الإصحاح التاسع عشر
الإصحاح التاسع عشر]]>الإصحاح التاسع عشر
(مت 1:19-12 + مر 2:10-12)
(مت 1:19-12):-
ولما اكمل يسوع هذا الكلام انتقل من الجليل وجاءإلى تخوم اليهودية من عبر الأردن. وتبعته جموع كثيرة فشفاهم هناك.وجاء إليهالفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب. فأجاب وقال لهمأما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى. وقال من اجل هذا يترك الرجلأباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا. إذا ليسا بعد اثنين بل جسدواحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتابطلاق فتطلق. قال لهم أن موسى من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكنمن البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم أن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرىيزني والذي يتزوج بمطلقة يزني. قال له تلاميذه أن كان هكذا أمر الرجل مع المرأةفلا يوافق أن يتزوج. فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم.لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أمهاتهم ويوجد خصيان خصاهم الناس ويوجد خصيانخصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات من استطاع أن يقبل فليقبل.
قضى الرب فى الجليل فترة طويلة من خدمته، ولماأكمل الخدمة ترك الجليل ولم يعد إليها إلاّ بعد القيامة. وهنا نراه متجهاً إلىاليهودية وأورشليم للمرة الأخيرة، ماراً بعبر الأردن. وفى زيارته هذه الأخيرةلأورشليم صُلبَ. وفى أثناء هذه الرحلة تدخل أحداث (لو 51:9-34:18). ومنطقة عبرالأردن (بيرية وتسمى الآن الجولان) هى التى كان يوحنا المعمدان يعلم ويعمد فيها(يو40:10) ليجربوه = كانت هناك مدرستين عند اليهود فى موضوع الطلاق:-
1. مدرسة الراباى هليل، وهم يسمحون بالطلاق لكل سببحتى عدم إجادة الطهى أو حتى لو أعجبت الرجل إمرأة أخرى وكره إمرأته.
2. مدرسة الراباى شمعى وهى تقيد الطلاق إلاّ لسببالخيانة فقط
وسؤال الفريسيين للمسيح هنا فى خبث، فهو موجه ضدهيرودس وهيروديا فهيرودس كان قد طلق إمرأته بنت الحارث ليتزوج بإمرأة أخيه فيلبس.فلو منع المسيح الطلاق لإشتكوه لهيرودس فيقتله كما قتل المعمدان. ولو سمح المسيحبالطلاق لكان أقل من المعمدان جرأة فى الشهادة للحق. لكل سبب= أى لكل ما لايعجبه فيها بحسب مدرسة الرابى هليل. خلقهما ذكراً وأنثى= الرب هنا يقررشريعة الزوجة الواحدة، فالله خلق إمرأة واحدة لآدم، بالرغم من حاجته لزيادة النسلفى الأرض. يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته= الرابطة الزوجية أقوى منكل الروابط العائلية ولا تفك. ولقد سمح موسى بالطلاق، لذلك كان هؤلاء الفريسيونالخبثاء، وكانوا قد سمعوا رأيه بمنع الطلاق أثناء عظته على الجبل (مت 31:5،32)يريدونه أن يكرر رأيه هذا ثانية ليتهموه بأنه كاسر للناموس. أما السيد المسيحفإستغل السؤال ليشرح لهم ولنا أن الزواج سر مقدس= فالذى جمعه هو الله= اللههو الذى جمع الزوجين ليصبحا جسداً واحداً. وإذا كان الله هو الذى جمعهمافكيف يفرق الإنسان بالطلاق ما جمعه الله. من أجل هذا يترك.. = من أجل أنيتم سر الزواج ليستقل الرجل عن عائلته ليبنى أسرة جديدة.
والكتاب قدس سر الزواج فى عدة مناسبات:-
1. هنا يقول عنه السيد المسيح أن ما جمعه الله.إذاً هو رباط إلهى.
2. كثيراً ما سمعنا فى العهد القديم عن اليهود شعبالله أنهم عروس الله (أش 1:50 + هو 2:2).
3. بولسالرسول شبه علاقة المسيح بكنيسته بعلاقة الرجل بإمرأته وقال إن هذا السر عظيم
(أف 23:5-32).
4. السيد المسيح كرم الزواج بحضوره عرس قانا الجليل(يو2).
5. يقولبولس الرسول “ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس (عب 4:13)وراجع أيضاً (1تى 1:4-3 + 1كو 10:7،11).
6. المسيحكعريس للكنيسة ترك أباه= اى ترك مجده وأخلى ذاته أخذاً صورة عبد وترك أمه = أىالشعب اليهودى الذى أتى منه بالجسد. ليلتصق بإمرأته أى كنيسته.
وموسى لم يوصى بالطلاق، فالسؤال خاطئ فلماذاأوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلق. (تث 1:24) لكن موسى أوصى أنه فى حالة أنيطلق رجل زوجته يعطيها كتاب طلاق به يمكنها أن تصبح حرة وتتزوج من رجل آخر لوأرادت. والسيد يشرح لماذا سمح موسى بهذا. بأن موسى من أجل قساوة قلبهم أذن أوسمح ولم يوصى بهذا. وهم فى قساوة قلوبهم كانوا سيقتلون نساءهم لو تضايقوا منهم.إذاً طلاق الزوجات كان خيرٌ من قتلهن. بل ربما كان الرجل وهو يكتب كتاب طلاقلزوجته ويعرف أن بهذا الكتاب ستصير لآخر، يرجع عن فكرة الطلاق. والسيد أعطى سبباًواحداً للطلاق وهو الزنا. فالزنا يجعل الزانية جسد واحد مع الرجل الآخر، وبهذا هىقطعت علاقة الجسد الواحد مع زوجها وبهذا فرب المجد يقيد الطلاق تماماً إلاّ لعلةالزنا. وبهذا على الزوج والزوجة أن يحتملا بعضهما بثبات للحفاظ على العلاقة التىجمعها الله. ومن يطلق إمرأة لغير سبب الزنا ويتزوج بأخرى (عن طريق المحاكمالعالمية) فهو يزنى، لأن الذى طلقه إنسان. ولكن الله لم يطلقه. ونرجع للقاعدة التىوضعها المسيح ما جمعه الله لا يفرقه إنسان. ومادام الله لم يحكم بالإنفصالفهما مازالا جسداً واحداً، فكيف يتزوج بأخرى؟ فهذا يكون زنا. فالزنا هو أن يقيمالرجل علاقة مع إمرأته اخرى غير زوجته، وزوجته الأولى (التى طلقها بواسطة إنسان)مازالت زوجته بحسب حكم الله، لذلك قال السيد فى (مر11:10) يزنى عليها فهىمازالت زوجته. وإن كان موسى قد سمح بالطلاق فملاخى النبى أعلن عن غضب الله على منيغدر بإمرأته (ملا13:2-16) وهنا يصرح أن الله يكره الطلاق. فالمسيح يشرح لهؤلاءالقساة روح الناموس وليس حرفه.
وواضح طبعاً أن فى كلام السيد المسيح منعاًباتاً من تعدد الزوجات فإذا كان من طلق إمرأته (بحكم من المحكمة) يزنى إن تزوجبأخرى. فماذا يكون الموقف ممن تزوج إمرأة أخرى دون أن يطلق الأولى (حتى بحكم منالمحكمة)
ونلاحظ فى (مر12:10) أن السيد ساوى بين الرجلوالمرأة فقال وإن طلقت إمرأة زوجها.. واليهود كانوا يعطون حق طلب الطلاقللزوج فقط وليس للزوجة. فكان كلام المسيح هنا غريباً على أسماع اليهود.
(آية 10):-
قال له تلاميذه أن كان هكذا أمر الرجل مع المرأةفلا يوافق أن يتزوج.
فلا يوافق أن يتزوج = هذا الكلاممعناه أن التلاميذ رأوا فى منع السيد للطلاق تقييداً لحرية الرجل، فقالوا إذاً الأسهل أن يعيش الإنسان بلازواج حتى لا تضايقه إمرأة لا يستطيع أن يطلقها.
(آية 11):-
فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذينأعطى لهم.
ليس الجميع يقبلون هذا الكلام= ليس كلإنسان يستطيع مقاومة الغريزة الطبيعية التى فيه ويتبتل، بل من يُعطى معونة إلهيةفيصبح أعلى من الطبيعة. هؤلاء أعطى لهم = أعطى لهم معونة ونعمة للسمو فوقالطبيعة. هؤلاء أسماهم السيد فى آية 12 خصيان خصوا أنفسهم= لا بالمعنىالحرفى كما فعل العلامة أوريجانوس، فالكنيسة تحرم هذا، ولكن المعنى هو زيادةالجهاد والصلوات والأصوام فتزداد النعمة، ويفرح مثل هذا بالمسيح ولا يريد أن يعطلهالزواج عن علاقته بالمسيح (1كو 32:7-34) فيمتنع مثل هذا عن الزواج مكرساً كل حياتهوعواطفه لله. أما من يهرب من الزواج بسبب مسئولياته فلا يقال عنه هذا الكلام.فهناك فرق بين البتولية (من إمتنع عن الزواج حباً فى المسيح) وبين العزوبية(الهروب من مسئوليات الزواج).
خصيان ولدوا هكذا= بسبب عيب خَلْقى.وهؤلاء لا يقال عنهم بتوليون. خصيان خصاهم الناس= كما كانوا يفعلون معالعبيد ليخدموا فى بيوت النساء
الزواج فى المسيحية
الزواج فى المسيحية هو سر من أسرار الكنيسة،وأسرار الكنيسة هى حصولنا على نعمة غير منظورة تحت أعراض منظورة. ففى سر الزواج يعطىالروح القدس للزوجان أن يصيروا جسداً واحداً ويجمعهما فى محبة روحانية [ من طقسصلوات سر الإكليل “إعطهم يارب المحبة الروحانية تجمع بين قلبيهما] والمحبةالروحانية تفترق عن المحبة الجسدانية فالمحبة الجسدانية هى محبة دافعها الأولوالأخير الشهوات الجسدية وهذه مصيرها أن تضيع مع الأيام لذلك كثير من الزيجات التىبدأت بالحب إنتهت بالطلاق، لأن الحب كان جسدياً فقط.
ولكن من حصل على نعمة الروح القدس فى سر الزواجيضع الروح القدس الحب فى قلب الزوجين، بل ويزيد هذا الحب طوال العُمر وهذه هىالمحبة الروحانية. ولكن لماذا تفشل بعض الزيجات التى تتم بسر زواج؟ سر الزواج مثلأى سر نحصل فيه على النعمة ولكن علينا أن نضرمها. فمثلاً فى سر المعمودية نموت معالمسيح ونقوم معه فهل كل معمد هو ميت عن العالم ويتمتع بالحياة المقامة مع المسيح؟ نحن حصلنا على النعمة فى سر المعمودية ولكن المستهتر فى جهاده يفقد هذه النعمة.مثال أخر:- فى سر الميرون يمتلئ المؤمن المعمد من الروح القدس فهل كل من يحصل علىالسر هو ممتلئ الآن؟ قطعاً لا فهذا يتوقف على جهادة وإلاّ لما قال بولس الرسوللتلميذه تيموثاوس “إضرم موهبة الله التى فيك بوضع يدى (2تى6:1) ويقول لأهل أفسسإمتلئوا بالروح (أف 18:5) إذاً كل من يجاهد يمتلئ. ومن لا يجاهد يطفئ الروح (1 تس19:5).
وهذا ما يحدث فى سر الزواج، فالعروسين يحصلانعلى النعمة ولكن إن أهملا جهادهما الروحى وعاشا بلا صلاة وبلا صوم وبلا كتاب مقدسوبلا كنيسة تنطفئ النعمة التى حصلا عليها فى سر الزواج “لا تطفئواالروح” وبهذا تختفى المحبة الروحانية الى كانت تبتلع الخلافات الطبيعية بينأى زوجين، فتكبر الخلافات.. وينتهى هذا البيت فى أحيان كثيرة بالطلاق. فالسيدالمسيح حين منع الطلاق أعطى لكل زوجين نعمة تصون البيت من الإنهيار. ولكن هل يصونالزوجين هذه النعمة بأن تكون لهما علاقة مع الله ويستمروا فى جهادهم؟ لو فعلوا لماكان هناك طلاق ولما عانت الأسر المسيحية.
(مت 13:19-15 + مر 13:10-16 + لو 15:18-17) المسيحيبارك الأولاد
(مت 13:19-15):-
حينئذ قدم إليه أولاد لكي يضع يديه عليهم ويصليفانتهرهم التلاميذ. أما يسوع فقال دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لان لمثلهؤلاء ملكوت السماوات. فوضع يديه عليهم ومضى من هناك
راجع تفسير (مت 1:18-6) بعض الأباء قدمواأطفالهم للسيد ليباركهم، أما التلاميذ إنتهروا الأطفال بحسب المفهوم اليهودى الذىيحتقر الأطفال(فلا يصح أن يوجدوا فى حضرة المسيح). ولكننا نجد هنا السيد يحنو علىالأطفال كما يحنو على كل ضعيف. ومن يقبل للرب فى بساطة الأطفال يحتضنه الرب كماإحتضن هؤلاء الأطفال (مر16:10) ويباركه. وباركهم= الكلمة اليونانية تعنىباركهم بشدة مرة ومرات.
(مت 16:19-26 + مر 17:10-27 + لو18:18-27):-الشاب الغنى
(مت 16:19-26):-
و إذا واحد تقدم وقال له أيها المعلم الصالح أيصلاح اعمل لتكون لي الحياة الأبدية. فقال له لماذا تدعوني صالحا ليس أحد صالحاإلاّ واحد وهو الله ولكن إن أردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. قال له ايةالوصايا فقال يسوع لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد بالزور. اكرم أباك وأمك واحبقريبك كنفسك. قال له الشاب هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فماذا يعوزني بعد. قال لهيسوع ان أردت ان تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماءوتعال اتبعني. فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزينا لأنه كان ذا أموال كثيرة. فقاليسوع لتلاميذه الحق أقول لكم انه يعسر ان يدخل غني الى ملكوت السماوات. وأقول لكمأيضاً ان مرور جمل من ثقب إبرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله. فلما سمعتلاميذه بهتوا جدا قائلين إذا من يستطيع ان يخلص. فنظر إليهم يسوع وقال لهم هذاعند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع
هذه القصة مرتبطة بما سبق، فما سبق أن الرجوعلبساطة الطفولة هو شرط لدخول الملكوت، وتحدثنا هذه القصة عن الشرط الثانى وهو عدمالإعتماد على شىء سوى الله.
ومن لوقا نفهم ان هذا الشاب كان رئيس أىرئيس مجمع لليهود أو عضو فى السنهدريم لكنه كان صادقاً فى سؤاله للمسيحلذلك أحبه يسوع (مر10:21).وقيل عنه ركض وجثا إذاً هو مهتم ويحترمالمسيح.
أيها المعلم الصالح.. لماذا تدعونى صالحاً.. ليسصالح إلاّ واحد وهو الله المسيح لم يقل له لا تدعونى صالحاً، والمسيح قالعن نفسه، أنا هو الراعى الصالح (يو11:10). ولكن المسيح أراد ألاّ يكلمه الشاب بلافهم كما إعتادوا أن يكلموا معلمى اليهود، إذ يطلقون عليهم ألقاب لا تطلق إ لاّ علىالله وحده والمسيح لا ينخدع بالألقاب التى تقال باللسان، بل هو يطلب إيمان هذاالشاب القلبى بأنه هو الله، وانه هو الصالح وحده “من منكم يبكتنى على خطية(يو 46:8). والمسيح كان يقود الشاب خطوة خطوة. وكانت الخطوة الأولى أن يقودهللإيمان به، أنه هو الله، فبدون الإيمان لا يمكن فعلاً حفظ وصايا الناموس وبالتالىلا يمكن له أن يرث الحياة الأبدية. وإذا آمن هذا الشاب لأمكنه حفظ الوصايا. فكيفيصير كاملاً ؟ الخطوة التالية هى التخلى عن الثقة فيما نملكه وأن نضع كل ثقتنا فىالمسيح هذا هو المعنى المطلوب لقول السيد أذهب بع أملاكك… والسيد بنفسهفى (مر 24:10) فسر ما يعنيه بالقول السابق حين قال = ما أعسر دخول المتكلين علىالأموال إلى ملكوت الله = فالبيع معناه أن أفقد إهتمامى بالشىء ولا أعود أعتمدعليه أو أضع فيه ثقتى =إتبعنى وبهذا المفهوم يستطيع الغنى أن يعطى للفقراءوللمحتاجين من ثروته دون خوف من المستقبل، فالله يدبر المستقبل، ولا يخاف مثلاً أنتضيع ثروته، فالله هو ضمان المستقبل، وليس الثروة. والسيد فى إجابته لم يقل أنالأغنياء لن يدخلوا إلى ملكوت السموات بل سيد خلوا إن هم قبلوا الدخول من البابالضيق = مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله = ثقبالإبرة هو باب صغير داخل باب سور أورشليم الكبير. فهم تعودوا على إغلاق أبوابأورشليم قبل الغروب، وحينما تأتى قافلة متأخرة لا يفتحون الباب الرئيسى، بل بابصغير فى الباب الرئيسى. والجمل لا يستطيع أن يدخل من هذا الباب الصغير (ويسمى ثقبالإبرة) إلاّ بعد أن يناخ على ركبتيه (يركع على ركبتيه) وتُنْزَلْ كل حمولتهويُجَّرْ ويُدْفَعْ للداخل.وهكذا الغنى لا يدخل ملكوت السموات إلاّ لو تواضع وشعرأن كل أمواله هى بلا قيمة. وتدفعه النعمة دفعا، هذا معنى أنه عند الله كل شىءمستطاع = فالنعمة تفرغ قلب الغنى من حب أمواله وتلهب قلبه بحب الكنز السماوى.راجع (اتى 17:6-19). ومعنى الكلام أن الأغنياء يمكنهم ان يدخلوا الملكوت لو قبلواالدخول من الباب الضيق والنعمة تعين من يريد.والمسيح بإجابته ليس أحد صالح يوجهالكل إلى عدم الرغبة فى محبة أى كرامة أو ألقاب مبالغ فيها، وأن ننسب كل كرامة للهلا لأنفسنا. وبقوله إذهب وبع كل أملاكك= هو قد لمس نقطة ضعف هذا الشاب أولاوهى محبته للأموال.
الله ليس ضد الأغنياء فهو جعل سليمان الملكغنياً جداً وإبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب كانوا من الأغنياء. لكن المهم عند الرب هوأن لا يعتمد أحد أو يضع ثقته فى أمواله.
مضى الشاب حزيناً= فالطبيعة البشرية بحكمالتصاقها الشديد بمغريات هذا العالم، من العسير عليها جداً أن تترك العالمبإختيارها الطبيعة وتلتحق بالله والروحيات، ولكن بمساعدة نعمة الله تستطيع. هذاالشاب اراد أن يجمع بين حبه لله وحبه للمال ولكن محبة المال هى عداوة لله وأصل لكلالشرور (1تى 9:6،10). والعبادة يحب ان تكون لله وحده. وطالما هذا الشاب معلق بحبالمال بهذه الصورة، فيستحيل عليه أن يحفظ الوصايا تماماً.
والعجيب ان الله يفيض من البركات الزمنية معالبركات الروحية لمن ترك محبة العالم بإرادته (مت 29:19). وهذا ما حدث مع بطرسوباقى التلاميذ، فقد تركوا شباكاً ومهنة صيد وحصلوا على محبة الناس فى كل مكانوزمان وعلى أمجاد أبدية.
ولاحظ فى (مر19:10) أن السيد يضع من ضمن الوصايالا تسلب فالرب غير مقيد بحرفية الوصية، بل هو يشرح روح الوصية، والوصيةالعاشرة تتكلم عن لا تشته بيت قريبك ولا إمرأته ولا عبده.. والأغنياء والحكاموالرؤساء ومنهم هذا الشاب معرضون بحكم قوتهم ومركزهم أنهم إذا إشتهوا ما لقريبهمأو جارهم يأخذوه منه عنوة أى يسلبوه، وهم أيضاً ينهبون أجر الفعلة (يع 4:5) (راجعقصة أخاب ونابوت اليزرعيلى)
§ كثيرون من الأغنياء تبعوا يسوع مثل نيقوديموسويوسف الرامى ولم يطلب منهم أن يبيعوا ما لهم ولكنه طلب هذا من الشاب لأنه كانمتعلقاً بأمواله وأحبها أكثر من الله. فكانت أمواله هى التى تمتلكه وليس هو الذىيمتلكها. لذلك تصلى الكنيسة “صلاحاً للأغنياء”. الله خلق العالم والمادةوالأموال لنستعملها لا لتستعبدنا، وبهذا بدلاً من أن تسند الأموال الناس ربطتالبعض فى شباك التراب، والسيد شرح أن العيب ليس فى المال بل القلب المتكل علىالمال (كما شرح هذا إنجيل مرقس إذ قال ما أعسر دخول المتكلين على الأموال…). ولما سمع التلاميذ هذا التعليم بهتوا إلى الغاية.. قائلين..فمن يستطيع أن يخلص = لقد أدرك التلاميذ صعوبة الطريق بسبب إغراءات المال، وهميعلمون أن الناس منكبين على المال لا يستطيعون أن يتخلوا عنه. واليهود كانوايعتقدون ان لا شىء يفضل على الماديات.
§ واضح أن هذا الشاب كان يبحث عن طريق الكمال، لقدحفظ وصايا الناموس فماذا بعد ؟ ماذا يعوزنى بعد (مت 20:19) إذاً هو يطلب الكمالالذى فوق الناموس، ولا كمال فوق الناموس سوى المسيح الذى قال جئت لأكمل. لذلك حينقال الشاب للسيد “أيها المعلم الصالح” كان رد المسيح يعنى “أنتلاتؤمن إنى الله، وإرتدائى للجسد قد ضللك فلماذا تنعتنى بما يليق بالطبيعة العلويةوحدها مع أنك لا تزال تحسبنى إنساناً مثلك” وبهذا كان المسيح يجتذبه للإيمانبه كإبن لله فهذا هو طريق الكمال، وإذا آمن به وجد فيه كل كفايته، وَجَدَ فيهاللؤلؤة الكثيرة الثمن، حينئذ يسهل عليه بيع اللالىء الكثيرة التى لديه أى يبيعأمواله، ويضع كل إعتماده وإتكاله عليه فقط.
§ فى الثلاثة أناجيل تأتى قصة ذلك الشاب الغنىوقول المسيح أن من العسير دخول الأغنياء إلى الملكوت، مباشرة بعد قصة مباركتهللأطفال وقوله أن لمثل هؤلاء ملكوت السموات، فالأطفال فى بساطتهم وعدم تعلقهمبالعالم يسهل دخولهم للملكوت، أماّ من تثقل بمحبة العالم فمثل هذا يصعب دخولهللملكوت. وبهذا فالإنجيل يعرض صورتين متناقضين أحداهما للحياة والأخرى للموتليختار كل إنسان بينهما.(تث 10:30). الصورتين إحداهما تصور البساطة مع غنى اللهوالملكوت والأخرى تصور غنى العالم ومجده وهو زائل وفانى وسوف نتركه.
§ ليس معنى هذه القصة أن الفقراء سيدخلون الملكوتبلا نقاش، فهناك فقراء بلا قناعة، متذمرين، يلعنون الزمان الذى جعلهم فقراء هكذا،يشتهون المال ضماناً لمستقبلهم، غير شاكرين الله على ما أعطاهم، فهؤلاء والأغنياءهم وجهان لعملة واحدة. العُملة هى عدم الإتكال على الله.
(مت 27:19-30 + مر 28:10-31 + لو 28:18-30):-
(مت 27:19-30):-
فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كلشيء وتبعناك فماذا يكون لنا. فقال لهم يسوع الحق أقول لكم أنكم انتم الذينتبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون انتم أيضا على اثنيعشر كرسيا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. وكل من ترك بيوتا أو اخوة أو أخوات أوأبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من اجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياةالأبدية. ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين وآخرون أولين.
بطرس هنا يقارن بينه وبين الشاب الغنى الذى رفضبيع أمواله وربما كان بطرس يريد أن يطمئن على نفسه. ولكن لنسأل بطرس ماذا تركتوماذا أخذت ؟ بطرس ترك شباكاً بالية وربما تركها لأنه ظن أنه يحصل من المسيح علىمجد زمنى حين يملك المسيح. والمهم أن ندرك أن كل ما نتركه لن يزيد عن كونه أشياءبالية، بجانب ما سنحصل عليه من أمجاد فى السماء وتعزيات على الأرض= مئة ضعف = ربماينظر الإنسان بفخر أن ما تركه لأجل المسيح كان شيئاً ذو قيمة، لكن حقيقة فإنه لايوجد فى العالم شىء له قيمة. والله يعطى الكثير لمن يترك فهناك حقيقةمهمة..”أن الله لا يحب أن يكون مديوناً ” ولكن لاحظ الآية فى (مر 30:10)يأخذ مئة ضعف الآن فى هذا الزمان … مع اضطهادات حقاً سيعوض الله من يترك العالم بخيرات زمنية معتعزيات، ولكن لا ننسى أننا طالما نحن فى العالم، فالإضطهادات والضيقات هى ضريبةيفرضها العالم ورئيسه على من يحتقر العالم ويختار الحياة الأبدية، والله يسمح بهذهالضيقات 1) حتى لا يتعلقوا بالماديات ويفقدوا شهوتهم للسماء 2) بهذه الضيقاتنَكْمُلْ ونزداد نقاوة 3) خلال الضيقات تزداد تعزيات الله 4) من يشترك مع المسيحفى الصليب سيكون شريكه فى المجد. تجلسون على إثنى عشر كرسياً تدينون أسباطإسرائيل =سيكون التلاميذ فى يوم الرب العظيم كديانين للأسباط الإثنى عشر، لأنما كان ينبغى لهؤلاء أن يفعلوه، أى أن يؤمنوا بالمسيح ويكرزوا به ويكونوا نوراًللأمم قد تخلوا عنهُ ولم يقوموا به، ولكن التلاميذ وهم من شعب اليهود أى لهم نفسظروف اليهود قد قبلوا المسيح وآمنوا به وكرزوا به وصاروا نوراً للعالم، بل همتركوا كل شىء لأجله. فماذا سيكون عذر اليهودى الذى رفض المسيح وهو يرى أمامهالتلاميذ الذين هم مثله فى كل الظروف فى مجد عظيم بسبب إيمانهم بالمسيح. مئةضعف=الذى يقبل أن يترك من أجل المسيح سيعوضه المسيح هنا فى هذه الأرض بكلالخيرات المادية التى يحتاجها والأهم التعزيات السماوية. فالراهب أو البتولى الذىيرفض الزواج يُحرم من وجود زوجة وأبناء له، ولكنه يتقبل من الله سلاماً فائقاًولذة روحية خلال إتحاده مع عريس نفسه يسوع، هذه اللذة تفوق كل راحة يقتنيها زوجخلال علاقته الأسرية. وكل هذا ما هو إلاّ عربون ما سوف يناله من مجد أبدى.
لاحظ قوله إخوة وأخوات وأولاداً.. وإمرأة = هذه شريعةالزوجة الواحدة، فلم يقل من يترك نساء بل إمرأة. والترك يعنى محبه المسيح أكثروهناك شرط أن يكون الترك لأجل المسيح وليس لأى غرض آخر = لأجلى ولأجل الإنجيل= لأجلخدمة كلمة الإنجيل.
أولون يكون آخِرين= هؤلاء هم منآمنوا أولاً ثم إرتدوا. والمقصود بهم اليهود والفريسيين فهؤلاء كانوا شعب اللهلكنهم إذ رفضوا المسيح رُفِضُوا ويقصد بهم الأغنياء والملوك، فهم هنا أولون وفىالآخِرة آخِرون والآخِرون أولين = هؤلاء مثل الأمم كانوا فى وثنيتهم آخِرونوآمنوا بعد ذلك فصاروا أولون. وتشير للرسل والتلاميذ، فهؤلاء كانوا فقراء معدمينمحتقرين فى الدنيا فجعلهم المسيح أولون. وكان من ترك حقه فى هذا العالم ليصيرآخراً (أى يضع نفسه فى آخر الصفوف ) يجعله المسيح أولاً. وفى مرقس ولوقا يأتى بعدهذا مباشرة نبوة المسيح عن ألامه وصلبه وكأنه بهذا يضع نفسه كأعظم نموذج للترك، إذترك مجده أخذاً صورة عبد متألم يصلب فى نهاية الأمر..ولكن بعد هذا يقوم ويصعدويجلس عن يمين الآب.. فهل نقبل أن نترك شىء لنحصل على هذا المجد المعد لنا.