المسيحية

تحريف التوراة الإنجيل



تحريف التوراة الإنجيل

تحريف
التوراة الإنجيل

يمكنك
أن تقول عن أيّ كتاب ديني بأنه محرف، ولكن يوجد فرق بين الادعاء بالتحريف وبين
إثبات ذلك بالبرهان. أما برهانك الأول الذي قدمته وهو القول بأنّ الإنجيل يحرّم
الطلاق، بينما القرآن يبيحه، وأن الإنجيل يبيح الخمر بينما القرآن يحرّمه، فهو
برهان ضعيف لا يستطيع الوقوف أمام الحقيقة، وذلك لسببين:

 

1.
إن الإنجيل لم يحرم الطلاق، وإنما لكي يضع حداً لمخالفات الكتبة والفرّيسيين
اليهود فى تفسير الوصية الخاصة بالطلاق الواردة في التوراة (تثنية 24: 1) علم
بوجوب الرجوع إلى ما قضي الله به في البدء، إذ رسم أن يدوم اقتران الرجل والمرأة
ما زالا حيَّين (تكوين 2: 24) وذلك حرصاً منه على صيانة راحة العائلة، والآداب
العامّة، والاعتبار الواجب للمرأة كأم وكشريكة للرجل في الميراث الروحي. بيد أن
المسيح أجاز الطلاق في حالة انحلال رباط الزيجة بارتكاب أحد الزوجين خطيّة الزنى
(الإنجيل بحسب متى 5: 32).

 

وقد
رأينا في السنين الأخيرة أن بعضاً من مفكري الإسلام وزعمائه قد وضعوا قوانين تمنع
الطلاق الكيفي حفظاً لكيان العائلة والأمة، ولعلهم فعلوا هذا تجاوباً مع الحديث
النبويّ القائل: ” أبغض الحلال عند الله الطلاق ” (سنن أبي داود كتاب 13،
باب 3).

 

2.
لم يبح الإنجيل الخمر، بالعكس نهى عنه إذ يقول: ” ولا تسكروا بالخمر الذي فيه
الخلاعة، بل امتلئوا بالروح ” (أفسس 5: 18)، ” لا تَضِلُّوا! لا زناة
ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعوا ذكور، ولا سارقون ولا طماعون
ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله ” (1 كورنثوس 6: 9-10).

 

وفوق
هذا، فإن اختلاف الإنجيل والقرآن في بعض مواد التشريع لا يجيز لك الحكم بأنّ
الإنجيل محرّف، لأنه لو أنطلقنا من هذا المبدأ، فما يمنع المسيحيّ أن يقول بأن
القرآن محرف لأنه يسمح بالطلاق لأسباب لا يقرها الإنجيل؟!

 

قلت
في رسالتك: ” أنا أعتقد أن عيسي عليه السلام عندما علم بمؤامرة صلبه ترك
كتابه هناك على الأرض. ولما صُلب شبهه أُحرقت الكتب جميعها، فأعاد بعض الناس كتابة
بعض ما عرفوه، وزادوا عليه كثيراً من عندهم. وهذا ما يفسر لنا كثرة الأناجيل التي
يختلف واحدها عن الآخر، بينما القرآن لم يتجزأ ولم يتغير، وكذلك التوراة حُرفت،
وهي ليست التي نزلت على موسي”.

 

أنا
لا أريد أن أجادلك في أمر القرآن إن كان قد تجزأ أو تغير، لأن هذا ليس من شأني.
وإنما من حقي البديهي أن أسألك قبل كل شيئ أي كتب هي التي أُحرقت جميعها؟ إن كانت
أسفار الإنجيل فهذا غير ممكن. لأن الإنجيل لم يكن قد كُتب بعد. وإن كانت أسفار
التوراة، فالتوراة كانت دائما محفوظة فى الهياكل والمجامع تحت حراسة مشددة. لست
أدرى إن كنت تعنى فعلاً أن المسيح كان له كتاب فتركه على الأرض لكي تتناوله أيدي
العابثين بالحرق، وبالتالي أن يبدلوا نصوصه أو قسماً منها. أنا لا أظن أن مسلماً
في العالم يوافقك على هذه الرواية التي لا يقبلها منطق سليم، وخصوصاً لأن قرآن
المسلمين شهد للإنجيل بالصحة، إذ يقول: ” يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى
تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم” (المائدة 5: 68). ”
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الفاسقون ” (المائدة 5: 47).

 

فإذا
أضفنا إلى هذه النصوص دعوة القرآن لمحمد أن يؤمن بما جاء في الكتاب المقدس ”
قل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمُرت لأعدل بينكم. الله ربنا وربكم لنا أعمالنا
ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير” (الشورى 42:
15). يواجهك سؤال محرج جداً، وهو: هل يصح أن يدعو الله محمدا، بعد مئات السنين من
صعود المسيح إلى السماء لكي يؤمن بكتاب محرف؟

 

ولا
أظنك تجهل أن القرآن دعا المسلمين فى كل جيل وعصر إلى أنا يؤمنوا بالكتاب المقدس،
إذ يقول ” يا أيها الذين آمنوا، آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على
رسوله والكتاب الذي نزل من قبل ” (النساء 4: 136). ” شرع لكم من الدين
ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصَّينا به ابراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا
الدين ولا تتفرقوا فيه ” (الشورى 42: 13).

 

وإذغ
تعمقنا في دراسة القرآن نرى فى محتوياته، ليس فقط عشرات الشهادات بصحة التوراة
والإنجيل، بل أيضاً عدة وعود من الله بالحفاظ على كلمته من عبث وتحريف منها:

 

·
” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ” (الحجر 15: 9).

·
” ولن تجد لسنة الله تبديلا ” (الأحزاب 33: 62).

·
” ولا مبدل لكلمات الله ” (الأنعام 6: 34).

 

ولا
تنس أن الذكر هو كل ما يذكر بالله سبحانه، كما جاء في سورة الأنبياء 21: 105
” ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ”
وسورة الأنبياء 21: 48 ” ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكراً
للمتقين “.

 

فإن
حصل تحريف في كلام الله يكون المعنى أن وعود الله، التي قطعها على نفسه وجاءت فى
القرآن بحفظ كتبه المقدسة قد سقطت وهذا غير ممكن، لأن الله أمين وصادق وقادر أن
يحفظ كلمته. وخصوصاً لأن حقه وقداسته يستلزمانه ذلك. وأخيراً أين تذهب يا صديقي
بقول القرآن ” قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدي منهما (أي التوراة
والإنجيل) أتبعه إن كنتم صادقين ” (القصص 28: 49)؟

 

والآن
انصافاً للحقيقة لا يسعنى إلا سؤال المدّعين بالتحريف أن يذكروا لنا الوقت الذي
حصل فيه التحريف المزعوم. فإن كان قبل نشوء الإسلام. فلماذا شهد القرآن للكتاب
المقدس ونوه بمحتوياته وصدق عليها؟ ولماذا قال: ” لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ” (فصلت 41: 42)؟ وإن كان التحريف
المزعوم حدث بعد انتشار الإسلام، فإن الزعم يسقط بوجود نسخ من الكتاب المقدس
محفوظة في المتاحف، يعود تاريخ نسخها إلى ما قبل الإسلام بثلاثة قرون. ونصوصها لا
تختلف في شيء عن نصوص النسخ المتداولة في أيامنا.

 

ولا
يسعني في هذه المناسبة إلا أن اسأل إن كان يصح أن يشهد القرآن للكتاب العزيز بأنه
حق أُنزل من الله هدى للناس ورحمة، ثم يعود بعد ذلك فينسب له التغيُّر؟ في الواقع
لو حصل شيء كهذا لكان الأمر فشلاً للقرآن في إتمام مهمته كحافظ للكتاب، لأنه يقول:
” وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً
عليه” (المائدة 5: 48).

 

وهناك
سؤال أخير حول هذا الموضوع: ما هو موقف المدعين بالتحريف من منطق الواقع الذي يضع
حداً للنقاش في موضوع تحريف التوراة؟ لأنه من غير المعقول أن اليهود حرفوها قبل
المسيح، وإلا لما صادق المسيح عليها واقتبس منها. ولا يُعقل أن يكونوا غيروها بعد
المسيح وإلا عارضهم المسيحيون. وإنه لمن المستحيل أن يتفق اليهود والمسيحيون على
تغيير محتويات الأسفار المقدسة لأنهما أمتان متضادتان أولاً، وثانياً لأن الكتاب
المقدس قد انتشر فى كل العالم وبلغات متعددة، ولا سبيل إلى جمع نسخه الكثيرة جداً
للعبث بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار