كتب

إنجيل الطفولة العربي



إنجيل الطفولة العربي

إنجيل
الطفولة العربي

 

وهو
إنجيل عربي بقلم جملة مؤلفين. ومع أنه نشر أولاً بالعربية مع ترجمة لاتينية في
1697م، إلا أن أصله السرياني يمكن أن يستدل عليه من ذكر عصر الإسكندر الأكبر في
الأصحاح الثاني، ومن معرفة الكاتب بالعلوم الشرقية، ومن معرفة الصبي يسوع وهو في
مصر بالفلك والطبيعيات. ولعل انتشار استخدام هذا الإنجيل عند العرب والأقباط يرجع
إلى أن أهم المعجزات المذكورة فيه حدثت في أثناء وجوده في مصر. ومما يلفت النظر
أنه جاء بهذا الإنجيل (أصحاح 7) أنه بناء على نبوة لزرادشت عن ولادة المسيا، قام
المجوس برحلتهم إلى بيت لحم، كما أن به عدداً من القصص التي يذكرها أحد الكتب
الدينية الشرقية. والأصحاحات من (1 – 9) مبنية على إنجيلي متى ولوقا القانونيين،
وعلى إنجيل يعقوب الأبوكريفي، بينما من أصحاح 26 إلى الآخر مأخوذ عن إنجيل توما.

 

والجزء
الأوسط من هذا المؤلف شرقي في أسلوبه، ويبدو كأنه مقتطفات من ألف ليلة وليلة.

 

وليس
هناك أي وجه لمقارنة مثل هذه المؤلفات بالأسفار القانونية. كما أن هذا الإنجيل له
علاقة كبيرة بتزايد تكريم العذراء.

 

نص إنجيل
الطفولة العربي

 

“باسم الآب،
والابن، والروح القدس، الإله الواحد.

 نبدأ بمعونة الله
العليّ القدير ومساعدته، كتابة معجزات مخلَّصنا، وربنا وربنا يسوع المسيح، المدعو
إنجيل الطفولة، في سلام الرب. آمين.

(1) يسوع تكلَّم في
المزود:

 نجد في كتاب رئيس
الكهنة يوسف في زمن يسوع المسيح (ويدعوه البعض قيافا)، حيث يقول أن يسوع تكلَّم
حين كان موضوعاً في مزوده وقال لأٌمه السيدة مريم: أنا الذي ولدته، أنا يسوع، ابن
الله، الكلمة،كما أعلن لك الملاك جبرائيل، وأن أبي أرسلني لخلاص العالم.

(2) زمن السيدة مريم
يحلّ:

 في السنة 304 من تاريخ
الإسكندر، أصدر أغسطس أمراً بأن يتم تسجيل كلّ واحد في مدينة مولده. فقام يوسف
إذاً واخذ السيدة مريم خطيبته، وأتى إلى أُورشليم، وأتى إلى بيت لحم ليسجل مع
عائلته قي المكان الذي وُلد فيه، وعندما وصلا إلى قرب مغارة، قالت السيدة مريم
ليوسف أن زمن ولادتها حلَّ وأنها لا تستطيع الذهاب حتى المدينة. ” وقالت،
لنذهب إلى هذه المغارة “. وكانت الشمس في لحظة الغياب. فأسرع يوسف في طلب
امرأة لتكون بالقرب منها، والتقى بامرأة إسرائيلية عجوز كانت آتية من أُورشليم،
فقال لها تعالي يا عزيزتي المرأة: ” أُدخلي هذه المغارة حيث تجدين امرأة في
لحظة وضعها “.

3 – المغارة ساطعة بنور
فائق:

 وبعد غياب الشمس، وصل
يوسف مع المرأة العجوز إلى المغارة ودخلا. فإذا بالمغارة ممتلئة بأنوار أكثر جمالا
من نور المصابيح والشموع وأكثر روعة من نور الشمس. وكان الطفل، ملفوفاً بأقمطة
وراقداً في مذود، يرضع من ثدي السيدة مريم أمه. وظل الاثنان مصعوقَين دهشةً لمرأى
ذلك النور، وسئلت العجوز السيدة مريم: ” أأنت أٌم هذا الطفل؟” وإذ أجابت
السيدة مريم بالإيجاب، قالت لها العجوز: ” أنت لا تشبهين بنات حواء “،
وردَّت السيدة مريم: ” كما أن ليس هناك أحد بين بني البشر شبيهاً بابني، كذلك
أُمه لا نظير لها يبن كل النساء “. وعندئذ قالت المرأة العجوز: ” يا
سيَّدتي، أتيت لأتلقى عطية تدوم إلى الأبد “. فأجابتها سيدتنا السيدة مريم: ”
ضعي يديك على الطفل “. وعندما فعلت المرأة العجوز ذلك، شفيت على الفور، وحين
خرجت، كانت تقول: ” منذ هذه اللحظة، سأكون أمَةَ هذا الطفل، وسأنذرَ نفسي
لخدمته كلّ أيام حياتي “.

4 – الاحتفال بمجد الله:

 وجاء الرعاة وعندما
أشعلوا النار، وكانوا مبتهجين بدرجة عظيمة، ظهر لهم جنود السموات، يسبحون ويمجدون
الله العلي، وعندما كان الرعاة يسبحون مثلهم صارت المغارة في ذلك الوقت مثل هيكل
في العالم العلوي، حيث كان الملوك السماويون والأرضيون يحتفلون بمجد الله ومدائحه
لأجل ميلاد الربّ يسوع المسيح. ولما رأت المرأة العجوز الإسرائيلية هذه الآيات
الباهرة حمدت الله، قائلةً: ” أشكرك، يا إله إسرائيل، لأن عينَي رأتا ميلاد
مخلَّص العالم “.

5 – زمن الختان:

 وعندما حل زمن الختان،
أي اليوم الثامن، وهو الفترة التي يجب أن يُختَن فيها الوليد، بحسب الناموس، ختناه
في المغارة، وأخذت المرأة العجوز الإسرائيلية قطعة الجلد (أو بحسب آخرين، حبل
الوليد)، ووضعتها في إناء من المرمر ملئ زيت نادرين عتيق. وكان لها ابن يتاجر
بالعطور،فأعطته ذلك الإناء، وهي تقول: ” لا تبيع هذا الإناء المليء من عطر
نادرين، حتى لو عرضوا عليك فيه ثلاثمائة دينار “. هذا هو الإناء الذي اشترته
السيدة مريم الخاطئة وسكبته على رأس ربنا يسوع المسيح وقدمَيه، ماسحةً إياهما
بشعرها. وبعد عشرة أيام من ميلاده، حملا الطفل إلى أُورشليم وعند مرور أربعين يوم
على ميلاده، حملاه إلى الهيكل ووضعاه أمام الرب، وقدموا عنه الذبائح التي أمرت بها
شريعة موسى، حيث قيل: ” كل طفل ذكر يفتح رحم يُدعى قدوس الله “.

6 – سمعان الشيخ
والطفل:

 ورأى سمعان الشيخ
الطفل يسوع ساطعاً ضياءً مثل عمود نور وعندما كانت السيدة مريم أمه العذراء تحمله
بين ذراعَيها وتشعر بفرح شديد، كان جمع من الملائكة يشكَّل دائرة حوله، مسبَّحاً
بحمده ومرافقاً له، كما يقف حراس الدنيا إلى جوار الملك. واقترب سمعان بسرعة من
سمعان من السيدة مريم باسطاً ذراعيه أمامها وهو يقول للربّ يسوع، مقترباً بمسارعة
من السيدة مريم وباسطاً يدَيه نحوها: ” الآن يا ربّ، تطلق عبدك، حسب قولك،
بسلام، لأن عيني رأتا خلاصك الذي أعددته لكل الشعوب نورا لكل الأمم ومجدا لشعبك
إسرائيل “. وكانت حنة النبيَّة حاضرةً أيضاً، فشكرت الله، ودعت السيدة مريم
بالمباركة.

7 – قدوم المجوس:

 وحدث عندما ولد الربّ
يسوع في بيت لحم اليهودية، في زمن الملك هيردوس، جاء مجوس من المشرق إلى أُورشليم،
كما تنبَّأ بذلك زرادشت، وكانوا يحملون معهم هدايا، ذهباً ولباناً ومرّاً، وسجدوا
للطفل وقدموا له هداياهم. ثم أخذت السيدة مريم إحدى قطع القماش التي كان ملفوفاً
بها الطفل وأعطتها المجوس الذين تقبَّلوها عطيَّةَّ لا متناهية القيمة. وفي تلك
الساعة بالذات، ظهر لهم ملاك في هيئة نجم سبق أن أهداهم، فمضَوا مستنيرين بنوره
إلى أن عادوا إلى وطنهم.

8 – ” هذا هو الحق
“:

 وجاء إليهم الملوك
والأمراء إلى التحلُّق وسألوهم عما رأََََََوه وعما فعلوه، وكيف ذهبوا وكيف عادوا،
وماذا احضروا معهم. فأراهم المجوس قطعة القماش التي أعطتهم إياها السيدة مريم؛ ثم
أحيَوا احتفالاً، وأشعلوا ناراً بحسب عادتهم، وسجدوا لقطعة القماش تلك، ورمَوا
بقطعة القماش تلك في النيران، فأحاطت بها النيران. وإذ خمدت النار، سحبوا منها
قطعة القماش كاملةً ورأَوا أن النيران لم تترك عليها أي أثر. وعندئذ اخذوا
يقبَّلونها ويضعونها على رؤوسهم وعيونهم، قائلين: ” هذا هو الحق بالتأكيد! ما
هو إذاً ثمن هذا الشيء الذي لم تستطع النار التهامه، ولا إتلافه؟” وإذ
التقطوه، وضعوه بإجلال عظيم في خزائنهم.

9 – هروب العائلة إلى مصر:

 وجمع هيرودس الكهنة
والعلماء، وقد لاحظ أن المجوس لم يعودوا إليه، وقال لهم: ” أعلموني أين يجب
أن يولد المسيح “. وعندما أجابوه بان ذلك في بيت لحم، مدينة اليهودية، بدأ
هيرودس يدبَّر قي فكره قتل الربّ يسوع. عندما ظهر ملاك ليوسف في نومه، وقال له: ”
قُمْ، خُذ الطفل وأٌمه، واهرُبْ إلى مصر “. وعند صياح الديك، قام يوسف ومضى.

10 – سقوط الأوثان:

 وفيما كان يفكّر في
الطريق التي يجب أن يسلك فيها، حلَّ النهار، بعد أن سلك طريق قليلة جداً. وكان
يقترب من مدينة كبيرة كان بها وثن تقدم له الأوثان الأخرى والآلهة المصرية عطايا
ونذور، وكان يقف أمام هذا الوثن كاهن يخدمه حيث كان شيطان مارد غالبا ما يكلمه من
هذا الوثن، ويخبره عن سكان مصر وأراضيهم. وكان لهذا الكاهن ابنا في الثالثة من
عمره يسيطر عليه عدد كبير من الشياطين؛ وكان يتنبَّأ ويعلن أشياء كثيرة، وحين كانت
الشياطين تسيطر عليه، كان يمزَّق ثيابه، ويركض عارياً تماماً في المدينة، راشقاً
الناس بالحجارة. وكان مأوى تلك المدينة قرب ذلك الوثن؛ وعندما وصل يوسف والسيدة
مريم وحلا في ذلك المأوى، استولى الذعر على السكان، وتحلَّق الأمراء وكهنة الأوثان
كلّهم حول ذلك الوثن، سائلينه: ” من أين هذا الذعر العام، وما هو سبب هذا
الهلع الذي استولى على بلادنا؟ ” فأجاب الوثن: ” هذا الرعب حمله إله
مجهول هو الإله الحقيقي، وليس احد سواه يليق به التكريم الإلهي، فهو ابن الله
الحق. وعند اقترابه زلزلت هذا الأرض، وصدمت وارتعبت، ونحن نشعر بخوف عظيم بسبب سلطانه
“. وفي تلك اللحظة سقط ذلك الوثن وتحطَّم وكذلك الأوثان الأخرى التي كانت في
البلاد، ودفع سقوطها سكان مصر كلّهم إلى الهلع.

11 – شفاء شخص به مس
شيطاني:

 لكن ابن الكاهن، حين
هاجمه الشر الذي كان عرضةً له، دخل مأوى، وكان يشتم يوسف والسيدة مريم، والآخرون
كلّهم هربوا؛ وفيما كانت السيدة مريم تغسل أقمطة الربّ يسوع، وتعلَّقها على عصا
طويلة، أخذ شخص به مس شيطاني أحد تلك الأقطمة ووضعه على رأسه، فشوهدت غربان وحيتان
تبتعد. وشفي الطفل حالاً بقدرة الرب يسوع المسيح، وأخذ يُنشد تسابيح للربّ الذي
خلَّصه ويقدَّم إلف حمد لله. وحين رأى أبوه انه شفي، صاح وهو ملئ بالإعجاب: ”
يا بُنَيَّ، ماذا حدث لك، وكيف شفيت؟” فأجاب الابن: ” حين كانت الشياطين
تعذَّبني، دخلت مأوى، فوجدت هناك امرأة عظمية البهاء كانت مع طفل، وكانت تعلَّق
على عصا طويلة أقطمة غسلتها؛ فأخذت واحداً منها ووضعته على رأسي فهربت الشياطين
على الفور وتركتني “. فامتلأ الأب فرحاً وصاح: ” يا بُنَيَّ، قد يكون
هذا الطفل ابن الله الحي الذي خلق السماء والأرض، وما أن مرَّ قربنا، حتى تحطَّم
الوثن، وسقطت تماثيل كلّ آلهتنا، ودمَّرتها قوة تفوق قوتها “.

12 – خوف يوسف ومريم من
المصريين:

 وهكذا تمت النبوّة
القائلة: ” من مصر دعوت ابني “. ولما علم يوسف والسيدة مريم أن ذلك
الوثن انقلب وتحطَّم، استولى عليهما خوف وهلع، وقالا لبعضهما البعض: ” حين
كنا في ارض إسرائيل، أراد هيرودس إهلاك يسوع، ولذا أمر بقتل كلّ أطفال بيت لحم
وجوارها، ونخشى أن يُحرقنا المصريون أحياءَ تماماً، لأنهم علموا أن ذلك الوثن سقط.

13 – ارتعب اللصوص
وهروبهم:

 ثم رحلا وصلا إلى قرب
مأوى لصوص كانوا يجرَّدون المسافرين الذين كانوا يمرّون قربهم من ثيابهم وحوائجهم
ويجرّونهم بعد أن يوثقوهم بالقيود. فسمع هؤلاء اللصوص ضجة عظيمة شبيهة بالتي لموكب
ملك خارج من عاصمته على صوت الآلات الموسيقية، يحرسه جيش عظيم ومركبات كثيرة،
وعندئذ تركوا هناك في ذعرهم كلّ غنيمتهم وسارعوا في الهروب. وعندما نهض الأسرى،
وحطموا قيود بعضهم البعض وهمُّوا بالابتعاد، بع أن استعادوا أمتعتهم، وعندما رأوا
يوسف والسيدة مريم يقتربان، سألوهما: ” أين هو الملك الذي أرعب موكبه،
بجَلْجَلَته، اللصوص حتى هربوا ونجونا؟” فأجاب يوسف: ” انه يتبعنا “.

14 – شفاء امرأة
شيطانية:

 تم أتيا إلى مدينة
أخرى كان فيها امرأة بها مس شيطاني، عندما كانت تذهب لاستقاء الماء خلال الليل،
تسيطر عليها الروح العاصية والنجسة. ولم تكن تستطيع احتمال أي لباس، ولا السكن في
أي منزل، وفي كلّ المرات التي كانوا يوثقونها بقيود أو بسلاسل، كانت تحطَّمها
وتهرب عارية إلى الأماكن القفر؛ وكانت تقف على الطرق وقرب القبور، وتلاحق مَنْ
تصادفهم بالحجارة، حتى كانت سبب حزن شديد لأهلها مبعث. ورأتها السيدة مريم،
فأدركتها الرحمة، وعلى الفور فارق الشيطان تلك المرأة، وهرب في هيئة شاب، وهو
يقول: ” الويل لي بسببك، يا مريم، وبسبب ابنك!” وحين تخلّصت تلك المرأة
مما كان يسبَّب عذاباتها، نظرت حولها، وخجلت من عريها، وذهبت نحو أهلها، هاربةً من
مرأى الناس، وبعدما ارتدت ثيابها، روت لأبيها وأهلها ما حدث لها، وكانوا في عداد
السكان الأرقى في المدينة، فاستضافوا عندهم يوسف والسيدة مريم، مبدين لهما
احتراماً عظمياً.

15 – شفاء بكماء:

 وفي الغد، انطلق يوسف
والسيدة مريم، وفي المساء وصلا إلى مدينة أخرى حيث كان يُحتفَل بعرس؛ ولكن، بسبب
مكائد الشيطان الملعون وتعازيم بعض السَّحرة، كانت الزوجة قد صارت بكماء، حتى أنها
لم تعد تستطيع فتح فمها. وحين دخلت السيدة مريم حاملةً في ذراعَيها ابنها، الربّ
يسوع، لمحتها تلك المرأة التي فقدت النطق وعلى الفور بسطت يدَيها نحو يسوع، وحملته
في ذراعيها وضمَّته إلى صدرها وأشبعته ملاطفةً. وعلى الفور تحطَّم الوثاق الذي كان
يلجم لسانها وانفتحت أُذناها، وبدأت تمجَّد الله الذي شفاها وتشكره. وكان هناك تلك
الليلة فرح عظيم بين سكان تلك المدينة، لأنهم كانوا يعتقدون بأن الله وملائكته
نزلوا بينهم.

16 – طرد الروح
الملعونة:

 وأمضى يوسف والسيدة
مريم ثلاثة أيام في ذلك الموضع، حيث احتُرمهما الناس كثيراً وعاملوهما بعظمة. وإذ
كانا مزوَّدين بمؤونة لسفرهما، رحلا وذهبا إلى مدينة أخرى، ولما كانت مزدهرة
وآهلة، أرادا قضاء الليل فيها. وكان في تلك المدينة امرأة نبيلة، وعندما كانت تنزل
ذات يوم إلى النهر لتغتسل، أنقضت عليها الروح الملعونة، وظهرت لها في هيئة حيَّة،
والتفَّت حول بطنها، وكانت كلّ ليلة تتمدَّد عليها. وعندما رأت تلك المرأة، وهي
على هذا الحال، السيدة مريم والربّ يسوع الذي كانت تحمله إلى صدرها، توسلت إلى
العذراء القديسة أن تسمح لها بحمل ذلك الطفل وتقبيله. فوافقت السيدة مريم على ذلك،
وما أن لمست تلك المرأة الطفل، حتى فارقها الشيطان وهرب، ومنذ ذلك الوقت لم تراه
تلك المرأة ثانيةً. وسبَّح كلّ الجيران الربّ وكافأتهم تلك المرأة بسخاء كبير.

17 – شفاء برصاء:

 وفي الغد، أخذت تلك
المرأة نفسها ماءً عَطراً لغسل الطفل يسوع، وبعد غسله، احتفظت بذلك الماء. وكانت
هناك صبيَّة جسدها مكسو برصاً أبيض؛ فاغتسلت بذلك الماء، وشفيت حالاً. وكان الشعب
يقول: ” لا شك في أن يوسف والسيدة مريم وهذا الطفل هم آلهة، فلا يمكن أن
يكونوا بشراً عاديين “. وحينما تهيَّأ للرحيل، اقتربت منهما تلك الفتاة، التي
شفيت من البرص، ورجتهما أن يسمحا لها بمرافقتهما.

18 – شفاء طفل أبرص:

 ووافقا على ذلك فذهبت
معهما ووصلوا إلى مدينة حيث قصر أمير جبّار، ولم يكن ذلك القصر بعيداً عن مأوى.
فقصدوه، وعندما اقتربت الصبيَّة من زوجة الأمير، وجدتها حزينةً وتزرف الدموع؛
وعندما سألتها عن سبب كآبتها. أجابتها هذه الأخيرة: ” لا تدهشي لرؤيتي
مستسلمةً للأسى؛ فأنا فريسة مصيبة عظيمة لا أجرؤ على روايتها لأي إنسان “.
وردَّت الصبيَّة سريعاً: ” إذا اعترفت لي بما هو مصابك، فربما تجدين له عندي
الدواء “. فقالت لها امرأة الأمير: ” لا تبوحي بهذا السر لأحد. لقد
تزوجت أميراً يمتد سلطانه، مثل سلطان ملك على أقطار واسعة، وبعدما عشت معه طويلاً،
لم يُرزَق مني بأي نسل. وأخيراً حبلت، لكنني وضعتُ طفلاً أبرصَ؛ وبعدما رآه، لم
يشأ الاعتراف به من صُلبه، وقال لي: ” أُقتلي هذا الطفل أو أعطه لمرضعة
تربَّية في موضع بعيد حتى لا يسمع به أبداً. واستردي مالك، لأنني لن أراك ثانية
أبداً “. لهذا استسلم للألم نائحة على المصبية التي أصابتني، وأبكي زوجي
وطفلي “. فأجابتها الصبية: ” ألَمْ أقل لك أن عندي حقاً الدواء الذي
وعدتك به؟” أنا أيضاً أُصبت بالبرص، لكنني شفيت بفضل من الله، الذي هو يسوع،
ابن السيدة مريم “. وعندما سألتها المرأة أين هو ذلك الإله الذي تتحدَّثين
عنه، أجابت الصبيَّة: ” انه في هذا المنزل بالذات حيث نحن. فردَّت الأميرة
سريعاً: وكيف يمكن أن يحدث ذلك، أين هو؟ “. فأجابتها الصبيَّة: ” ها هما
يوسف والسيدة مريم، والطفل الذي معهما هو يسوع، وهو الذي شفاني من آلامي. فقالت
المرأة وبأي وسيلة، استطاع شفاءك؟” ألَنْ تقولي لي ذلك؟” فأجابت
الصبيَّة: ” لقد أخذت من أُمه ماءً أغتسل به وسكبته على جسدي فاختفي برصي “.
وهنا نهضت زوجة الأمير واستقبلت يوسف والسيدة مريم في بيتها، وأعَدَّت لهما وليمة
رائعة دُعي إليها جمع غفير. وفي الغد، أخذت ماءً عطراً لتغسل الربّ يسوع، وغسلت
بالماء نفسه ابنها الذي حملته معها، وعلى الفور شفي ابنها من برصه. وعندئذ أخذت
تُنشد تسابيح الله، وتحمده قائلة: ” طوبى للأُم التي ولدتك، يا يسوع! أن
الماء الذي رش به جسدك يشفي البشر الذين هم من أبناء جنسك “. وقدمت للسيدة
مريم هدايا نفيسة وصرفتها معاملةً إياها بإجلال عظيم.

19 – زوال سحر عن زوج:

 ثم جاءا إلى مدينة
أخرى كان عليهما قضاء الليل فيها. وذهبا إلى عند رجل كان متزوَّجاً منذ حين، لكنه،
لم يكن يستطيع التمتُّع بامرأته بسبب إصابته برقُية مؤذية؛ لكنّهما حين أمضيا
الليل بالقرب منه، زال السحر. وحين طلع النهار، تمنطقا لاستئناف المسير، لكن الزوج
منعهما من ذلك وأعد لهما وليمة كبرى.

20 – مأساة ثلاث نساء:

 وفي الغد رحلا، وفيما
كانا يقتربان من مدينة أخرى، رأيا ثلاث نساء يبتعدن عن قبر وهن يذرفن دموعاُ
غزيرة. ولما لمحتهن السيدة مريم قالت للصبية التي كانت ترافقهما: ” إسأليهن
من هن وما هو المصاب الذي حل بهن “. لكنهن لم يقدمن جواباً على السؤال الذي
طرحته عليهن الصبية، بل أخذن يسألنهم من جهتهن، قائلات: ” من أنتم، وإلى أين
تذهبون؟ فالنهار يميل والليل يتقدَّم “. فأجابت الصبيَّة: ” نحن مسافرون
ونبحث عن مأوى نقضي فيه الليل “. فرددن سريعاً: ” رافقونا وامضوا الليل
عندنا “. وتبعوا أولئك النساء، ودخلوا منزلاً جديداً، مزيناً ومجهزاً بأثاث
مختلف. وكان ذلك في موسم الشتاء، ولما دخلت الصبية غرفة أولئك النساء، وجدتهن لا
يزلن يبكين وينحن، وكان إلى جانبهن بغل، مكسو بغطاء حريري، وموضوع أمامه عَلَف،
وكن يُطعمنه ويقبَّلنه. عندها قالت الصبية: ” آه يا معلَّمتي، كم هو جميل هذا
البغل”، فأجبن باكيات: ” هذا البغل الذي ترينه هو أخونا، وولد من أمنا
نفسها. لقد ترك لنا أبونا ثروات طائلة ولم يكن لنا سوى هذا الأخ الوحيد الذي كنا
نسعى إلى تأمين زواج مناسب له. لكن هناك نساء تسيطر عليهن روح الحسد رمَينه بسحر،
بغير علمنا، وذات ليلة، قبل بزوغ النهار بقليل، وأبواب منزلنا مُقفلة، وجدنا أخانا
وقد تحول إلى بغل وكما ترينه الآن. فلبثنا مستسلمات للحزن، إذ لم يعد لدينا أبونا
ليعزَّينا؛ واستشرنا كلّ العلماء في العالم وكلّ الرُّقاة وكلّ السَّحرة ولجأنا
إلى الجميع، ولم يستطع واحد منهم أن يفعل شيئاً من أجلنا. لذا، في كلّ المرات التي
يعتصر الحزن قلوبنا، ننهض ونمضي مع أُمنا هذه، إلى قبر أبينا، وبعد أن نبكى هناك،
نعود “.

21 – عودة الشباب إلى
طبيعته:

 وعندما سمعت الصبيَّة
هذه الأمور قالت: ” تشجَّعن وتوقفن عن البكاء، فدواء آلامكن قريب، وهو معكن
وفي وسط مسكنكن؛ لقد كنت برصاء، لكنني بعدما رأيت هذه المرأة وهذا الطفل الصغير
الذي معها والذي يُسَمى يسوع، وبعدها سكبتُ على جسدي الماء الذي غسلته أُمه به،
شفيت. إنني أعلم أيضاً انه يستطيع وضع حد لمصابكن؛ إنهضن، واقتربن من السيدة مريم،
وبعد مرافقتها إلى عندكن، بحن لها بالسر الذي أفصحتن لي عنه، متوسَّلات إليها
الرأفة بكن “. وعندما سمعت أولئك النساء كلمات الصبيَّة هذه، سارعن إلى
الذهاب إلى جوار السيدة مريم واصطحبنها إلى عندهن وقلن لها باكيات: ” يا سيدة
مريم، معلَّمتنا، ارحمي خادماتك، فعائلتنا محرومة من ربَّها وليس لدينا أب أو أخ
أو من يخرج أمامنا. هذا البغل الذي ترينه هو أخونا، وقد حوّلته نساء، برُقاها
المؤذية، إلى هذا الحال. نرجوك إذاً أن ترأفي بنا “. وعندئذ رفعت السيدة مريم
الطفل يسوع، وقد أدركتها الرحمة، ووضعته على ظهر البغل وكانت تبكي، كما النساء،
قالت: ” واأسفاه! يا بُنَيَّ إشف هذا البغل بتأثير من سلطانك العظيم واجعَلْ
هذا الرجل يستعيد العقل الذي حُرمَه “. وما كادت هذه الكلمات تخرج من فم
السيدة مريم حتى استردَّ البغل على الفور الشكل البشري وظهر بقسمات شاب جميل، ولم
يبقَ أي تشوُّه. وهو، وأُمه وأُختاه سجدوا للسيدة مريم، ورافعين الطفل فوق رؤوسهم،
قبَّلوه قائلين: ” طوبى لأمك، يا يسوع، ملَّخص العالم! طوبى للعيون التي
تتمتَّع بسعادة حضورك “.

22 – عرس وفرح:

 وقالت الأُختان
لأُمها: ” أن أخانا استردَّ شكله الأول، بفضل تدخٌّل الربّ يسوع والمشورة

الطيبة لهذه الصبيَّة
التي نصحتنا باللجوء إلى السيدة مريم وابنها. والآن، بما أن أخانا ليس متزوَّجاً،
نرى أن من المناسب أن يتزوَّج هذه الصبيَّة “. وعندما قدَّمن هذا الطلب
ووافقت عليه، أعددن لهذا العرس عدَّة رائعة، وتحوَّل الألم فرحاً وحلَّ الضحك مكان
البكاء، ولم يفعلن سوى الابتهاج والغناء في شدَّة رضاهن، متحلَّيات بثياب بديعة
وحليّ ثمينة. وكن في الوقت نفسه يسبَّحن الله، قائلات: ” يا يسوع، يا ابن
الله، الذي حوَّل حزننا رضىً ونحيبنا صيحات حبور!” ومكث يوسف والسيدة مريم
عشرة أيام في ذلك الموضع؛ ثم رحلا مفعمَين بآيات احترام كلّ تلك العائلة، التي
بعدما ودَّعتها، عادت باكيةً، والصبيَّة خصوصاً ذرفت دعوماً.

23 – لصّا اليمين
والشمال:

 ثم وصلا إلى قرب
صحراء، وإذ قيل لهما أن لصوصاً يعيثون فيها فساداً، استعداً لعبورها خلال الليل.
وإذ بهما يلمحان فجأة لصَّين نائمين وقربهما مجموعة من اللصوص الآخرين كانوا رفاق
هذَين الرجلَين، وكانوا أيضاً غارقين في النوم. وكان اسم هذَين اللصَّين تيطوس
ودوماخوس. وعندئذ، قال الأول للآخر: ” أرجوك أن تدع هذَين المسافرَين يذهبان
في سلام، خوفاً من أن يلمحهما رفاقنا “. وإذ رفض دوماخوس ذلك له تيطوس: ”
إقبَلْ مني أربعين دراخمة وخُذْ حزامي رهناً “. وقدَّمه له في الوقت نفسه،
راجياً إياه ألا ينادي وألا يُطلق الإنذار. وقالت السيدة مريم لهذا اللص؛ وقد رأته
مستعداً جداً لتأدية خدمة لهما: ” ليحمك الله بيمينه ويمنحك مغفرة خطاياك “.
وقال الربّ يسوع للسيدة مريم: ” بعد ثلاثين عاماً، يا أُمي، سيصلبني اليهود
في أُورشليم، وهذان اللصان سيُعلقان على خشبة إلى جانبَيَّ، تيطوس إلى يميني
ودوماخوس إلى شمالي، وذلك اليوم سيتقدَّمني تيطوس إلى الفردوس “. وعندما
تكلَّم هكذا، أجابته أُمه: ” ليبعد الله عنك مصاباً كهذا يا بُنَي”
ورحلا من ثمَّ تجاه مدينة مليئة بالأوثان، وعندما كانا يقتربان منها، استحالت كومة
رمل.

24 – تفجُّر نبع في
المطرية:

 ثم أتيا شجرة جمَّيز
تًدعى اليوم مَطَريَّة، ففجَّر الربّ يسوع في ذلك الموضع نبعاً غسلت فيه السيدة
مريم قميصها. والبلسم الذي ينُتجه ذلك البلد آت من العَرَق الذي سال من أطراف
يسوع.

25 – لقاء فرعون:

 وعندئذ قصداً ممفيس،
وبعدما لقيا فرعون، مكثا ثلاثة أعوام في مصر، وصنع الربّ يسوع هناك كثيراً من
الآيات، غير المدوَّنة في انجيل الطفولة ولا في الإنجيل الكامل.

26 – العودة إلى
اليهودية:

 وبعد ثلاثة أعوام غادرا مصر، وعادا إلى اليهودية، وعندما أصبحا
قريبَين منها خشي يوسف دخولها، لأنه علم للتو أن هيرودس مات وخلفه ابنه أرخيلاوس؛
لكن ملاك الله ظهر له وقال: ” يا يوسف، إمض إلى مدينة الناصرة وأقمْ فيها
مسكنك “.

27 – أمراض بيت لحم:

 وعندما وصلا إلى بيت
لحم، ظهرت هناك أمراض خطيرة وصعبة الشفاء، كانت تضرب عيون الأطفال ويموت بها
كثيرون. وكان لامرأة ابن على وشك الموت بذلك المرض، فحملته إلى السيدة مريم،
فوجدتها تحمي (تغسل) الربّ يسوع. فقالت هذه المرأة: ” أيتها السيدة مريم،
أُنظري ابني الذي يتألم بمرارة “. ولما سمعتها السيدة مريم قالت لها: ”
خُذي قليلاً من هذا الماء الذي غسلت به ابني واسكبيه على ابنك “. وصنعت
المرأة كما نصحتها السيدة مريم، فنام ابنها، بعدما اضطرب جداً، وعندما استيقظ، وجد
نفسه متعافياً تماماً. وذهبت المرأة إلى السيدة مريم وهي ممتلئة فرحاً فقالت لها: ”
أُحمدي الله لشفائه ابنك “.

28 – شفاء طفل ثان:

 وكان لهذه المرأة جارة
ابنها مصاب بالمرض نفسه وكانت عيناه مغلقتَين تقريباً؛ وكان يصرخ ويبكى ليل نهار.
فقالت لها التي شفي ابنها: ” لمَ لا تحملي ابنك إلى السيدة مريم كما حملت
إليها ابني عندما كان على وشك الموت، وشفي بهذا الماء الذي استحمَّ به يسوع؟”
فذهبت هذه المرأة الثانية أيضاً تأخذ من هذا الماء، وبمجرد أن سكبت منه على ابنها
شفي حالا. وجاءت بابنها في صحة تامة إلى السيدة مريم، التي نصحتها بحمد الله وعدم
رواية ما حدث له لأحد.

29 – عقوبة الغيرة:

 وكان في المدينة نفسها
امرأتان متزوَّجان من رجل واحد، ولكلًّ واحدة ابن مريض. وكان اسم واحدة مريم
وابنها كَليوباس هذه المرأة قامت وحملت طفلها إلى السيدة مريم، أُم يسوع، وقدَّمت
لها عباءة جميلة جداً، وهي تقول لها: ” يا سيدة مريم، أقبلي مني هذا العباءة،
وفي المقابل، أعطني أحد أقمطتك “. ووافقت السيدة مريم على ذلك وصنعت أُم
كليوباس من هذا القماط قيمصاً ألبسته ابنها. فألفي نفسه معافي ومات طفل غريمتها في
اليوم نفسه، ونشأت من ذلك اختلافات كبيرة بين هاتَين المرأتَين؛ وكانتا تقومان،
كلًّ بدورها، خلال أسبوع، بالأعمال المنزلية، وعندما جاء دور مريم، أم كليوباس،
كانت منشغلة بتحمية الفرن للخَبز، وإذ احتاجت إلى طحين، خرجت، تاركة طفلها قرب
الفرن. وإذ رأت غريمتها أن الطفل كان وحيداً، حملته وألقته في الفرن المشتعل
وهربت. ولما عادت مريم، كانت دهشتها عظيمة حين رأت طفلها في وسط الفرن حيث كان
يضحك، لأن الفرن برد فجأةً، كما لو أنه لم يُحَمَّ أبدأً، وارتابت بان غريمتها
رمته هناك. فسحبته منه وحملته إلى العذراء مريم، وروت لها ما حدث. فقالت لها
السيدة مريم: ” اصمتي، لأنني أخشى عليك إنْ أذعت هذه الأمور “. ثم راحت
الغريمة تستقي من البئر، وإذ رأت كليوباس يلعب قربها، ولم يكن في الجوار أي مخلوق
بشري، حملته وألقته في البئر. ورأى رجال قدموا للتزود بالماء، الطفل جالساً من دون
أي أذى، على صفحة الماء، ولما نزلوا حبالاً، سحبوه ملأهم إعجاب بهذا الطفل إلى حد
أنهم أدَّوا له الإكرام نفسه كما لإله. وحملته أُمه باكيةً إلى السيدة مريم وقالت
لها: ” يا معلَّمتي، أُنظري ما فعلت غريمتي بابني، وكيف أوقعته في البئر. آه!
سوف تنتهي من دون شك إلى تسبب موته “. فأجابتها: ” أن الله يجازي الشر
الذي أٌلحق بك “. وبعد أيام قليلة، ذهبت الغريمة تستقى من البئر ماءً فأعاق
الحبل قدمَيها، بحيث سقطت في البئر، وعندما هُرعوا لنجدتها، وجدوا أنها حطَّمت
رأسها. وماتت بطريقة مشؤومة، وتمَّ فيها قول الحكيم: ” حفروا بئراً ورمَوا
التراب إلى فوق، لكنهم وقعوا في الحفرة التي حفرها “.

30 – شفاء برتلماوس:

 وكان لامرأة أخرى من
المدينة نفسها طفلان، مريضان كلاهما، واحد مات والآخر على وشك الموت؛ فأخذته على
وشك الموت؛ فأخذته أمه بين ذراعَيها وحملته إلى السيدة مريم ذارفة سيلاً من
الدموع، وقالت لها: ” يا معلَّمتي، تعالي لنجدتي وأشفقي عليَّ؛ كان لي ابنان،
وقد فقدت أحدهما وأُعاين الآخر لحظة موته. أُنظري كيف ألتمس رحمة الربّ “.
وأخذت تصرخ: ” يا ربّ، ملؤك الرأفة والرحمة؛ لقد رزقتني ابنَين، واستدعيت
أحدهما إليك، فاتُرك لي الآخر على الأقل “. فأشفقت عليها السيدة مريم، شاهدةً
على ألمها الشديد، وقالت لها: ” ضعي طفلك في سرير ابني وغطَّيه بثيابه “.
وحين وُضع الطفل في السرير إلى جانب يسوع، انفتحت ثانيةً عيناه المطبقتان بالموت،
وطلب خبزاً، منادياً أُمه بصوت عال، وحين زُوَّد منه، أكله. عندها قالت أُمه: ”
يا سيدة مريم، أعرف أن فضيلة الله تسكنك، إلى حد أن ابنك يشفي الأطفال بمجرد أن
يلمسوه “. والطفل الذي شفي هكذا هو برتلماوس نفسه المحكي عنه في الإنجيل “.

31 – شفاء برصاء:

 وكان في الموضع نفسه
امرأة برصاء قصدت السيدة مريم، أُم يسوع، وقالت لها: ” يا معلَّمتي، أشفقي
عليّ “. فأجابتها السيدة مريم: ” أي عون تطلبين؟ أَذهبٌ أم فضة، أم
تريدين الشفاء من برصك؟”، وردّت هذه المرأة سريعاً: ” ماذا تستطيعين أن
تفعلي من أجلي؟” فقالت لها السيدة مريم: ” انتظري قليلاً حتى أكون قد
غسلت طفلي ووضعته في سريره “. وانتظرت المرأة، وبعدما أرقدته، ناولت السيدة
مريم المرأة وعاءً مليئا بالماء الذي غسلت به طفلها، وقالت لها: ” خذي قليلاً
من هذا، واسكبيه على جسدك “. وما أن فعلت المريضة ذلك، حتى وجدت نفسها
متعافية، فحمدت الله.

32 – شفاء أميرة:

 ثم مضت، بعدما لبثت
ثلاثة أيام قرب السيدة مريم، وأتت إلى مدينة كان يقنطها أمير تزوَّج ابنة أمير
أخر؛ لكنه عندما رأى امرأته، لمح بين عينَيها آثار البرص، في شكل نجمة، فأعلن أن
زواجهما كان باطلاً وغير شرعي. وإذ رأت هذه المرأة الأميرة مستسلمة لليأس، سألتها
عن سبب دموعها، فأجابتها الأميرة: ” لا تسأليني، فمصابي عظيم إلى درجة لا
أستطيع معها البوح به لأحد “. وألحت المرأة للإطلاع عليه، قائلةً أنها قد
تعرف دواءً ما يوصف له. عندها رأت آثار البرص الظاهرة بين عينَي الأميرة: ”
أنا أيضاً، قالت، أُصبت بهذا المرض نفسه وقصدت بيت لحم في عمل. وهناك دخلت مغارة
حيث رأيت امرأة اسمها السيدة مريم، ولها طفل يّدعى يسوع. فأشفقت عليَّ، إذ رأتني
مصابة بالبرص، وأعطتني من الماء الذي غسلت به جسد ابنها. فسكبتُ هذا الماء على
جسدي وشفيتُ على الفور “. وعندئذ قالت لها الأميرة: ” قومي وتعالي معي
واريني السيدة مريم “. ومضَت إليها حاملةً هدايا نفيسة. وعندما رأتها السيدة
مريم، قالت: ” لتحلَّ عليك رحمة الربّ يسوع “. وأعطتها قليلاً من الماء
الذي غسلت فيه طفلها. وبمجرد أن سكبت الأميرة منه عليها، حتى وجدت نفسها متعافية،
فحمدت الربّ، كما حمد الرب أيضاً كلّ الحاضرين. وإذ علم الأمير أن امرأته شفيت،
استقبلها لديه، وحمد الله محتفلاً بعرس ثان.

33 – صبيَّة يعذَّبها
الشيطان:

 وكان في المكان نفسه
صبيَّة يعذَّبها الشيطان؛ فقد كانت الروح الشريرة تظهر لها في شكل تنين عظيم يريد
افتراسها؛ وكان قد امتصَّ كلّ دمها بحيث كانت تشبه جثّة. وفي كلّ المرات التي كان
ينقضُّ عليها، كانت تصرخ، وتقول، ضامَّةً يديَها فوق رأسها: ” الويل، الويل
لي، فما من أحد يمكنه إنقاذي من هذا التنين المريع “. وكان أبوها وأُمها وكلّ
الذين يحيطون بها، وهم شهود على شقائها، يستسلمون للحزن ويذرفون دموعاً، خصوصاً
عندما كانوا يرَونها تبكي وتصيح: ” يا أخوتي وأصدقائي، أليس هناك أحد ينقذني
من هذا الوحش؟”، وإذ سمعت ابنة الأمير التي شفيت من البرص، صوت هذه الشقيَّة،
صعدت إلى سطح قصرها ورأتها، يداها مضمومتان فوق رأسها، ذارفةً دعوماً غزيرة، وكان
كلّ الذين يحيطون بها في أسىً عظيم. فسألت عما إذا كانت أُم الشخص الذي به مس
شيطاني لا تزال حيَّة. وحين أُجبيت بأن أباها وأُمها كانا كلامها على قيد الحياة،
قالت: ” استدعوا أُمها إلى “. وحين جاءت، سألتها: ” أهي ابنتك
الشخص الذي به مس شيطاني على هذه الصورة؟”، وإذ أجابت الأٌم بنعم، ذارفةً
دعوماً، قالت ابنة الأمير: ” لا تبوحي بما سوف أسرُّ به إليك؛ كنت برصاء لكن
السيدة مريم، أُم يسوع المسيح، شفتني. إذا أردت أن تكون لابنتك السعادة نفسها، فقوديها
إلى بيت لحم، وتوسَّلي بإيمان مساعدة السيدة مريم، واعتقد بأنك ستعودين مملوءةً
فرحاً لأن ابنتك ستعود متعافية “. فنهضت الأُم على الفور، ومضت، وقصدت السيدة
مريم، وعرضت لها الحال التي كانت فيها ابنتها. وبعدما سمعتها، أعطتها قليلاً من
الماء الذي غسلت فيه ابنها يسوع، وقالت لها أن تسكبه على جسد التي بها مس شيطاني.
ثم أعطتها قطعةً من أقطمة الطفل يسوع، وقالت لها: ” خذي هذا وأريه لعدوَّك،
في كلّ المرات التي ترينه فيها “. وثمَّ صرفها في سلام.

34 – هرب الشيطان:

 وعندما عادتا إلى
مدينتهما بعد مغادرتهما السيدة مريم، وعندما حلّ الوقت الذي كان فيه الشيطان
معتاداً على تعذبيها، ظهر لها في شكل تنين عظيم؛ فاستولى الذعر على الصبيَّة،
لمنظره، لكن أُمها قالت لها: ” لا تخشي شيئاً، يا ابنتي، دعيه يقترب أكثر منك
وأريه قطعة القماش هذه التي أعطتنا إياها السيدة مريم، وسوف نرى ماذا يمكنه أن
يفعل “. وحين أصبحت الروح الشريرة، التي اتخذت شكل ذلك التنين قريبة جداً،
وضعت المريضة، وهي ترتجف بشدة من الخوف، قطعة القماش على رأسها وبسطتها، وفجأة
خرجت منها ألسنة لهب كانت تثب نحو رأس التنين ونحو عينَيه، وسُمع صوت يصرخ: ”
ماذا يوجد بيني وبينك، يا يسوع، ابن السيدة مريم؟ أين أجد ملاذاً ضدك؟”، وهرب
الشيطان برعب، تاركاً تلك الصبيَّة، ومنذ ذالك الوقت لم يعد يظهر لها أبداً. وهكذا
وجدت نفسها وقد شفيت، وحمدت الله معترفة بالجميل، وهكذا أيضاً كلّ الذين كانوا
حاضرين عند حدوث هذه الأُعجوبة.

35 – شفاء يهوذا الإسخريوطي:

 وكان في تلك المدينة
نفسها امرأة أخرى يعذب الشيطان ابنها. وكان اسمه يهوذا، وفي كلّ المرات التي كانت
الروح الشريرة تسيطر عليه، كان يسعى إلى عضَّ من هم قربه، ولما كان وحده، كان
يعضُّ يدَيه وأطرافه. ولما سمعت أٌم هذا الشقي بالسيدة مريم وابنها يسوع، نهضت،
وحملت ابنها إلى السيدة مريم، ممسكةً إياه في ذراعَيها. وأثناء ذلك كان يعقوب
ويوسف قد قادا الطفل إلى الخارج ليلعب مع الآخرين، وكانا جالسَين خارج المنزل
ويسوع معهما. فاقترب يهوذا أيضاً وجلس إلى يمين يسوع، وحين بدأ الشيطان يثيره
كالعادة، سعى إلى عضَّ يسوع، ولما لم يكن يستطيع الوصول إليه، كان يوجَّه إليه
ضربات في جنبه الأيمن، بحيث أخذ يسوع يبكي. لكن الشيطان خرج من ذلك الطفل في تلك
اللحظة، في هيئة كلب. وذلك الطفل كان يهوذا الإسخريوطي، الذي خان يسوع، والجنب
الذي ضربه شقَّه اليهود بطعنة حربة.

36 – يسوع يحرَّك
الصور:

 وعندما أتمَّ يسوع
عامه السابع، كان يلعب يوماً مع أطفال آخرين من عمره، وكانوا يتسلُّون، ويصنعون من
التراب المبلول صور حيوانات متنوَّعة، ذئاباً، وحميراً، وطيوراً، وكان كلُّ واحداً
متباهياً بعمله، ويجتهد لرفعه فوق مستوى عمل رفاقه. عندها قال يسوع: ” أنني
آمر الصور التي صنعتها بالسير، فتمشي “. ولما سأله الأطفال عما أن كان هو ابن
الخالق، أمر الربّ يسوع الصور بالسير فتقدّمت على الفور. وحين كان يأمرها بالعودة،
كانت تعود. وقد صنع صور طيور وعصافير دوريّ كانت تطير حين يأمرها بالطيران وتتوقّف
حين يقول لها أن تتوقَّف، وحين كان يقّدم لها شراباً وطعاماً، كانت تأكل وتشرب.
وحين غادر الأطفال، وروَوا لأهلهم ما رأوا، قال لهم هؤلاء: ” ابتعدوا من الآن
فصاعداً عن مجلسه، فهو ساحر، وكفوا عن اللعب معه “.

37 – معجزة صبغ
الأقمشة:

 وذات يوم والربّ يسوع
يلعب ويركض مع الأطفال الآخرين، مرَّ أمام دكان صبّاغ اسمه سالم؛ وكان في ذلك
الدكان أقمشة ملك لعدد كبير من سكان المدينة، وكان سالم يستعد لصبغها بألوان
متنوّعة. ولما دخل يسوع ذلك الدكان، تناول كلّ تلك ورماها في حوض ممتلئ بالنيلة
(صبغة زرقاء). ولما رأى سالم الأقمشة تالفةً اخذ يصرخ، ويُطلق صيحات ويوبَّخ يسوع،
قائلاً: ” ماذا فعلت، يا ابن السيدة مريم؟ لقد آذيتني أنا ومواطنيّ؛ فقد كان
كلّ واحد يطلب لوناً مختلفاً، وأنت جئت بغتةً، وأتلفت كلّ شئ “. فأجاب الربّ
يسوع: ” أي قطعة قماش تريد تغيير لونها، أغيَّره “. وراح على الفور يسحب
الأقمشة من

حوض
النيلة، وكان كلّ منها مصبوغاً باللون الذي يرغب فيه الصبَّاغ. فعظَّم اليهود،
شهود هذه المعجزة، قدرة الله.

38 – يسوع يساعد يوسف:

 وكان يوسف يجوب
المدينة كلّها، مصطحباً معه الربّ يسوع، وكانوا يدعونه لصنع أبواب، أو غرابيل، أو
خزائن، وكان الربّ يسوع معه في كلّ مكان. وفي كلّ المرات التي كان يجب أن يكون
العمل الذي يقوم به يوسف أطول أو أقصر، أو أعرض أو أضيق، كان الربّ يسوع يبسط يده،
فيغدو الشيء على الفور كما اشتهاه يوسف، بحيث انه لم يكن يحتاج إلى تهذيب شئ بيده.

39 – عرش الملك:

 كان يوسف ماهراً في
مهنته. وذات يوم، استدعاه ملك أُورشليم وقال له: ” أُريد، يا يوسف، أن تصنع
لي عرشاً بحسب قياس الموضع الذي اعتدت الجلوس فيه “. فأطاع يوسف، وبدأ العمل
على الفور، ثم أمضى عامَين في القصر لصنع ذلك العرش. وعندما وضع العرش في المكان
الذي يجب أن يكون فيه، تبيَّن نقص طولَين في القياس المحدَّد من كل جهة. عندها غضب
الملك على يوسف، الذي لم يستطع الأكل ونام صائماً، خائفاً حنق الملك. ولما سأله
الربّ يسوع عن سبب خشيته، أجاب: ” أن العمل الذي اشتغلت عليه عامَين كاملَين
ضاع “. فأجابه الربّ يسوع: ” كٌفَّ عن خوفك ولا تيأس؛ خُذ هذه الجهة من
العرش وأنا الأخرى، لنجذبه إلى القياس الصحيح “. ولما فعل يوسف ما أمره به
يسوع، وشدَّ كلَّ واحد بقوته من جهته، أطاع العرش وارتدى بالضبط القياس المطلوب.
فأُصيب الحاضرون بالذهول، وقد رأوا هذه المعجزة، وباركوا الله. وكان ذلك العرش
مصنوعاً من خشب كان موجوداً في عهد سليمان، ابن داود، وكان لافتاً بعقَدة
الممثَّلة أشكالاً وصوراً متنوّعة.

40 – الأطفال الكباش:

 وفي يوم آخر، مضى
الربّ يسوع إلى الساحة، ولما رأى الأطفال مجتعمين ليلعبوا، انضمّ إليهم، لكن هؤلاء
أختبأوا، لما لمحوه، فقصد الربّ يسوع باب منزل وسأل منزل نساء كن واقفات عند
المدخل أين هم أولئك الأطفال. ولما أجبنه بأنه لا يوجد واحد منهم في المنزل، قال
الربّ يسوع لهن: ” ماذا ترين تحت هذا العَقْد؟” فأجبن بأن تلك كباش في
الثالثة من العمر، فصاح الربّ يسوع: ” أُخرجي يا كباش، وتعالي نحو راعيك “.
وخرج الأطفال على الفور، متحولين كباشاً، وكانوا يقفزون حوله، وعندما رأت النساء
ذلك استولى عليهن الرعب. وسجدن للربّ يسوع قائلات: ” يا يسوع! يا ابن السيدة
مريم، يا ربنا، أنت حقاً راعي إسرائيل الصالح؛ أشفقْ على خادماتك اللواتي هن في
حضرتك واللواتي لا يرتبن، يا ربّ أتيت لتشفي، لا لتُهلك “. وإذ أجاب الرب
يسوع بعد ذلك بان أبناء إسرائيل هم بين الشعوب مثل إثيوبيين، قالت النساء: ”
يا ربّ، أنت تعرف كلّ الأمور، ولا يفوت علمك اللامتناهي شئ؛ أننا نسألك ونأمل
برحمتك، أن تشاء حقاً ردَّ هؤلاء الأطفال إلى شكلهم القديم “. وعندما قال
الربّ يسوع: ” تعالَوا، يا أطفال، لنذهب ونعلب “. استعادت تلك الكباش
شكل الأطفال على الفور في حضور النساء.

41 – يسوع يتَّوج
ملكاً:

 وفي شهر آذار، جمع
يسوع الأطفال وصفَّهم باعتباره ملكهم: وقد بسطوا ثيابهم أرضاً ليُجلسوه عليها،
ووضعوا على رأسه إكليلاً من الزهور، واصطفوا إلى يمينه وشماله كالأتباعٌ الذين
يرافقون ملكاً. وعندما مرَّ أحدهم من هناك، كان الأطفال يوقفونه بالقوّة، ويقولون
له: ” تعال واسجُدْ للملك، لتفوز بسفر سعيد “.

42 – الطفل والحيَّة:

 وفي أثناء ذلك وصل
رجالٌ يحملون طفلاً على محَفَّة. وكان ذلك الطفل في الجبل مع رفاقه ليحضر حطب،
ولما عثر على عشَّ حجال (طائر) دسَّ فيه ليسحب منه البيض، لكن لسعته حيَّةً كانت
مختبئة في وسط العشَّ، فنادى أصحابه لنجدته. لكنهم حين وصلوا وجدوه ممدَّداً على
الأرض شبه ميت؛ وعند ذلك جاء قومٌ من عائلته، ونقلوه إلى المدينة، ولما وصلوا إلى
الموضع الذي كان الربّ يسوع جالساً فيه على العرش مثل ملك، كان الأطفال الآخرون
يحيطون به بمثابة بلاطه، وهؤلاء ذهبوا لاستقبال الذين يحملون الطفل الذي لسعته
الحية وقالوا لهم: ” تعالوا وحيّوا الملك “. ولما لم يشاؤوا الاقتراب
بسبب الحزن الذي كانوا يعانونه، قادهم الأطفال بالقوة. وحين مثلوا أمام الربّ
يسوع، سألهم لماذا يحملون ذلك الطفل؛ فأجابوا بأن حيَّةً لسعته، فقال الربّ يسوع
للأطفال: ” هيّا بنا ولنقتّلْ تلك الحيَّة “. وكان أهل الطفل الذي كان
على وشك الموت، يتوسلون الأطفال الآخرين أن يدَعوهم يذهبون، لكن هؤلاء أجابوا: ”
أَلم تسمعوا ما قاله الملك: هيّا بنا ولنقتُل الحيَّة، وعليكم الامتثال لأوامره؟”.
وعلى الرغم من معارضتهم، أعادوا المحَفَّة على أعقابها. وعندما وصلوا إلى قرب
العشَّ، قال الربّ يسوع للأطفال: ” ألا تختبئ الحيَّة هنا؟” ولما أجابوه
هم بنعم، خرجت الحيَّة على الفور، وقد ناداها الربّ يسوع، وخضعت له. فقال الربّ: ”
أذهبي وامتصَّي السمّ كلّه الذي نفثتيه في عروق هذا الطفل “. وعندئذ استعادت
الحيَّة وهي تزحف السمَّ كلّه الذي تقيَّأته، وانشقَّت على الفور بعد ذلك وماتت،
وقد لعنها الربّ. ولمس الربّ يسوع الطفل بيده، فشُفي. ولما أخذ يبكي، قال الربّ
يسوع: ” لا تبك، فستكون تلميذي “. وكان ذلك الطفل سمعان الكنعاني
المذكور في الإنجيل.

43 – شفاء يعقوب:

 وفي يوم آخر، كان يوسف
قد أرسل ابنه يعقوب ليجمع الحطب، وانضمَّ إليه الربّ يسوع لمساعدته، ولما وصلا إلى
الموضع الذي كان فيه الحطب، أخذ يعقوب يلتقط منه، وإذا بأفعى تلسعه، فبدأ يصرخ
ويبكي. ولما رآه الربّ يسوع في هذه الحال دنا منه، ونفخ فوق الموضع الذي لُسعَ
فيه، فشفي يعقوب حالاً.

44 – قيامة زينون:

 وذات يوم، كان الربّ
يسوع مع يلعب مع أطفال على سطح، فترك أحد هؤلاء نفسه يسقط ومات على الفور. ولما
وصل أهل الميت قالوا للربّ يسوع: ” أنت هو الذي دفع ابننا من أعلى السطح “.
ولما انكر ذلك، ردَّدوا بصوت أعلى: ” ابننا مات وها هو الذي قتله “.
فأجاب الربّ يسوع: ” لا تتهموني بجريمة لا تستطيعون تقديم أي إثبات عليها؛
إنما لنسأل هذا الطفل ليَقُلْ ما حقيقة الأمر “. ونزل الربّ يسوع ووقف قرب
رأس الميت وقال بصوت عال: ” يا زينون، يا زينون، مَنْ دفعك من أعلى السطح؟”
فأجاب الميت: ” يا
ربّ، لستَ أنتَ سبب سقوطي، بل هو فلان
مَنْ أسقطني “. وإذ أوصى الربّ الحاضرين بالانتباه إلى هذه الكلمات، حمد كلّ
الذين كانوا حاضرين الله على هذه المعجزة.

45 – الماء في معطف
يسوع:

 وأمرت السيدة مريم ذات
يوم الربّ يسوع بالذهاب للاستقاء من بئر. وعندما أدى هذا العمل، ورفع على رأسه
الجرََّة وهي مملؤة، انكسرت. ومن ثم فقد بسط الربّ يسوع معطفه وحمل الماء الذي
جمعه فيه إلى أمه، فصُعقَت إعجاباً، وكانت تحفظ في قلبها كلّ ما تراه.

46 – تيبُّس ابن حنون:

 وفي يوم آخر، كان
الربّ يسوع يلعب عند حافَّة الماء مع أطفال آخرين، وقد شقُّوا قنوات ليُجروا فيها
الماء، وقد كونوا بركاً صغيرة، وصنع الربّ يسوع من التراب اثني عشر عصفوراً ووضعها
حول بركته، ثلاثة من كلّ جهة. وكان اليوم سبت، فجاء بغتة ابن حنون، اليهودي، وقال
لهم وقد رآهم مشغولين هكذا: ” كيف يمكنكم أن تصنعوا صوراً من الوحل يوم سبت؟ ”
وأخذ يخرَّب عملهم. وإذ بسط الطفل يسوع يدَيه فوق الطيور التي صنعها، طارت
مزغردةً. وعندما اقترب ابن حنون، اليهودي، من البركة التي حفرها يسوع، ليخربها،
اختفي الماء، فقال له الربّ يسوع: ” أنتَ ترى كيف جفَّ هذا الماء؛ سيحدث هذا
الأمر نفسه بحياتك “. وعلى الفور يبس الطفل.

47 – سقوط طفل:

 وفي يوم آخر، وبينما
الربّ يسوع يدخل مساءً مسكن يوسف، أصابه طفلٌ كان يركضٌ نحوه بصدمة عنيفة إلى درجة
أن الربّ يسوع وقع تقريباً، فقال لذلك الطفل: ” كما دفعتني، أُسقُطْ ولا تنهض
“. وفي الحال سقط الطفل أرضاً ومات.

48 – عند المعلَّم
زكّا:

 وكان في أُورشليم رجل،
اسمه زكّا، كان يعلَّم الأطفال النشء. وكان يقول ليوسف: ” لمَاذا يا يوسف، لا
تُرسل إليَّ يسوع ليتعلَّم الحروف؟” ووافق يوسف على هذا الأمر، واتفق مع
السيدة مريم على ذلك. وعندئذ قادا الطفل إلى المعلَّم، ولما رآه هذا الأخير، كتب
الألف باء وقال له أن ينطق أَلف. وحين فعل ذلك، طلب منه أن يقول بيْت. فقال له
الربّ يسوع: ” قُلْ لي أولاً ما معنى حرف أَلف، وعندها انطق بيْت “.
وكان المعلم يتهيّأ لتأديبه، لكن الربّ يسوع أخذ يشرح له معنى حرفي أَلفَ وبيْت
وما هي الحروف ذات الشكل المستقيم، والحروف المائلة، والحروف الصوتية، والحروف
المزدوجة، والحروف التي ترافقها نقاط، وأخيراً، الحروف التي تفتقر إليها، ولمَاذا
يتقدَّم هذا الحرف آخر، وأخيرا قال أشياء كثيرة لم يسمع بها المعلَّم أبداً ولم
يقرأها في أي كتاب. وقال الربّ يسوع للمعلَّم: ” انتبه إلى ما سأقوله لك “.
وأخذ يتلو بوضوح وجلاء أَلَف، بيْت، جيْميل، دالتْ، حتى نهاية الألف باء. وأعجب
المعلَّم بذلك، وقال: ” اعتقد أن هذا الطفل وُلد قبل نوح “. وأضاف،
ملتفتاً نحو يوسف: ” لقد جئتني بطفل لأُعملَّه، في حين أنه يعلم أكثر من كلّ
الأحبار “. وقال للسيدة مريم: ” أن ابنك لا يحتاج إلى تعليمنا على
الإطلاق “.

49 – عند معلَّم أعلم:

 ثم قاداه إلى معلَّم
أكثر علماً، وبمجرد أن لمحه، حتى سأله: ” قل أَلف “. وعندما قال أَلف،
أمره المعلَّم بأن ينطق بيْت. فأجابه الربّ يسوع: ” قُلْ لي ماذا يعني الحرف
أَلف، وعندها أنطق بيْت “. فرفع المعلَّم يده، غاضباً ليضربه، فيبست يده على
الفور، ومات. عندها قال يوسف للسيدة مريم: ” من الآن فصاعداً لا يجب أن نترك
الطفل يخرج من البيت، فأي شخص يعارضه يسقط ميتاً.

50 – محاورة الأحبار
والشيوخ والعلماء:

 وعندما بلغ الثانية
عشرة، ذهبا به إلى أُورشليم وقت العيد، ولما انتهي العيد، عادا؛ لكن الربّ يسوع
بقي في الهيكل، بين أحبار أبناء إسرائيل وشيوخهم وعلمائهم، الذين كان يسألهم في
نقاط علمية مختلفة، وبدوره، يجيبهم، وقد سألهم: ” ابن مَنْ هو المسيح؟”
فأجابوا: ” انه ابن داود “. وأجاب يسوع: ” لماذا إذاً يدعوه داود
بالروح القدس ربَّه، قائلا: قال الربّ لربّي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت
قدميك “. عندئذ سأله أحد رؤساء الأحبار، قائلا: ” هل قرأت الكتب
المقدسة؟” فأجاب الربّ يسوع: ” لقد قرأت
الكتب وما
تحتويه “، وكان يشرح لهم الكتاب المقدّس، والشريعة، والوصايا، والقوانين،
والأسرار التي تحتويها كتب الأنبياء، والتي لا يستطيع عقل أي مخلوق فهمها. وقال
رئيس الكهنة: ” لم أرَ أبداً ولا سمعت تعليماً كهذا؛ ماذا تفكرون بما سيكون
عليه هذا الطفل؟”.

51 – في علم الكواكب:

 وكان هناك فيلسوف،
عالم فلك، سأل الربّ يسوع عما إذا كان قد درس علوم الكواكب. وعرض يسوع مُجيباً
إياه عدد الأفلاك والأجسام السماوية، وطبيعتها وتعارضاتها، وشكلها الثلاثي، والرباعي
والسداسي، وسيرها وحركتها العكسية، وحساب الأعياد ودرس التأثيرات وأموراً في البشر
وأموراً أخرى لم يسبْرها عقل أي إنسان.

52 – في الجسد والنفس:

 وكان هناك أيضاً في ما
بينهم فيلسوف عالم جداَ في الطب والعلوم الطبيعيّة، وعندما سأل الربّ يسوع عما إذا
كان قد درس الطب، عرض له الرب يسوع الفيزياء وما وراء الطبيعة، والفيزياء العليا
والفيزياء السفلى، وخاصيَّات الجسم والسوائل ومفاعيلها، وعدد الأطراف والعظام،
والإفرازات البولية، والشرايين والأعصاب، والأمزجة المختلفة، الحار والجاف، البارد
والرطب، وما هي تأثيراتها؛ وما هي أفعال النفس في الجسد، وأحاسيسها وخاصيَّاتها،
وخصائص الكلام، والغضب، والرغبة، والتجمُّع والتبعثر وأموراً أخرى لم يستطع فكر أي
مخلوق شرحها. عندها نهض ذلك الفيلسوف وسجد للربّ يسوع قائلاً: ” يا ربّ، من
الآن فصاعداً سأكون تلميذك وخادمك “.

53 – العودة إلى
الناصرة:

 وبينما كانوا يتحدَثون
هكذا، جاءت السيدة مريم بغتة مع يوسف، وكانت أيام تبحث عن يسوع منذ ثلاثة؛ ولما
رأته جالساً بين الأحبار، سائلا إياهم ومجيباً إياهم بالتتالي، قالت له: ” يا
بُنَيَّ، لمَ تصرفت هكذا معنا؟ أن أباك وأنا بحثتا عنك، وغيابك سبَّب لنا الكثير
من الألم “. فأجاب: ” لماذا كنتما تبحثان عني؟” ألا تعلمان أنه
ينبغي أن أبقى في بيت أبي؟” لكنهما لم يفهما الكلمات التي وجَّهها إليهما.
عندئذ سأل الأحبار السيدة مريم إذا كان هو
ابنها، ولما
أجابتهم بنعم، صاحوا: ” أيتها المحظوظة السيدة مريم، التي ولدت طفلاً كهذا “.
وعاد معهما إلى الناصرة، وكان خاضعاً لهما في كلّ الأمور. وكانت أُمه تحتفظ بكل
كلماته في قلبها. وكان الربّ يسوع ينمو في القامة، والحكمة والنعمةً أمام الله و
أمام الناس.

54 – كشف الرسالة:

 ومنذ ذلك اليوم بدأ
يحجب معجزاته وخفاياه وأسراه والاهتمام بالناموس، إلى أن أتم عامه الثلاثين،
وعندما أعلن أبوه رسالته علانية من أعلى السماء على ضفاف الأُردن: ” هذا هو
ابني الحبيب الذي به سررت “. عندما ظهر الروح القدس في شكل حمامة بيضاء.

55 – ” أعطانا
الوجود والحياة “:

 هذا هو الذي نعبده
بأتضاع، لأنه الوجود والحياة، وأخرجنا من أحشاء أُمهاتنا؛ واتخذ من أجلنا جسد
الإنسان، وافتدانا وغمرنا برحمته الأبدية، ومنحنا وجوده بنعمته ومحبته. له المجد،
والعزَّة، والمديح والسيادة إلى أبد الآبدين. آمين.

 خاتمة
إنجيل الطفولة كاملاً، بعون الله الأسمى، وفقاً لما نجد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار