مقدمة عن الأسفار القانونية الثانية والنسخة السبعينية

مقدمة
عن الأسفار القانونية الثانية والنسخة السبعينية
القس
أنطونيوس فكرى
كنيسة
السيدة العذراء بالفجالة
بعد الإنتصارات الساحقة للإسكندر الأكبر وفتحه
وإخضاعه لمعظم العالم المعروف لليونان في غضون سنوات قليلة إنتشرت اللغة اليونانية
في كل العالم. وكان ذلك خلال السنوات (334-323 ق.م). وكان ذلك بتدبير من الله،
فالمسيحية إنتشرت عن طريق الإنجيل المكتوب باليونانية التي يفهمها كل العالم وقتها.
وبعد موت الإسكندر تقاسم قادته الأربعة الكبار
الإمبراطورية الضخمة التي أسسها الإسكندر وحكم مصر البطالسة وحكم سورية السلوقيون
وظلت فلسطين تتأرجح بين البطالسة والسلوقيين.
هاجر كثير من اليهود إلى مصر وكونوا في أورشليم
حزباً يهودياً ينتمي لليونان ونشروا الثقافة اليونانية في أورشليم.
ولما كانت مكتبة الإسكندرية تحوي كل الكتب
المعروفة عالمياً إقترح أحدهم على ملك مصر بطليموس فيلادلفوس أن تكون هناك نسخة
باليونانية لكتاب اليهود المقدس، فاليهود كانوا كثيرين ومعروفين في مصر. فأرسل
بطليموس إلى العازر رئيس الكهنة في أورشليم يطلب نسخة من التوراة ومعها (72)
مترجماً، من كل
سبط
(6). فإستجاب لعازر لهذا الطلب. وجاء الوفد وإستقبله الملك إستقبالاً حاراً
وإصطحبهم إلى جزيرة معزولة فأنجزوا العمل في 72يوماً. ونالوا من الملك هدايا ثمينة.
وإستطاع اليهود المقيمون في الإسكندرية أن يحصلوا على نسخ من هذه الترجمة
لإستخدامها. وسميت هذه الترجمة بالسبعينية نسبة للإثنين وسبعين شيخاً الذين قاموا
بالترجمة من العبرية إلى اليونانية. ومن يهود الإسكندرية إنتشرت النسخة السبعينية
لكل يهود الشتات في كل العالم. وصارت هذه الترجمة هي النسخة المتداولة والشائعة
أيام ميلاد ربنا يسوع المسيح. ولقد إقتتبس كتاب العهد الجديد كل آياتهم التي
إقتبسوها من العهد القديم من هذه الترجمة السبعينية. فهم يكتبون باليونانية
فإقتبسوا من الترجمة اليونانية المعروفة والمنتشرة في كل العالم وإقتبس منها أيضاً
المؤرخين مثل فيلو ويوسيفوس. وكانت هذه الترجمة سنة 285ق.م.
الترجمة السبعينية كان فيها إرشاد إلهي كما في
الأصل العبري.
1.
أكبر دليل على ذلك أن كتاب العهد الجديد إقتبسوا
منها. وبهذا فهم إعتمدوا صحتها. وأنها بوحي إلهي.
2. كان
هناك مصطلحات كثيرة عبرية خاصة بالمفاهيم الدينية والعبادة في اللغة العبرية
والثقافة الدينية العبرية لا مثيل لها في اليونانية وإضطر المترجم لأن يترجم
بالمعنى وليس حرفياً ليفهم القارئ هذه المصطلحات.
أ-
الغطاء فوق تابوت العهد هو ليس غطاء عادي لصندوق
عادي بل هو يمثل عرش الله، فالله جالس على الكاروبيم. والدم، دم الكفارة مرشوش على
الغطاء، والله يرى الدم ويغفر ويرحم. لذلك قام المترجم بتغيير كلمة الغطاء وأسماه
“كرسي الرحمة”. وهذا بإرشاد إلهي.
ب-
“بذبيحة وتقدمة لم يُسَّرْ. أذنيّ فتحت.
محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذ قُلتُ هنذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني. أن
أفعل مشيئتك يا إلهي سررت” (مز6: 40-8) إقتبسها بولس الرسول من اليونانية
السبعينية فجاءت هكذا: –
لذلك
عند دخوله إلى العالم يقول “ذبيحة وقرباناً لم تُردْ، ولكن هيأت لي جسداً.
بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسَّر. ثم قُلتُ هأنذا أجئ. في درج الكتاب مكتوب
عني. لأفعل مشيئتك يا الله”
أذنيَّ
فتحت ترجمها
المترجم في السبعينية هيأت لي جسداً. فما المعنى. أذنيّ فتحت هي
عادة عبرانية (خر2: 21-6). ومعناها أن العبد يرفض الحرية التي يعطيها له سيده،
ويستمر عبداً بإرادته الحرة إذ هو يحب سيده. وبولس فهم أن هذه تشير للمسيح الذي
بإرادته الحرة صار عبداً، أخلى ذاته آخذاً صورة عبد (في7: 2،8). ولكن الترجمة هنا
قالت هيأت لي جسداً وبهذا صارت نبوة عن تجسد المسيح كما فهمها بولس الرسول.
فمن أين أتى المترجم بهذا المعنى أن لم يكن مسوقاً من الروح القدس كما كان كتاب
النسخة العبرية مسوقين من الروح القدس (2بط21: 1+ 2تي16: 3)
ج-
“قولوا بين الأمم الرب قد ملك” (مز10:
96) هكذا ترجمها مترجم السبعينية “الرب قد ملك على خشبة” (الأجبية
مزمور 95 صلاة الساعة التاسعة) فمن أين أتى المترجم بهذه النبوة عن الصليب.
ملحوظة: المزامير في الأجبية مأخوذة من
السبعينية التي تعترف بها كنيستنا.
3. قصة
سمعان الشيخ الذي يقول التقليد أنه كان أحد المترجمين، وكان نصيبه أن يترجم سفر
إشعياء. وأراد أن يترجم قول إشعياء النبي “هوذا العذراء تحبل وتلد” (14:
7) إلى “هوذا الفتاة تحبل وتلد” لأنه وجد أن هذا غير منطقي أن تحبل
عذراء فأراد أن يصحح ما تصوره خطأ حتى لا يقع في يد اليونانيين فيسخروا منه. لكن
ملاكاً ظهر له وطلب أن يكتب هكذا كما يقرأ، وأنه لن يرى الموت قبل أن يعاين هذا
المولود. ولما رآه قال الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام حسب قولك.. (لو26: 2-29) فلو
تصورنا أن عمر سمعان وقت الترجمة كان حوالي 50-60 سنة، يكون عمره وقت ميلاد المسيح
50+285= 335سنة. وبإعتراف كتابنا المقدس أن الروح القدس أوحى لسمعان أنه لا يموت
قبل أن يرى مسيح الرب. إذاً روح الله كان يقود هؤلاء المترجمين ويتحدث لهم حتى لا
يحدث خطأ في ترجمة للكتاب المقدس سيستخدمها العالم كله.
4.
آباء الكنيسة اقتبسوا من السبعينية في كتاباتهم
وبالتالي هم إعترفوا بشرعيتها.
5. قررت
شرعية النسخة السبعينية بما فيها من الأسفار القانونية الثانية المجامع الكنسية
وإعتبر القديس أغسطينوس ومجمع إيبون أن من لا يقبل هذه الأسفار ولا يعترف
بقانونيتها يكون محروماً.
المشكلة:
مع
بداية المسيحية، وجد المسيحيون في يدهم هذه النسخة فإستخدموها في الحوار مع اليهود.
بل إستخدمها كل أعداء اليهود في الجدل والحوار معهم. فحاولوا أن يتنصلوا منها
ويتمسكوا بالنسخة العبرية التي كان عزرا قد جمعها. مما جعل بعض الآباء الذين كانوا
يجادلون اليهود أن يهتموا بالنسخة العبرية فقط، وأن يغضوا الطرف عن الأسفار التي
وردت في السبعينية فقط وهي ما نسميه الأسفار القانونية الثانية.
وحينما
أتى البروتستانت ليترجموا الكتاب المقدس وينشرونه في العالم فضلوا أن يأخذوا من
الأصل العبري. ولذلك تجدهم يكتبون على صفحات ترجماتهم “وقد ترجم من اللغات
الأصلية” ويقصدون أنهم ترجموا العهد القديم من العبرية وليس السبعينية فاللغة
العبرية هي اللغة الأصلية. وترجموا العهد الجديد من اللغة اليونانية، فالعهد
الجديد مكتوب باللغة اليونانية. وهذه الترجمة هي ما إصطلح على تسميتها طبعة بيروت.
ولكن الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية في كل العالم تعترف بالنسخة السبعينية كما
تعترف باللغات الأصلية. وكما رأينا في الأمثلة السابقة فالترجمة السبعينية تضيف
شروحاً بل ونبوءات بإيحاء من الروح القدس. ولكن طبعة بيروت هي المتداولة بين
أيدينا لذلك قامت الكنيسة الأرثوذكسية بطبع الأسفار القانونية الثانية ووزعتها على
حدة. ومعظم الأسفار القانونية الثانية كانت ضمن النسخة العبرية عند ترجمتها.
النسخة العبرية الأصلية:
هي
الموجودة في طبعة بيروت ونسميها الكتب القانونية الأولى. وقولنا الأولى والثانية
هو من ناحية الزمن. فالكتب القانونية الأولى هي التي جمعها عزرا الكاهن وكان ذلك
في حدود سنة 444ق.م أما الكتب القانونية الثانية فقد أضيفت إلى السبعينية في حدود
سنة 285ق.م فالكتاب القانونية الثانية لم تظهر إلاّ بعد موت عزرا الكاهن.
وكان
أن عزرا بعد عودته من السبي وجد أن هناك كتب أبوكريفية قد إنتشرت، فأخذ على عاتقه
تجميع نسخة كاملة للعهد القديم ولم يقبل الكتب الأبوكريفية ورفضها. وكانت النسخة
التي جمعها عزرا هي الموجودة بين أيدينا الآن فيما يسمى طبعة بيروت والتي لا تشتمل
على الأسفار القانونية الثانية.
كلمة
أبوكريفية معناها “المخفية” وهي تعني الكتب التي تحوي خرافات
وسخافات تتنافى مع الآداب المسيحية. ويوجد كتب أبو كريفية أي مزورة لا تعترف بها
الكنيسة مثل سفر عزرا الثالث والرابع وسفر أخنوخ وإنجيل حياة المسيح وإنجيل برنابا.
الآباء
الإثنين والسبعون وضعوا الأسفار القانونية الثانية في ترجمتهم السبعينية لأنهم
وجدوها في التوراة. وهذه الكتب أو الأسفار القانونية الثانية ظهرت بعد عزرا
وهي:
طوبيا | ويأتي بعد | نحميا | طو يهو أس حك سي با دا 1مك 1مك |
والكنيسة
القبطية تستخدم منذ القديم بعض فصول من الأسفار القانونية الثانية في الصوم الكبير
وأسبوع الآلام حسب الجدول الآتي:
قراءات الصوم الكبير:
باكر يوم الجمعة من الأسبوع الثالث |
| فصل من إبن سيراخ |
قراءات أسبوع الآلام:
باكر يوم الإثنين |
| فصل من إبن سيراخ |
إقتباسات العهد الجديد من الأسفار القانونية
الثانية:
ربما
الإقتباس ليس حرفياً لكن المعنى واحد وذلك لأن الروح واحد
طوبيا | ||
(7:
(10: (17: | تصدق .. كل | إذا |
(13: | إحذر | هذه |
(16: | كل | كل |
يهوديت | ||
(24: | فأما | لا |
(23: | مباركة | مباركة |
سفر | ||
(6: | تعالوا | إن |
(15: | بل | العالم |
(7: | فهم | حينئذ |
(8: | ويدينون | ألستم |
(4: | وإن | فنزل |
(4: | فإن | لأنه |
(26: | الحكمة.. | هو |
(1: | إن | لأن |
(7: | إن | أم |
يشوع | ||
(1: | يا | جميع |
(18: | إن | إن |
(20: | إزدد | لا |
(34: | من | آدم |
(10: | يا | أما |
(19: | أن | أقول |
(21: | أيقارن | لا |
(13: | قبل | إصنعوا |
(18: | كل | لأن |
(3: | تطعمه | فأعطاك |
(16: | فإن | إن |
(14: | لا | حينما |
(20: | وعيناه | ليست |
(15: | لكل | سيجازي |
(14: | لكل | ليس |
(24: | تعلم | صلوا |
(24: | إخضعوا | احملوا |
(30: | لا | لا |
(13: | عاتب | إن |
(17: | ومن | أما |
(11: | مغبوط | إن |
(1: | من | وإن |
(11: | كن | كل |
(21: | أعمال | إنه |
(27: | ومن | إن |
(15: | قلع | انزل |
سفر
المكابيين الأول
(59:
4) ورسم يهوذا وإخوته وجماعة إسرائيل كلها أن يعيد لتدشين المذبح في وقته سنةً
فسنةً مدة ثمانية أيام.. وهذا هو عيد التجديد المذكور في (يو22: 10) وهو عيد أسسه
يهوذا المكابي، حين طهر الهيكل من نجاسات الأمم وجدد مذبحه. وهذا يدل على أن
اليهود تسلموا هذا الإحتفال من هذا الكتاب.
سفر
المكابيين الثاني
قال
بولس الرسول في (عب35: 11-37) وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة.. ونجد صور لعذاب
اليهود الأبرار الأتقياء في (2مك9: 6-19)
وقال
بولس الرسول في (عب5: 8،6) بالإيمان قهروا ممالك صنعوا براً نالوا مواعيد .. صاروا
أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء.. وهذا ما نسمع عنه هنا “ولما أصبح المكابي
في جيش لم تعد الأمم تثبت أمامه إذ كان سخط الرب قد إستحال إلى رحمة. فجعل يفاجئ
المدن والقرى ويحرقها حتى إذا إستولى على مواضع توافقه تغلب على الأعداء في مواقع
جمة (2مك5: 8،6).
أهمية الأسفار القانونية الثانية
لقد صمتت النسخة العبرية المتداولة (طبعة بيروت)
تماماً عن الفترة من ملاخي إلى المسيح له المجد، فقد عاش ملاخي آخر أنبياء العهد
القديم بعد السبي وبعد حجي وزكريا، وبعد إتمام بناء الهيكل.. ويظن أنه كان معاصراً
لنحميا سنة 433ق.م وإن كان سفر المكابيين الثاني قد تحدث عن نحميا أنه جمع أخبار
الملوك والأنبياء والمزامير (2مك13: 2). فهو يزيد أن يهوذا المكابي قد جمع أسفار
أخرى “وكذلك جمع يهوذا كل ما فقد منا في الحرب التي حدثت لنا (2مك14: 2).
لذلك ضمت الترجمة السبعينية دون النسخة العبرية هذه الأسفار التي جمعت بعد عصر
عزرا بالإضافة إلى سفري المكابيين اللذين تحدثا عن تاريخ هذه الفترة الهامة في
حياة الأمة اليهودية، وهي التي عاشت فيها هذه الأمة دولة واحدة بعد أن كانت دولتين
هما يهوذا وإسرائيل. وكان للمكابيون الفضل في تحرير دولتهم من اليونانيين.
وبهذا تكون الأسفار القانونية الثانية هي أسفار
دونت بعد عهد عزرا أو كانت في حوزة اليهود في أرض السبي ثم جمعت بعد وفاة عزرا.
لذلك جاءت النسخة العبرية خلواً منها. ولكن أجمع كثير من العلماء أن معظم هذه
الأسفار القانونية الثانية كانت ضمن النسخة العبرية وقت الترجمة إلى اليونانية.