المسيحية

القرآن كتاب دين لا كتاب علم الكونيات



القرآن كتاب دين لا كتاب علم الكونيات

القرآن
كتاب دين لا كتاب علم الكونيات

إن
تعابير “العلم”، وتصاريح القرآن: ” ما فرطنا في الكتاب من
شيء”، “ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء”، كلها جعلت بعض القوم
يرون في “الكونيات” القرآنية معجزة علمية.

أولاً:
التطرف قديماً وحديثاً:

1-
عقد السيوطي، آخر المحققين القدماء، فصلاً من (الاتقان 2: 125) “في العلوم
المستنبطة من القرآن”، حيث يجعلونه موسوعة العلوم الحاضرة والماضية
والمستقبلة، من لغوية وعلمية وفلسفية. ونقل عن الطبري قوله: ” وأنا أقول: قد
أشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء. أما أنواع العلوم، فليس منها باب، ولا مسألة
هي أصل، إلا وفي القرآن ما يدل عليها. وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السماوات
والارض، وما في الافق الاعلى، وتحت الثرى، وبدء الخلق..وقد احتوى على علوم اخرى من
علوم الاوائل مثل الطب والجدل والهيئة والهندسة والجبر والمقابلة والنجامة وغير
ذلك..وجميع ما وقع ويقع في الكائنات ما يحقق معنى قوله: ” ما فرطنا في الكتاب
من شيء..حتى لقد قال قائل: ان علوم القرآن خمسون واربعماية وسبعة الاف علم.

أو
سبعون الف علم على عدد كلم القرآن مضروبة باربعة إذ لكل كلمة فيه ظهر وبطن وحد
ومطلع. وقال قائل: لكل اية ستون الف فهم.

حتى
قال ابن عباس: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله”.

 

2-
وقد زاد بعض أهل العصر على تلك الخوارق والمخاريق: ” أما بعد فيقول عبد ربه
تعالى خادم الكتاب والسنة، محمد العربي العزوزي(أمين الفتوى في الجمهورية
اللبنانية في “دليل مباحث علوم القرآن المجيد”): إن اوسع دائرة معارف
تناولها البشر القرآن الكريم”. والسيد عفيف عبد الفتاح طبارة في كتابه (روح
الدين الاسلامي) يعدد ” معجزات القرآن العلمية ويجد في بعض اياته النظريات
العلمية الحديثة. والسيد عبد الرزاق نوفل، في كتابه (القرآن والعلم الحديث) يرى
فيه: اسرار علم النفس، واسرار علم الفيزياء الطبيعية، واسرار نظرية اينشتين في
النسبية، واسرار علم الوراثة، واسرار علم الحياة، واسرار العالم غير المنظور في
قوله في 73 آية “رب العالمين”كقوله: ” وقد سبق القرآن علم الذرة
وتفجيرها كما قال فيها: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس، هذا عذاب
اليم..وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا: سحاب مركوم). فقد وضعت سورة الدخان
تفجير الذرة ومفعولها قبل 1400 سنة ونيف”. وقوله ايضاً: “واهم حدث في
القرن العشرين، إن لم يكن في حياة الارض، هو الاقمار الصناعية التي تنبأ بها
القرآن الكريم في سورة النمل (82): ” واذا وقع القول عليهم، أخرجنا لهم دابة
من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بأياتنا لا يوقنون”.

ثانياً:
الاعتدال قديماً وحديثاً:

القرآن
مثل الكتاب والانجيل، كتاب دين، لا كتاب علم.

قهو
صريح كل الصراحة في اقتصار وحيه على الدين: ” قل: انما يوح الي أنما الهكم
اله واحد، فهل انتم مسلمون”؟ (الانبياء 108). فليس من وحي في القرآن سوى
التوحيد واحكام الدين والشريعة: “انما اعظكم بواحدة: أن تقوموا لله”!
(سبأ 46). ويركز دعوته كلها على حصر الوحي القرآني في التوحيد وعقيدته وشريعية: “قل:
انما انا يشر مثلكم يوحى الي انما الهكم الح واحد، فاستقيموا اليه واستغفروه”
(فصلت 6).

 1
وقديم رأى بعض العلماء، مثل الشاطبي الغرناطي (الموافقات)، قال: ” إن كثيراً
من الناس تجاوزا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا اليه كل علم ُيذكر للمتقدمين
والمتأخري، من علوم الطبيعيات، والتعاليم – اي العلوم الرياضية – والمنطق، وعلم
الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأسبابها. “وهذا اذا عرضناه
على ما تقدم (من ان القرآن خاطب العرب بما كان واقعاً في حياته، لم يصح. والى هذا
فان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه، وما
أودع فيه. ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعّى سوى ما تقدم، وما
ثبت فيه من أحكام التكاليف واحكام الاخرة.. ولوكان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه
ما يدل على أصل المسألة..إلا أن ذلك لم يكن، فدل على انه غير موجود عندهم..وذلك
دليل على ان القرآن لم يقصد فيه تقرير شيء ممن زعموا. نعم، تضمن علوماً هي من جنس
علوم العرب، أو ما يبنى على معهوده”.

 وحديثا
أبدى بعض العلماء رأيهم كذلك:

يقول
عبد المتعال الصعيدي (النظم الفني في القرآن) في مقاصد القرآن: “مقاصد القرآن
لا تخرج عن الوظيفة الدينية للقران، لانه نزل لتشريع العقائد والاحكا. فيجب ان يقف
عند حدودها. فلا يقصد منه غير هذا من بيان مسائل التاريخ أو الطب أو غيرها من
العلوم، لانه لم ينزل لغرض من هذه الاغراض. وانما نزل للاغراض التي لا سبيل الى
معرفتها الا بالوحي. أما هذه الاغراض العلمية فأنها تعرف بالعقل، ولا تتوقف
معرفتها على الوحي. فلا يصح ان يخلط بينها وبين الاغراض السابقة في كتاب ديني
كالقرآن او غيره”.

 

والاستاذ
دروزة(القرآن المجيد) يرى ان “الكونيات” في القرآن هي من المتشابه فيه،
لا من إعجازه، واستخراج النظريات العلمية منها انما هو تمحل لا يليق بقدسية القرآن.
قال: ” لعل في تعبير الاوتاد عن الجبال، والسقف المبني عن السماء، والمصابيح
المضيئة التي زينت بها السماء عن النجوم، وجريان الشمس ومنازل القمر، والسراج
الوهاج للاولى، والمصباح المنير للثاني، وفي ذكر انزال الماء من السماء، وتسير
السحاب وتصريف الرياح، وارسال البرق والرعد والصواعق، واثبات مختلف الزرع والاشجار،
وتسخير الدواب والانعام، وتسير البحار والانهار والفلك، وجعل الارض بساطاً،
وتصويرها مركزاً للكون، والانسان قطباً للارض، حيث سخر له كل ما في السماوات
والارض، وسواه الله بيده، ونفخ فيه من روحه..ما جاء متسقاً مع مشاهد ومدركات مختلف
فئات الناس الذين يوجه اليهم الكلام. وان ما ورد في القرآن من مشاهد الكون
ونواميسه قد استهدف العظة والتدعيم دون ان ينطوي على قصد تعزيز ماعية الكون،
واطوار الخلق والتكوين ونواميس الوجود من الناحية العلمية والفنية. وهذه النقطة
متصلة بالمبدأ العام الذي ما فتئنا نقرره من ان القرآن خاطب الناس بما يتسق في
اذهانهم إجمالا من صور ومعارف، لما يكون من قوة أثر الخطاب فيهم بمثل هذا الاسلوب.
وملاحظة ذلك جوهرية جدا، لانها تحول دون التكلف والتجوز والتخمين، ومحاولة استخراج
النظريات العلمية والفني، في حقائق الكون ونواميسه واطواره منها، والتمحل والتوفيق
والتطبيق، مما يخرج بالقرآن عن نطاق قدسيته.

 فالقرآن
كتاب دين لا كتاب علم. ومن انتهاك حرمته، جعله كتاب علم، والكلام فيه عن الإعجاز
في العلم؟

فالكونيات
القرآنية هي من متشابه القرآن. والعلم الوحيد في القرآن هو “علم الكتاب.

وقد
ظل القرآن يستشهد طول العهد بمكة بمن عنده علم الكتاب: ” ويقول الذيم كفروا: لست
مرسلاً! – قل: كفى بالله شهيداً ومن عنده علم الكتاب” (الرعد 43). فهو يكتفي
بالشهادة على صحة رسالته وصحة دعوته بشهادة من عنده علم الكتاب؛ لذلك يسميهم
“أولى العلم فهم أهل العلم من دون العالمين. وهم “الذين أوتوا العلم من
قبل” (الاسراء 107): “فالعلم” على الاطلاق هو علمهم – لاحظ التعريف
والاطلاق في تعبيره”: العلم”. فهذا هو “العلم” الوحيد الذي
يذكره القرآن، وبه يستشهد، وبه يتحدى: “قل: آمنوا به او لا تؤمنوا: إن الذين
أوتوا العلم من قبله، اذا يتلى عليهم، يخرون للاذقان سجدا” (الاسراء 107)
فيكفيه ايمانهم وتكفيه شهادتهم.

 وشهادتهم
للاسلام من شهادة الله وملائكته، والقرآن كله يشهد بشهادتهم: ” أن الدين عند
الله الاسلام”؛ بهذه الشهادة هم “اولو العلم قائماً بالقسط” (ال
عمران 18-19). وفي هذه الشهادة علم القرآن كله، وسر القرآن كله. انه علم
“اولى العلم من قبله” (الحج 78) وعلم ” من عنده علم الكتاب”
وعلم ” الراسخين في العلم” (ال عمران 7؛ النساء 162). هذا هو العلم
الوحيد الذي جاء به محمد في القرآن: ” بعد الذي جاءك من العلم” (البقرة
120)، ” من بعد ما جاءك من العلم” (البقرة 145؛ ال عمرام 61). وهذا هو
“العلم” “النصراني” الانجيليالذي اختلف فيه اليهود مع اهل
الكتاب، مع المسيح ثم مع محمد: “وما اختلفوا إلا من بعدما جائهم العلم”
(3: 19؛ 42: 14؛ 45: 17). وبهذا “العلم” المنزل الانجيلي
“النصراني” يجادل القرآن اليهود ثم المشركين الذين يجادولون بغير علم
ولا هدى ولا كتاب منير” (لقمان 20؛ الحج 8).

والقرآن
نفسه هو “آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم” (العنكبوت 49)؛
“يعرفونه كما يعرفون أبنائهم” معرفة مصدري (البقرة 146؛ الانعام 20).

فالعلم
الوحيد في القرآن هو علم الكتاب، واهله ” من عنده علم الكتاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار