علم المسيح

37-" أنتم ملح الأرض



37-” أنتم ملح الأرض

37” أنتم ملح الأرض.. أنتم نور العالم”

هذا هو الأثر الطيب الذي يتركه التلميذ والإنسان المسيحي
المتجدِّد عموماً كابن للملكوت نحو العالم.

أنتم ملح الأرض”: “ليكن كلامكم.. مُصْلَحاً
بملح.” (كو 6: 4)

الملح
مادة حافظة تحفظ الطعام من الفساد، وتعطيه طعمه المقبول، فالآن هؤلاء الطوباويون
هم بالنسبة للعالم الذي يعيشون وسطه قادرون بالإنجيل والكلمة والقدوة أن يؤثِّروا
في الوسط الذي يعيشون فيه، كما يؤثِّر الملح في الطعام ليعطيه قيمة وحفظاً من
الفساد. ويصوَّر الملح بالقداسة، لأنه له فعل تطهير، ومعروف أن الذبائح لا تقدَّم
على المذبح إلاَّ إذا مُلِّحت بملح. وهكذا يصبح الملح له دور في فعل الذبيحة من
جهة التقديس. ولكن أي شيء إذا فسد قد يكون له منفعة إلاَّ الملح فإنه إذا فسد صار
خطراً وبيلاً على كل شيء يلمسه. هكذا القدوة إذا كانت حسنة وروحية صار تأثيرها
ممتدًّا للصلاح؛ ولكن إذا كانت القدوة فاسدة، فأثرها لا يُطاق ولا تصلح لشيء مثل
الملح إذا فسد يُلقى كالزبالة. والزبالة قد
تكون مفيدة إلاَّ الملح الفاسد. هكذا الرجل
العاق الشرير الذي يبدو في صورة واعظ أو مبشِّر وهو سيئ العمل والقول
والفكر.

لذلك
فالطوباويون يصبحون أصحاب مسئولية كبيرة في العالم، إذ عليهم يضع الله والمسيح
الآمال في التغيير والنمو والتقدُّم في المعرفة والنعمة ومخافة الله. ولكن إن هم
ضلُّوا أضلُّوا المئات والألوف وراءهم.

أنتم نور العالم”:

+
وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني” (يو 22: 17)، كناية عن نور الاستعلان.

النور
الحقيقي واحد وهو المسيح، وهو الوحيد الذي جاء ليضيء العالم. فالتلاميذ بجملتهم
مشعل الإنجيل ومجد اسم المسيح، قادرون أن يكونوا أداة صالحة في يد الرب ليصنع بهم
عملاً في العالم. وكلما علت الشمس فإنه يشتد نورها وضياؤها للمسكونة كلها، هكذا
كلما ارتفع التلاميذ عن مستوى العالم في لهوه وفساده كلما شعَّ نورهم. لذلك يقول
المسيح ينبغي أن يُوضَع المصباح على المنارة ليضيء لكل مَنْ في البيت. والكنيسة هي
بيت الله، وقد صنع الآباء الأُوَل للكنيسة منارة، لا لكي يوضع فوقها مصباح، بل لكي
تكون هي المصباح المضيء الذي تبتهج به البشرية كل العمر، تحيا أعلى من مستوى
العالم وترتفع عن نجاسات الدنيا وأعمالها الشريرة. هكذا تصبح الكنيسة مصدر إشعاع نور ومعرفة وتقوى ومخافة الله. فالكنيسة
هي بعينها المدينة المنيرة الموضوعة على
جبل.

ويقول
الرب: ” فليضيء نوركم هكذا قدَّام الناس، لكي يَرَوا أعمالكم الحسنة،
ويمجِّدوا أباكم الذي في السموات”
(مت 16: 5). النور هنا لا يخرج عن معنى
“المسيح الذي فيكم” والمعنى قوي للغاية. فإن كان المسيح هو الذي يضيء
داخلياً، أي هو نورنا، فهو حتماً سيخرج خارج محيطنا المحدود وسيُسمع من بُعد ويُرى
أيضاً. وحينئذ تصبح أعمالنا مضيئة لأن المسيح يكون منظوراً فيها. لأن أعمالنا بدون
المسيح لا يمكن أن تُضيء: “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن
تعملوا” (في 13: 2). وهنا يرجع للطوبى سرها الإلهي: فسرُّ الطوبى هو المسيح،
فإذا غاب المسيح غابت الطوبى، فإن نُظرت
الطوبى ومُدحت فهذا يعني أن المسيح موجود وعامل فيها. هكذا
أعمال
الطوباويين، النعمة ظاهرة فيها ونور الحق يشع من ثناياها: “ليكن كلامكم كل
حين بنعمة مصلحاً بملح” (كو 6: 4)، حيث الملح هنا هو نعمة المسيح!!

لهذا
نفهم، لماذا جاء عمل الطوباويين بعد عرض صفاتهم في التطويبات السابقة؟ لأن الطوبى
ليست هوية أو عطية نلهو بها، بل هي أمانة ورسالة، هي حمل ونير. إن لم تعمل عملها
صارت ثقلاً علينا لا نحتاجه ولا نحتمله. فالطوبى عملها لصيق بالآخرين كالتصاق ذرات
الملح الخفيفة بالطعام لترفع من قيمته وتجعله يقاوم الفساد المحيط. ثم الطوبى
عملها يسبق صاحبها إلى بعيد، تُرى وتُسمع ويكون الحق فيها منظوراً من الناس
ومبهجاً للنفوس ومبدِّداً للظلمة وكاشفاً لأستار القلوب.

لهذا
يعتبر أكابر الشُّرَّاح أن هذا الجزء من العظة إلى هذه الآية (3: 516)،
هو عرض مختصر لعظة الملكوت والهدف الذي وضعه المسيح في البداية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار