المسيحية

الثالوث فى الاسلام



الثالوث فى الاسلام

الثالوث
فى الاسلام

عمر
الانسان على الارض حوالى تسعة الاف سنة، وحتى اليوم الانسان يدرس فى ذاته وفى ذات الله.
وبالرغم من كل هذه السنين، لا وصل الانسان الى تمام معرفه ذاته ولا الى القدر الكامل
من معرفة ذات الله. فى هذا يصدق القول:

العجز فى طلب
الادراك ادراكُ
و
البحث فى عين
ذات الله اشراكُ

وقيل
ايضا ان البحث انما فى صفات الله وليس فى ذاته. قال هذا الكلام الرائع ابو بكر الصدّيق.

اما
فيلسوف الاسلام – كما كانوا يسمّونه – الا وهو على ابن ابى طالب – والذى كان يلقب ايضا
بفكر الاسلام، والذى قال عنه محمد رسول الاسلام: ان كلام علىّ فوق المخلوق، ولكن
كلام الخالق فوق كلامه. قال علىّ: –

عرفت
ربّى بربّى ولولا ربّى لما عرفت ربّى

وايضا
قال: –

ان
الله بعيد فى قربه، قريب فى بعده، لا يُحلّ بالقياس، ولا يُدركُ بالحواس،

ولا
يُشبّه بالناس، لا يُعرّفُ بكم، ولا يُعرّفُ بكيف.

مثل
هذه الاقوال الحكيمة تدعونا
اننا متى تحدثنا عن الاله الذى خلقنا،
فليس لنا سوى التمسك
بالبديهيّات.

 

فى
هذا المجال احد الاباء القدّيسين المسيحيين قال:

نحن
نستطيع ان نعرف الله بما ليس هو فى الله، وليس بما هو الله.

 

معنى
هذا اننا نعرف الله بالسلبيّات. مثل انه ليس فى الله ظلمة، وليس فيه ظلم، وليس فيه
موت. باختصار، ليس فى الرب اى شئ من السلبيّات الموجودة فى الطبيعة البشرية. هذا
يفيدنا فى معرفة ما هو ليس فى الله وليس بما هو فيه. وبناء عليه عرفنا ان الله نور
لانه ليس فيه ظلمة البتّة. الله عادل لانه ليس فيه ظلم البتّة. الله محبة لانه ليس
فيه كراهيّة البتّة. الله ابدى ازلى لانه ليس فيه زمن البتّة. الله دائم لانه ليس
فيه موت البتّة. الله ثابت لانه غير متغيّر وغير مستحيل (اى ليس فيه تحوّل) البتّة.
بناء عليه، فمعرفتنا بالله هى بما اعطانا هو – له الملك والمجد الدائم – ان نعرفه
به.

 

نعود
الى ان الانسان الذى بلغ اليوم من العمر تسعة الاف سنة، يعلم ان فيه روح ولكنه لم
يرها قط. يعلم ان فيه عقل ولم يره قط. ولكن، ومع ذلك فانه متشوّق الى معرفة الله خالقه.
لقد مرَّ الانسان بثلاث مراحل فى تاريخة البشرى.

 

المرحلة
الاولى هى ان عرف الانسان اقصى ما كان الله يتوقعه منه من المعرفة، وهى انه يوجد اله.
المعرفة بوجود اله هو كل ما كان يُطلب منه. ومع مرور الزمن وتطوّر العقل البشرى
وزيادة حصوله على المعرفة، وهو ما نسمّيه بالمرحلة الثانية، كان الله يريد من الانسان
ان يعلم انه لا يوجد اكثر من اله واحد الذى هو الله خالق الكون، ما يرى وما لا يرى،
وبانه ليس هناك غيره من اله يُتعبّد له سواه. ثم كانت المرحلة الثالثة وفيها كشف

 

الله
للانسان كيما يعرف المزيد عنه، فعرّف الانسان بانه مثلّث الاقانيم فى صورة الاب والابن
والروح القدس. وكيما نقرّب الصورة الى عقولنا وافهامنا، اعطى المثال الاتى.

 

مرّ
ثلاثة اشخاص بالطريق فوجدوا طفلا حديث الولادة ملقى فى الشارع. قال الاول: انا اعلم
يقينا ان لهذا الطفل ام ربما هى التى القت به فى الطريق. يقول الثانى: انا اعلم
يقينا ان لهذا الطفل اب ربما لم يهتم بطفله المولود هذا. اما الثالث فيقول: انا اعلم
يقينا ان لهذا الطفل اب وام. ولكن يا ترى من هو ابوه ومن هى امه؟ والاجابة على هذا
السؤال تعلو عن مستوى المعرفة لديه ولدى صديقيه. وكيما يمكن الاجابة على سؤاله يحتاج
الامر الى بحث وتنقيب وتحليل وادراك وفهم. انما ما سبقه من بديهيّات هى ان للطفل اب
وام لا يحتاج الى كبير عناء لادراكه، بل انه من الثوابت. فلا يمكن ان يكون لهذا الطفل
اكثر من ام ولا اكثر من اب.

 

لناخذ
مثالا اخرا. فلو اثناء وجودك بالبيت سمعت طرقا على باب البيت، فمن البديهى ان الطرق
يدل على طارق. ولكن لن تستطع معرفة من هو الطارق ما لم تساله عن تعريف نفسه
فيعرّفك بذاته.

 

من
البديهى فى الايمان وجود الله. وايضا من البديهى انه لا يمكن ان يكون هناك اكثر من
اله واحد. اذن من الثابت ان الله موجود ومن الثابت الايمان بوحدانيّته. الانسان لا
يحتاج لا الى رسل ولا الى مبشّرين ولا الى منذرين كيما يعلمونه بانه يوجد اله واحد
هو خالق كل شئ، وان هذا الاله ليس معه الهة اخرى. هذا ينطبق ايضا على الكون. فوجود
الكون يدلّ على خالق وصانع ماهر له. ولكن فى دراستى عن هذا الخالق، فانا اترك له
هو ان يعرّفنى بشخصه ولا يحقّ لى الاجتهاد فى معرفته معتمدا على قدراتى العقليّة
وفهمى الشخصى وحدهما. فى هذا قالت العرب قديما:

 

الاثر
يدلُّ على المسير والبعر يدلُّ على البعير

فها
سماء ذات ابراج وارض ذات وطاد الا تدلان على السميع البصير؟!

 

قد
تغنينا دراستنا فى الكون عن كتب سماوية ورسل وانبياء وغيرهم. نجد ان المخلوقات على
سطحعادلا لله. لكنه اخلى نفسه، اخذا صورة عبدٍ، صائرا فى شبه الناس. واذ وُجد فى الهيئة
كانسان وضع نفسه واطاع حتى الموت، موت الصليب. ] (فيليبى 6: 2-8). اى ان السيد المسيح
هو الله بعد ان اخلى مجده الالهى كيما يصير فى صورة البشر، فى هيئة انسان وهو ليس
بالانسان بل هو الله ذاته، حتى يستطيع وهو فى الهيئة البشرية ان يقدّم لنا الفداء
على خشبة الصليب لاجل خلاص جنس البشر.

 

ولعل الخلاف الأكبر في الحوار
بين المسيحيّة والإسلام ,هو الخلاف القائم على اعتقاد المسيحيين بألوهية المسيح
,الأمر الذي يحسبه الإسلام كفراً. وقد اعترض عليه بعدة آيات من القرآن،أبرزها أربع
,وردت في سورة المائدة ,وآية خامسة في سورة النساء:

1لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ا بْنُ
مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ
الْمَسِيحَ ا بْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً – المائدة 5:
17 – .

2لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ا بْنُ
مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا عْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِا للَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ
الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ – المائدة5:
72 – .

3لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا
مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ
لَيَمَسَّنَّ الذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – المائدة5: 73 – .

4وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ا بْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ
لِلنَّاسِ ا تَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ
سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ
قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي
نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ – المائدة 5: 116 – .

5يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ا بْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ
اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرَوُحٌ مِنْهُ فَا~مِنُوا بِا
للَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ا نْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا
اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِا للَّهِ وَكِيلاً – النساء 4: 171 –
.

ومن يتأمل هذه الآيات في ضوء تفاسير علماء الإسلام يلاحظ أن هذه النصوص
تحارب تعليماً يحمل معنى الإشراك بالله وتعدّد الآلهة وعبادة البشر. ولكن المسيحيّة
لا تعلّم بالإشراك ولا بتعدّد الآلهة ولا بعبادة البشر ,بدليل قول المسيح

: لِلرَّبِّ إِلهكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ – متى 4: 10 –
.

لعل من يقرأ المائدة 5: 116 يتصور أن المسيحيين يؤلهون مريم العذراء ,وهذا
غير صحيح. والواقع أن السؤال الموجَّه إلى المسيح هنا ,نشأ من وجود أهل بدعة عند
ظهور الإسلام. وهم أناس وثنيون حاولوا الالتصاق بالكنيسة ,فنادوا ببدعة مفادها أن
مريم العذراء إلهة. ويقول المؤرّخون إنهم استعاضوا بها عن الزهرة التي كانوا
يعبدونها قبلاً. وقد أطلقوا على أنفسهم اسم المريميين وأشار اليهم العلاّمة أحمد
المقريزي في كتابه القول الإبريزي صفحة 26. وذكرهم ابن حَزْم في كتابه الملل
والاهواء والنحل صفحة 48. ولكن هذه البدعة بعيدة كل البُعد عن المسيحيّة. وليس
هناك مسيحي واحد يؤمن بها. وقد انبرى العلماء المسيحيون وقتها لمقاومة هذه الضلالة
بكل الحجج الكتابية والعقلية ,ولم ينته القرن السابع حتى كانت قد تلاشت.

وكذلك المسيحيّة لا تعلّم بأن المسيح إله من دون الله ,بل تؤمن بأن الآب
والابن إله واحد ,بلا تعدّد ولا افتراق. وقد أكّد المسيح ذلك بقوله: أَنَا
وَالْآبُ وَاحِدٌ,,, أَنِّي فِي الْآبِ وَالْآبَ فِيَّ – يوحنا 10: 30 ,14: 11 – .

أما قول القرآن: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة والذي يستند عليه
أعداء المسيحيّة ,فقد قيلت بطائفة المرقونيين الذين لفظتهم الكنيسة وحرمت أتباعهم
,لأنهم علَّموا بتثليث باطل ,ونادوا بثلاثة آلهة وهم:

– أ – عادل ,أنزل التوارة – ب – صالح ,نسخ التوراة – ج – شرير ,وهو إبليس

كما أن الإسلام في نصوصه هذه ,حارب طائفتي المانوية والديصانية اللتين
تقولان بإلهين أحدهما للخير وهو جوهر النور ,والثاني للشر وهو جوهر الظلمة.

إذاً فالإسلام لم يحارب عقيدة الثالوث المسيحيّة الصحيحة ,كما يتوهم البعض.
ولهذا لا أعتبر أن آيات القرآن المقاومة لتعدد الألهة كانت موجَّهة ضد المسيحيّة.

وحين نتتبع هذا الموضوع في الكتب الإسلامية ,نرى أن علماء المسلمين بحثوا
في عقيدة الثالوث

وهذه هي تعليقاتهم على قول القرآن: ولا تقولوا ثلاثة – النساء 4: 171 – .

1تفسير الزمخشري: يقولون: هو جوهر واحد ,ثلاثة أقانيم .

إن صحت الحكاية عنهم أنهم يقولون: هو جوهر واحد ,ثلاثة أقانيم: أقنوم الآب
وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس ,وأنهم يريدون بأقنوم الآب الذات وبأقنوم الابن
العلم وبأقنوم روح القدس الحياة فتقديره – الله ثلاثة – . وإلاَّ فتقديره – الآلهة
ثلاثة – . والذي يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة
وأن المسيح ولدُ الله من مريم. ألا ترى إلى قوله: أأنت قلت للناس: اتخذوني وأمي
إلهين من دون الله! وحكاية الله أوثق من حكاية غيره .

وقد علَّق كاتب مسيحي حكيم على تفسير الزمخشري بقوله: نعم ,إن حكاية الله
أوثق من حكاية غيره. لكن القرآن حكى في تلك الآية لتفسير الثلاثة مقالة بعض
النصارى من جهال العرب في تثليثهم الكافر الذي كفَّرته المسيحيّة قبل القرآن. فجاء
الزمخشري وجعل من ذلك التثليث المنحرف تثليث المسيحيّة ظلماً وعدواناً ,مع أنه
ينقل التثليث المسيحي الصحيح بتعبيره الصريح: الله ثلاثة: جوهر واحد ,ثلاثة أقانيم
. ولماذا يشك في صحة قولهم الذي يورده عنهم ,وينسب اليهم قولاً كافراً هم منه
براء؟ انه يفتري على القرآن وعلى المسيحية إذ يقول: وحكاية الله أوثق من حكاية
غيره .

2تفسير البيضاوي: الله ثلاثة أقانيم: الآب والابن وروح القدس .

ولا تقولوا: ثلاثة! أي الآلهة ثلاثة: الله والمسيح وأمه. ويشهد عليه قوله:
أأنت قلت للناس: اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟أو الله ثلاثة إن صحَّ انهم
يقولون: الله ثلاثة أقانيم ,الآب والابن وروح القدس ,ويريدون بالآب الذات وبالابن
العلم وبروح القدس الحياة .

والمسيحيون يسألون البيضاوي وأمثاله: لماذا هذا الشك من مقالتهم التي بها
يجهرون؟ ولماذا الافتراء عليهم بنسبة مقالة كافرة من بعض جهال الجاهلية ,الى
المسيحيّة جمعاء ,وهي منها براء؟

فالبيضاوي ينقل أيضاً صيغة التثليث الصحيح ولا يكفِّرها ,بل يكذب عليها
مثل غيره ,اعتماداً على ظاهر القرآن في ما لا يعني المسيحيّة بشيء.

3تفسير الرازي: صفات ثلاث فهذا لا يمكن انكاره .

الرازي مفسّر متكلّم. وهو يتعرّض لصيغة التثليث المسيحي ويطبق عليها تكفير
القرآن للثلاثة ,لتفسيره الخاطيء:

قوله – ثلاثة – خبر مبتدأ محذوف. ثم اختلفوا في تعيين ذلك المبتدأ على
وجوه:

الأول: ما ذكرناه ,أي ولا تقولوا الأقانيم ثلاثة. المعنى لا تقولوا: إن
الله سبحانه هو واحد بالجوهر ,ثلاثة بالأقانيم. واعلم أن مذهب النصارى مجهول جداً
,والذي يتحصل منه أنهم أثبتوا ذاتاً موصوفة بصفات ثلاث. إلاَّ أنهم سمُّوها صفات
,وهي في الحقيقة ذوات قائمة بأنفسها. فلهذا المعنى قال: ولا تقولوا: ثلاثة. انتهوا
. فأما إن حملنا الثلاثة على أنهم يُثبتون صفات ثلاث فهذا لا يمكن إنكاره. وكيف لا
نقول ذلك ,ونحن نقول: هو الله الملك القدوس السلام العالِم الحي القادر المريد .
ونفهم من كل واحد من هذه الألفاظ غير ما نفهمه من اللفظ الآخر. ولا معنى لتعدد
الصفات إلاَّ ذلك. فلو كان القول بتعدّد الصفات كفر ,لزم ردّ جميع القرآن ,ولزوم
ردّ العقل ,من حيث نعلم بالضرورة أن المفهوم من كونه تعالى عالماً ,غير المفهوم من
كونه حياً.

الثاني: آلهتنا ثلاثة ,كما قال الزجّاج مستشهداً بآية المائدة – 5: 116 –
.

الثالث: قال الفرّاء: هم ثلاثة كقوله: سيقولون: ثلاثة . وذلك لأن ذكر عيسى
ومريم مع الله بهذه العبارة يوهم كونهما إلهين .

ويعلق الكاتب المسيحي الحكيم ,الذي اقتبسنا منه بقوله: ونحن لا يعنينا
التفسير اللغوي للمبتدأ المحذوف. إنما يهمنا تفسير الرازي لمقالة المسيحيين في
التثليث. فهو يرد الأقانيم الثلاثة لأنها في الحقيقة ذوات قائمة بأنفسها .

وهذا هو غلطه في فهم العقيدة المسيحيّة. فليست الأقانيم الثلاثة في الله
ذوات قائمة بأنفسها ,انما ذوات قائمة في

جوهر الله الفرد .

والتثليث المسيحي هو كما وصفه الرازي: أنهم أثبتوا ذاتاً موصوفة بصفات
ثلاث .

والمسيحيون يسمون هذه الصفات الإلهية الثلاث: الأبوة والبنوّة والروحانية
في الله أقانيم لتمييزها عن سائر صفات الله. فتلك الأقانيم الثلاثة هي صلات ذاتية
كيانية لا محض صفاتية وهي قائمة في الجوهر الإلهي الفرد. لذلك نردّ على الرازي
قوله: فأما إن حملنا الثلاثة ويجب أن نحملها على أنهم يثبتون صفات ثلاث ,فهذا لا
يمكن إنكاره… فلو كان القول بتعدد الصفات كفر ,لزم رد جميع القرآن ,ولزم رد
العقل .

فالمسيحيون يثبتون في الله ذاتاً موصوفة بصلات ذاتية كيانية ثلاث
,يسمّونها الآب والكلمة والروح.

هذا هو التثليث المسيحي الصحيح الذي لمحه الرازي وابتعد عنه لعقدة في
نفسه.

وهذا ما يثبته المسيحيون من صلات ذاتية ,أو صفات كيانية ,في الله. فمن
أنكرها لزمه ردّ القرآن ,ولزمه رد العقل ,لأن هذا التثليث الصحيح من صميم التوحيد.

4تفسير الغزالي: وهو ينصف المسيحيّة في عقيدتها التثليثية. قال حجة
الإسلام الإمام الغزالي في كتابه الرد الجميل ص 43 ,يحلّل التثليث المسيحي:
يعتقدون أن ذات الباري واحدة. ولها اعتبارات:

1فإن اعتُبرت مقيَّدة بصفة لا يتوقف وجودها على تقدم وجود صفة قبلها
كالوجود ,فذلك المسمَّى عندهم بأقنوم الآب. وان اعتُبرت موصوفة بصفة يتوقفوجودها
على تقدم وجود صفة قبلها ,كالعلم فإن الذات يتوقف اتّصافها بالعِلم على اتّصافها
بالوجود فذلك المسمَّى عندهم بأقنوم الابن أو الكلمة. وان اعتُبرت بقيد كون ذاتها
معقولة لها ,فذلك المسمَّى عندهم بأقنوم روح القدس.

فيقوم اذن من الآب معنى الوجود ,ومن الكلمة أو الابن معنى العلم ,ومن روح
القدس كون ذات الباري معقولة له. هذا حاصل هذا الاصطلاح فتكون ذات الإله واحدة في
الموضوع ,موصوفة بكل أقنوم من هذه الأقانيم.

2ومنهم من يقول: ان الذات ,إن اعتُبرت من حيث هي ذات ,لا باعتبار صفة
البتة ,فهذا الاعتبار عندهم عبارة عن العقل المجرد ,وهو المسمَّى عندهم بأقنوم
الآب. وان اعتُبرت من حيث هي عاقلة لذاتها ,فهذا الاعتبار عندهم عبارة عن معنى
العاقل ,وهو المسمى بأقنوم الابن أو الكلمة. وإن اعتُبرت بقيد كون ذاتها معقولة
لها ,فهذا الاعتبار عندهم عبارة عن معنى المعقول ,وهو المسمى بأقنوم روح القدس.

فعلى هذا الاصطلاح يكون العقل عبارة عن ذات الله فقط ,والآب مرادفاً له
,والعاقل عبارة عن ذاته بقيد كونها عاقلة لذاتها ,والابن أو الكلمة مرادف له
,والمعقول عن الإله عبارة عن الإله الذي ذاته معقولة له ,وروح القدس مرادف له.

هذا اعتقادهم في الأقانيم: وإذا صحَّت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ ,ولا
في اصطلاح المتكلمين .

ويعلّق الكاتب الحكيم على أقوال الغزالي فيقول:

فالغزالي يشهد للمسيحيين بالتوحيد. ويشهد لهم بصحة اصطلاحهم في تفسير
التثليث في التوحيد ,بناءً على الاعتبارين اللذين ساقهما عنهم: الأول على اعتبار
الأقانيم في الله صفات ذاتية ,في الذات الإلهية الواحدة ,والثاني على اعتبار
الأقانيم في الله أفعالاً ذاتية في الذات الإلهية الواحدة.

والقول الصحيح الذي يجمع الأفعال الذاتية والصفات الذاتية ,في الله الواحد
الأحد ,

كونها صلات كيانية بين الله الآب وكلمته وروحه ,في الجوهر الإلهي الفرد .

وقد أنصف الغزالي التثليث المسيحي في هذا الحكم: إذا صحت المعاني فلا
مشاحة في الألفاظ ,ولا في اصطلاح المتكلمين . والمعاني قد صحَّت ,بحسب التنزيل
الإنجيلي ,والكلام المسيحي الذي يفصّله.

مطابقة الأشعرية للمسيحيّة

الأشعرية هي مذهب أهل السنّة والجماعة في الإسلام. ومقالتها في مشكل الذات
والصفات في الله ,هي أصحّ تعبير لحقيقة الأقانيم الثلاثة في الله.

كانت الصفاتية تقول: صفات الله هي غير ذاته ,مما يقود إلى القول بقديمين.
فجاءت المعتزلة تقول: صفات الله هي عين ذاته مما يقود إلى التعطيل في الله. وقامت
الأشعرية تقول بمنزلة بين المنزلتين: الصفات في الله ليست هي عين الذات ,ولا هي
غيرها ,إنما هي في منزلة بين المنزلتين . وكيف يكون ذلك؟ هذا سر الله في ذاته.
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً – الإسراء 17: 85 – .

والتعبير الأشعري ,وهو قول الإسلام في الذات والصفات ,أصحّ تعبير للتثليث
المسيحي: إن الأقانيم الثلاثة في الله الواحد الأحد صفات ذاتية ,بل صلات كيانية
ليست هي عين الذات ولا هي غيرها ,انما هي في منزلة بين المنزلتين .

وإذا قيل: كيف يكون ذلك؟ أُجيب بما قاله الإمام مالك في الرَّحْمَانُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى – طه 20: 5 – . قال: الاستواء غير مجهول ,والكيف غير
معقول ,والسؤال عنه بدعة .

فإذا كان السؤال عن تعبير قرآني مجازي بدعة ,فكم بالحري السؤال عن صلات
الله الأقنومية في ذاته؟ لذلك يكفر من يحوّل الكلام في الذات والأقانيم إلى عملية
حسابية ,فيقول: كيف يكون الواحد ثلاثة؟ كلا ليس الواحد ثلاثة ,على اعتبار واحد
,وعلى صعيد واحد ,انما الله واحد في ذاته مثلث في صفاته ,أو صلاته الذاتية أي
أقانيمه الثلاثة. وليس في هذا ما يتعارض مع النقل الكريم ,ولا مع العقل السليم.

هذا هو التثليث الصحيح ,في التوحيد الخالص.

وهذا التثليث الإنجيلي في التوحيد الكتابي ليس بالتثليث المنحرف الكافر
الذي يكفّره القرآن بمقالته في الثلاثة ,وصيغها الأربعة ,وقد كفرتها المسيحيّة من
قبله.

لذلك فتكفير التثليث المسيحي باسم التوحيد القرآني ,هو افتراء على التوحيد
وعلى القرآن ,وجهل بالإنجيل والعقيدة المسيحيّنة.

ان التثليث المسيحي في التوحيد الخالص هو تفسير مُنزَل لحياة الحي القيوم
في ذاته الصمدانية ,فلا خلاف على الاطلاق بين التوحيد القرآني والتثليث الإنجيلي
,في التوحيد الكتابي المتواتر في التوراة والإنجيل والقرآن.

 

التثليث بحسب المفهوم الاسلامى

عارض
الاسلام التثليث بشدّة من حيث القول بالاب والابن باعتبار انه ابوّة وبنوّة كما بالولادة
الجسدية، ناظرا اليها نظرة التناسل البشرى تماما كما يتم نتيجة المعاشرات الزوجيّة.
ولكنه لم يعارض التثليث من حيث وجود الاقنوم الثالث الذى هو الروح القدس وانبثاقه
من الله الاب. ولكن قبل ان نخوض فى هذا الموضوع دعونا نتساءل: هل اقرّ الاسلام بان
المسيحيّين موحّدون ام اعتبرهم مشركون بالله؟

 

اقر
القران فى حوالى عشرة مواضع بان المسيحيين موحّدون بالله، نقتطف منها على سبيل المثال:

 

[
ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتى هى احسن الا الذين ظلموا منهم، وقولوا امنّا بالذى
انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون ]. (العنكبوت 46: 29)
نعتبر نحن المسيحيون ان قولا كهذا لهو فى منتهى الوضوح باننا لسنا مشركين، بل نحن
موحّدون كما اننا لا نعبد سوى اله واحد، بل هو ذات الاله (اذهب الى التزييل فى الصفحة
الاتية رقم 10) الذى يعبده المسلمون. وياتى القران فى سورة البقرة فيقول: [ ولا
تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ] (البقرة 221: 2)
نقرنها بسورة المائدة 5: 5 [ اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حِلّ
لكم وطعامكم حِلّ لهم والمحصّنات من المؤمنات والمحصّنات من الذين اوتوا الكتاب من
قبلكم اذاءاتيتموهن اجورهن محصنين غير مسافحين ]. لقد حلّل الاسلام الزواج من اهل الكتاب
باعتبار انهن لسن مشركات بل مؤمنات كما وان طعامهم حِلّ للمسلم وطعام المسلم حِلّ
لهم. فلو كان المسيحيون مشركين، لما سمح بالزواج من نسائهم ولا سمح بتبادل الاطعمة
معهم حيث ان الاسلام قد حرّم طعام المشركين على المسلمين.

 

هذا
يسير من كثير مما ورد فى القران يؤكد بان المسيحيين ليسوا مشركين ولا هم كفّار.
ولكن ماذا يقول الاسلام عن التثليث؟

 

ورد
القول بكفر التثليث فى الاسلام مرّتين. الاولى فى قوله: [ انما المسيح عيسى ابن
مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة
انتهوا خيرا لكم انما الله اله واحد سبحانه ان يكون له ولد ] (النساء 171: 4). والثانية
فى قوله: [ لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة، وما من اله الا واحد ] (المائدة
73: 5).

 

بالقول
ان الله ثالث ثلاثة يعنى انه يوجد اول وثانى وثالث وفى هذا اشارة الى: ا) الله،
و2) المسيح، و3) مريم. وبناء عليه يكون الله ثالث ثلاثة.

 

معنى
تعبير ثالث ثلاثة ورد على حادثتين اخرتين. الاولى عند خروج محمد وابو بكر هاربين الى
المدينة، قال محمد لابو بكر “ما حسبك فى اثنين ثالثهما الله؟”. وهذا
يعنى ثلاثة اشخاص هم محمد وابوبكر والله. الثانية فى قول القران: [ الا تنصروه فقد
نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثانى اثنين اذ هما فى الغار اذ يقول لصاحبه لا
تحزن ان الله معنا ] (التوبة 40: 9)

 

[
واذ قال الله يا عيسى ابن مريم انت قلت للناس اتخذونى وامى الهين من دون الله ] (المائد
116: 5). هذا يعنى وجود ثلاثة الهة: الله وعيسى ومريم. فهل فى المسيحية اى من ينادى
او يؤمن بما يدّعيه القران علينا؟ لا يوجد. ليس فى اى كنيسة فى جميع انحاء العالم
من يتعبد لمريم. المسيحيّة توقّرُ وتُجِلُّ العذراء مريم وتضعها فى مرتبة عالية وسامية
جدا لانها – دونا عن سائر البشر – اختارها الرب كاناء كيما يحل فيه لياخذ جسدا
ليتمّم الفداء. ولكن هل يوجد على سطح الارض كلّها من يقول ان مريم هى اله؟ لا، لم
يقل احد بذلك. فمن اين جاء اذن هذا الادعاء فى الاسلام بان “النصارى”
يتّخذون من مريم الها ويتعبّدون لها؟

 

هذا
الادعاء له اثر تاريخى يرجع الى عصر محمد ذاته. كان قد نشا فى القرنين الخامس والسادس
الميلادى جماعة هرطوقيّة تسمّى بالمريميّين. كذلك فى خلال القرون المسيحية الاولى
نشات عدة مذاهب هرطوقيّة منها المانيّين والنسطوريين واليونيبيريدسيين. كان المذهبين
المريميّ واليونيبيريدسيّ يتعبّد لمريم العذراء كاله. بنى اعتقادهما باعتبار ان
لوجود موسى على الجبل مع الله مدة اربعين يوما فقط صار وجهه مضيئا ولامعا لدرجة انه
لم يستطع اى انسان ان ينظر اليه من شدة النور المضئ فى وجهه مما اضطرّه ان وضع
برقع على وجهه كيما يستطع ان يخاطب بنى اسرائيل (خروج 29: 34-35). فكان اعتقادهم بانه
كيف اذن الحال مع مريم هذه التى حملت الله فى احشائها مدة تسعة اشهر وكوّن لحما من
لحمها وعظاما من عظامها واخذ لنفسه دم من دمها، ومن بعد ولادته ارضعته من ثدييها
وحملته على ذراعيها وعلى حجرها!! فقادهم منطقهم الخاطئ الى الايمان بانها حتما قد اكتسبت
شئ من اللاهوت وتستحق ان تعبد مع الله. بناء عليه اطلقوا على انفسهم احبّاءُ مريم
ولكن الكنيسة دعتهم اعداء مريم.

 

كان
هؤلاء يقيمون قدّاسا يسمّى بالكوليريدس ويقدّمون فيه ارغفة من الشعير. ثم ما لبث ان
انقرضت وتلاشت كل تلك الهرطقات مع انتشار الاستنارة المسيحيّة الصحيحة ولم يتبقّى
لها اثر فى عصر محمد سوى بعض البقايا هنا وهناك، خاصة فى الجزيرة العربيّة.

 

يلاحظ
ان المسيحى يمكنه الاشتراك مع المسلم فى البسملة بقوله النصف الاول منها، اى: لا اله
الا الله . المسيحى لا يعترف بان محمد رسول الله. وبالمقابل، فان المسلم يشترك مع المسيحى
فى النصف الثانى من البسملة المسيحيّة بقوله: اله واحد امين – ولا يُقرّ بالقول: باسم
الاب والابن والروح القدس. كلانا موحّدين، ولكن مع اختلاف شاسع وبيّن فى طبيعة التوحيد.
فالمسيحى ليس توحيدى بدون تثليث، والا صرنا مسلمين. ولا نحن مثلثّين بدون توحيد والا
صرنا وثنيّين. المسيحيّون موحّدون مثلّثون.

 

اذن
على اى اساس ورد القول فى القران [ ولا تقولوا ثلاثة ]؟ ليس فى المسيحيّين من يقول
بثلاثة الهة. فعلى من اذن ينطبق هذا القول؟ نجد انه لا ينطبق سوى على كفَّار العرب.
هذا ما نستخلصه من سورة النجم فى القران حيث ورد [ افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة
الاخرى، { ان شفاعتهن لترتجى} الكم الذكر وله الانثى، تلك اذا قسمةُ ضيزى ] (النجم
19: 52-22). نلاحظ هنا ان الحديث عن ثلاثة كائنات، هن: اللات والعزى ومناة.

 

لقد
ورد التثليث المسيحى فى الكتاب المقدَّس فى مواضع عديدة، ولكن اقتطف منها ما قيل
فى رسالة يوحنا الاولى: [ فالذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة: الاب، والكلمة، والروح
القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد ] (يوحنا الاولى 7: 5). نشير هنا الى ان القران فى
قوله: [ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ] (الاخلاص 3: 112و4) فهو هنا يعنى الاب
(لم يلد) والابن (لم يولد) ولم يكن له كفوا احد يتساوى مع القول المسيحى القائل: مساوى
للاب فى الجوهر – اى الروح القدس.

 

وفى
مكان اخر يقول القران: [ قل اعوذ برب الناس، ملك الناس، اله الناس ] (الناس 1: 114-3)
الذى يتساوى مع ما يقوله المسيحيّون عن الثالوث: “بالحقيقة نؤمن باله واحد (اله)،
نعم نؤمن برب واحد (رب)، ايها الملك السمائى المعزّى الروح القدس (ملك). فالكلمات اله
ورب وملك ليست سوى كلمات مرادفات لذات الاصل الذى هو الاله.

 

ان
القران يرفض بشدّة ان يدعى الله بالاب، لا بالنسبة للمسيحيين ولا حتى بالنسبة
للسيد المسيح نفسه. فالقران – مثلا – فى سورة الصافات 151: 37و152، يقول: [ الا انهم
من افكهم ليقولون ولد الله وانهم لكاذبون ]. وفى سورة الاخلاص 3: 112 يقول: [ لم
يلد ولم يولد ]. وفى سورة المائدة 18: 5 يقول القران: [ وقالت اليهود والنصارى نحن
ابناء الله واحبّاءه قل فلم يعذبكم بذنوبكم ]. ومثل هذه التعبيرات التى تكشف عن
عدم قبول فكرة التثليث فى الاسلام.

 

ولكن
هل يؤخذ الامر بهذه البساطة؟ لا. فلسبب التخبّط القرانى والذى يدلُّ على ان كاتبه
كان يعبّر عن فكره الشخصى وليس عن فكر الله، فكان حتما ان يقع فى مطبّات واخطاء لم
يكن من الممكن عمل حساب لها ومن المستحيل ان يتلافاها بسبب القصور الطبيعى للفكر البشرى.

 

مفهوم الله الاب فى الاسلام:

لغويا،
نقول عن الاب والد، بينما الرجل لا يلد بل المراة. نُسبت الولادة للرجل فى سورة البلد
من القران: [ لا اقسم بهذا البلد، وانت حِلُّ بهذا البلد، ووالدِ وما ولد ] (البلد
1: 90-3).

 

من
ضمن اسماء الله التى وردت فى القران، اربعة اسماء مميّزة، هى: خالق ومصوّر وبديع
وفاطر. وبينما الثلاثة الاسماء الاولى لا تحتاج الى شرح، الا ان الرابعة تختلف
عنهم. فما معنى كلمة فاطر؟ لقد وردت فى القران سورة تحت اسم “فاطر” – السورة
رقم 35 وهى مكّية.

 

تبدا
السورة بالقول: [ الحمد لله فاطر السماوات والارض، جاعل الملائكة رسلا، اوْلِى اجنحة
مثنى وثلاث ورباع، يزيد فى الخلق ما يشاء، ان الله على كل شئ قدير ] (فاطر 1: 35)

 

فاطر
كلمة مستعربة من الاصل اليونانى (
pater) التى هى ايضا مصدر الكلمة الانجليزية (father)
والتى ياتى منها المصطلح العلمى (
patrology). وعندما عُرّبت صارت فاطر.

 

فما
معنى ان الله فاطر السماوات والارض، جاعل الملائكة رسلا؟ فى تفسير ابن عبّاس، يقول
“فاطر السموات” اى خالق السموات وبهذا يقول ايضا كل من ابن كثير والجلالين
والطبرى والقرطبى. غير ان القرطبى يزيد عليها بانها ايضا تعنى تشقيق، اى جاعل فيها
شق كان يقال: الناقة الفاطر، اى التى شقت انيابها علامة بدء ظهورها. غير ان كل المفسرين
التاليين لابن عبّاس استندوا فى تفسيرهم على تفسير ابن عبّاس وبالتالى يعتبر ابن
عبّاس هو المفسّر الوحيد لكلمة فاطر. ولكن الادهى من كل ذلك، ان ابن عبّاس باعترافه
شخصيا قال: كنت لا ادرى ما فاطر السماوات حتى اتانى اعرابيّان يختصمان فى بئر فقال
احدهما لصاحبه انا فطرتها – اى بداتها. وايضا قال: فاطر السماوات والارض، اى بديع السماوات
والارض. وبديع قد تعنى مبتدع، اى مُوجد او خالق.

 

ولكن
كيف تنطبق هذه الكلمة على الملائكة ايضا؟ حيث ان الملائكة لم تاتى بالتناسل كبقيّة
البشر، اذا ليس لها امّهات، فكان الله وحده ابا لها. فجميع الملائكة لها اب واحد
هو الله. يؤكّد لنا هذا المفهوم سفر ايوب من الكتاب المقدّس حين يقول: [ عندما
ترنَّمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بنى الله ] (ايوب 7: 38) اى الملائكة.

 

يمكن
ان نخلص من هذا الى ان المسيحية واليهودية والاسلام يقولون عن الله انه الاب. وان
كان القران قد اكّد ان المسيح هو كلمة الله فى ثلاثة مواضع، الا انه عارض وصف المسيح
بانه ابن الله فى خمسة عشر موضع.

 

مفهوم المسيح انه كلمة الله:

اما
فيما يختص بقول القران ان المسيح هو كلمة الله، فقد ورد هذا فى قوله:

 

1
– [ انما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه ] (النساء
171: 4)

2
– [ يا مريم ان الله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ] (ال عمران 45: 3)

3
– [ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذى فيه يمترون ] (مريم 34: 19)

 

فى
الاولى يقول القران ان عيسى ابن مريم هو كلمة الله القاها الى مريم. معنى هذا ان الله
حينما يتكلّم، فهو يتكلّم بالمسيح. ولولا ان المسيح هو كلمة الله، لصار الله صامتا.
فعوض ان نقول الله الصمد، نقول الله الصمت! فهل حقا ان الله كان فى وقت من الاوقات
بدون كلمة؟ اى صامت لم يكن له المقدرة على الكلام الى عندما ولد السيد المسيح؟ لا اعتقد
ان انسانا عاقلا يقول بذلك.

 

فى
الثانية نجد ان “كلمة” اسم مؤنث. وبحسب قواعد اللغة العربيّة، كان من الواجب
ان يقول القران: يا مريم ان الله يبشّرك بكلمة منه اسمها المسيح وليس “اسمه”.
انما استخدام الكلمة وهى مؤنث فى صيغة المذكّر يتمشى تماما مع ما قيل فى الكتاب المقدس:
[ فى البدء كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدء
عند الله. كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت
نور الناس، والنور يضئ فى الظلمة، والظلمة لم تدركه ] (يوحنا 1: 1-5).

 

 

فى
الثالثة نجد ان القران يستخدم عبارة “قول الحق” وهذه العبارة لا تنطبق
سوى على الله وحده دونا عن سائر المخلوقات. والامام الخازمى يؤكد هذا فى تفسيره.

 

ولكن
عندما تسال المسلم عن تفسيره لمعنى “كلمة الله” فانه يسرع الى القول بان
هذا يعنى انه كان بكلمة الله (كن فيكون). وبالرغم من ان كل المخلوقات العاقلة وغير
العاقلة، فى السموات وعلى الارض، مما يرى ومما لا يرى، كلها كائنة بكلمة “كن
فيكون” غير انه لم يطلق ولا على اى واحدة منها عبارة “كلمة الله”
سوى على السيد المسيح وحده. السيد المسيح وحده هو – له كل المجد – دونا عن سائر المخلوقات،
قيل عنه فى المسيحيّة وفى الاسلام انه كلمة الله. الا يدعو هذا الى التامّل فى
معنى كلمة الله باكثر عمق ولنترك السطحيّة جانبا، ولو مؤقتا؟!

 

لا
تتعجب يا ايها القارئ العزيز ان قيل لك انك انت خُلقت بكلمة المسيح. اى ان خالقنا
هو السيد المسيح نفسه، هذا الذى شاهده الناس متجسّدُ على الارض، مضروبُ ومذلولُ
ومجروحُ ومسحوقُ وتحت التاديب، لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه،
محتقرُ ومخذولُ من الناس، رجلُ اوجاع ومختبرُ الحزن لانه احزاننا حملها، واوجاعنا
تحمَّلها، لانه وُضِعَ عليه اثم جميعنا (اشعياء 2: 53-6). هذا الذى يقول عنه الجاهل:
كيف تعبدون الها ولد من فرج امراة، كان ياكل ويتغيّط، ثم يُضرب ويُلطم ويُهان
ويُصلب على الصليب حتى يموت، ثم يُدفن فى قبر تحت الارض!! يقول الكتاب المقدّس: [
بكلمة الرب اسست السموات وبنسمة فيه كل جنودها ] (مزمور 6: 33) والانجيل يقول: [
كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان ] (يوحنا 3: 1). نقول له ابحث وفتّش الكتب
لان فيها الحياة الابدية لك من بعد الموت، وهى التى تشهد عن الوهية السيد المسيح
(يوحنا 39: 5). ان لم تجد الحياة التى من بعد الموت وانت هنا على الارض، فانك ستشارك
المصير الابدى لذاك الذى قيل له: [ انك ميّت وانهم ميّتون ] (الزمر 30: 39) وحقا
تكون النتيجة الحتميّة هى الموت الابدى – لا سمح الله.

 

مفهوم الروح القدس:

وردت
كلمة روح القدس فى القران اربعة مرّات:

1
و 2 – واتينا عيسى ابن مريم البيّنات وايّدناه بروح القدس (البقرة 87: 2 و253)

3
– اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك اذ ايّدتك بروح القدس
(المائدة 110: 5)

4
– قل نزَّله روح القدس من ربِّك بالحق ليُثبِّتَ الذين امنوا وهُدى وبُشرَى
للمسلمينَ (النحل 102: 16)

 

يفسّر
البعض بان روح القدس هو جبريل. ونتساءل منطقيّا! ايهما اعظم؟ كلمة الله ام جبريل؟
هل كلمة الله التى هى الله ذاته يؤيَّدُ بملاك من عند الله ام انه بالاحرى العكس
هو الصحيح؟!

 

يقول
القران: [ والتى احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا ] (الانبياء 91: 21) وايضا [
ومريم ابنت عمران التى احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ] (التحريم 12: 66). وفى
كلتا الحالتين لو كان المقصود ب “روحنا” انه هو الملاك جبريل، لكان المسيح
اذن هو ابن مريم وابن جبريل. فهل يؤمن المسلم بهذا؟ وهل يؤمن المسلم بانه ابدا
وُجد على سطح الارض كائن اتى نتيجة تناسل بين الملائكة والبشر؟ انا اعلم انه يوجد ايمان
ومعتقد اسلامى بتناسل الجن مع البشر. هذا المعتقد لم ياتى به الاسلام، بل هو قائم
من قبل الاسلام بكثير حيث انه من الفولكلور العربى، وان كان الاسلام قد ايّده وزاد
عليه. ولكن لم اقرا ابدا فى اى كتاب اسلامى عن تناسل تم بين الملائكة والبشر.

 

الاسلام
يقول عن الروح القدس (روح الله) انه “الروح الاعظم”. وهذا كان يقيم به
عيسى الموتى. ولا يمكن ان يقال عن اى ملاك انه الروح الاعظم ولا بان الموتى يقومون
بارواح الملائكة. اذن التفسير الوحيد المعقول لروح القدس هو انه روح الله ذاته.

 

ذكر
القران بان لله روح ويدعوه روح الله والدليل على ما نقول هو الايات القرانية التالية:

 

اولا:
[ ولا تايئسوا من روح الله انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون ] (يوسف 87:
12)

ثانيا:
[ انى خالق بشرا من طين فاذا سويّته ونفختُ فيه من روحى، فقعوا له ساجدين ] (ص 72:
38)

ثالثا:
[ واذ قال ربُّك للملائكة انى خالق بشرا من صلصال من حما مسنون فاذا سويته ونفخت
فيه من روحى فقعوا له ساجدين ] (الحجر 28: 15و29)

رابعا:
[ ثم سوّاه {اى الانسان} ونفخ فيه من روحه ] (السجدة 9: 32)

 

تؤخذ
كل هذه الايات وتوضع امام الايتين التاليتين للمقارنة، نجد انه لا مجال كيما ناخذ
بالتفسير القائل بان روح القدس هو الملاك جبريل:

1:
[ والتى احصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها اية للعالمين ] (الانبياء
91: 21)

2:
[ ومريم ابنت عمران التى احصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ] (التحريم 12: 66)

 

اذا
فالذى حلَّ على مريم العذراء وبه حَبلت فولدت يسوع المسيح هو روح الله القدّوس
وليس جبريل.

 

فان
كان المولود من مريم العذراء حُبل به من الروح القدس الذى هو روح الله، وقد لُقِّبَ
بكلمة الله فى التوراة والانجيل والقران، وفى بعض الاحاديث التى ليس عليها اى غبار
مثل البخارى (رقمى 7410 و7440) لُقِّبَ ب { روح الله } – فمن يا تُرى هو يسوع المسيح
ابن مريم، ومن يكون؟!

 

من
صعد الى السماء ونزل؟ من جمع الريح فى حفنتيه؟

من
صرَّ المياه فى ثوب؟ من ثبَّت جميع اطراف الارض؟

ما
اسمه؟ وما اسم ابنه؟

ان
عرفت!!!

 

محمد
قال: انا هو الله: الكهف38القر طبي: لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي – في قراءة ابي
” لكن انا هو الله ربي ”

http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=18&nAya=38&taf=KORTOBY&tashkeel=1

الر
حيم هو محمد: الفاتحة 1-القر طبي-ف(الرحيم)نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نعته
تعالى بذلك فقال: رءوف رحيم فكان المعنى ان يقول بسم الله الرحمن وبالرحيم

http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=1&nAya=1&taf=KORTOBY&tashkeel=1

فما اسمه؟ و ما اسم ابنه؟

ان عرفت!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار