اللاهوت الطقسي

3- السنة النجمية وإصلاح التقويم



3- السنة النجمية وإصلاح التقويم

3- السنة النجمية وإصلاح التقويم

المصريون القدماء – وقد شهد لهم الأولون
والأخرون بالبراعة فى علمى الفلك والطبيعة وفى رصد النجوم وإبداع التقويم – لم
ينظموا تقويمهم بطريق الصدفة بل إستنبطوه بحكمة بالغة ومقدرة فائقة من طول المدة
الزمنية للدورة الظاهرية لنجم (سبدت) عند قدماء المصريين هو بعينه نجم ألفا من
مجموعة نجوم كلب الجبار المعروف باللغات الأوربية:

A Canis Majoris The Dog star

وهو بعينه نجم سيريوس (Sirius) كما أنه بعينه نجم سوذس (Sothis) وهو تحريف يونانى للاسم المصرى (سبدت) وهو كذلك بعينةنجم الشعرى
اليمانية عند العرب. وهو ألمع النجوم فى السماء وهو واحد من مجموعة نجوم كلب
الجبار (
Canis
Majoris The Great
) التى هى صورة
جنوبية قديمة جدا كانت معروفة عند قدماء المصريين (1)

إذن السنة القبطية المصرية ليست سنة شمسية قطعا
وليست سنة قمرية وليست نجميه مطلقة وإنما سنة نجمية شعرية لتحديد طولها على أساس
طول المدة الزمنية للدورة الظاهرية لنجم الشعرى اليمانية (سبدت عند قدماء
المصريين).

ولنشرح ذلك على مرحلتين:

 

المرحلة الأولى:

إن المصريين القدماء جعلوا سنتهم إثنى عشر شهرا
بعدد الاثنى عشر برجا الموجودة فى منطقة البروج تدور فيها كواكبنا السيارة وتسمى
زودياك (
Zodiac) وجعلوا كلا منها ثلاثين يوما وخصصوا أربعة أشهر لفصل الفيضان
وأربعة أشهر للزراعة وأربعة أشهر للحصاد.

ثم أضافوا اليها خمسة أيام سموها الشهر الصغير:

Pikouji nabot وهى التى تسمى أيام النسى فوصل طولها بذلك الى 365 ثلاثمائة وخمسة
وستين يوما وجعلوا رأس سنتهم يوم أول شهر توت وهو أول شهور السنة القبطية
(المصرية) وهو نفسه يوم العيد التقليدى لشروق نجم الشعرى اليمانية على الأفق
الشرقى قبيل شروق الشمس فى يوم وصول فيضان النيل الى العاصمة منف ولكنهم لاحظوا أن
طول السنة عندهم أقصر من طول السنة الطبيعية بدليل أن نجم الشعرى اليمانية كان
يتقدم ظاهريا سنة بعد أخرى.

وبما أن النجم ثابت فقد كانت أيام الأعياد
الدينية والمدنية وعيد رأس السنة أول الأعياد هى التى تحل قبل موعدها بحركة
تقهقرية مستمرة وإن كان بفرق ضئيل فهى تشبه فى ذلك مبادرة الاعتدالين.

(precession of Equinoxes) مع الفارق لأنها تنتسب الى نجم
الشعرى اليمانية ولا تنتسب الى الشمس وقد اشتكى الكاتب المصرى الى الإله آمون أيام
الرعامسة فى الأسرة التاسعة عشرة من أن أيام الأعياد الدينية تسير القهقرى وكان
هذا دائما موضع تأفقه وقد سجل التاريخ لنا هذه الشكوى (1)
.

 

المرحلة الثانية:
(إصلاح التقويم)

فى عام 239 قبل الميلاد
توصل الكهنة المصريون فى أيام حكم بطليموس الثالث (
Euergetes) وزوجته الملكة برينيكى (247 – 222 قبل الميلاد) الى إزالة أسباب
هذه الشكوى، فقد لاحظ الكهنة التباين بين سنتهم المكونة من 365 يوما فقط والسنة
الطبيعية فاجتمعوا فى تلك السنة بهيئة مجلس كهنوتى بمعبد مدينة كانوب (بلدة أبو
قيرة الحالية) وقد أتوا اليها من جميع المعابد فى شطرى الوادى وتناولت أبحاثهم
وقرارتهم إصلاح التقويم.

 

أ‌) بحث الكهنة للتقويم ولهم باع طويل فى رصد
النجوم – فوجدوا أنه إذا طلع نجم الشعرى اليمانية (سبدت) شروق الشمس بثوان بحيث
يتراءى فى الأفق الشرقى قبل أن يخفيه ضوء الشمس وفى مستوى إرتفاع الشمس الطالعة
فوق الأفق على خط عرض 30 درجة فى نواحى منف وعين شمس – وهذا الوضع يسمى علميا
بالشروق الاحتراقى ففى هذه الحالة يتقدم نجم الشعرى اليمانية ظاهريا بمعدل يوم كل
أربعة اعوام وبما أن النجم ثابت فقد كانت الأعياد الدينية عندهم وأولها عيد رأس
السنة (يوم أول شهر توت) هى التى تبكر فى مواعيد حلولها كل أربعة سنوات على
التوالى أى أن سنتهم التى طولها 365 يوما فقط كانت تقل يوما كل أربعة سنوات بسبب
أن نجم الشعرى اليمانية كان يتقدم ظاهريا يوما كل أربعة سنوات ووجدوا أن نجم
الشعرى اليمانية دار دورته الظاهرية وعاد الى شروقه الاحتراقى بعد مرور (365 يوما
× 4 سنوات) = 1460 سنة طول كل منها 365 يوما فقط، ولاحظوا بثاقب نظرهم أن اتفاق
حدوث الشروق الاحتراقى لنجم الشعرى اليمانية مع فجر يوم أول شهر توت (رأس السنة
المصرية) قد تم بعد فوات سنة أخرى طولها 365 يوما فقط فاستنبطوا أن كل 1460 سنة
طبيعية تعادل 1461 (1460 + 1) سنة طول كل منها 365 يوما فقط (1). فلأجل أن يتساوى
طول السنة عندهم مع طول السنة الطبيعية النجمية – الشعرية قام الكهنة بتجزئة طول
السنة الزائدة وهو 365 يوما فقط على طول السنة الطبيعية وهو طول الفترة الزمنية
للدورة الظاهرية لنجم الشعرى اليمانية فكان الناتج هكذا: – 365 يوما / 1460 سنة
طبيعية نجمية – شعرية = 1 / 4 ربع يوم بالضبط أى ست ساعات

 

ب‌) قرر الكهنة فى مجلسهم الكهنوتى إضافة ربع
يوم سنويا الى سنتهم المكونة من 365 يوما فقط و6 ساعات متخذين نجم (سبدت) (الشعرى
اليمانية) أساسا لبناء تقويمهم. فأستقام بذلك الحساب وأصبح ما كان ناقصا من قبل فى
نظام الفصول والسنة وفى القواعد الموضوعة بخصوص النظام العام لمصر قد أصلح فالفصول
تتوالى بنظام مطلق على حسب النظام الفعلى لطقس مصر وزراعة مصر ولا يحدث مستقبلا أن
بعض العياد الدينية أو المدنية يحتفل بها فى غير مواعيدها الطبيعية.

فاتباع سير نجم الشعرى اليمانية الظاهرى كان هو
التطبيق العلمى لحلول الأعياد الدينية والمدنية فى مواعيدها الصحيحة على مدار
السنة دون تغيير أو تبديل أو تزحزح.

وعرف حينذاك نظام الكبس أى أن كل أربع سنوات
يكون ثلاث منها طول الواحدة 365 يوما فقط وسنة واحدة تالية يكون طولها 366 يوما
على أن يضاف اليوم الزائد الى الشهر الصغير أى الى أيام النسى الخمسة فتصبح ستة.

وفى عام 238 قبل الميلاد صدر مرسوم باسم بطليموس
الثالث (
Euergetes) أذيع فى كل انحاء البلاد وقد كان الكهنة المصريون هم الواضعون
الحقيقيون لهذا المنشور المعروف باسم مرسوم كانوب (
Decree of Canops) وقد نقش على لوحات من الحجر الجيرى باللغة المصرية القديمة وهى
المسماة باللغة الهيروغليفية أى اللغة المقدسة وكذلك بالخط (الديموطيقى) وأيضا
باللغة اليونانية ولدينا منه حتى الأن أربع نسخ منها ثلاث بالقاهرة وواحدة بمتحف
اللوفر بباريس بفرنسا لا تختلف كثيرا الواحدة منها عن الأخرى وأهم هذه النسخ
الأربع وأوضحها النسخة التى وجدت بتانيس (1).

ويعتبر مرسوم كانوب هذا وثيقة ذات أهمية عظمى
لأن الغرض الأساسى منه كما جاء فى بعض نصوصه هو تسجيل إصلاح التقويم المصرى
(القبطى) ونشرة فى أنحاء البلاد.

وتاريخ هذا المرسوم هو اليوم السابع عشر من
الشهر الأول من فصل الشتاء من السنة التاسعة من حكم جلالة ملك الوجهين القبلى
والبحرى بطليموس الثالث محبوب بتاح (
Euer getes) ويوافق تاريخ صدوره يوم 6 مارس سنة 237 قبل الميلاد وقد جاء فى
الفقرة الرابعة عشرة (أنه منذ الآن سنضيف يوما كل أربع سنوات الى خمسة الأيام التى
هى شهر النسئ قبل السنة الجديدة حتى يعلم الكل أن ما كان ناقصا من قبل فى نظام
الفصول والسنة قد تم إصلاحه). ومما لا شك فيه أن علوم الفلك التى ورثها كهنة قدماء
المصريين عن أسلافهم كانت كافية لتجعلهم يصيبون الهدف فى وضع تصميم السنة الكبيسة.

وقد ترجم هذا المرسوم الى اللغات الأجنبية
الفرنسية والألمانية والإنجليزية من زمن وأخيرا ترجمة الى اللغة العربية الأثرى
الكبير المرحوم الاستاذ سليم حسن فى الجزء الخامس عشر من موسوعته عن تاريخ ”
مصر القديمة ” (1)

ولا أنسى أن أقول ان المصريين القدماء – وعلى
رأسهم الكهنة – صمموا التقويم المصرى تأسيسا على طول الفترة الزمنية للدورة
الظاهرية لنجم الشعرى اليمانية لأن اتباع طول السنة النجمية الشعرية أفضل بكثير
جدا من اتباع طول السنة الشمسية لأنها لا توصل الى الثبات الذى تتميز به السنة
النجمية – الشعرية والدليل على صحة ذلك هو أن التقويم القبطى (المصرى) يرجع تاريخ
إستعمال الى أكثر من 6000 (ستة ألاف سنة) ويثبت ذلك أن الشهر الصغير أى خمسة أيام
النسئ مدونة فى نصوص الأهرام
Pyramid) (Texts
المعروف أنها ترجع الى ذلك الزمان السحيق (1).

وبعد مرور هذه الالاف من السنين نجد أن التقويم
القبطى (المصرى) لا يزال ينساب فى بساطة وسهولة وانتظام تام متفقا فى ذلك مع طقس
مصر وفصول مصر وزراعة مصر دون أدنى تغيير أو تبدليل أو تزحزح وهنا تتجلى حكمة
قدماء المصريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار