علم المسيح

47- عثرة الأقارب" ها أمي وإخوتي"



47- عثرة الأقارب” ها أمي وإخوتي”

47- عثرة الأقارب” ها أمي وإخوتي”

كانت
الآية التي صنعها المسيح مع” المجنون الأصم والأخرس”
ويضيف القديس متى” والأعمى” ذات رنين عالٍ دوَّخت الفرِّيسيين، لأنه
بكلمة شَفَاهُ المسيح وأظهر أقصى سلطانه مما لم يحتمله الفرِّيسيون، لذلك نسبوا
عمل الآية لبعلزبول وأشاعوا الأمر بهوس حتى يزيلوا تأثير هذه المعجزة من عقول
الناس. فبلغ الأسرة في بيت العذراء مريم هذا الأمر
وإنما بصورة مثيرة فجاءوا يستطلعون الخبر، ولمَّا وقفوا من
بعيد بسبب الازدحام أرسلوا إليه مَنْ يقول إنهم في الخارج يطلبونه، فكان رد المسيح في الحال: “مَنْ هي أمي ومَنْ هُم إخوتي؟ ثم
مدَّ يده نحو تلاميذه وقال: ها
أمي
وإخوتي. لأن مَنْ يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأُمي” (مت
12: 48
50). هنا يرفع المسيح العلائق التي ارتبطت مع الأهل
بالجسد إلى مستوى العمل بمشيئة الآب كأساس. فأهلي هم الذين يصنعون مشيئة الآب،
والذي لا يصنع مشيئة الآب لا يصبح من أهلي. هنا في الحقيقة مدخل سرِّي عميق لمفهوم
من أين جاء المسيح ولماذا؟ فعلى أساس المصدر الذي جاء منه المسيح ينسب علاقته بأمه وإخوته. أنا جئت من عند الآب لأصنع مشيئته. فأمي
وإخوتي إن لم يصنعوا مشيئة أبي الذي في السموات لا يكونون في الحقيقة أمي وإخوتي.
هنا تنكشف علاقته
بإخوته، لأن المعروف
في الإنجيل أن إخوته فقط
وليس أُمه هم الذين لم
يكونوا يؤمنون به، فهم ليسوا

إخوته!

48- يطلبون
آية ولا تُعطى لهم آية إلاَّ آية يونان النبي

حينما
طلب الفرِّيسيون من المسيح آية من السماء، أدرك المسيح أنه طَلَبٌ ليس للإيمان بل
للمقاومة: “وابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يجرِّبوه”
(مر 11: 8). وكان رد المسيح بعدها هكذا: “هذا الجيل شرير. يطلب آية، ولا
تُعطى له آية إلاَّ آية يونان النبي

لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى

كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل” (لو 11: 29و30). وواضح المعنى
للغاية أن يونان أُرسل لأهل نينوى ليبشِّرها إمَّا بالتوبة وإمَّا بخرابها كسدوم،
ولكنها تابت. أمَّا إسرائيل فلم تتب برغم قول المسيح: “رجال نينوى سيقومون في
الدين مع هذا الجيل (الإسرائيلي) ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم
من يونان ههنا.” (لو 32: 11)

والمسيح
لم يكن نوراً تحت مكيال ولا مُخبَّأً في مخادع، ولكن كان مدينة على جبل ونوراً على
أعلى البيت، ومع هذا لم يروه لعمى بصائرهم. فالنور عند العين المريضة كالظلام،
والظلام أريح للعين المريضة من ضياء الحق المؤذي للقلوب المريضة. فإن كانت عين
الإنسان الروحية كليلة صار الإنسان في العالم لا يرى إلاَّ العالميات، ونور الحق
لا يُشرق من خارج القلوب والعيون، بل من عمقها الداخلي يتجلَّى الله وأعماله
البديعة. فإن غاب القلب الرائي في الإنسان فلن يرى إلاَّ نفسه، ومهما أُعطيت له
العلامات والإشارات والنداءات فهو كذلك الإنسان الأعمى الأصم!

 

49- رياء
الفرِّيسيين والكتبة والناموسيين

كان
فرِّيسي من بين الفرِّيسيين أكثر سعة عقل من الباقين أخفى ما لهم من مشاعر تجاه
المسيح ودعاه بمعنى الضيافة على مائدته، ولكنه كان يضمر أن يمسك شيئاً على المسيح
بنوع من الملاطفة. ولكن المسيح كان يرى ألاعيب القوم مكتوبة على جباههم كما على
صفحة بيضاء.

وبدأ
الفرِّيسي مناورته لمَّا رأى المسيح يتقدَّم على المائدة دون أن يغسل يده كعادة
الفرِّيسيين، فأبدى اندهاشه متصنِّعاً البشاشة، ولم تفتْ على المسيح، فبادره
بالإفصاح عمَّا يدور في قلوبهم: “أنتم الآن أيها الفرِّيسيون تُنقُّون خارج
الكأس والقصعة، وأمَّا باطنكم فمملوءٌ اختطافاً وخبثاً. يا أغبياء، أليس الذي صنع
الخارج صنع الداخل أيضاً؟” (لو 11: 39و40). والمعنى أن من الداخل تبدأ
الأخلاق الحسنة والذوق والكياسة والواجب والأصول والنيَّات الطيبة، وها أنت قد
اعتنيت جداً بأدوات الضيافة وأحسنت جمعها وترتيبها على المائدة، وأهملت واجب
المحبة واحترام الضيف وإظهار مشاعر الود والإخاء والصداقة، وبدأت تدينه على عدم
غسل يديه وكيفية استخدام آنيتك الأنيقة والنظيفة من الخارج؛ كالفم الذي تخرج منه
الكلمات الناعمة والتقوى مع أن القلب يطفح بالدينونة ومشاعر العداء والقتل.

وهل
الإنسان إن نقَّى أدوات أكله وشربه واعتنى بغسل يديه وجسده يصير نقيًّا؟ أم الذي
يعطي ماله صدقة، فالكل يتطهَّر له!” أعطوا ما عندكم صدقة، فهوذا كل شيء
يكون نقياً لكم”!” تعشِّرون النَّعْنَع والسَّذَاب وكل بقلٍ، وتتجاوزون
عن الحق ومحبة الله”!
(لو 11: 41و42)، أليس الذي يعمل هذه يعمل تلك؟

تحبون المجلس الأول في
المجامع، والتحيَّات في الأسواق”
(لو 43: 11)، ونفوسكم تتكرَّه المرضى
وتزدري بالفقراء وتحتقر البؤساء وتتعالى عن عامة الشعب. فجعلتم خارجكم بهيًّا
نقيًّا تتقبَّلون عنه الكرامات، وداخلكم مملوء نجاسة واختطافاً مخفيًّا لا تراه
أعين الناس.

فلمَّا
اعترض ناموسي على قول المسيح بادره أيضاً بما لهم:

وأنتم
أيها الناموسيون يا مَنْ تُتقنون عرض بنود الناموس وجمع واجباته ووضعها على أكتاف
الناس بغيرة ظاهرة وحماس؛ أثقلتم ظهور الناس وأنتم لم تحملوا ولا على أصبعكم أي
ثقل منها.

شَغلتُم عقول الناس ببناء المقابر وتزيين مدافن الصديقين،
و”
هلك شعبي من عدم المعرفة” (هو 6: 4)،” أخذتم
مفتاح المعرفة، ما دخلتم أنتم والداخلون منعتموهم”
(لو 52: 11) بقدوتكم
السيئة!

احترسوا
من رياء الفريسيين:

استمرَّ
الحديث الساخط على الكتبة والفرِّيسيين والناموسيين. وكان كل همِّهم أن يصطادوه
بشيء ليشتكوا ضدَّه. فبعد الحديث، إذ اختلى بتلاميذه ومَنْ معه، أعطاهم هذه
النصيحة أن يحترسوا لأنفسهم من رياء الفرِّيسيين الذي أسماه “الخمير”،
بمعنى أن هذا “الخمير” قادر على إتلاف كل تعاليم المسيح التي هي بمثابة
“عجنة الملكوت”، التي إن دخلها عنصر الرياء الفرِّيسي اختمرت كلها
وفسدت. فالخمير يرمز إلى الفساد وسرعة انتشاره.

وقول
المسيح: “تحرَّزوا لأنفسكم من خمير الفرِّيسيين الذي هو الرياء” (لو 1:
12)، ذلك لأن عملهم يأتي في الخفاء خلسة بدعوى التقوى وزيادة الاهتمام بحرف
الناموس. ولأن أعمالهم الرديئة في الخفية، لذلك فإنها سريعاً ما تنتشر بين الناس
وتلوِّث أفكار الناس حتى يتبلبل إيمانهم.

ولكن
الحق الذي في كلمة المسيح سيكشف كل أسرارهم وأعمالهم التي في الخفاء: “فليس
مكتوم لن يُستعلن، ولا خفي لن يُعرف” (لو 2: 12). أمَّا أنتم فليكن كلامكم
وأعمالكم وتعاليمكم في العلن وفي النور: “لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد.. بل شعور رؤوسكم أيضاً جميعها محصاة
فلا تخافوا” (لو
12: 4و7)

50- شفاء
المفلوج في كفرناحوم واتهام المسيح بالتجديف

يشترك
القديس متى في هذه القصة ويقول بإنها حدثت بعد أن اجتازوا البحيرة إلى مدينة. وق.
مرقس يشترك بأن هذه المدينة هي كفرناحوم، حيث كان الازدحام على باب البيت يمنع أي
أحد من الدخول، فاعتلوا السقف وفتحوا طاقته (الروشن) بسبب آلام المريض. فلمَّا رأى
المسيح إيمانهم قال للمفلوج: “مغفورة لك خطاياك”

 وهنا
بدأ تذمُّر الفرِّيسيين واتهامهم له في ضمائرهم بالتجديف: “يفكِّرون في
قلوبهم: لماذا يتكلَّم هذا هكذا بتجاديف؟ مَنْ يقدر أن يغفر خطايا إلاَّ الله
وحده” (مر 2: 6و7). ولكن المسيح، وهو واثق أنه صاحب هذا السلطان وقادر أن
ينفِّذه عملياً برفع المرض الذي سبَّبته الخطية، قال أمامهم موبِّخاً تفكيرهم:
“أيما أيسر، أن يُقال للمفلوج: مغفورة لك خطاياك، أم أن يُقال: قُم واحمل
سريرك وامشِ؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا.
قال للمفلوج: لك أقول قُم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام للوقت وحمل السرير
وخرج قدَّام الكل، حتى بُهت الجميع ومجَّدوا الله قائلين: ما رأينا مثل هذا
قط!” (مر 2: 912)

ولكن
المسيح اختار الأنسب لخدمته لاستعلان ملكوت الله، ليس بالقوة الشافية فقط، ولكن ب“غفران
الخطية”
التي هي أساس الشفاء، بل والإقامة من الموت! فالآية صنعها المسيح
ليمهِّد لاستعلان قوة الكفَّارة العظمى
على الصليب. ولكن بحسب الأصول، فالكفَّارة هي التي أعطت المسيح أن يغفر الخطايا
ويُقيم من بين الأموات. فالذي لا يرى في سلطان المسيح القوة على مغفرة الخطايا،
فهو كذَّاب حتى ولو آمن بالمعجزة. لذلك فالمسيح بكلامه هذا أثبت عمى الفرِّيسيين
وقصور فهمهم.

51- شفاء
صاحب اليد اليابسة والاعتراضات وتفنيدها

كان
ذلك في مجمع كفرناحوم حيث دخل المسيح ليحضر خدمة السبت، وكان هناك رجل يده اليمنى
يابسة (مشلولة). ويبدو أن الفرِّيسيين هم الذين استحضروا صاحب اليد اليابسة
خصيصاً، فصاروا يراقبونه هل يشفيه في السبت لكي يشتكوا عليه. أمَّا هو فعلم
أفكارهم وقال للرجل الذي يده يابسة: قُم وقف في الوسط، لكي يرى الشعب بؤس حاله؛
فقام ووقف، ثم قال لهم يسوع أسألكم شيئاً: هل يحل في السبت فعل الخير أم فعل الشر؟
تخليص نفس أو إهلاكها؟ أي إنسان منكم له خروف
واحد فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يمسكه ويقيمه. فالإنسان كم هو
أفضل
من خروف؟ ثم نظر حوله إليهم بغضب حزيناً على غلاظة قلوبهم وقال للرجل: مد يدك،
فمدها، فعادت صحيحة كالأخرى. فخرج
الفرِّيسيُّون للوقت مع الهيرودسيين وتشاوروا عليه لكي
يهلكوه!

والمعنى
في ذلك أكثر عمقاً من شكل الرواية، لأن سؤال المسيح: هل يليق صنع الخير في السبت
أم صنع الشر؟ فالرد واضح وهو صنع الخير. ولكن وراء هذا السؤال سؤال عن حقيقة أخرى،
وهي إذا كان في مقدور أحد أن يصنع خيراً هكذا ولم يصنعه
وكانت الحالة مؤدِّية إلى موت أفلا يكون قد حُسب متهماً بهلاك نفس؟
هذا يعني أن المسيح إنما يعمل واجباً أخذه من الله على عاتقه وهو لا يستطيع إلاَّ
أن يشفي طالما عنده قوة للشفاء خلواً من سبت أو أي عائق آخر. لذلك كان خطأ
الفرِّيسيين الفاضح أنهم لم يفكِّروا في مصدر الشفاء عند المسيح أو سببه، الأمر
الذي عيَّرهم به في إنجيل ق. يوحنا: “إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا
بي. ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا
بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيَّ وأنا فيه.” (يو
10: 37و38)

 

52- شفاء
المرأة المنحنية في السبت واعتراض رئيس المجمع

وفي
السبت أيضاً وفي المجمع رأى المسيح “امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة،
وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتَّة. فلمَّا رآها يسوع دعاها وقال لها: يا
امرأة، إنك محلولة من ضعفك. ووضع عليها يديه،
ففي الحال استقامت ومجَّدت الله” (لو 13: 1113). فاغتاظ رئيس

المجمع، وإذ كان أضعف من أن يواجه المسيح، رفع
صوته مكلِّماً الشعب وكان يوبِّخهم على كسر
السبت: “وقال للجمع: هي
ستة أيام ينبغي فيها العمل، ففي هذه ائتوا واستشفوا، وليس في يوم السبت” (لو 14: 13)، مما اضطر المسيح أن
يكلِّمه جهاراً بكلام لاذع: “يا مرائي، ألا يحلُّ كل
واحد منكم في
السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه؟ وهذه، وهي ابنة إبراهيم، قد ربطها
الشيطان ثماني عشرة سنة، أما كان ينبغي أن
تُحلَّ من هذا الرباط في يوم السبت؟ وإذ قال هذا
أُخْجِلَ جميع الذين كانوا يعاندونه، وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة
الكائنة منه.” (لو 13:
15-17)

53- شفاء
المريض بداء الاستسقاء

لم
يكن في مجمع، بل كان مدعوًّا لدى أحد الفرِّيسيين في السبت (بعد المجمع ليأكل
عنده)، وكانوا يراقبونه. وحدث، إمَّا مصادفة وإمَّا بتدبير الفرِّيسيين، أن جاءوا
بمريض يعاني من داء الاستسقاء وأجلسوه قدَّامه وظلوا يراقبونه. أمَّا المسيح فإذ
أُعطي سلطاناً على الشفاء فكيف يقف مكتوف اليدين أمام مريض يعاني من مرضه، وهذا هو
عمله واختصاصه! فابتدأ المسيح يكلِّم الناموسيين والفرِّيسيين قائلاً: “هل
يحل الإبراء في السبت
فسكتوا فأمسكه وأبرأه وأطلقه. ثم أجابهم وقال:
مَنْ منكم يسقط حماره أو ثوره في بئر ولا ينشله حالاً في يوم السبت؟ فلم يقدروا أن
يجيبوه عن ذلك.” (لو 14: 36)

والمسيح
هنا كما يراه العلماء كان يتحدَّى الفريسيين ويتحدَّى الناموس نفسه. ولكنه في
الحقيقة لم يكن يتحدَّى لا الفرِّيسيين ولا الناموسيين، بل جاء ليُظهر عجز
الفرِّيسيين وقصور الناموس، جاء لينادي بالتكميل بعصر النعمة. لذلك نجده يتعمَّد
كسر السبت بنوع من إلفات نظر النائمين أن هنا مَنْ هو أعظم من السبت. ثم كونه يشفي
المريض
وداؤه عضال هكذا بكلمة واحدة، أليس في هذا تنبيه أعظم تنبيه أن الذي أمامهم
حامل لقوة الله
وسلطانه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار