اللاهوت المقارن

30- المطهر تطهير أم تكفير؟



30- المطهر تطهير أم تكفير؟

30- المطهر تطهير أم تكفير؟!

سؤال
هام نسأله في موضوع المطهر، وهو:

هل
المطهر هو مطهر؟ هل هو للتطهير أم تكفير؟

هل
تدخله النفوس لتتطهر من ذنوبها، أو لتكفر عن ذنوبها؟

وإن
كان القصد هو التطهير، فالنفوس بالتوبة، وبالرجوع إلى الله، وبعمل الله فيها..
الله الذي قال ” ارش عليكم ماء طاهراً فتطهرون من كل نجاساتكم، ومن كل
أصنامكم أطهركم. وأعطيكم قلباً جديداً.. وأجعل روحى في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في
فرائضى..” (حز36: 25- 7).. هكذا يكون التطهير، وليس بالتعذيب.

 

أما
إن كان القصد هو وفاء العدل الإلهى، ووفاء الديون التي على النفس، والتخلص من
القصاص، بالعذاب، يكون الهدف هو التكفير وليس التطهير. ويكون اسم (المطهر) اسما لا
ينطبق على الواقع.

 

وهذا
هو الحادث تماماً.. وهذا هو الهدف منه هي العقيدة الكاثوليكية التي تعبر عنها كل
الكتب التي صدرت عن المطهر ” إنسان لم يوف عقوباته على الأرض، لم يوف العدل
الإلهى.. فيكفر عن تلك الخطايا في المطهر، لأن السماء لا يدخلها دنس ولا رجس (رؤ21:
27) وهذا هو الموقف حتى من الإنسان البار الصديق الذي أرتكب هفوات!! (أم24: 16).
ويسأل المؤلف بكل جرأة: وماذا عن خطيته، والسماء لا يدخلها دنس؟! والإجابة واضحة،
يقول القديس يوحنا الرسول:

 


إن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الله الآب: يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا.
ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً” (1يو2: 1، 2).

 

 أما
نسيان كفارة المسيح، أو أعتبارها غير كافية، والاعتماد على عذاب الإنسان في المطهر
لوفاء العدل الإلهى، فهذا أمر ضد الإيمان المسيحي. وما أسهل أن نورد هنا عشرات
الآيات الخاصة بالفداء الذي قدمه السيد المسيح، والكفارة التي قدمها. وليس فقط أنه
منحنا الخلاص. وإنما بالأكثر حصر الخلاص فيه وحده. ويكفى قول القديس بطرس عن الرب:

 


ليس بأحد غيره الخلاص” (أع 4: 12).

 

ويتابع
القديس كلامه فيقول ” لأن ليس آخر تحت السماء، قد أعطى بين الناس، به ينبغى
أن نخلص” (أع4: 12). أما في عقيدة المطهر، فكون الإنسان يوفي عن نفسه العدل
الإلهى، فمعناه أن يقوم بخلاص نفسه بنفسه، وكأن المسيح لم يخلصه. ويرفض أن يقول مع
داود النبى ” كأس الخلاص آخذ، وباسم الرب أدعو” (مز116: 13). وتكفير
الإنسان عن خطاياه، تعليم ضد الإنجيل.

 

ومع
ذلك فالتكفير بالأعمال البشرية تعليم أنتشر بين البعض..

 

كأنسان
يتعبه ضميره بسبب خطيته، فيقول: أكفر عن خطيتى بأيام صوم أفرضها على نفسى!! أو بعض
أعمال النسك! كلها تعبيرات لا تتفق مطلقاً مع الفهم اللاهوتي للكفارة.. وهؤلاء
الذين يقولون: لابد أن يذهب الإنسان إلى المطهر، ليكفر عن خطاياه العرضية، وعن
خطاياه الأخرى المغفورة التي لم تستوف عقوبتها.. إنما يذكرونني بصرخة داود النبى
وهو يقول:

 


كثيرون يقولون لنفسى: ليس له خلاص بإلهه” (مز3).

 

أما
نحن فنؤمن بخلاص الرب، خلاصه الكامل الشامل، الذي يشمل كل ما يطلق على الخطية من
أسماء: العرضية والمميتة، والإرادية وغير الإرادية، وخطايا الجهل، والجهل الخفية
والظاهرة.. الكل بلا استثناء. كما يقول الكتاب:

 


والرب وضع عليه إثم جميعنا” (اش53: 6) ” ودم يسوع المسيح ابنه، يطهرنا
من كل خطيته.. ومن كل إثم” (1يو1: 7، 9).

 

مادام
الرب ” قد وضع عليه إثم جميعنا “، إذن فليس علينا إثم بعد. لأنه قد نقل
عنا(2صم12: 13).. نقل عنا إلى الذي يرفع خطايا العالم كله (يو1: 29). نعم لا يكون
علينا إثم، مادمنا قد آمنا بالمسيح وبخلاصه وفدائه وتبنا.. وسلكنا في النور، ولم
نخالف عقيدة إيمانية.. لإذن ” لا شيء من الدينونة ” علينا بعد (رو8: 1).

 

هذا
هو خلاص الرب، الكامل الشامل، الرافع لكل عقوبة.

 

هذا
هو الخلاص الذي رفع عنا كل دينونة. كما يقول الرب نفسه ” الحق الحق أقول لكم
إن من يسمع كلامي، ويؤمن بالذى أرسلني فله حياة أبدية، ولا يأتى إلى دينونة، بل قد
أنتقل من الموت إلى الحياة” (يو5: 24). وعبارة ” لا دينونة ”
يكررها القديس بولس الرسول أيضاً في (رو8: 1). لا دينونة إذن على خطايا قد غفرت.
مادام الإنسان قد تاب، فهو قد تطهر من خطيته، واستحق تكفير المسيح عنها بدمه.
عملية التطهير تتم بدم وليس بنيران المطهر.

 

أما
العذب في المطهر، فإنه لا يطهر، ولا يكفر عن خطيه.

 

 إن
النفوس تتطهر بمحبة الله التي تحل محل محبة الخطية. ومحبة الله لا تأتى نتيجة
التعذيب في نار المطهر، تحت الأرض.. والتطهير لا يأتى إلا بالتوبة، ولا توبة بعد
الموت.. فالعذارى الجاهلات أردن أن يبحث عن زيت بعد الموت فلم يجدن، ووقفن خارج
الباب (متى 25: 1- 12)، على الرغم من أنهن كن عذارى، ينتظران العريس، بإيمان أنه
الرب، وكانت معهن مصابيح.

 

ومن
الدلائل على أنه لا توبة بعد الموت، قول الرب لليهود:

 


إن لم تؤمنوا أتى أنا هو، تموتون في خطاياكم” (يو8: 24).

 

وقال
لهم أيضاً “أنا أمضى، وستطلبونني وتموتون في خطاياكم. وحيث أمضى أنا، لا
تقدرون أنتم أن تأتوا” (يو8: 21). فما معنى عبارة ” تموتون في خطاياكم
“؟ أتراها تعنى أن يتخلص الإنسان من هذه الخطايا بعد الموت ويتطهر ويذهب إلى
الفردوس؟! كلا طبعاً معنى قوله بعدها ” حيث أمضي أنا لا تقدرون أنت أن تأتوا
“؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار