علم

الفصل الرابع والعشرون: شرح نصوص



الفصل الرابع والعشرون: شرح نصوص

الفصل
الرابع والعشرون: شرح نصوص

يو3:
17 “أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته”

 

7-
ولكن بسبب أن عديمى الإيمان يستخدمون هذه الآيات أيضاً ويجدفون على الرب،
ويوبخوننا قائلين (طالما أن الله يدعى الواحد والوحيد والأول، فكيف تقولون إن
الإبن هو الله؟ لأنه لو كان هو الله لما كان الله قد قال “ليس إله معى”
(تث32، 39) ولا “الهنا واحد” (تث6، 4) لذلك فمن الضرورى أن نوضح معنى
هذه الآيات، بقدر الأمكان، لكى يعرف الجميع من هذه الآيات أيضاً أن الآريوسيين هم
فى الحقيقى محاربون لله.

 

 لأنه
لو كان الإبن منافساً للآب إذن لكانت هذه الكلمات قد قيلت ضده، ولو أنالآب ينظر
إلى الإبن مثلما حدث لداود حينما سمع عن أدونيا وأبشالوم(8)، إذن لكان قد نطق بهذه
الآيات عن نفسه، لئلا عندما يقول الإبن عن نفسه أنه إله، يجعل البعض يتمردون على
الآب اما إن كان من يعرف الإبن، يعرف الاب بالحرى، والإبن هو الذى يكشف له الآب فى
الكلمة، كما مكتوب. وإن كان الإبن فى مجيئه لم يمجد نفسه بل مجد الآب، إذ قال
لواحد قد جاء إليه، “لماذا تدعونى صالحاً؟ ليس أحد صالح، إلا واحد وهو
الله” (لو‍‌19: 18)، ورداً على سؤال من سأله ما هى الوصية العظمى فى الناموس
قال “اسمع يا أسرائيل الرب ألهك رب واحد هو (مر29: 12).

 

وقال
للجموع ” قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتى بل مشيئة الذى أرسلنى”
(يو38: 6)، وعلم التلاميذ قائلاً “أبى أعظم منى” (يو28: 14) وأيضاً
“الذى يكرمنى يكرم الذى أرسلنى” (يو23: 5، 20: 13) فإن كان موقف الإبن
تجاه أبيه هو هكذا، فما هى الصعوبة التى تجعل أى واحد يتخذ مثل ذلك المعنى عن هذه
الآيات؟

 

ومن
الناحية الآخرى إن كان الإبن هو كلمة الآب فمن هو الذى بهذه الدرجة من الحماقة إلى
جانب محاربى المسيح أولئك – حتى يظن أن الله قد تكلم هكذا لكى يطعن فى كلمته
وينكره؟ فليس هذا هو تفكير المسيحيين، حاشا! لأن هذه (الآيات) لم تكتب ضد الإبن،
بل لكى يستبعد الآلهة الكاذبة التى أخترعها البشر. ولهذا يكون معنى مثل هذه
الآيات، سليماً.

 

8-
وبسبب أن أولئك الذين يتعبدون الآلهة الكاذبة، يبتعدون عن الإله الحقيقى، لذلك
فلأن الله صالح ومعتن بالبشر فهو ينادى الضالين مرة أخرى، ويقول: “أنا هو
الأله وحدى” و”أنا هو” و “ليس إله معى” وكل الآيات التى
مثلها، وذلك لكى يحكم على الأشياء التى لا كيان لها من ناحية ويحول البشر إلى نفسه
من الناحية الآخرى. وكما لو أفترضنا أن شخصاً ما أثناء النهار وبينما الشمس ساطعة
يرسم رسما بدائياً على قطعة من الخشب، وليس لهذا الرسم أية علاقة بشكل النور، ثم
يقول عن ذلك الرسم أنه سبب النور، فإن كانت الشمس عندما ترى هذا الرسم يمكنها أن
تقول “أنا هو نور النهار وحدى وليس هناك نور آخر للنهار سواى” بينما هو
يقول هذا ليس عن شعاعها، بل عن رسمه الردئ على الخشب وعن خياله الباطل الذى زيف
الحقيقة.

 

هكذا
الأمر أيضاً بخصوص “انا هو”، “أنا هو الإله وحدى” و
“وليس إله معى”، فهو يقول هذا لكى يجعل الناس يتركون الآلهة الكاذبة
ولكى يعرفوا بالحرى أنه هو الإله الحقيقى، وحينما قال الله هذا، فبلا شك أنه قاله
بواسطة كلمته الذاتى، هذا أن لم يضف اليهود المعاصرون(9) قائلين إنه لم يقل هذ
بواسطة كلمته. ولكنى بالرغم مما يهذى به أتباع الشيطان هؤلاء، فإن الله قد تكلم
بواسطة كلمته لأن كلمة الرب قد صارت إلى النبى. وهذا هو ما سمعه النبى من
(الكلمة). فإذا كان هذا قد قيل بواسطة الكلمة إذن فلا يقول الله شيئاً أو يفعله
إلا ويقوله ويفعله بالكلمة. لذلك فيا محاربى الله إن هذه الآيات ليس موجهه ضد
الإبن، بل ضد الأشياء الغريبة عن الله، والتى ليست منه. لأنه بحسب الصورة التى سبق
وأشرنا إليها، إن كانت الشمس قد تكلمت بتلك الكلمات فإنها لم تقلها كأن شعاعها
غريب عنها إذ هى تظهر نوراً فى شعاعها ولكنها تكون قد قالتها لكى تكشف الخطأ
وتصححه. لذلك فمثل تلك الآيات ليس لأجل إنكار الإبن ولا هى قيلت عنه، بل هى قيلت
لطرح الضلال بعيداً.

 

وبناء
على ذلك فإن الله لم يكلم آدم بمثل هذه الأقوال فى البداية، رغم أن الكلمة الذى
بواسطته خلقت كل الآشياء كان معه، إذ لم تكن هناك حاجة إلى ذلك لأن الأوثان لم تكن
قد وجدت بعد. لكن حينما قام الناس ضد الحق ودعوا لأنفسهم آلهة مثلما أرادوا، حينئذ
نشأت الحاجة لمثل هذه الأقوال، لأجل إنكار الآلهة التى لا كيان لها. بل أود أن
أضيف أنها قد قيلت مسبقاًُ عن حماقة محاربى المسيح هؤلاء، ولكى يعرفوا أن أى إله
يخترعونه غريباً عن جوهر الآب، ليس إلهاً حقيقياً، ولا هو صورة وإبن الأول
والوحيد.

 

9-
إذن فإن كان الآب قد دعى الإله الحقيقى الوحيد فهذا لا يعنى إنكار هذا الذى قال
“أنا هو الحق” (يو6: 14) بل يعنى إنكار أولئك الذين ليسوا بطبيعتهم
حقيقيين، مثل الآب وكلمته، ولهذا فقد أضاف الرب مباشرة. “ويسوع المسيح الذى
أرسلته”. (يو3: 17). وعلى هذا فلو أنه كان مخلوقاً لما أضاف هذه الكلمة وأحصى
نفسه مع الخالق، فإية شركة تود بين الحقيقى وغير الحقيقى؟

 

ولكن
الإبن إذ أنه أحصى نفسه مع الآب، فقد أظهر أنه من طبيعة الآب نفسها، وأعطانا أن
نعرف أنه المولود الحقيقى من الآب الحقيقى. وهكذا أيضاً تعلم يوحنا وعلم هذا
كاتباً فى رسالته “ونحن فى الحق فى إبنه يسوع المسيح هذا هو الإله الحق
والحياة الأبدية” (1يو20: 5).

 

وحينما
يقول النبى عن الخليقة “الذى بسط السماء وحده” (أيوب 8: 9) وحينما يقول
الله “أنا وحدى باسط السماء” (أش24: 44) يصير واضحاً للجميع أن لفظة
(وحده) تشير أيضاً إلى “الكلمة الخاص بالوحيد”، الذى به خلقت كل الأشياء
وبغيره لم يخلق شئ. لذلك إن كانت كل الآشياء قد خلقت بالكلمة، ومع ذلك يقول
“أنا وحدى” فإنه يعنى أن الأبن الذى به خلقت السموات، هو مع ذلك الوحيد.

 

هكذا
إن قيل “إله واحد”، “أنا وحدى”، “أنا الأول” فهذا
يعنى أن الكلمة موجود فى نفس الوقت فى ذلك الواحد الوحيد والأول مثل وجود الشعاع
فى النور. وهذا لا يمن أن يفهم عن أى كائن آخر سوى الكلمة وحده. لأن كل الأشياء
الأخرى خلقت من العدم بواسطة الإبن. وهى تختلف إختلافاً كبيراً جداً فيما بينها من
جهة الطبيعة، أما الإبن نفسه فهو مولود حقيقى وطبيعى من الآب.

 

ولهذا
فهذه العبارة: “أنا الأول” التى إقتبسها هؤلاء الأغبياء لكى يدعموا بها
هرطقتهم، هى بالحرى تفضح نيتهم الشريره لأن الله يقول “أنا الأول وأنا
الآخر” (أش6: 44) إذن فإن قلتم إنه الأول بالنسبة للأشياء التى أتت بعده كما
لو كان محصى معها، لكى تأتى تلك الأشياء تاليه له إذن فأنتم تظهرون أنه هو نفسه
يسبق الأعمال المخلوقة زمنياً فقط، وهذا وحده يفوق كل كفر.

 

ولكنه
لكى يبرهن أنه لم يأخذ بدايته من أى شئ، ولا يوجد شئ قبله ولكى يدحض الأساطير
الوثنية، ولكى يبين أنه هو البداية والعلة لكل الأشياء، قال “أنا الأول”
أنه واضح أيضاً أن تسمية الأبن “بالبكر” هذه لم تعط فقط له لأجل إحصائه
مع المخلوقات، بل لكى تبرهن أن خلق كل الأشياء وتبنيها إنما تم بواسطة الأبن. لأنه
كما أن الآب هو الأول، هكذا أيضاً “الإبن أيضاً هو الأول كصورة الأول تماماً،
وبسبب أن الأول موجود فيه، وهو أيضاً وليد الآب، الذى به تم خلق كل الخليقة
وتبينها.

(8)
أنظر 2صم 1: 15-19، 41، 1 مل 5: 1 للآخر

يشير
القديس أثناسيوس هناإلى تمرد إبشالوم وأدونيا أولاد داود الأثنين علىأبيهما
لأغتصاب الملك منه، وهو يذكر هذا المثل من العهد القديم، لكى يبين أنالإبن ليس
منافساً لآب كما ينافس الأبنان المتمردانأباهم الملك، ويحاولان أن يبعدا الشعب
عنه.

(9)
يستعمل القديس أثناسيوس عبارة “اليهود المعاصرون” ليعبر بها عن
الآريوسيين (أنظر المقالة الأولى فصل 8 ص21، فصل 10 ص24 والمقالة الثانية فصل
1ص10.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار