الميسر:

يا
أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك من المنافقين الذين أظهروا
الإسلام وقلوبهم خالية منه، فإني ناصرك عليهم. ولا يحزنك تسرُّع اليهود إلى إنكار
نبوتك، فإنهم قوم يستمعون للكذب، ويقبلون ما يَفْتَريه أحبارُهم، ويستجيبون لقوم
آخرين لا يحضرون مجلسك، وهؤلاء الآخرون يُبَدِّلون كلام الله من بعد ما عَقَلوه،
ويقولون: إن جاءكم من محمد ما يوافق الذي بدَّلناه وحرَّفناه من أحكام التوراة
فاعملوا به، وإن جاءكم منه ما يخالفه فاحذروا قبوله، والعمل به.

 

و
قال أسعد حومد فى أيسر التفاسير:

نَزَلَتْ
هَذِهِ الآيَةُ وَالتِي بَعْدَهَا فِي المُنَافِقِينَ، الذِينَ يَقُولُونَ آمَنَّا
بِأَفْوَاهِهِمْ، وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَفِي أعْدَاءِ الإِسْلامِ مِنَ
اليَهُودِ، الذِينَ كَانُوا كَثِيرِي الاسْتِمَاعِ إلى كَلامِ الرَّسُولِ صلى الله
عليه وسلم، وَالإِخْبَارِ عَنْهُ، لأجْلِ الكَذِبِ عَلَيهِ بِالتَّحْرِيفِ
وَاسْتِنْبَاطِ الشُّبُهَاتِ، فَهُمْ جَوَاسِيسُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ
لأعْدَائِهِمْ، مَهَمَّتُهُمْ إبْلاغُ رُؤُوسِ الكُفْرِ أَعْدَاءِ الإِسْلاَمِ،
كُلَّ مَا يَقِفُونَ عَلَيهِ لِيَكُونَ مَا يَفْتَرُونَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم وَالمُسْلِمِينَ مِنْ كَذِبٍ مَقْبُولاً، لأنَّهُمْ يَرْوُونَ مَا
يُقَالُ، وَيُحَرِّفُونَ فِيهِ، وَكَانَ هَؤُلاءِ يَأتُونَ إلى الرَّسُولِ صلى
الله عليه وسلم لِيَسْتَمِعُوا مِنْهُ، ثُمَّ يَنْقُلُونَ مَا يَسْمَعُونَهُ
مِنْهُ إلى الرُّؤسَاءِ ذَوِي الكّيْدِ، الذِينَ لَمْ يَأْتُوا إلَى النَّبِيِّ
لِيَسْتَمِعُوا مِنْهُ بِآذَانِهِمْ، إمّا كِبْراً وَإِمَّا تَمَرُّداً.

(وَهَذِهِ
الآيَةُ نَزَلَتْ فِي يَهُودَيَّين زَنَيا بَعْدَ هِجْرَةِ الرَّسُولِ صلى الله
عليه وسلم إلَى المَدِينَةِ بِقَلِيلٍ، وَكَانَ اليَهُودُ قَدْ تَخَلَّوْا عَنْ
تَنْفِيذِ مَا شَرَّعَهُ اللهُ لَهُمْ فِي التَّورَاةِ مِنْ رَجْمِ الزُّنَاةِ
المُحْصِنِينَ، فَحَرَّفُوا حُكْمَ اللهِ، وَاصْطَلَحُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى
جَلْدِ الزَّانِي مِئَةَ جَلْدَةٍ مَعَ صَبْغِ الوَجْهِ بِالسَّوَادِ (وَيُسَمُّونَهُ
التَّحْمِيمَ). فَلَمَّا وَقَعَتْ حَادِثَةُ الزِّنَى، قَالَ بَعْضُ اليَهُودِ
لِبَعْضٍ تَعَالُوا نَتَحَاكَمُ إلى مُحَمَّدٍ فَإنْ حَكَمَ بِالجَلْدِ، وَصَبْغِ
الوَجْهُ بِالسَّوَادِ، فَخُذُوا ذلِكَ عَنْهُ، وَاجْعَلُوهُ حُجَّةً بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ اللهِ، وَيَكُونُ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ قَدْ حَكَمَ بَيْنَكُمْ
بِذَلِكَ، وَإنْ حَكَمَ بِالرَّجْمِ فَلاَ تَتَّبِعُوهُ. فَلَمَّا جَاؤُوا إلَى
الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم سَألَهُمْ عَمَّا فِي كِتَابِهِمْ فِي حُكْمِ
الزُّنَاةِ، فَقَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ
بْنُ سَلاَّمٍ – وَكَانَ حَبْراً مِنْ أحْبَارِهِمْ ثُمَّ أَسْلَمَ – كَذَيْتُمْ
إنَّ فِيهِ الرَّجْمَ)

سَمَّاعُونَ
لِلْكَذِبِ – يَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ فَيُحَرِّفُونَ فِيهِ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ.

سَمَّاعُونَ
لِقَومٍ آخَرِينَ – يَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ لِلتَّجَسُّسِ عَلَيكَ.

يُحَرِّفُونَ
الكَلِمَ – يُبَدِّلُونَهُ أَوْ يُؤَوِّلُونَهُ بِالبَاطِلِ.

خِزْيٌ
– ذُلٌّ وَفَضِيحَةٌ.

الفِتْنَةُ
– هِيَ الاخْتِبَارُ وَالابْتِلاَءُ

 

و
جاء فى الوجيز للواحدى:

{
من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون } أَيْ: فريقٌ
سمَّاعون { للكذب } يسمعون منك ليكذبوا عليك، فيقولون: سمعنا منه كذا وكذا لما لمْ
يسمعوا { سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } أَيْ: هم عيونٌ لأولئك الغُيَّب ينقلون
إليهم أخبارك { يحرفون الكلم من بعد مواضعه } من بعد أن وضعه الله مواضعه. يعني: آية
الرَّجم.

 

الخلاصة

ان
التحريف المقصود فى هذا النص هو اما تحريف احكام الله فى التوراة مثلما جعلوا حكم
رجم الزانى هو الجلد وهذا ليس فى نص التوراة وانما فى تنفيذ الحكم كما جاء فى حديث
البخارى او تحريفهم اى تاويلهم الفاسد والتفسير المغلوط لنصوص التوراة او انهم
كانوا يسمعون كلام محمد ثم يذهبوا يحرفونه اى انه لا يوجد اى اشارة الى تحريف
النصوص اطلاقا

 

مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ
وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن
لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً {46} النساء

 

قال
ابن كثير:

ثُمَّ
قَالَ تَعَالَى ” مِنْ الَّذِينَ هَادُوا ” مِنْ فِي هَذَا لِبَيَانِ
الْجِنْس كَقَوْلِهِ ” فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَان ”
وَقَوْله يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر
تَأْوِيله وَيُفَسِّرُونَهُ بِغَيْرِ مُرَاد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَصْدًا
مِنْهُمْ وَافْتِرَاء ” وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا ” أَيْ سَمِعْنَا مَا
قُلْته يَا مُحَمَّد وَلَا نُطِيعك فِيهِ هَكَذَا فَسَّرَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد
وَهُوَ الْمُرَاد وَهَذَا أَبْلَغ فِي كُفْرهمْ وَعِنَادهمْ وَأَنَّهُمْ
يَتَوَلَّوْنَ عَنْ كِتَاب اللَّه بَعْدَمَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا
عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة وَقَوْلهمْ

 

و
قال الطبرى:

الْقَوْل
فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِم
عَنْ مَوَاضِعه } وَلِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: { مِنْ الَّذِينَ هَادُوا
يُحَرِّفُونَ الْكَلِم } وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل: أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون
مَعْنَاهُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب مِنْ
الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِم. فَيَكُون قَوْله: { مِنْ الَّذِينَ
هَادُوا } مِنْ صِلَة ” الَّذِينَ “. وَإِلَى هَذَا الْقَوْل كَانَتْ
عَامَّة أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْكُوفَة يُوَجِّهُونَ. قَوْله: { مِنْ
الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ } وَالْآخَر مِنْهُمَا: أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ: مِنْ
الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّف الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه. فَتَكُون ” مِنْ
” مَحْذُوفَة مِنْ الْكَلَام اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله: { مِنْ
الَّذِينَ هَادُوا } عَلَيْهَا.

َأَمَّا
تَأْوِيل قَوْله: { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه } فَإِنَّهُ يَقُول: يُبَدِّلُونَ
مَعْنَاهَا وَيُغَيِّرُونَهَا عَنْ تَأْوِيله , وَالْكَلِم جِمَاع كَلِمَة.
وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول: عَنَى بِالْكَلِمِ: التَّوْرَاة. 7664 – حَدَّثَنِي
مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي
نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله: { يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه }
تَبْدِيل الْيَهُود التَّوْرَاة. * – حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا أَبُو
حُذَيْفَة , قَالَ: ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله.
وَأَمَّا قَوْله: { عَنْ مَوَاضِعه } فَإِنَّهُ يَعْنِي: عَنْ أَمَاكِنه وَوُجُوهه
الَّتِي هِيَ وُجُوهه

 

و
قال القرطبى:

يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ

يَتَأَوَّلُونَهُ
عَلَى غَيْر تَأْوِيله. وَذَمَّهُمْ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ
يَفْعَلُونَهُ مُتَعَمِّدِينَ. وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ
وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ ” الْكَلَام “. قَالَ النَّحَّاس: و”
الْكَلِم ” فِي هَذَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحَرِّفُونَ كَلِمَ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ مَا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة
وَلَيْسَ يُحَرِّفُونَ جَمِيع الْكَلَام

 

قال
بن مسعود البغوى فى معالم التنزيل:

{
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ } يُغَيِّروُنَ الكلم { عَنْ مَوَاضِعِهِ } يعني: صفة محمد
صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانت اليهود يأتون رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن الأمر، فيُخبرهم، فيرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا
انصرفُوا من عنده حرَّفُوا كلامَه

 

و
قال ابن الجوزى فى زاد المسير:

فأما«التحريف»،
فهو التغيير. و«الكلم»: جمع كلمة. وقيل: إِن «الكلام» مأخوذ من «الكلْم»، وهو
الجرحُ الذي يشق الجلد واللحم، فسمي الكلام كلاماً، لأنه يشق الأسماع بوصوله
إِليها، وقيل: بل لتشقيقه المعاني المطلوبة في أنواع الخطاب.

 

وفي
معنى تحريفهم الكلم قولان.

أحدهما:
أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء، فإذا خرجوا، حرفوا كلامه،
قاله ابن عباس. والثاني: أنه تبديلهم التوراة، قاله مجاهد.

قوله
تعالى: { عن مواضعه }، أي: عن أماكنه ووجوهه

 

و
قال فخر الدين الرازى فى مفاتيح الغيب:

1-)
أن المراد بالتحريف: إلقاء الشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ عن
معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا
هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح

2-)
أنهم كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا
به، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه

3-)
ذكر الله تعالى ههنا: { عَن مواضعه } وفي المائدة { مِن بَعْدِ مواضعه } [ المائدة:
41 ] والفرق أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة، فههنا قوله: { يُحَرّفُونَ
الكلم عَن مواضعه } معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، فههنا قوله:
{ يُحَرّفُونَ الكلم عَن مواضعه } معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك
النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب.

 

و
قال السمرقندى فى بحر العلوم:

{
يُحَرّفُونَ الكلم عَن مواضعه } أي يحرفون نعته عن مواضعه، وهو نعت محمد صلى الله
عليه وسلم { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك { واسمع غَيْرَ
مُسْمَعٍ } منك { وراعنا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي يلوون لسانهم بالسب {
وَطَعْناً فِى الدين } أي في دين الإسلام. قال القتبي: كانوا يقولون للنبي صلى
الله عليه وسلم إذا حدثهم وأمرهم سمعنا، ويقولون في أنفسهم وعصينا. وإذا أرادوا أن
يكلموه بشيء قالوا: اسمع يا أبا القاسم. ويقولون في أنفسهم: لا سمعت. ويقولون: راعنا
يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انظرنا حتى نكلمك بما تريد، ويريدون به السب
بالرعونة { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي قلباً للكلام بها.

 

و
قال الزمخشرى فى الكشاف:

«يحرفون
الكلام». والكلم بكسر الكاف وسكون اللام: جمع كلمة تخفيف كلمة. قولهم: { غَيْرَ
مُسْمَعٍ } حال من المخاطب، أي اسمع وأنت غير مسمع، وهو قول ذو وجهين، يحتمل الذمّ
أي اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع، فكان أصم غير
مسمع. قالوا ذلك اتكالاً على أنّ قولهم لا سمعت دعوة مستجابة أو اسمع غير مجاب إلى
ما تدعو إليه. ومعناه غير مسمع جواباً يوافقك، فكأنك لم تسمع شيئاً. أو اسمع غير
مسمع كلاماً ترضاه، فسمعك عنه ناب. ويجوز على هذا أن يكون (غير مسمع) مفعول اسمع،
أي اسمع كلاماً غير مسمع إياك، لأن أذنك لا تعيه نبوًّا عنه. ويحتمل المدح، أي
اسمع غير مسمع مكروهاً، من قولك: أسمع فلان فلاناً إذا سبه. وكذلك قولهم: { راعنا
} يحتمل راعنا نكلمك، أي ارقبنا وانتظرنا. ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية
كانوا يتسابون بها، وهي: راعينا، فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول الله صلى الله
عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل، ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير
والإكرام { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } فتلا بها وتحريفاً، أي يفتلون بألسنتهم الحق
إلى الباطل

 

و
قال جلال الدين السيوطى فى الدر المنثور:

وأخرج
ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله { يحرفون الكلم عن مواضعه } يعني
يحرفون حدود الله في التوراة.

وأخرج
عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { يحرفون الكلم
عن مواضعه } قال: تبديل اليهود التوراة { ويقولون سمعنا وعصينا } قالوا: سمعنا ما
تقول ولا نطعيك { واسمع غير مسمع } قال: غير مقبول ما تقول { لياً بألسنتهم } قال:
خلافاً يلوون به ألسنتهم { واسمع وانظرنا } قال: أفهمنا لا تعجل علينا.

وأخرج
ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { يحرفون الكلم عن مواضعه } قال: لا يضعونه على
ما أنزله الله.

 

و
قال الخازن فى لباب التأويل:

{
يحرفون الكلم } أي يزيلونه ويغيرونه ويبدلونه { عن مواضعه } يعني يغيرون صفة محمد
صلى الله عليه وسلم من التوراة وقال ابن عباس: كانت اليهود يأتون رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيسألونه عن الأمر فيخبرهم به فيرى أنهم يأخذون بقوله فإذا خرجوا
من عنده حرفوا كلامه، وقيل المراد بالتحريف إلقاء الشبهة الباطلة والتأويلات
الفاسدة

 

و
قال الثعالبى:

بتغيير
التَّأْويلِ، وقد فَعَلُوا ذلك في الأكْثَرِ، وإليه ذهب الطَّبَرِيُّ، وهذا كلُّه
في التوراة؛ على قولِ الجُمْهورِ، وقالتْ طائفة: هو كَلِمُ القرآن، وقال مَكِّيٌّ:
هو كلامُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فالتَّحْرِيفُ على هذا في التأويلِ

 

و
قال ابن عاشور فى التحرير والتنوير:

هو
هنا مستعمل في الميل عن سواء المعنى وصريحه إلى التأويل الباطل، كما يقال: تنكَّب
عن الصراط، وعن الطريق، إذا أخطأ الصواب وصار إلى سوء الفهم أو التضليل، فهو على
هذا تحريفُ مراد الله في التوراة إلى تأويلات باطلة، كما يفعل أهل الأهواء في
تحريف معاني القرآن بالتأويلات الفاسدة

 

و
قال مقاتل فى تفسيره:

{
مِّنَ الذين هَادُواْ }، يعنى اليهود، { يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ }،
يعنى بالتحريف نعت محمد صلى الله عليه وسلم، عن مواضعه، عن بيانه فى التوراة، لياً
بألسنتهم، { وَيَقُولُونَ } للنبى صلى الله عليه وسلم { سَمِعْنَا } قولك {
وَعَصَيْنَا } أمرك، فلا نطيعك، { واسمع } منا يا محمد نحدثك { غَيْرَ مُسْمَعٍ }
منك قولك يا محمد، غير مقبول ما تقول، { وَرَاعِنَا }، يعنى ارعنا سمعك، { لَيّاً
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدين }، يعنى دين الإسلام، يقولون: إن دين محمد
ليس بشىء، ولكن الذى نحن عليه هو الدين.

 

و
قال ابن عجيبة:

{
يُحرّفون الكلم } وهو التوراة { عن مواضعه } أي: يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله
فيها، بإزالة لفظه أو تأويله. وقال ابن عباس: (لا يقدر أحد أن يُحرّف كلام الله
ولكن يفسرونه على غير وجهه) { ليًّا بألسنتهم }، أي: فَتلاً لها عن معناها، من
الانتظار إلى ما قصدوا من رَميِه بالرُّعُونة، { وطعنًا في الدين }

 

و
جاء فى التفسير المنتخب:

من
اليهود فريق يُميلون الكلام عن معناه، ويقولون فى أنفسهم للنبى: سمعنا القول
وعصينا الأمر. ويقولون: اسمع كلامنا، لا سمعت دعاء، يدعون بذلك على النبى ويقولون:
اسمع غير مسمع. فاللفظ يسوقونه ومرادهم منه الدعاء عليه، ويوهمون أن مرادهم الدعاء
له.

ويقولون:
راعنا. يلوون بها ألسنتهم يوهمون أنهم يريدون: انظرنا. فيظهرون أنهم يطلبون رعايته
ويبطنون وصفه بالرعونه، ويطعنون بذلك فى الدين لوصف مُبَلِّغه بالرعونة.

ولو
أنهم استقاموا وقالوا: سمعنا وأطعنا، بدل قولهم: سمعنا وعصينا. وقالوا: اسمع، دون
أن يقولوا: غير مسمع، وقالوا: انظرنا، بدل راعنا. لكان خيراً لهم مما قالوه وأعدل
منه سبيلاً، ولكن الله طردهم من رحمته بإعراضهم فلا تجد منهم من يستجيبون لداعى
الإيمان إلا عدداً قليلاً.

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى ايسر التفاسير:

{
يحرفون }: التحريف: الميل بالكلام عن معناه إلى معنى باطل للتضليل

{
الكلم }: الكلام وهو كلام الله تعالى في التوراة

{
من الذين هادوا يحرفون كلام الله تعالى في التوراة وتحريف بالميل به عن القصد

 

و
قال ابن عطية فى المحرر الوجيز:

و
« تحريف الكلم » على وجهين، إما بتغيير اللفظ، وقد فعلوا ذلك في الأقل، وإما
بتغيير التأويل، وقد فعلوا ذلك في الأكثر، وإليه ذهب الطبري، وهذا كله في التوراة
على بول الجمهور، وقالت طائفة: هو كلم القرآن، وقال مكي: كلام النبي محمد عليه
السلام، فلا يكون التحريف على هذا إلا في التأويل

 

و
قال اسعد حومد فى ايسر التفاسير:

يَقُولُ
اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ أَعْرَفُ مِنْهُمْ بِأَعْدَائِهِمُ
اليَهُودَ (الذِينَ هَادُوا)، وَإنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ يُمِيلُونَ الكَلاَمَ عَنْ
مَعْنَاهُ، وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ)
وَيُرِيدُونَ بِهِ غَيْرَ المَقْصُودِ بِهِ، وَهُمْ إنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
عَنْ قَصْدٍ مِنْهُمْ، افْتِرَاءً عَلَى اللهِ، وَرَغْبَةً فِي إِيْذَاءِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

 

و
جاء فى تفسير الاعقم الزيدى:

قوله
تعالى: { من الذين هادوا } بيان للذين أُوتوا نصيباً من الكتاب لأنهم يهود ونصارى،
وقيل: نزلت في ناس من اليهود كانوا يأتون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخبرهم
بما سألوه فإذا انصرفوا حرفوا كلامه (عليه السلام)

 

الخلاصة

ان
هذا النص لا يوجد به اية اشارة الى تحريف نص التوراة بل ان فرقة ضالة من اليهود قاموا
بالتأويل المغلوط وتحريف كلام محمد لهم بلى ألسنتهم رعنا ورغبة فى ايذاء محمد مما
يبطل مزاعم المبطلين فى ان هذا النص به اشارة الى تحريف نص التوراة

 

وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا
مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ
فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى
الْكَافِرِينَ {89} البقرة

 

وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا
مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ
وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {101} البقرة

 

نتحدى ان يخرج لنا اى مسلم فى الوجود اى تفسير لشيوخ الاسلام يقول ان
هذا النص يحتوى على اى تحريف بأى وجه من الوجوه من السنة او الشيعة او الابياضية
او الزيدية او المعتزلة وكل ملل ونحل الاسلام , فلم يقل اى مفسر ان هذا النص يحمل
اى وجه من وجوه التحريف!

 

أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ
مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {75} البقرة

 

قال
الحافظ ان كثير:

َقُول
تَعَالَى ” أَفَتَطْمَعُونَ ” أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ” أَنْ
يُؤْمِنُوا لَكُمْ ” أَيْ يَنْقَاد لَكُمْ بِالطَّاعَةِ هَؤُلَاءِ الْفِرْقَة
الضَّالَّة مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ شَاهَدَ آبَاؤُهُمْ مِنْ الْآيَات
الْبَيِّنَات مَا شَاهَدُوهُ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبهمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ ”
وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
” أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله” مِنْ بَعْد مَا
عَقَلُوهُ ” أَيْ فَهِمُوهُ عَلَى الْجَلِيَّة وَمَعَ هَذَا يُخَالِفُونَهُ
عَلَى بَصِيرَة ” وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا
ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ تَحْرِيفه وَتَأْوِيله وَهَذَا الْمَقَام شَبِيه
بِقَوْلِهِ تَعَالَى ” فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ لَعَنَّاهُمْ
وَجَعَلْنَا قُلُوبهمْ قَاسِيَة يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعه “

 

و
قال الطبرى:

لْقَوْل
فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }. اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي
الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ: { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
}. فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا: 1097 – حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ: ثنا
أَبُو عَاصِم , قَالَ: ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبَى نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي
قَوْل اللَّه: { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق
مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَاَلَّذِينَ يُحَرِّفُونَهُ وَاَلَّذِينَ
يَكْتُمُونَهُ: هُمْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ. * – حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ
ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ: ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد
بِنَحْوِهِ.

حَدَّثَنَا
يُونُس , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ: قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله: {
يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } قَالَ: التَّوْرَاة الَّتِي
أَنَزَلَهَا عَلَيْهِمْ يُحَرِّفُونَهَا , يَجْعَلُونَ الْحَلَال فِيهَا حَرَامًا
وَالْحَرَام فِيهَا حَلَالًا , وَالْحَقّ فِيهَا بَاطِلًا وَالْبَاطِل فِيهَا
حَقًّا , إذَا جَاءَهُمْ الْمُحِقّ بِرِشْوَةٍ أَخَرَجُوا لَهُ كِتَاب اللَّه ,
وَإِذَا جَاءَهُمْ الْمُبْطِل بِرِشْوَةٍ أَخَرَجُوا لَهُ ذَلِكَ الْكِتَاب فَهُوَ
فِيهِ مُحِقَ , وَإِنْ جَاءَ أَحَد يَسْأَلهُمْ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ حَقّ وَلَا
رِشْوَة وَلَا شَيْء أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ , فَقَالَ لَهُمْ: { أَتَأْمُرُونَ
النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب
أَفَلَا تَعْقِلُونَ }. 2 44 وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: 1100 – حَدِيث
عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ
أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله: { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
} فَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَسْمَع أَهْل النُّبُوَّة , ثُمَّ
يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

 

و
قال القرطبى:

ثُمَّ
يُحَرِّفُونَهُ

قَالَ
مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ: هُمْ عُلَمَاء الْيَهُود الَّذِينَ يُحَرِّفُونَ
التَّوْرَاة فَيَجْعَلُونَ الْحَرَام حَلَالًا وَالْحَلَال حَرَامًا اِتِّبَاعًا
لِأَهْوَائِهِمْ

 

قال
الألوسى

{
وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } أي طائفة من أسلافهم وهم الأحبار { يَسْمَعُونَ
كلام الله ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ } أي يسمعون التوراة ويؤولونها تأويلاً فاسداً حسب
أغراضهم، وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والجمهور على أن تحريفها
بتبديل كلام من تلقائهم

 

و
قال الشوكانى فى فتح القدير

{
كَلاَمَ الله } أي: التوراة. وقيل: إنهم سمعوا خطاب الله لموسى حين كلمه، وعلى هذا
فيكون الفريق هم: السبعون الذين اختارهم موسى، وقرأ الأعمش: { كلم الله }. والمراد
من التحريف: أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة، فجعلوا حلاله حراماً، أو نحو ذلك
مما فيه موافقة لأهوائهم

 

و
قال البيضاوى

{
أَفَتَطْمَعُونَ } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { أَن
يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } أن يصدقوكم، أو يؤمنوا لأجل دعوتكم. يعني اليهود. { وَقَدْ
كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } طائفة من أسلافهم { يَسْمَعُونَ كلام الله } يعني
التوراة. { ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ } كنعت محمد صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم. أو
تأويله فيفسرونه بما يشتهون.

 

و
قال النسفى

{
يَسْمَعُونَ كلام الله } أي التوراة. { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } كما حرفوا صفة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وآية الرجم. { مِن بَعْدِِ مَا عَقَلُوهُ } من بعد ما فهموه
وضبطوه بعقولهم.

 

و
قال النيسابورى

{
وقد كان فريق منهم } طائفة من أسلافهم { يسمعون كلام الله } وهو ما يتلونه من
التوراة { ثم يحرفونه } كما حرفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآية الرجم

 

و
قال الزمخشرى فى الكشاف:

{
يَسْمَعُونَ كلام الله } وهو ما يتلونه من التوراة { ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ } كما
حرّفوا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وآية الرجم { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ
} من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم ولم تبق لهم شبهة في صحته

 

و
قال الماوردى فى النكت والعيون:

قوله
تعالى: {.. وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُم يَسْمَعُون كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ
يُحَرِّفُونَهُ } في ذلك قولان:

أحدهما:
أنهم علماء اليهود والذين يحرفونه التوراة فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالاً
ابتاعاً لأهوائهم وإعانة لراشيهم وهذا قول مجاهد والسدي.

والثاني:
أنهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول
في إخبارهم لقومهم، وهذا قول الربيع بن أنس وابن إسحاق.

 

و
قال ابو السعود العمادى

{
يَسْمَعُونَ كلام الله } خبرُ كان وقرىء كلِمَ الله، والجملة حاليةٌ مؤكِّدة
للإنكار حاسمةٌ لمادة الطمَع مثلُ أحوالِهم الشنيعةِ المحْكيةِ فيما سلف على منهاج
قوله تعالى: { وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } بعد قوله تعالى: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ
وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِى } أي والحالُ أن طائفةً منهم. قال ابن عباس
رضي الله عنهما: هم قومٌ من السبعين المختارين للميقات كانوا يسمعون كلامَه تعالى
حين كلّم موسى عليه السلام بالطور وما أُمِرَ به ونُهيَ عنه { ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ
} عن مواضعه لا لقصورِ فهمِهم عن الإحاطة بتفاصيله على ما ينبغي لاستيلاء الدهشةِ
والمهابةِ حسبما يقتضيه مقامُ الكبرياء بل { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } أي فهِموه
وضبَطوه بعقولهم.

 

و
قال الخازن فى لباب التأويل:

{
وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله } قيل المراد بالفريق: هم الذين كانوا مع موسى
يوم الميقات، وهم الذين سمعوا كلام الله تعالى، وقيل المراد بهم: الذي كانوا في
زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأقرب لأن الضمير راجع إليهم في أفتطمعون أن
يؤمنوا لكم، فعلى هذا يكون معنى يسمعون كلام الله يعني التوراة، لأنه يصح أن يقال
لمن يسمع التوراة يسمع كلام الله { ثم يحرفونه } أي يغيرون كلام الله، ويبدلونه
فمن فسر الفريق الذين يسمعون كلام الله بالفريق الذين كانوا مع موسى عليه السلام
استدل بقول ابن عباس رضي الله عنهما إنها نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى
لميقات ربه، وذلك لأنهم لما رجعوا إلى قومهم بعد ما سمعوا كلام الله أما الصادقون
منهم فإنهم أدوا كما سمعوا وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن
استطعتم أن تفعلوا فافعلوا وإن شئتم فلن تفعلوا، فكان هذا تحريفهم.

 

و
قال الثعالبى فى الجواهر الحسان:

{
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ.. } الآية: الخطاب للمؤمنين من أصحاب
محمَّد صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلْف
والجِوَار الذي كان بينهم، ومعنى هذا الخطابِ التقرير على أمر فيه بُعْد؛ إذ قد
سلف لأسلاف هؤلاء اليهودِ أفاعيلُ سوءٍ، وهؤلاء على ذلك السَّنَن.

وتحريفُ
الشيء: إِمالته من حالٍ إلى حال، وذهب ابن عبَّاس إلى أن تحريفهم وتبديلهم؛ إِنما
هو بالتأويل، ولفْظُ التوراة باق.

 

و
المحلى والسيوطى فى الجلالين:

{
أَفَتَطْمَعُونَ } أيها المؤمنون { أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } أي اليهود { لَكُمْ
وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ } طائفة { مِنْهُمْ } أحبارهم { يَسْمَعُونَ كلام الله } في
التوراة { ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ } يغيرونه { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } فهموه {
وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم مفترون؟ والهمزة للإنكار أي لا تطمعوا فلهم سابقة
بالكفر

 

و
قال مقاتل فى تفسيره:

قوله
سبحانه: { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ
}، يعنى طائفة من بنى إسرائيل، { يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله } { ثُمَّ
يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } وفهموه { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آية: 75
] أنهم حرفوا الكلام.

 

و
قال عز الدين بن عبد السلام:

{
يُحَرِّفُونَهُ } نزلت فيمن حرّف التوراة فحرّم حلالها وأحل حرامها. أو في السبعين
سمعوا كلام الله تعالى ثم حرّفوه لقومهم

 

و
قال سيد طنطاوى فى تفسيره الوسيط:

{
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلاَمَ الله ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ }.

ومعنى
الآية الكريمة: أفتطمعون – أيها المؤمنون – بعد أن وصفت لكم من حال اليهود ما وصفت
من جحود ونكران، أن يدخلوا في الإِسلام. والحال أنه كان فريق من علمائهم وأحبارهم
يسمعون كلام الله ثم يميلونه عن وجهه الصحيح من بعد ما فهموه، وهم يلعمون أنهم
كاذبون بهاذا التحريف على الله تعالى، أو يعلمون ما يستحقه مرفه من الخزي والعذاب
الأليم.

 

و
جاء فى التفسير الميسر:

{
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) }

أيها
المسلمون أنسيتم أفعال بني إسرائيل، فطمعت نفوسكم أن يصدِّق اليهودُ بدينكم؟ وقد
كان علماؤهم يسمعون كلام الله من التوراة، ثم يحرفونه بِصَرْفِه إلى غير معناه
الصحيح بعد ما عقلوا حقيقته،

 

و
قال حومد:

كَانَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالمُسْلِمُونَ شَدِيدِي الحِرْصِ عَلَى دُخُولِ
اليَهُودِ في الإِسْلاَمِ، لأَنَّ شَرِيعَة مُوسَى – كَمَا نَزَلَتْ مِنْ عِنْدَ
اللهِ – تَدْعُو مِثْلَ الإِسْلاَمِ إِلى التَّوْحِيدِ الخَالِصِ، وَإِلى
الإِيمَانِ بِالبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالجَزَاءِ عَلَى الأَعْمَالِ، وَكِتَابُهُمُ
التَّورَاةُ يُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَبِعْثَتِهِ وَرِسَالَتِهِ،
وَيُصَدِّقُُ القرآن فِيمَا جَاءَ بِهِ، فَكَشَفَ اللهُ لِنَبِيَّهِ الكَرِيمِ
وَلِلْمُسْلِمِينَ حَالَ اليَهُودِ وَعِنادَهُمْ وَكُفْرَهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى
مُخَاطِباً النَّبِيَّ وَالمُسْلِمينَ: أَتَطْمَعُونَ أَنْ يَنْقَادَ اليَهُودُ
إِليكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَقَدْ شَاهَدَ آباؤهم مِنْ آيَاتِ اللهِ وَمُعْجِزَاتِهِ
الكَثِيرَ، ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ، وَكَانَ فَرِيقٌ مِنْ
أَحْبَارِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يَتَأوَّلُونَهُ،
وَيُعْطُونَهُ مَعْنىً آخَرَ غَيْرَ مَعْنَاهُ الصَّحِيحِ (يُحَرِّفُونَهُ) مِنْ
بِعْدِ مَا عَرَفُوهُ، وَفَهِمُوا مَعْنَاه عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَمَعَ ذلِكَ
فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ عَنْ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أّنَّهُمْ
عَلَى غَيْرِ الحَقِّ فِيمَا ذَهَبُوا إِليهِ مِنْ تَأوُّلٍ وَتَحْرِيفٍ

 

الخلاصة

أن
هذا النص يتضمن تحريف التوراة ليس نصيا بل بالتأويل الفاسد اى التفسير الغير صحيح
وجعل حرام التوراة حلال وحلالها حرام وفى الفرقة التى سمعت كلام كلام الله فى يوم
الميقات ثم ذهبوا حرفوه بعد ذلك او تحريف اية الرجم التى رأيناها فى حديث البخارى
انهم اخفوها او صفة محمد حين كانوا يسمعون كلامه ثم يذهبوا فيحرفونه اى ان النص لا
علاقة له بنصوص التوراة نفسها مما ينفى مزاعم المبطلين مرة اخرى بأن هذا النص قال
بتحريف نص التوراة.

 

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ
ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ
يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ
يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {77}‏ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً
يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ
مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ
اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78} أل عمران

 

قال
ابن كثير:

خْبِر
تَعَالَى عَنْ الْيَهُود عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه أَنَّ مِنْهُمْ فَرِيقًا
يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه وَيُبَدِّلُونَ كَلَام اللَّه
وَيُزِيلُونَهُ عَنْ الْمُرَاد بِهِ لِيُوهِمُوا الْجَهَلَة أَنَّهُ فِي كِتَاب
اللَّه كَذَلِكَ وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى اللَّه وَهُوَ كَذِب عَلَى اللَّه وَهُمْ
يَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسهمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا وَافْتَرَوْا فِي ذَلِكَ
كُلّه وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى” وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب
وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” وَقَالَ مُجَاهِد وَالشَّعْبِيّ وَالْحَسَن وَقَتَادَة
وَالرَّبِيع بْن أَنَس: ” يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ ”
يُحَرِّفُونَهُ وَهَكَذَا رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُمْ
يُحَرِّفُونَ وَيُزِيلُونَ وَلَيْسَ أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه يُزِيل لَفْظ كِتَاب
مِنْ كُتُب اللَّه لَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر
تَأْوِيله. وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه: إِنَّ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل كَمَا
أَنْزَلَهُمَا اللَّه تَعَالَى لَمْ يُغَيَّر مِنْهُمَا حَرْف وَلَكِنَّهُمْ
يُضِلُّونَ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيل وَكُتُب كَانُوا يَكْتُبُونَهَا مِنْ
عِنْد أَنْفُسهمْ ” وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا هُوَ مِنْ
عِنْد اللَّه ” فَأَمَّا كُتُب اللَّه فَإِنَّهَا مَحْفُوظَة وَلَا تُحَوَّل
رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم

 

و
قال الطبرى:

الْقَوْل
فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ
أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب وَمَا هُوَ مِنْ
الْكِتَاب وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه
وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ
ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَهُمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا
حَوَالَيْ مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى
عَهْده مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل. وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله: { مِنْهُمْ }
عَائِدَة عَلَى أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْله: { وَمِنْ أَهْل
الْكِتَاب مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك }. وَقَوْله: {
لَفَرِيقًا } يَعْنِي: جَمَاعَة { يَلْوُونَ } يَعْنِي: يُحَرِّفُونَ {
أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب } يَعْنِي: لِتَظُنُّوا
أَنَّ الَّذِي يُحَرِّفُونَهُ بِكَلَامِهِمْ مِنْ كِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله ,
يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا ذَلِكَ الَّذِي لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتهمْ ,
فَحَرَّفُوهُ وَأَحْدَثُوهُ مِنْ كِتَاب اللَّه.

 

و
قال القرطبى:

يَعْنِي
طَائِفَة مِنْ الْيَهُود. ” يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ ”
وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة ” يُلَوُّونَ ” عَلَى التَّكْثِير.
إِذَا أَمَالَهُ ; وَمِنْهُ وَالْمَعْنَى يُحَرِّفُونَ الْكَلِم وَيَعْدِلُونَ
بِهِ عَنْ الْقَصْد. وَأَصْل اللَّيّ الْمَيْل. لَوَى بِيَدِهِ , وَلَوَى
بِرَأْسِهِ قَوْله تَعَالَى: ” لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ” [ النِّسَاء: 46
] أَيْ عِنَادًا عَنْ الْحَقّ وَمَيْلًا عَنْهُ إِلَى غَيْره. وَمَعْنَى ”
وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد ” [ آل عِمْرَان: 153 ] أَيْ لَا تُعَرِّجُونَ
عَلَيْهِ ; يُقَال لَوَى عَلَيْهِ إِذَا عَرَّجَ وَأَقَامَ. وَاللَّيّ الْمَطْل.
لَوَاهُ بِدَيْنِهِ يَلْوِيه وَلِيَانًا مَطَلَهُ. قَالَ: قَدْ كُنْت دَايَنْت
بِهَا حَسَّانَا مَخَافَة الْإِفْلَاس وَاللِّيَانَا يَحْسُن بَيْع الْأَصْل
وَالْعِيَانَا وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: تُرِيدِينَ لِيَانِي وَأَنْتِ مَلِيَّة
وَأَحْسَن يَا ذَات الْوِشَاح التَّقَاضِيَا وَفِي الْحَدِيث (لَيّ الْوَاجِد
يُحِلّ عِرْضه وَعُقُوبَته). وَأَلْسِنَة جَمْع لِسَان فِي لُغَة مَنْ ذَكَّرَ ,
وَمَنْ أَنَّثَ قَالَ أَلْسُن

 

قال
البغوى فى معالم التنزيل:

قوله
تعالى: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا } يعني: من أهل الكتاب لفريقا أي: طائفة،
وهم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحييّ بن أخطب وأبو ياسر وشعبة بن عمر الشاعر، {
يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ } أي: يعطفون ألسنتهم بالتحريف والتغيير
وهو ما غيروا من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وغير ذلك، يقال: لوى
لسانه على كذا أي: غيره،

 

و
قال الالوسى:

{
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا } أي إن من أهل الكتاب الخائنين لجماعة { يَلْوُونَ
أَلْسِنَتَهُم بالكتاب } أي يحرفونه قاله مجاهد وقيل: أصل الليّ الفتل من قولك: لويت
يده إذا فتلتها، ومنه لويت الغريم إذا مطلته

 

و
قال الشوكانى فى فتح القدير:

طائفة
من اليهود { يلوون }، أي: يحرّفون، ويعدلون به عن القصد، وأصل الليّ: الميل، يقول
لوى برأسه: إذا أماله، وقريء: «يلووّن» بالتشديد، و«يلون» بقلب الواو همزة، ثم
تخفيفها بالحذف، والضمير في قوله: { لِتَحْسَبُوهُ } يعود إلى ما دلّ عليه {
يَلْوُونَ } وهو: المحرّف الذي جاءوا به.

 

و
قال فخر الدين الرازى:

اعلم
أن هذه الآية تدل على أن الآية المتقدمة نازلة في اليهود بلا شك لأن هذه الآية
نازلة في حق اليهود وهي معطوفة على ما قبلها فهذا يقتضي كون تلك الآية المتقدمة
نازلة في اليهود أيضاً واعلم أن { اللي } عبارة عن عطف الشيء ورده عن الاستقامة
إلى الاعوجاج، يقال: لويت يده، والتوى الشيء إذا انحرف والتوى فلان علي إذا غير
أخلاقه عن الاستواء إلى ضده، ولوى لسانه عن كذا إذا غيره، ولوى فلاناً عن رأيه إذا
أماله عنه.

إذا
عرفت هذا الأصل ففي تأويل الآية وجوه الأول: قال القفال رحمه الله قوله {
يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم } معناه وأن يعمدوا إلى اللفظة فيحرفونها في حركات
الإعراب تحريفاً يتغير به المعنى، وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في
العبرانية.

 

و
قال السمرقندى:

ثم
قال { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا } يعني طائفة من اليهود، وهذه اللام لزيادة
تأكيد على تأكيد { يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بالكتاب } أي يحرفون ألسنتهم بالكتاب،
يعني بنعت محمد صلى الله عليه وسلم ويغيرونه، ويقال: يغيرونه في التلاوة فيقرؤونه
على خلاف ما في التوراة. ويقال: يحرفون تأويله على خلاف ما فيه

 

و
قال الزمخشرى فى الكشاف:

{
لَفَرِيقًا } هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحييّ بن أخطب وغيرهم { يَلْوُونَ
أَلْسِنَتَهُم بالكتاب } يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف وقرأ أهل المدينة:
«يلوون»، بالتشديد، كقوله: { لووا رؤوسهم } [ المنافقون: 5 ]

 

و
قال ابو السعود العمادى:

{
وَإِنَّ مِنْهُمْ } أي من اليهود المحرِّفين { لَفَرِيقًا } ككعب بنِ الأشرفِ
ومالكِ بنِ الصيف وأضرابِهما { يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بالكتاب } أي يفتلونها
بقراءته فيُميلونها عن المُنزّل إلى المحرّف أو يعطِفونها بشَبَه الكتاب، وقرىء
يُلوّون بالتشديد ويلُون بقلب الواو المضمومة همزةً ثم تخفيفِها بحذفها وإلقاء
حركتها على ما قبلها من الساكن

 

و
قال ابن عاشور فى التحرير والتنوير:

من
اليهود طائفة تخيل للمسلمين أشياء أنها مما جاء في التوراة، وليست كذلك، إما في
الاعتذار عن بعض أفعالهم الذميمة، كقولهم: ليس علينا في الأميين سبيل، وإما
للتخليط على المسلمين حتى يشككوهم فيما يخالف ذلك مما ذكره القرآن، أو لإدخال الشك
عليهم في بعض ما نزل به القرآن، فاللَّيُّ مجمل، ولكنه مبين بقوله: { لتحسبوه من
الكتاب } وقولِه: { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله }.

واللَّيُّ
في الأصل: الإراغة أي إدارة الجسم غير المتصلب إلى غير الصوْب الذي هو ممتدّ إليه:
فمن ذلك ليّ الحَبْل، وليّ العنان للفَرس لإدارته إلى جهة غير صوب سَيره، ومنه
لَيّ العنق، وليّ الرأس بمعنى الالتفات الشزر والإعراض قال تعالى: { لووا رؤوسهم }
[ المنافقون: 5 ].

واللّي
في هذه الآية يحتمل أن يكون حقيقة بمعنى تحريف اللسان عن طريق حرف من حروف الهجاء
إلى طريق حرف آخر يقاربه لتعطي الكلمة في أذن السامع جرس كلمة أخرى، وهذا مثل ما
حكى الله عنهم في قولهم «راعنا» وفي الحديث من قولهم في السلام على النبي: «السامُ
عليكم» أي الموت أو «السِّلام بكسر السين عليك» وهذا اللّي يشابه الإشمام
والاختلاس ومنه إمالة الألف إلى الياء، وقد تتغير الكلمات بالترقيق والتفخيم
وباختلاف صفات الحروف. والظاهر أنّ الكتاب هو التوراة فلعلهم كانوا إذا قرؤوا بعض
التوراة بالعربية نطقوا بحروف من كلماتها بينَ بينَ ليوهموا المسلمين معنى غير
المعنى المراد، وقد كانت لهم مقدرة ومِراس في هذا.

 

و
قال القشيرى:

الإشارة
من هذه الآية إلى المبطلين في الدعاوى في هذه الطريقة.

يزيِّنون
العبارات، ويطلقون ألسنتهم بما لا خَبَرَ في قلوبهم منه، ولا لهم بذلك تحقيق،
تلبيساً على الأغبياء والعوام وأهل البداية؛ يوهمون أن لهم تحقيق ما يقولونه
بألسنتهم. قال تعالى في صفة هؤلاء { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ
الكِتَابِ }، كذلك أرباب التلبيس والتدليس، يُرَوِّجون قالتَهم على المستضعفين،
فأما أهل الحقائق فأسرارهم عندهم مكشوفة.

قال
الله تعالى: { وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }، أي يعلمون
أنهم كاذبون، كذلك أهل الباطل والتلبيس في هذه الطريقة يتكلمون عن قلوب خَرِبةَ،
وأسرار محجوبة، نعوذ بالله من استحقاق المقت!

 

و
قال أبن عجيبة:

يقول
الحقّ جلّ جلاله: { وإن من أهل الكتاب لفريقاً }، وهو كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب،
ومالك بن الصيف، وأبو ياسر، وشعبة بن عامر، { يلوون } أي: يفتلون { ألسنتهم
بالكتاب } أي: التوراة عند قراءته، فيميلون عن المنزل إلى المُحرف، { لتحسبوه من
الكتاب } أي: لتظنوا أن ذلك المحرف من التوراة، { وما هو من الكتاب ويقولون هو من
عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب } فيما نسبوا إليه، { وهم
يعلمون } أنه ليس من عند الله.

قيل:
في الرجم، حيث كتموا الرجم، وألقى قارئ التوراة يده على آية الرجم، وقرأ ما حولها،
فقال له ابنُ سلام: ارفع يديك، فإذا آية الرجم تلوح. والله أعلم

 

و
جاء فى التفسير المنتخب:

وإن
من هؤلاء فريقاً يميلون ألسنتهم فينطقون بما ليس من الكتاب، محاولين أن يكون شبيها
له، ليحسبه السامع من الكتاب وما هو منه فى شئ، ويَدَّعون أن هذا من عند الله وما
هو من الوحى فى شئ وهم بهذا يكذبون على الله، وهم فى أنفسهم يعلمون أنهم كاذبون.

 

و
قال ابو بكر الجزائرى فى ايسر التفاسير:

{
وإن منهم لفريقاً }: طائفة من اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة
النبويّة.

{
يلوون ألسنتهم }: يحرفون ألسنتهم بالكلام كأنهم يقرأون الكتاب.

{
وما هو من الكتاب }: وليس هو من الكتاب.

{
ويقولون على الله الكذب }: أي يكذبون على الله لأغراض ماديّة.

ازال
السياق في اليهود وبيان فضائحهم فأخبر تعالى أن طائفة منهم يلوون ألسنتم بمعنى
يحرفون نطقهم بالكلام تمويهاً على السامعين كأنهم يقرأون التوراة وما أنزل الله
فيها، وليس هو من الكتاب المنزل في شيء بل هو الكذب البَحْت، ويقولون لكم إنه من
عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب لأجل الحفاظ على الحطام
الخسيس والرئاسة الكاذبة.

 

و
قال عبد الرحمن السعدى:

يخبر
تعالى أن من أهل الكتاب فريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب، أي: يميلونه ويحرفونه عن
المقصود به، وهذا يشمل اللي والتحريف لألفاظه ومعانيه، وذلك أن المقصود من الكتاب
حفظ ألفاظه وعدم تغييرها، وفهم المراد منها وإفهامه، وهؤلاء عكسوا القضية وأفهموا
غير المراد من الكتاب، إما تعريضا وإما تصريحا، فالتعريض في قوله { لتحسبوه من
الكتاب } أي: يلوون ألسنتهم ويوهمونكم أنه هو المراد من كتاب الله، وليس هو المراد،
والتصريح في قولهم: { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله
الكذب وهم يعلمون } وهذا أعظم جرما ممن يقول على الله بلا علم، هؤلاء يقولون على
الله الكذب فيجمعون بين نفي المعنى الحق، وإثبات المعنى الباطل، وتنزيل اللفظ
الدال على الحق على المعنى الفاسد، مع علمهم بذلك.

 

و
قال اسعد حومد:

خْبِرُ
اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم أنَّ فَرِيقاً مِنَ اليَهُودِ (مِثْلَ
كَعْبِ بْنِ الأشْرَفِ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَأضْرَابِهِمَا) يُحَرِّفُونَ
الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيَتَأوَّلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَهُمْ يَنْسُبُونَهُ
إلى اللهِ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى اللهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ إنهم لَكَاذِبُونَ.

ليُّ
اللِّسَانِ بِالكِتَابِ – فَتْلُهُ لِلْكَلاَمِ، أوْ تَحْرِيفُهُ بِصَرْفِهِ عَنْ
مَعْنَاهُ إلى مَعْنىً آخَرَ

 

الخلاصة

ان
المقصود بالتحريف هنا هو لي ألسنة القوم فى نطق النصوص ومحاولة تشبيهها باشياء
اخرى كى يبعدوها عن معناها الاصلى او عن طريق تغير اعرابها فيختلط الامر على
المستمع وبهذا يكون قد تغير المعنى الذى قصده الله من الاية الى معنى اخر اراده
اليهود ويكون بهذا تم التحريف او فى قصة اية الرجم التى اوردناها سابقا فى صحيح
البخارى ولا توجد اية اشارة من قريب او بعيد عن تحريف نصوص التوراة

 

الخاتمة

ان
هؤلاء المدعين لا يملكون سوى اوهام فى عقولهم يسيرون وراءها ليكتشفوا فى النهاية
انهم ساروا وراء سراب لا وجود له فيدحض اقوالهم الفاسدة شيوخهم وائمتهم المسلميين
كما رأينا فلم يذكر شيخ واحد او مفسر واحد هذه الاقوال التى تدعى بأن القرآن قال
بتحريف التوراة بل ولا توجد اية اشارة فى القرآن الى تحريف الانجيل بأى صورة من
الصور وكل ما هنالك ان القرآن قال بتحريف التوراة بالطرق التى بيناها وهى الاختلاق
او الاخفاء او التأويل ولا يوجد اى ذكر لأى مفسر قال بتحريف النصوص ذاتها.

 

و
الملاحظ المدقق سيجد ان كل النصوص التى اوردناها تتكلم عن التوراة وفقط ولا يوجد
ذكر لتحريف الانجيل من بعيد او قريب فمن اين أتى المسلمون بفكرة تحريف الانجيل؟!

 

اود
ان اشير فى النهاية ان الكتاب المقدس ليس بحاجة لهذا القرآن كى يثبت عصمته ولكننا
نثبت لهم عصمة الكتاب المقدس من كتابهم فيستد كل فم قائل بالتحريف.كما اننى وقد
وضعت اقوال المفسرون أقول ان ما جاء فى التفاسير من خرافات فى تبيان معنى التوضيح
انا لا اسلم به ولا اقر بصحته وانما نضع هذه التفاسير كى نؤكد انه لم يقل احدا
بتحريف التوراة او الانجيل نصا حتى فى هذه الخرافات.

و
نعلنها تحديا لكل مسلمى الكون بأكمله ان يخرجوا لنا من القرآن نصا واحدا يقول
بتحريف نصوص التوراة او الانجيل!

 

لاني انا ساهر على كلمتي لاجريها (أرميا 1: 12)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار