علم المسيح

30- المسيح يغفر الخطايا الكثيرة مقابل المحبة الكثيرة



30- المسيح يغفر الخطايا الكثيرة مقابل المحبة الكثيرة

30- المسيح يغفر الخطايا الكثيرة مقابل المحبة الكثيرة

في
البداية جداً وضع المسيح لنا أساس مغفرة الخطايا عند الآب بأنها تقوم على المحبة
الخالصة من الله للعالم، ليس لأي سبب في العالم بل لسبب جوهري في قلب الله جعله
يضحِّي بابنه في سبيل غفران خطايا العالم: ” هكذا أحب الله العالم حتى بذل
ابنه الوحيد، لكي لا يهلك (خاطئ) كل مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة
الأبدية”
(يو 16: 3)

فلمَّا
نزل المسيح بالفعل وتجسَّد وحمل لنا هذه الهدية العظمى “محبة الله الآب”
كانت هي السبب والدافع الوحيد والعظيم الذي جعله يكرز بالملكوت ويُعلِّم ويصنع
الآيات والمعجزات ليكشف عن محبة الله من نحونا، بل وكانت هي المحرِّك الأساسي
والوحيد لكي يقدِّم نفسه على الصليب ويموت ليكمِّل مشيئة محبة الله من نحو الخطاة،
لكي تُغفر لهم خطاياهم بمحرقة جسده العظمى التي قدَّمها على الصليب من أجل خطاة
العالم. هذا جيد جداً، ولكن هل من مَثَلٍ يوضِّح لنا عِظَم هذه المحبة؟ فكانت هذه
القصة:

والقصة
كانت مع: “امرأة خاطئة في المدينة” وامرأة خاطئة في المدينة يعني أنها
أشهر من نار على علم كما يقولون. يحوم حولها الذئاب والكلاب ويتصارع عليهاالشيوخ
والفتيان. سيرتها مفضوحة في كل مكان ومعروفة بالوجه لدى كل إنسان! وحدث أن رجلاً
فرِّيسيًّا صنع وليمة للمسيح، والفرِّيسي وهو عظيم في نفسه قابل المسيح على الباب
بتحيَّة مقتضبة ليس فيها إحساس المحبة ولا الصداقة، فلا حرارة ولا قبلة
لئلاَّ يُنتقد من بقية الفرِّيسيين ولمَّا دخل لم يعمل له أصول الضيافة عند
الشرق من غسل الرجلين بالماء الدافئ، وتقديم بعض الزيت المعطّر لدهن الرأس، كل هذا
ألغاه من حساب الدعوة، ورأى أنه يكفي أن فرِّيسياً مثله يتواضع ويقبل إنساناً
مكروهاً من الرؤساء في بيته مثل المسيح!! هكذا ارتأى في نفسه. وبعد أن امتلأ البيت
تسلَّلت المرأة إياها وهي تحاول أن تخفي وجهها وتمسك في يدها قارورة طيب غالي
الثمن لتعبِّر عن محبة ورهبة مكتومة لذلك السيد المعلِّم، الذي سمعت عنه أنه يقبل
الخطاة والخاطئات وما ردَّ خاطئاً خائباً أو خاطئة بلا غفران، بل وصار معلوماً في
إسرائيل كلها أنه يأكل مع العشَّارين والخطاة!! وكان يغفر ذنوبهم بكلمة فتُرفع عن
كاهلهم للحال، ويستمدون منه حياة جديدة بريئة طاهرة بلا لوم. هكذا كانت كل هواجسها
أن تدهن رجليه بالطيب، وكان حلمها الفريد الذي داعب قلبها لكي تطرح عنها حياة
الخطية والإثم إلى الأبد.

كان
المسيح جالساً متَّكئاً على شلتة وثيرة، ورجلاه مثنيتين وراء ظهره كعادة القوم في
الاتِّكاء على الأرض. تسلَّلت المرأة بهدوء
وبسرعة غير ملحوظة، ودون أن يلحظها أحد وقفت من ورائه
باكية تسحّ دموعها سحًّا بلا صوت ولا ضوضاء، وانكفأت
على رجليه تبلِّلهما بالدموع وتدهنهما
بالطيب
وتمسح دموعها بشعرها، ومعروف أن شعر المرأة هو لها كرامتها، ولكنها ألقت بكرامتها

على قدميه.

أمَّا
الفرِّيسي فما حطَّت عيناه عن متابعتها بكل غيظ وكان ينظر إلى هذا المنظر بعدم
الرضا ودان في قلبه المسيح، إذ كيف يدَّعي هذا أنه نبي ولم يعرف أن هذه المرأة خاطئة
نجسة، وبالأكثر فالغضب ملأ حلقه إذ كيف تتجرأ وتدخل بيته لتنجِّسه!

علم
المسيح بقلبه كل ما كان يجول في فكر الفرِّيسي، وابتدره بقصة صغيرة استدرجه فيها
حتى يدفعه إلى استحسان عمل هذه المرأة رغماً عن أنفه. وكان اسم الفرِّيسي سمعان،
فقال له: “يا سمعان عندي شيء أقوله لك. فقال: قُلْ يا معلِّم. كان لِمُدَاين
مديونان. على الواحد خمسمائة دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان
سامحهما جميعاً. فَقُل: أيُّهما يكون أكثر حبًّا له؟ فأجاب سمعان وقال: أظن الذي
سامحه بالأكثر. فقال له: بالصواب حكمت” وهكذا أخرج من فمه مديح المحبة التي
في قلب المرأة تجاه المسيح دون أن يشاء. وابتدأ المسيح يوبِّخ سمعان هذا الذي دان
المسيح ولم يدرِ أنه الديَّان، وفي توبيخ المسيح إشارة ذكية أنه هو هو ديَّان
المسكونة بالعدل: “ثم التفت المسيح للمرأة وقال لسمعان: أتنظر هذه المرأة؟ إني
دخلت بيتك، وماءً لأجل رجليَّ لم تُعطِ. وأمَّا هي فقد غسلت رجليَّ بالدموعِ
ومسحتهما بشعر رأسها. قُبلةً لم تقبِّلني، وأمَّا هي فمنذ دخلتُ بيتك لم تَكُفَّ
عن تقبيل رجليَّ. بزيت لم تدهن رأسي، وأمَّا هي فقد دهنت بالطيب رجليَّ. من أجل
ذلك أقول لك: (إنه) قد غُفرت (لها) خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً.
والذي يُغفر له قليلٌ يحبُّ قليلاً. ثم قال لها: مغفورة لكِ خطاياكِ. فابتدأ
المتَّكئون معه يقولون في أنفسهم: مَنْ هذا الذي يغفر خطايا أيضاً؟ فقال للمرأة:
إيمانُكِ قد خلَّصكِ! اذهبي بسلام.” (لو 7: 3650)

لقد لمح المسيح الإيمان والحب ومذلَّة النفس وانسحاقها من
وسط الدموع والقلب المكسور

النادم! لقد قدَّمت المرأة حبها الكثير بصمت واتضاع!

هذه
عيِّنة من سخاء ربنا يسوع المسيح في مغفرة الخطايا، دون محاسبة ودون مراجعة، دون
تبكيت، ودون شروط، دون مطالب وتنفيذ وصايا؛ بل مجَّاناً، وبلا جهد. وهكذا محبة
كثيرة استطاعت أن توازن خطايا كثيرة وثقيلة. وكان أمامنا الفرِّيسي الذي حجز
خطاياها دون مغفرة بل وبدينونة وفضيحة وازدراء، حيث المحبة الكثيرة كانت أمامه وفي
عرفه محتقرة ومحسوبة ضمن الخطايا، هذا هو الناموس بكل بشاعته، وهذا هو المسيح بكل
وداعته.

الفرِّيسي
لم يغفر لها، فلم يُغفر له ولن يُغفر أيضاً. لأن بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم
ويُزاد.

أمَّا المسيح فقيَّم إيمانها الخفي الصامت: ” إيمانك
خلَّصكِ”،
وأعلن على الملأ،
محبتها الكثيرة، وكأنها هي التي اجتذبت لها
الغفران بإيمانها وحبها الكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار