اللاهوت الروحي

28- الشهوة والخوف



28- الشهوة والخوف

28- الشهوة والخوف

ما هي شهواتك في
الحياة؟ وهل أنت عبد لشهواتك، أم أن شهوتك طوع يديك، تحت سيطرة حكمة مقدسة؟ هل في
شهواتك تستشعر خوفاً. أريد أن أحدثك في ذا المقال عن الشهوة والخوف.

 

الإنسان العادي تقوده
شهوته:

 

 وإذا استبدت به الشهوة تستطيع أن تخضع لها عقله
وضميره، ونستطيع أن تتمرد على جميع أحبائه ومشيريه، وتبقى الشهوة وحدها، وتصير
إرادة هذا الإنسان ذليلة أمام شهوته.. لا يسمع لصوت عقله، ولا يسمع لصوت ضميره،
ولا يسمع لصوت أحبائه ومشيريه ومرشديه، إنما ينقاد لشهوة قلبه..

 

وتتنوع الشهوات التي
تقود الإنسان:

 

 هناك إنسان تقوده شهوة الجسد، وأخر تقوده شهوة
المال، وثالث تقوده شهوة الشهرة أو شهوة العظمة، ورابح تقوده التسلط علي الآخرين،
وخامس تقوده شهوة الانتقام. ألخ وهناك شهوات جيده قد تقود الإنسان أيضا مثل شهوة
العلم، أو الرياضة، أو الموسيقي. ولكن عيب أمثال هذه الشهوات يكمن في عدم التوازن،
إذا سيطرت علي الوقت أو العاطفة علي حساب أمور أخري هامة.

 

 وشهوات الإنسان قد تمثل نقطة ضعف فيه، وبخاصة
إذا عرفت عنه، فيستطيع الغير أن يحرموه منها فيتعبوه. ولذلك فقد يضعف الإنسان أمام
شهواته ومن أجل استبقائها أو من أجل تحقيقها قد يلجأ إلي طرق خاطئة كالتملق
والرياء والمداهنة، وربما يلجأ إلي الكذب أو الخداع أو التحايل ليحقق شهوة ما.

 

والشهوة قد يتبعها
الخوف أحياناً: إذ يخاف الإنسان من عدم تحقق شهوته، وإن كنت قد تحققت واصبح يعيش
فيها، فإنه قد يخشى ضياعها أو عرقلة طريقها بسبب من الأسباب. ولذلك حسناً قال
القديس أوغسطينوس:

 

(جلست على قمة العالم،
حينما أحسست في نفسي أني لا أشتهي شيئاً ولا أخاف شيئاً)

 

حقاً، إن الإنسان الذي
لا يشتهي شيئاً، لا يمكن أن يخاف إذ لا يوجد شيء يحرص عليه أو يخشى عليه من
الضياع.. وما اجمل أحد القديسين في ذلك: (خير الناس من لا يبالي بالدنيا في يد من
كانت)..

 

 ومن هناك كان الزهد أحد العوامل الأساسية في
القضاء على الخوف. إن الإنسان الزاهد لا يخاف موتاً ولا سجناً ولا إيذاء، ولا
حرماناً من مشتهيات العالم، ولا أى تهديد من أي نوع. لنه قد زهد كل شيء، ولم يعد
يحرص على شيء يخشى ان يضيع منه..

 

 والشهوات قد تكون شهوات عالمية، أو شهوات مقدسة.
الشهوات العالمية قد وقف منها الكتاب المقدس موقفاً حاسماً في الآية المقدسة التي
تقول (لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد وشهوته معه).
وذكر الكتاب أيضاً شهوات العالم تتركز في (شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم
المعيشة)

 

 ولما كان الإنسان لا يمكن ان يعيش بدون رغبة،
لذلك كان على الرجل الحكيم أن يتحكم في شهواته، إن الإنسان الجاهل، أو الإنسان
الخاطئ، أو الإنسان الضعيف، تتحكم فيه شهواته. أما البار فيسيطر على جميع رغباته،
ولا يستسلم إطلاقا لشهوة خاطئة، ولا يجعل إرادته تخضع لأية رغبة ضد مشيئة الله.

 

 والرجل الحكيم لا ينتظر حتى تضغط عليه الشهوة،
ثم بعد ذلك يقاومها، بل هو يتجنب هذه الشهوات من بعيد. أنه يسد أمام نفسه الطريق
الذي تصل منه هذه الشهوات.. يبعد عن جميع المثيرات والمعثرات، ويتجنب العوامل
الخارجية التي تغرس الشهوة في نفسه.. يبعد عن القراءات الخاطئة، والسماعات الخاطئة
والصدقات الخاطئة، والمناظر الخاطئة.

 

 وفى نفس الوقت يقوى محبة الله ومحبة الفضيلة في
قلبة، حتى تكون له حصانة داخلية، تصد عنه كل الحروب الخارجية التي تحارب القلب.

 

 إن شهوة الخير أقوى من شهوة الشر. والرجل البار
يصد شهوة بشهوة. شهوة الخير هي شهوة الروح. وشهوة الروح قوية جداً إن كانت صادقة
وعميقة. كما أن شهوة الروح تسندها المعونة الإلهية. إذا اشتهت الروح خيراً، نجد أن
الله يؤيدها بكل قوة. إن الإنسان البار في شهواته المقدسة وفى محاربته للخطية لا
يقف وحده. بل يسنده الله بنعمته، وتسنده الملائكة وأرواح القديسين..

 

 والشهوة الروحية لا تعرف خوفاً. الإنسان الروحى
في محبته لله ومحبته للفضيلة لا يخاف، لأنه يشعر بقوة الله معه ويشعر باطمئنان
داخلى سببه راحة الضمير وثقة القلب..

 

 إنما قد يخاف افنسان الذي يسلك في الفضيلة خوفاً
من الله وليس حباً للفضيلة. الذي يسلك في البر خوفاً من العقوبة، هنا أو في العالم
الآخر، وليس اقتناعاً بهذا البر وحباً له. وليس هذا هو طريق الكمال، إنما قد تكون
هذه مجرد بداية تحتاج إلى أن تتعدل وتتطور في الطريق.

 

 إننا نريد أن يصل كل إنسان إلى المستوى الروحى
الذي فيه يحب الخير ويحب القداسة، ولا يجد صعوبة في السير في طريق الله، بل يجد في
طريق الله لذة أقوى من محبة العالم كله.

 

 ونريد الشخص الذي يرفض الخطية ولا يندم على رفضة
لها، ولا يشعر انه خسر شيئاً أو ضحى بشيء من أجل الله..

 نريد الشخص الذي يشعر انه يحقق وجوده الحقيقى
بمحبة الله وبالثبات فيه. ولا يري اطلاقاً أن محبة الله ستحرمه من ملاذ أخرى
يشتهيها. كلا، أن طريق الله ليس فيه حرمان، إنما فيه سمو. إنما يشعر بالحرمان
الشخصي الذي يشتهى الخطية، ويرى أن الله يمنعه عنها. فيتضايق من الله عدواً له،
ويقاوم الله.. مثل الوجوديين الملحدين الذين يظنون أن وجود الله يلغى وجودهم هم.
فمن الخير لهم أن الله لا يوجد، لكي يتمتعوا هم بالوجود!!!

 

 هؤلاء قد أخطأوا المفهوم للوجود.. ما هو هذا
الوجود؟ هل هو الاستغراق في اللذة؟! هل هو تحقيق الشهوات أيا كانت خاطئة؟! هل هو
السير في طريق الحرية المطلقة، أى أن تسير النفس حسب هواها دون مراعاة أية مثل أو
مبادئ؟!

 

 إن الحرية الحقيقية هي تحرير النفس من الداخل،
تحررها من الشهوات ومن الخوف.. وعند ذلك سيكون هواها هوى مقدساً، وستكون لذتها في
الله وفى وصاياة، وفى طريق البر والخير. وعندئذ ستحقق وجودها الحقيقى، وجودها
المثالى الذي يضمن لها وجوداً في الأبدية السعيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار