علم الكتاب المقدس

29- الهجوم على يسوع



29- الهجوم على يسوع

29- الهجوم على يسوع

الأبحاث التاريخية عن يسوع البحث الأول

البحث الثاني

البحث الثالث

خاتمة

سمينار يسوع

ما هو سمينار يسوع

أهداف السمينار

التصويت على يسوع

نتائج السمينار

سمينار يسوع يستعين..

خاتمة

مسيح الإيمان أم يسوع التاريخ

تطور الانقسام الثنائي

افتراضات وتقسيمات فرعية حديثة

إجابات للاعتراضات الفلسفية

إجابات للاعتراضات التاريخية

 

1(أ)
الأبحاث التاريخية عن يسوع

كثير
من عقائد الإيمان المسيحي التقليدي التاريخية قد واجهت تحدياً عبر القرون القليلة
الماضية من قِبَل المفكرين الليبراليين في كل أنحاء العالم. ولكن أكثرهم ضرراً على
الكنيسة كانت الأبحاث التاريخية عن يسوع التاريخي، والتي بدت وكأنها ليس لها حصر
أو نهاية.

 

وفي
قاموس «والتر ألويل الإنجيلي» للاهوت، يقدم د.ه شتين تاريخ البحث بشأن يسوع
التاريخي:

 

يمكن
تأريخ بداية البحث عن يسوع التاريخي في الفترة من 1774-1778 عندما نشر الشاعر
ليسينج الأبحاث النقدية الخاصة بهيرمان صمويل ريماروس بعد وفاته. هذه الملاحظات
تحدت الصورة التقليدية ليسوع الموجودة في العهد الجديد وفي الكنيسة.

 

فالبنسبة
لريماروس، لم يقدم يسوع أي زعم مسياني، ولم يؤسس أي سر مقدس، ولم يتنبأ بموته، كما
أنه لم يقم من الأموات. لكن تاريخ يسوع في الواقع ليس سوى خداع متعمد من قِبَل
تلاميذه. وفي هذا التصوير ليسوع، أثار ريماروس سؤالاً: «ماذا إذاً كان يسوع
الناصري؟» ومن ثم بحث لكي يجد يسوع الحقيقي. (
Stein, JC, as cited in Elwell, EDT, 584)

 

هذا
البحث عن يسوع التاريخي استمر عبر القرنين الماضيين بأشكال وصيغ عديدة ومتنوعة.
وفي الواقع، شهد القرنان الماضيان ثلاثة أبحاث مختلفة عن يسوع التاريخي. وقبل أن
نقوم بفحص كل بحث منهم على حدة، ربما من المفيد أن نرى البحث في شكل مخطط كمقترح.
(
Horrell,T,30)

 

1(ب)
البحث الأول

خلال
الجزء الأول من القرن التاسع عشر، كان المنهج السائد في الأبحاث يقوم على المذهب
العقلي، وأجريت عدة محاولات للتفسير العقلاني لحياة المسيح. ولكن جاءت نقطة تحوُّل
رئيسية عندما نشر د.ف. شتراوس كتابه «حياة المسيح» عام 1835، اذ أبرز شتراوس عبث
وعدم جدوى المدخل العقلاني مؤكداً على أن المعجزات في الأناجيل ينبغي أن يتمّ
فهمها باعتبارها أساطير ليس لها علاقة بالتاريخ، وتبعه في هذا المدخل الجديد
التفسير الليبرالي لحياة يسوع والذي قلَّل وتجاهل البعد المعجزي في الأناجيل
واعتبرها مجرد «قشرة» يجب أن يتم إزالتها من أجل التركيز على تعاليم يسوع. ولذا
فمن غير المدهش أن هذا المدخل وجد في تعاليم يسوع بعض العقائد الليبرالية مثل أبوة
الله، وأخوَّة الإنسان، والقيمة اللا محدودة للنفس الإنسانية. (
Stein, JC,es ctied in Elwell, EDT, 584)

 

ويعلق
جاري هابرمس: هناك محاولات كثيرة شهيرة للشك وتكذيب يسوع الأناجيل، حتى في القرنين
الثامن عشر والتاسع عشر، كانت هذه المحاولات شائعة وسائدة. ولكنها تعرضت لرفض
جماعي من قِبَل الباحثين المدققين، خاصة الذين يذكرون المحاولات المماثلة التي ثبت
عدم صحتها منذ وقت طويل، ولكنها مازالت تحصل على اهتمام واسع النطاق بين عامة
الناس. (
Habermas, HJ,98)

 

يستشهد
شتين بعدة أسباب للزوال المؤقت لهذا البحث:

 

أولاً:
بدا واضحاً من خلال أعمال البرت شفايتزر، أن يسوع الليبرالي لم يكن له أي وجود،
ولكنه ببساطة كان اختلاقاً من رغبات الليبراليين. وهناك عامل آخر ساعد في إنهاء
هذا المبحث كان إدراك أن الأناجيل لم تكن مجرد سير حياة موضوعية يمكن بسهولة
التنقيب فيها عن معلومات تاريخية. وكان هذا ثمرة عمل وليم وريد ونقَّاد الشكل.
ويبقى سبب آخر لموت هذا البحث وهو إدراك أن موضوع ومحور إيمان الكنيسة عبر القرون
لم يكن أبداً يسوع التاريخي الخاص باللاهوت الليبرالي ولكنه كان مسيح الإيمان، أي
المسيح الخارق للطبيعة الذي قدَّمته الأناجيل، وقد كان مارتن كاهلر مؤثراً بشكل
خاص في هذا الشأن. (
Stein,JC,as
citad in Elwell,EDT,585
)

 

2(ب)
البحث الثاني

خلال
الفترة بين الحربين العالميتين، قبع البحث ساكناً نتيجة اللامبالاة والشك بشأن مدى
إمكانياته. ولكن في عام 1953 ظهر مبحث جديد بدعم من أرنست كازمان. كان كازمان
خائفاً من أن الانقطاع في النظرية والممارسة بين يسوع التاريخي ومسيح الإيمان إذ
رأى في ذلك شبيهاً جداً بإحدى البدع التي ظهرت مبكراً وكانت تنكر إنسانية ابن الله.
ومن ثم فقد أكد أنه من الضروري أن يحدث تواصل بين يسوع التاريخي ومسيح الإيمان.
علاوة على ذلك، أشار إلى أن الشكوك التاريخية الحالية التي تتعلق بيسوع التاريخي
لا مبرر لها لأن بعض المعلومات التاريخية كانت متوفرة وغير قابلة للشك. وكانت
نتائج هذا المبحث الجديد محبطة بشكل ما، ويمكن القول بشكل ما إن الحماسة التي
صاحبته في البداية اختفت إذ ظهرت آليات جديدة خلال هذه الفترة، يمكن أن تساعد في
هذه المهمة التاريخية. (
Stein,
JC,as cited in Elwell, EDT, 584-585
)

 

3(ب)
البحث الثالث

يشرح
د. جيسلر آخر الأبحاث:

إن
آخر الأبحاث بشأن يسوع التاريخي تُعد ُّرد فعل للبحث الجديد. وهي متعددة المظاهر،
ومن بينها البعض من التقليد الراديكالي، وتقليد المنظور الجديد، ومن المحافظين،
فمن ضمن الفئة المحافظة يوجد هوارد مارشال وب.ف.د مويل، وج.ر بسلي، وموراي. وهم
رفضوا فكرة أن صورة يسوع الموجودة في العهد الجديد كانت مأخوذة بشكل ما من
التقاليد الدينية الهلِّينية عن المخلِّص.

 

أما
مجموعة المنظور الجديد فإنها تضع يسوع في وضعه اليهودي الخاص بالقرن الأول. ومن
ضمن هذه المجموعة ف.ب. ساندرس، وب ف ماير، وجزا فرميس، وبروس شيلتون، وجيمس ه.
شارلورث. وتمثل التقليد الراديكالي في سمينار يسوع واهتمامهم بإنجيل توما والوثيقة
Q. ويستخدم «سمينار يسوع» كثيراً من مناهج وأساليب شتراوس وبولتمان،
ولكن على النقيض من بولتمان، يشعر جماعة «سمينار يسوع» بالتفاؤل فيما يتعلق
باستعادة يسوع التاريخي. بيد أن نتائجهم حتى الآن قد أثمرت عن اتجاهات ورؤى شديدة
الاختلاف، تستند على شظايا صغيرة من العهد الجديد تقول ما يعتقدون أنه أحداث
وأقوال أصيلة وموثوق بها. (
Geisler,
BECA, 385-386
)

 

يضيف
كرايج بلومبرج: إن «سمينار يسوع» وحلفاءه لا يعبرون عن أي إجماع للعلماء والباحثين
فيما عدا بعض الراديكاليين الثانويين في هذا المجال. كما أن منهجيته متصدعة بشكل
خطير ونتائجها مشكوك فيها تماماً. لأن البحث الثالث عن يسوع التاريخي كان يهدف
لتقديم دعوى أفضل لتفسير منطقي وتاريخي للمعلومات المتاحة. ولكن في هذا أيضاً
غالباً ما توقف الباحثون قبيل المعتقد المسيحي التاريخي التقليدي. (
Blomberg, WDWSSJ, as cited inwilkins, JUF,43)

 

4(ب)
خاتمة

يذهب
شتين إلى أن المشكلة تكمن في التعريف النقدي لما هو «تاريخي»:

المشكلة
الأساسية التي تواجه أي محاولة للوصول إلى «يسوع التاريخي» تتضمن تعريف كلمة
«تاريخي». ففي الدوائر النقدية يفهم اللفظ عموماً باعتباره «منتج لمنهج النقد
التاريخي».

 

هذا
المنهج يفترض وجود سلسلة متصلة ومغلقة من الوقت والمكان والتي لا يمكن أبداً أن
يخترقها أي تدخل إلهي مثل المعجزات. ومثل هذا التعريف سوف يكون فيه دائماً مشكلة
في بحثه لإيجاد تواصل بين المسيح الخارق للطبيعة ويسوع التاريخي، والذي من خلال
هذا التعريف لا يمكن أن يكون خارقاً. فإذا كانت كلمة «تاريخي» تعني غير خارق
للطبيعة، فمن المستحيل أن يوجد تواصل بين أبحاث يسوع التاريخي وبين مسيح الإيمان.
ولذا يصبح واضحاً تماماً ضرورة التصدي لهذا التعريف لكلمة «تاريخي». وحتي في
المانيا هناك من يتحدثون عن الحاجة لمنهج نقد تاريخي ليتولى القيام بانفتاح على
إمكانية حدوث معجزات، وبهذه الطريقة فقط يمكن أن يتواجد أمل لتأسيس تواصل
واستمرارية بين أبحاث يسوع التاريخي ومسيح الإيمان. (
Stein, JC, as cited in Elwell, EDT,585)

 

2(أ)
سمينار يسوع

عبر
السنوات القليلة الماضية، ظهرت واحدة من أكثر الأبحاث راديكالية فيما يتعلق بيسوع
التاريخي واظهرت نفسها فيما يسمى «سمينار يسوع». وأي قراءة للصحف والمجلات الكبيرة،
خاصة في فترة العطلات، سوف يواجه مع النتائج التي توصل إليها هؤلاء الذين يطلق عليهم
علماء.

 

1(ب)
ما هو سمينار يسوع؟

إن
«سمينار يسوع» هو جمعية لعلماء وباحثي العهد الجديد، يديره روبرت و.فانك، هذه
الجمعية تأسست عام 1985 تحت رعاية مؤسسة سانت روزا بكاليفورنيا. وفيها يتقابل
حوالي سبعين عالماً مرتين سنوياً لإصدار بيانات بشأن مدى أصالة ومصداقية كلمات
وأعمال المسيح.

 

هذا
السمينار يضمّ كاثوليك وبرتستانت ليبراليين وكذلك يهوداً ملحدين. ومعظمهم من
أساتذة الجامعات الذكور، رغم أن بينهم قساً ومخرجاً سينمائياً وثلاث نساء.
وتقريباً نصفهم خريجو كليات هارفارد أو كلارمونت أو فندربلت للاهوت.(
Geisler, BECA, 386)

 

2(ب)
أهداف السمينار

يشرح
د. جيسلر الأهداف المعلنة لهذا السمينار:

منذ
بدايته يسعى «سمينار يسوع» لجعل آرائه النقدية متاحة للرأي العام، بدلاً من
الاكتفاء بالفئات البحثية والعلمية: «نحن عازمون على أن نحاول أن نعلن عن أعمالنا
للرأي العام، فنحن لن نكتف بالنسبة لأعمالنا، بشرف حرية الاطلاع على المعلومات،
ولكننا سنتمسك بالكشف العام للجماهير عن أعمالنا». ومن هذا المنطلق يسعى السمينار
للوصول إلى الشهرة والانتشار بواسطة كل الوسائل الممكنة. مقابلات تليفزيونية
ومقالات عديدة وحوارات مع الصحف، علاوة على شرائط الكاسيت بل وحتى إنتاج فيلم. كل
هذه الوسائل تعتبر جزءاً من حملتهم الإعلامية الجماهيرية لصالح اللاهوت المضاد
للخوارق. ولقد اعترف فانك بصراحة بطبيعة العمل الراديكالي عندما قال: «إننا نمتحن
ونتفحص ما يعتبره الملايين أعظم المقدسات، ولذا فسنظل باستمرار نقترب من عدم احترام
المقدسات». وهذا كشف أمين ودقيق لما يحدث. (
Geisler, BECA, 387)

 

3(ب)
التصويت على يسوع

يصوت
«سمينار يسوع» على صحة ودقة أقوال يسوع باستخدام العلامات الملوَّنة. ويشرح ذلك د.
جيسلر بقوله: تستخدم الجماعة علامات ملوَّنة للتصويت على دقة أقوال يسوع. العلامة
الحمراء تعني الكلمات التي يغلب أن يكون يسوع قد قالها. أما اللون الوردي
(القرنفلي) فيشير إلى الكلمات التي من المحتمل أنها تنسب إلى يسوع. ويمثل اللون
الرمادي الكلمات التي من المحتمل أنها جاءت من مصادر متأخرة أكثر. أما اللون
الأسود فيشير إلى الكلمات التي من المؤكد تقريباً أن يسوع لم ينطق بها.

 

استند
هذا التصويت على تنويعة مختلفة من الكتابات المسيحية الأخرى غير الأناجيل
القانونية الأربعة، بما فيها إنجيل بطرس المكوَّن من مجموعة أجزاء متفرقة، وهو
المصدر المزعوم للوثيقة
Q. وكذلك إنجيل توما المدوَّن في القرن الثاني وإنجيل مرقس السري
وهو غير موجود. وعادة ما يتم معاملة إنجيل توما باعتباره الإنجيل الخامس، بمساواته
مع الأناجيل الأربعة القانونية.

 

وكان
نتيجة عملهم أنهم وصلوا إلى خلاصة أن هناك خمس عشرة مقولة فقط (بمعدل 2%) يمكن أن
تعتبر فعلاً من كلمات يسوع، وحوالي 82% مما ينسبه الأناجيل القانونية ليسوع ليست
أصيلة، وهناك 16% أخرى من الكلمات مشكوك في أصالتها.

 

4(ب)
نتائج السمينار

يحدد
جيسلر النتائج الراديكالية للسمينار التي تؤثر في الإيمان المسيحي التاريخي
التقليدي:

 

1-
يسوع القديم والمسيحية القديمة لم يعودا مناسبين الآن.

 

2-
لا يوجد اتفاق بشأن من كان يسوع: هل كان فيلسوفاً آمن بالفضيلة أو حكيماً أو
مصلحاً يهودياً أو مناصراً للمساواة بين الجنسين، أم معلماً ونبياً أم نبياً
اجتماعياً ثورياً أو نبياً مؤمناً بالقيامة والدينونة.

 

3-
يسوع لم يقم من الأموات. وهناك أحد الأعضاء يُدعي كروسان ألَّف نظرية تقول بأن
جثمان يسوع دفن في قبر سطحي فحفرته الكلاب وأكلت الجثة.

 

4-
الأناجيل القانونية مكتوبة في زمن متأخر ولا يمكن الوثوق بها.

 

5-
الكلمات الأصيلة ليسوع يمكن أن تجمع من جديد من خلال الوثيقة
Q
وإنجيل توما ومرقس السري وإنجيل بطرس. (
Geisler, BECA, 387)

 

5(ب)
سمينار يسوع يستعين ب..

 

5(ج)
علماء ليبراليون راديكاليون

«الحق
لا يقرره تصويت الأغلبية». (
Geisler,
BECA,387
)

 

«معظم
الأدلة التي يقدمونها.. غير مؤكدة، وغالباً غير موجودة إلا في اقتباسات العلماء
والباحثين الليبراليين من بعضهم البعض». (
Geisler, BECA, 388)

 

2(ج)
معاداة ظالمة للخوارق

 

«إن
الخلاصات الراديكالية للمجموعة تقوم على افتراضات مسبقة ثورية، واحدة من بينها
الرفض الجائر وغير المبرر لأي تدخل معجزي لله في التاريخ. (
Geisler, BECA,388)

 

وفي
تعليقه على «سمينار يسوع» يقول جاري هابرماس: «إنهم أمناء بدرجة كافية ليقرروا في
البداية كراهيتهم وبغضهم لخوارق الطبيعة ومن ضمنها ألوهية وقيامة يسوع، وهم يرون
أن العلم الحديث استطاع أن يجيب على كل التساؤلات بشأن هذه الأمور». (
Habermas, HJ,124)

 

3(ج)
قبول لا أساس له للتواريخ المتأخرة

من
خلال تثبيت وقبول تواريخ متأخرة، يمكن اختلاق الوقت الكافي بين الأحداث وبين
التسجيل، هذا الوقت يكفي لموت أو اختفاء شهود العيان وبالتالي ظهور الأساطير
ونموها حول مؤسس المسيحية. (
Geisler,
BECA,388
)

 

4(ج)
مغالطات منطقية

«إن
عملية البرهنة الخاصة ب«سمينار يسوع» معقدة ومحرَّفة ومليئة بالمغالطات المنطقية
أو افتراض صحة ما هو مطلوب إثباته. إنه تفكير يدور في حلقة مفرغة يبدأ برؤية
معادية للخوارق ولرمز ديني من القرن الأول وتختتم في نفس النقطة». (
Geisler, BECA,388)

 

«ثمة
نقطة منطقية أخرى تتعلق بوقوع السمينار في المغالطة التاريخية، والتي تحدث عندما
يتحدى شخص أصل فكرة ما دون أن يحدد فعلاً مدى حقيقتها. بمعنى آخر، لو أنه يعتقد أن
مجرد نسب تقرير إنجيلي لأسلوب الكاتب، أو لمطابقات تاريخية أخرى، أو إلى توجُّه
عقلي بدائي فهو يعتقد أن هذا يضرها بوضوح، ولكن هذا خطأ منطقي، فهذه الأحكام لا تحول
دون تاريخيتها. (
Habermas, HJ,125)

 

6(ب)
خاتمة

بالرغم
من رغبتهم ومنجزاتهم الهادفة لجذب الشهرة والشعبية، إلا أنهم لم يأتوا بأي شيء
جديد في خلاصات ونتائج «سمينار يسوع» الراديكالي، لكنهم قدموا فقط مثالاً آخر لنقد
سلبي ضد الكتاب المقدس غير مدعَّم بسند أو دليل.

 

كما
أن نتائجهم معارضة للبرهان الساحق لتاريخية العهد الجديد، ومدى إمكانية الاعتماد
على شهادات العهد الجديد. فنتائجهم تقوم على نزعة معادية للخوارق وغير مدعمة
بالدليل. (
Geisler, BECA,388)

 

ويضيف
ادوين ياموشي: «رغم ما يدَّعيه بعض العلماء المعاصرين، نجد أن الدلائل من خارج
الكتاب المقدس لن تساند صورتهم المنحرفة ليسوع، تلك الصورة التي تحوز على اهتمام
واسع النطاق من الإعلام لأنها صورة جديدة. وفي مقابل هذه الرؤى الخاصة والسريعة
الزوال، نرى الرؤية التقليدية ليسوع مازالت صامدة كأكثر الصور مصداقية عندما يتمّ
الاهتمام ومراعاة كل البراهين والأدلة، بما فيها البرهان الإضافي الذي تقدمه
المصادر القديمة خارج العهد الجديد. (
Yamauchi,
as Cited in Wilkins, JUF,222
)

 

3(أ)
مسيح الإيمان أم يسوع التاريخ

عبر
كل الأبحاث التاريخية عن يسوع، ظهر على السطح الكثير من الآراء المختلفة. البعض
يرى اختلافاً بين يسوع التاريخي والمسيا الذي نؤمن به. وهم يقولون إننا لا يعنينا
ما قاله أو فعله يسوع التاريخي، لكن كل ما يهمنا هو المسيح الذي نؤمن به.

 

1(ب)
تطور الانقسام الثنائي

لقد
عمل بعض النقَّاد الكتابيين على إضعاف أو تقويض تاريخية يسوع، وذلك من خلال خلْق
انفصال أو انقسام ثنائي بين مسيح الإيمان ومسيح التاريخ. هذا الانفصال يمكن إرجاعه
إلى الفجوة الأصلية الموجودة بين التاريخ وبين العقيدة (الإيمان). كما قال لسينج
إن: «الحقائق العرضية للتاريخ لا يمكن أبداً أن تصير برهاناً للحقائق الضرورية
للعقل». (
Lessing, LTW,53)

 

ويكتب
لسينج: إنهم يقولون إن مسيحهم يجب أن نعترف أنه كان يقيم الموتى، هو نفسه قام من
الأموات.. وهذا سيكون رائعاً تماماً لو أن ذلك يستند على أكثر من مجرد حجج تاريخية
أن يسوع قال ذلك عن نفسه. لو أنك ضغطت عليّ أكثر وقلت لي: «نعم بالطبع! هذا أكثر
من مجرد حجة تاريخية. لأنه تأكد بواسطة مؤرخين كتبوا بإرشاد الوحي المقدس ولا
يمكنهم الوقوع في أي أخطاء». هذا هو الخندق القبيح الواضح الذي لا يمكنني أن أعبره،
مهما حاولت بكثرة وجدية أن أقوم بهذه الوثبة لأعبره». (
Lessing, LTW,55)

 

ولقد
وجد الفيلسوف الألماني الشهير ايمانويل كانط أيضاً أن ثمة ضرورة للفصل بين الفلسفة
والدين: «ومن ثم فقد كان عليَّ أن أبطل المعرفة العقلية من أجل إتاحة الفرصة
للإيمان». (
Kant, CPR,31)

 

بالنسبة
ليسوع، صنع كانط فجوة بين يسوع التاريخي وبين الإنسان المثالي المتجسد: «الآن، إنه
واجبنا العالمي كبشر أن نسمو بأنفسنا إلى هذا المثال للكمال الأخلاقي، الذي هو،
النموذج الأصلي للصفات الأخلاقية في أسمى طهارتها – هذه الفكرة نفسها، والتي
يقدمها العقل لنا، وذلك حتى نحاكيها بحماسة، يمكن أن تمنحنا القوة». (
Kant, RLRA, 54)

 

أما
سورن كيركجارد فيقلل من قيمة الحاجة إلى يسوع تاريخي ويؤكد على قفزة الإيمان:

 

لو
نُظر إلى المسيحية باعتبارها وثيقة تاريخية، فالشيء المهم وقتها هو الحصول على
تقرير موثوق بالكامل عن ماهية حقيقة العقيدة المسيحية. فلو أن موضوع البحث كان
مهماً بشكل مطلق في علاقته بهذا الحق، هنا سوف ينال منه اليأس في لحظة واحدة، لأنه
لا يوجد ما يمكن فهمه بسهوله من هذا. لأنه فيما يتعلق بالتاريخي فإن أعظم تأكيد
ليس سوى تقدير تقريبي، والتقدير التقريبي صغير جداً على أن يبني سعادته عليه. وهو
بخلاف السعادة الأبدية المختلفة عنه في خصائصها حيث أن نتيجتها غير معروفة. (
Kierkegaard, CUPPF,23)

 

حتى
لو أن الجيل المعاصر ليسوع لم يخلف وراءه أي شيء فيما عدا هذه الكلمات: «إننا نؤمن
أنه طوال هذه السنوات ظهر الإله في هيئة متضعة كخادم، وعاش وعلّم بيننا ثم مات»،
فهذا أكثر مما يكفينا. (
Kierkegaard,
PF,104
)

 

ويضيف
مارتن كهلر: «لأن الحقائق التاريخية والتي يجب أولاً أن تكون مؤسسة على العلوم لا
يمكنها أن تصير اختبارات أو خبرات للإيمان، ومن ثم فإن الإيمان المسيحي وتاريخ
يسوع يقاوم أحدهما الآخر مثلما يتنافر الماء والزيت. (
Kahler, SHJHBC,74)

 

ومن
ثم يذهب كهلر إلى التمييز بين المسيح التاريخي والمسيح الإيماني، ويسأل كهلر عن
المسيح التاريخي الخاص بالعلماء: «كيف يمكن أن يكون يسوع المسيح هو الهدف الأصيل
للإيمان لكل المسيحيين لو الأسئلة الخاصة بمن كان يسوع وكيف كان بالفعل لا يمكن أن
تتأسس إلا على بحث شديد الدقة والمهارة، وهو ما لا يتوافر إلا في أبحاثنا فقط في
العصر الحاضر فهي وحدها التي أثبتت أنها قادرة على تحمُّل هذه المهمة. (
Kahler, SHJHBC,102)

 

لكن
كهلر قال إن مسيح التاريخ الحقيقي هو المسيح الذي يوعظ به و«المسيح الذي يوعَظ أو
يبشر به.. هو بالتحديد مسيح الإيمان». (
Kahler, SHJHBC,66)

 

«ولذلك
فإن كل جزء من كتبنا المقدسة تسهم بنصيبها في تقديم صورة كاملة عن يسوع المسيح لنا..
ومن ثم نحن ليس باستطاعتنا أن نفصل المسيح عن الكتاب المقدس». (
Kahler, SHJHBC,86)

 

2(ب)
افتراضات وتقسيمات فرعية حديثة

إن
الفرضية الحديثة تقوم على أن كتابات العهد الجديد لا تقدم صورة تاريخية ليسوع.

 

يستشهد
رودلف بولتمان بفلهوزن في قوله: «علينا أن ندرك أن عملاً أدبياً أو جزءاً (شظية)
من التقليد كان هو المصدر الرئيسي للموقف التاريخي الذي خرجت منه كتابات العهد
الجديد، ولكنه ليس سوى مصدر ثانوي للتفاصيل التاريخية التي يمكن اعتبارها معلومات
تاريخية حقيقية». (
Bultmann, NASP,
341
)

 

وهكذا
يتضح مدى التأكيد عند هؤلاء الباحثين على النظر للأناجيل باعتبارها مصدراً ثانوياً
للحقائق التي تتعلق بيسوع. ويتفق معهم ج. مارتن: «يجب أن يتم التعامل مع الأناجيل
باعتبارها ترجمات أصيلة تنقل لنا ما آمنت به الكنيسة في زمن كتابة الأناجيل فيما
يتعلق بالحقائق التي بُني عليها إيمان الكنيسة». (
Martin, RG,44)

 

ولذلك
يلمَّح ر.ه ليتفوت وهو ناقد شهير قائلاً: «يبدو أن صورة المسيح الأرضي مخفية عنا
في معظمها بشكل لا يقلّ عن هيئة أو ملامح المسيح السماوية. ومع كل القيمة الثمينة
للأناجيل، إلا أنها لا تمنحنا سوى همسات من صوته، ونحن نقتفي أثرها، ولكن في طرق
هامشية». (
Lightfoot,HIG,255)

 

1(ج)
البرت شفايتزر

يسوع
الناصري الذي ظهر باعتباره المسيا، وبشَّر بأخلاق ملكوت الله، وأسس ملكوت السموات
على الأرض ومات ليمنح عمله تقديسه وتكريسه النهائي، لم ولن يكن له أي وجود على
الإطلاق. إنه رمز ابتكره المذهب العقلي، ووهبه الليبراليون الحياة، وكساه اللاهوت
الحديث بعباءة تاريخية. (
Schweitzer,
PSJ,396
)

 

إن
بحث شفايتزر عن يسوع التاريخي يفترض وجود انفصال ثنائي منذ البداية الأولى
للمسيحية:

 

بمجرد
النظرة الأولى ترتبك وتتعثر أمام عدم اهتمام الكنيسة الأولى تجاه حياة يسوع
التاريخي. حيث يمثل بولس الفريق الذي يهتم بعلامات الأوقات، ولم يرغب في معرفة
المسيح بحسب الجسد، وكان هذا أول تعبير عن اندفاع إلى (حماية الذات) التي اهتدى بها
المسيحيون لقرون عديدة. ويبدو أنه مع تقديم يسوع التاريخي إلى إيمانها، سوف يظهر
شيء جديد، شيء لم يكن متوقعاً في فكر السيد نفسه، وأن هذا التعارض سوف ينكشف، وحلّ
هذا التناقض سوف يشكِّل واحدة من أكبر مشكلات العالم. (
Schweitzer, QHJ,2)

 

بعد
طرحه لدراسته عن تطور مفهوم يسوع التاريخي، أوجز شفايتزر دراسته بقوله: «ولكن
الحقيقة هي أنه ليس يسوع المعروف تاريخياً وإنما يسوع الذي ظهر روحياً بين الناس،
هو المهم لعصرنا الحالي، ويمكنه أن يساعد جيلنا. ليس يسوع التاريخي وإنما الروح
الذي ينطلق منه في أرواح الناس مجاهداً لإحداث تأثير وحكم جديد، وهو الذي يتجاوز
العالم». (
Schweitzer, QUJ,401)

 

ولكنه
كيف عُرف أن هذا الروح الخاص بيسوع هو أكثر من مجرد شيء ملفَّق أو مختَلق لخيال
أحد الأشخاص، إلا إذا كان هناك دلائل في الوقت والمكان على الأرض وروح يسوع يظهره
ويمثله فعلاً؟

 

يسوع
كشخصية تاريخية محددة يظل غريباً عن وقتنا، ولكن روحه والتي تكمن مستترة في كلماته
يمكن التعرف عليها ببساطة وتأثيرها يكون مباشراً. فكل قول له يتضمن بأسلوبه الخاص
يسوع بأكمله. الغرابة والأعمال التي لا يمكن التنبأ بها والتي يقف فيها أمامنا
تجعل من السهل على الأفراد أن يحددوا موقفهم الشخصي نحوه. (
Schweitzer, QHJ, 401) إن كلمات شفايتزر الأساسية تعبَّر عن مراوغة لخبرة حقيقية.

 

2(ج)
رودلف بولتمان

«إنني
أعتقد فعلاً أننا لا يمكننا تقريباً الآن أن نعرف أي شيء فيما يتعلق بحياة وشخصية
يسوع، طالما أن المصادر المسيحية المبكرة لم تظهر أي اهتمام بهما، وهي علاوة على
ذلك يغلب عليها التشظِّي (الانقسام إلى شظايا صغيرة) والطابع الأسطوري، ولا يوجد
أي مصادر أخرى عن يسوع». (
Bultmann,
JW,8
)

 

وبينما
يعترف رودلف بولتمان بتاريخية يسوع، إلا أنه يبدي شكوكه فيما يتعلق بموضوعية
الروايات الكتابية:

 

«بالطبع
أن الشكوك بشأن حقيقة وجود يسوع لا أساس لها ولا تستحق حتى بذل الجهد لدحضها. فلا
يوجد شخص عاقل يمكن أن يشك في أن يسوع هو مؤسس الحركة التاريخية، والذي أول خطواته
الواضحة ظهرت في المجتمع الفلسطيني القديم. ولكن إلى أي مدى حافظ هذا المجتمع على
صورة موضوعية حقيقية له ولرسالته، فهذه مسألة أخرى. فبالنسبة لمن لهم اهتمام
بشخصية يسوع، يعتبر هذا الموقف محبطاً بل مهلكاً، أما بالنسبة لهدفنا فهي ليست لها
كفاية موضوعية». (
Bultmann,
JW,13-14
)

 

3(ب)
إجابات للاعتراضات الفلسفية

إنني
أعتقد أن أفضل رد على هؤلاء الذين يفرِّقون بين مسيح الإيمان ويسوع التاريخي هو
الرد الأول للافتراضات الفلسفية المسبقة، وبعد ذلك عرض قوي للمصداقية والأصالة
التاريخية لروايات العهد الجديد عن يسوع.

 

وفيما
يتعلق بذلك، يقول جيسلر في رده على كانط: «إن افتراض كانط أنه بالإمكان فصل
الحقيقة عن القيمة هو افتراض زائف تماماً، كما يتضح في استحالة فصل حقيقة موت يسوع
عن قيمة هذا الموت. وليس ثمة أهمية روحية للميلاد العذري إلا إذا كانت فعلاً حقيقة
بيولوچية.. وكذلك لا يمكن للمرء أن يفصل حقيقة الحياة البشرية عن قيمتها، فالقاتل
يهاجم بلاشك قيمة الفرد كإنسان عندما ينتزع حياته». (
Geisler, BECA,386)

 

4(ب)
إجابات الاعتراضات التاريخية

في
استجابة محددة لأفكار بولتمان، توصَّل دافيد كايرز إلى خلاصته بشأن أسلوب اللاهوت
الخاص ببولتمان، الذي يسير من التاريخي إلى الوجودي:

 

«إن
خلاصتنا في هذا الفصل تقودنا إلى إدراك أن كل المبررات التي ساقها بولتمان، لدعم
تحوُّله من التاريخ غير مقنعة، إذ أن المشروع بأكمله يشبه تماماً اللجوء إلى قطع
رأس شخص كعلاج له من الصداع». (
Cairns,
GWM,149
)

 

لاحظ
ألوين مظهراً مرعباً نتج عن اسلوب بحث بولتمان للعهد الجديد عندما ادرك أساس
بولتمان الوجودي: «أليس هذا مظهراً مزعجاً في تفسيره لرسالة العهد الجديد، عندما
تصير الحقيقة التاريخية ليسوع الناصري التاريخي مجرد لغز نسبي؟ وهذا يعني أن ظهور
إعلان الله والذي يفترض أنه اتخذ شكلاً جسدياً وتاريخياً في يسوع يتلاشى، ولا تقوم
له قائمة». (
Ellwein, RBIK,42)

 

كما
يؤكد جيسلر أن العلماء الذين يبحثون عن يسوع التاريخي «يزعمون بلا أي برهان، أن
الأناجيل ليست تاريخية وأنها لا تقدم الشخصية التاريخية ليسوع». (
Geisler, BECA,386)

 

إن
مؤلفي العهد الجديد يجعلون أساساً لهم وهو الإيمان الذي يتضمن اتحاد مسيح الإيمان
مع يسوع التاريخ.

 

ويقول
الرسول بولس:

 

«وإن
لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازاتنا وباطل أيضاً إيمانكم، ونوجد نحن أيضاً شهود
زور لله، لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا
يقومون. لأنه إن كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح
قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم. إذاً الذين رقدوا في المسيح أيضاً
هلكوا. إن كان لنا في هذه الحيوة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس» (1كو
15: 14-19).

 

لأن
كل المساعي العملية، لوضع تصميم «مسيح الإيمان» والتي تتجاهل حياة يسوع التاريخية
على الأرض تقترب بشكل خطير من إنكار أن يسوع جاء في الجسد على الإطلاق. يحذِّر
الرسول يوحنا: «وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله.
وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي والآن هو في العالم» (ايو 4: 3).

 

كما
شرح لوقا أسلوبه البحثي كمؤرخ في قوله:

 

«إذ
كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلَّمها إلينا
الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة. رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء
من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس. لتعرف صحة الكلام
الذي علَّمت به» (لو 1: 1-4).

 

يقارن
المؤرخ أ.ن. شروين – وايت بين مناهج كتابة التاريخ التي استخدمها الكتُّاب الرومان
ومثيلتها عند كتُّاب الأناجيل. ويتوصل إلى أنه «يمكن أن نؤكد بالدليل أن الأشخاص
الذين كان لديهم اهتمام حماسي بقصة المسيح، حتى لو كان اهتمامهم بالأحداث كان
انتقائياً ووعظياً أكثر منه تاريخياً، هؤلاء الأشخاص سوف لا ينقادون نتيجة لهذه
الحقيقة إلى تحريف وتدمير كامل للجوهر التاريخي لما ينادون به. (
Sherwin-White, RSRLNT,191)

 

لقد
أظهرت أبحاث عدد من العلماء (مثل ف.ف. بروس و.م رامسي) أن إنجيل لوقا وسفر أعمال
الرسل يتمتعان بأصالة ومصداقية تاريخية، وكذلك تدقيق في السرد التاريخي. ومؤخراً
قال المؤرخ الروماني الشهير كولين هيمر بعد فحصه للمعلومات التي عرضها سفر أعمال
الرسل:

 

«لقد
اكتشفنا ثروة من المواد تشير إلى أن المؤلف لديه مصادر تألف (ذات صلة وثيقة)
بالمواقع الدقيقة والأوقات. وكثير من هذه الوصلات ظهرت مؤخراً فقط مع نشر المجموعة
الجديدة من المخطوطات والأدراج. لقد فحصنا هذه الأجزاء من عدة مناظير متنوعة
وغالباً متداخلة، ولم يكن اهتمامنا منصباً أساساً على التفاصيل نفسها، ولكن
بالأحرى على الطريقة التي يساندون بها ويؤكدون الطرق المختلفة لقراءة النص –
والمستويات المتنوعة في علاقة الراوي بالتاريخ الذي يزعم أنه يشرحه. وهذه المناظير
جميعها تتلاقى لتدعم الأصالة والمصداقية العامة للسرد التاريخي، من خلال التفاصيل
الشديدة التعقيد. إلا أنها كثيراً ما يتم نسجها وحبكتها بغير تعمُّد داخل القصة».
(
Hemer,BASHH,412)

 

أخيراً،
مثل هذا الفصل ليسوع التاريخي عن المسيح الإيماني يقوم على انقسام خاطيء بين
الحقيقة والإيمان. إذ أن الدلالة التاريخية للمسيح لا يمكن أن تنفصل عن أصالته
التاريخية. فإذا لم يكن يسوع قد عاش وعلَّم ومات وقام من الأموات كما يقول العهد
الجديد، عندها لن يكن له أي أهمية أو معنى لخلاص اليوم. (
Geisler, BECA,142)

 

4(أ)
يسوع في وسط النيران

في
سفر دانيال، الأصحاح الثالث، أُلقي بأصحاب دانيال الثلاثة شدرخ وميشخ وعبدناغو إلى
أتون النار لكنهم لم يحترقوا. وهناك أيضاً شوهد شخص رابع – يعتقد كثير من العلماء
أنه المسيح فيما قبل التجسد، كان يسير في النيران مع أصحاب دانيال. حتى أن الملك
نبوخذ نصر نفسه وصف هذا الشخص قائلاً: «ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة» (دا 3: 25)،
بلاشك كان الرابع ابن الله، فهو لم يحترق أبداً!.

 

إن
العلماء واسعي المعرفة الذين يجلسون في أبراجهم العاجية قد ينشئون «مسيح الإيمان»
على حسب رغباتهم. وهذا المسيح من السهل أكثر كثيراً قبوله. فهو لا يقوم بأي أعمال
خارقة للطبيعة. كما أنه ليس مختلفاً كثيراً عن القادة المتنوعين للأنظمة الفكرية
أو الفلسفية المختلفة. وهو ليس له أقوال صعبة تثير الجدال أو تتحدى أرواح الرجال
والنساء. وهو لا يهتم كثيراً بالتحذيرات عن العواقب الأبدية لرفضنا له. ولكنه
يتلاءم بلطف مع المنظور الشخصي لكل فرد للحياة. وهذا الرأي هو العقبة الكئود أمام
الدعوى ليسوع التاريخي والتي انتهت في اكتشاف يسوع المنفصل تماماً عن التاريخ.
والمشكلة إذن هي يسوع الذي يمكن تخيُّله أو تصوُّر أوهام عنه مثل أي قصة خرافية أو
أسطورة، هو يسوع الذي ليس لديه أي قوة لتغيير الحياة.

 

منذ
حوالي ألفي عام، تقابل رجال حقيقيون مع يسوع حقيقي دعاهم لكي يتبعوه. كما تقابلت
نساء حقيقيات وأطفال حقيقيون مع يسوع هذا وتبعوه. وضحَّى الكثير منهم بحياته
لاتِّباع المسيح، ورفضوا أن ينكروا شهادتهم لما فعله يسوع وما قاله عندما كان يسير
في وسطهم.

 

ثمة
مفارقة عظيمة هنا، وعلى المرء أن يختار من سيصدق. أنا أكنّ احتراماً عظيماً
للأبحاث المتواصلة. وهو ما لابد أن يظهر بوضوح من خلال كل ما بحثته وقرأته. ولكن
في بعض الأوقات يمكن للعلماء أن يستخدموا معرفتهم الكبيرة لتبرير أحكامهم المسبقة.
وإنني أعتقد أن هذا هو ما حدث في الأبحاث الخاصة بيسوع التاريخي. حيث أن أساسهم
المعادي للخوارق قد حوَّل البحث عن يسوع التاريخي إلى تقديم لشخصية يسوع العاجز
والزائف والخيالي.

 

والآن
يجب أن يتمّ النطق بالحكم. وعلى كل شخص أن يقرر من سيتبع ومن سيؤمن به: الفيلسوف
واسع المعرفة الذي عاش بعد قرون من يسوع، هذا الذي كان يجول في الأرض، أم هؤلاء
الأشخاص الذين ساروا مع يسوع وماتوا من أجله.

 

إن
حكم الملايين عبر العصور، سواء كانوا فلاحين بسطاء أو علماء عادلين عباقرة، هو أن
يسوع عاش ومات وقام من الأموات لكي يغيِّر حياة كل من يقبله كما هو فعلاً. فهل
ستقبله؟ هل ستتبعه؟ أنت لديك الدليل، فما هو حكمك؟ فإذا لم تكن قد وضعت ثقتك فيه
ليصير مخلصك من الخطية وسيد حياتك، أشجعك أن تستعين بالنبذة القصيرة عن «الحقائق
الروحية الأربع» في نهاية هذا الكتاب لتساعدك أن تكرِّس حياتك للمسيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار