علم الكتاب المقدس

20- الخلاصات التي توصل إليها النقد العالي الراديكالي



20- الخلاصات التي توصل إليها النقد العالي الراديكالي

20- الخلاصات التي توصل إليها النقد العالي
الراديكالي

العهد القديم ليس تاريخياً في جوهره

ديانة إسرائيل طبيعية تماماً وليست فوق طبيعية في أصلها وتطورها

تاريخ وديانة إسرائيل تقوم على الخداع في أساسها

إن
قبول الخلاصات التي توصل إليها النقد العالي الراديكالي يعني أن على الشخص أن يقبل
بالنتائج التالية:

 

1(أ)
العهد القديم ليس تاريخياً في جوهره

بالنسبة
لمعظم المؤيدين لمدارس النقد العالي الراديكالي، فإن العهد القديم لا يحتوي على
تاريخ دقيق لإسرائيل. ومما لا شك فيه أنه يسجل أحداثاً متفرقة ربما تعتبر تاريخية،
ولكن عندما ننظر إليها ككل، فإنها تعطي صورة زائفة عن تحديد التواريخ الدقيقة
للأحداث وترتيبها وفقاً لتسلسلها الزمني في التاريخ الإسرائيلي. واستناداً على هذه
المقدمة المنطقية فإن النقَّاد كتبوا قصصهم عن التاريخ الإسرائيلي الأول كما نرى
من الجدول الموجود لاحقاً، وهذا التاريخ يُناقض التاريخ المسجل في العهد القديم في
نقط رئيسية كثيرة.

 

ويعلق
والتر ايشرودت على كيفية تعامل النقاد مع سفر حزقيال، مبرزاً الاختلافات في
النظريات المختلفة التي تتناقض مع النص الفعلي:

 

إن
هذا التقلب غير المرضي في النظريات ليس مجرد صدفة، إنه نتيجة حتمية لكل الصعوبات
التي واجهت أي محاولة لصنع هذه النظرية الأساسية معتمدة على نص كتابي يقول ما
يناقض النظرية تماماً. وعندما لا تتلائم هذه النصوص الكتابية مع النظرية فإن
المعلومات الراسخة عن التواريخ والمواضع الجغرافية التي كان لابد أن نقبلها، نجد
أنفسنا سرعان ما نرفضها كمعلومات مشكوك فيها بدون أي أساس منهجي يعتمد عليه. هناك
أيضاً استعداد لاستغلال بعض العناصر من التقليد التي من الصعب أن تتلاءم مع هذا
التفسير، ونجعلها تعني شيئاً آخر أو نحاول توجيه النقد لها للتقليل من قيمتها
التاريخية. (
Eichrodt, E, 8-9)

 

إن
الجدول التالي يقارن السرد العبراني عن تاريخهم (بعض الأحداث الرئيسية) مع السرد
الخاص بالنقَّاد الذين يستخدمون النقد العالي. وبالمناسبة، يجب أن نلاحظ أيضاً أن
إعادة بناء فلهوزن للتاريخ العبري القديم كان أكثر راديكالية من وجهة النظر
الموجودة في الجدول التالي:

 

ومن
الجدول نستطيع أن نرى أن التسلسل الكتابي وهو أن الناموس- أُعطي في وقت مبكر، ثم
تبعه الأنبياء – ولكن ذلك قد قُلب تماماً، لأنه بحسب النقَّاد فإن الناموس والذي
يضم بداخله التشريعات التثنوية وتشريعات القداسة (
Holiness)
والتشريعات الكهنوتية (وهي كلها المواد التشريعية في أسفار التوراة الخمسة). لم
تأت إلى الوجود حتى وقت طويل بعد الأنبياء. ومع ذلك فإنه واضح من النصّ أن كثيرين
من الأنبياء كانوا يحتكمون إلى شريعة متكاملة ومدونة كانت موجودة من قبل، وكان لها
نفوذ وسلطة على الناس «حتى عاموس يشير إلى هذا الناموس أنه «التوراة» «ناموس يهوه
(الله)» (عاموس 2: 4).

 

وهكذا
فإن النقَّاد أحدثوا تناقضاً عصيباً ومتضارباً بخصوص كلاً من تعيين التواريخ
الدقيقة للأحداث والتطور اللاهوتي لتاريخ إسرائيل.

 

وهذا
التناقض يتركنا وأمامنا هوة لا يمكن أن نتخطاها بين كلمة الله الموثوق بها من
ناحية، وما يسميه البعض مجموعة كتابات متفرقة بالية لا يُعتمد عليها تاريخياً من
الناحية الأخرى. إنه الأمر الجوهري والأساسي أننا نُترك في توتر شديد بين صورة
إسرائيل الكتابية وإعادة تنظيم الكتاب من جديد بحسب النقَّاد الراديكاليين
(المتطرفين).

 

ليس
من الصعب أن نقول إنه كلما تزايدت راديكالية مدارس النقد، فإن العهد القديم يصير
في نظرهم غير موثوق به تاريخياً. هذا لا يعني بالضرورة عدم وجود آراء راديكالية
تعتبر بعض الأجزاء في العهد القديم ذات أساس تاريخي حقيقي. فبالطبع لن يصل الجميع
إلى ما وصل إليه ستادي الذي شكك في أن الإسرائيليين كأمة كانوا موجودين فعلاً في
لحظة تاريخية ما في مصر، أو شخص آخر مثل كوسترس الذي أنكر العودة من السبي في بابل
تحت قيادة زربابل. ولكن الأسفار – من وجهة نظرهم – ينبغي أن ننظر إليها أنها حتي
زمن الملوك، بل وحتي بعدها لا يمكن الوثوق في تاريخيتها سوى جزئياً فقط. (
Orr, POT, 56)

 

وهذا
يدل ضمناً أن الصورة الواضحة التي نراها في أسفار العهد القديم عن تطوير وترابط
الخطة الإلهية في تاريخ إسرائيل يبدأ في سفر التكوين بآدم وتبلغ أوجُّها بالمسيا
الموعود به كما شهد له الأنبياء كانت كلها مخترعة وملفقة وغير حقيقية.

 

ويكتب
كاتاش في محاضرته «القيمة الدائمة للعهد القديم» التي استشهد بها أور: «إن القيمة
الدائمة للعهد القديم تكمن فوق كل شيء في أنه يضمن لنا بتأكيد مطلق حقيقة الخطة
الإلهية وطريق الخلاص، التي تمت في العهد الجديد في شخص وعمل يسوع المسيح. (
Orr, POT, 61)

 

يقول
أور إن الرد الذي يأتي من جانب النقد الذي يسعى للتخلص من العنصر الغائي في
التاريخ، أن العرض الكتابي ليس حقيقياً بل ووهمياً: ليس هناك تطور فيما يتعلق
بالقصة الحقيقية، ولكنه تطور تخيلي، وهو ناتج عن إعادة قراءة الأساطير البدائية
الخاصة بفكر عصر الأنبياء. ولقد تم تركيب مظهر التطور على التقليد التاريخي
بالطريقة التي بها تم التلاعب بالحقائق التاريخية.

 

ويقول
البروفسور روبرتسون: «لقد اهتم النقاد بالتأكيد على أن تخطيط الذين كتبوا أسفار
العهد القديم كان يعتمد على محاولة تسجيل أفكارهم وليس الحقائق الفعلية وهذا يقوم
على عملية تلاعب بالوثائق القديمة وعرض نظامي لأحداث مبكرة في ضوء زمن متأخر
كثيراً، وهذه الأحداث تم تصميمها لتظهر كما لو أنها هي كانت الأصل وكذلك التطور
الحقيقي. (
Orr, POT, 61- 62)

 

2(أ)
ديانة إسرائيل طبيعية تماماً، وليست فوق طبيعية في أصلها وتطورها

(بكلمات
أخرى، إن الله حقاً لم يعمل في تاريخ إسرائيل، لكن العبرانيون فقط هم الذين
اعتقدوا ذلك)

 

كيف
نشأت هذه النظرية من التحليل الأدبي لأسفار موسى الخمسة؟

 

يشرح
أور: يمكننا أن نتناقش بطريقة معقولة ومقبولة ظاهرياً، إنه لا شيء يمكن أن نعتمد
عليه لكي نقرر نشأة الديانة الفوق طبيعية.. إذا كانت الأسفار الخمسة كتبها موسى أو
أنها تتكون من ثلاث أو أربع وثائق جُمعت معاً في تاريخ متأخر، أو في أي فترة جُمعت
قوانين سفر اللاويين، أو إذا كان سفر إشعياء هو من عمل شخص واحد أو اثنين أو عشرة،
أو إذا كانت المزامير كُتبت قبل السبي أو بعد السبي. ومع ذلك فإنه كما سنرى أن
اعتماد النقد الأدبي على النظرية الدينية كان ضيقاً جداً. لأنه إذا كان هذا حقيقي
– كما ينبغي أن يقر كل فكر مُنصف – أن هناك كثيراً من الباحثين الذين نجحوا في
الجمع بين قبول النتائج الرئيسية للفرضية النقدية للعهد القديم حتى في شكلها
المتقدم، وبين الاعتقاد الجازم بحقيقة الوحي فوق الطبيعي في إسرائيل: لكن الواقع
أيضاً أنه في حالة البعض الآخر من الباحثين وهم خاصة ممن وضعوا أساسات النقد، فإن
أي سؤال يتعلق بمسألة كتابية محضة مثل: تاريخ مزمور، عدم زيف فقرة، أو أمانة سفر
ما. كل هذا يتحكم فيه وجهة النظر التي أُخذت عن نظرية نشأة الديانة وتطورها. ولكن
مع تطبيق نظرية مختلفة على هذه الموضوعات، وإذا استندت الأحكام النقدية على القيمة
الزمنية والتاريخية لأحدى الكتابات، فبالتأكيد هذا الحكم سيكون مختلفاً تماماً. (
Orr, POT,4-5)

 

ويقرر
چيلكي وهو متحدث رسمي أمين لوجهة النظر هذه، أنها لا لبس فيها إطلاقاً: إن هذا
الافتراض الآن لوجود نظام سببي بين الأحداث الظاهرة، يجعل مرجعية التفسير العلمي
للأحداث الجديرة بالملاحظة تصنع اختلافاً كبيراً للشرعية التي تُنسب للقصص
الكتابية وهكذا للطريقة التي يفهم بها الشخص معناها. فجأة لم نعد نعتبر الأعمال
والأحداث الإلهية المسجلة في الكتاب المقدس على أنها حدثت فعلاً. فمثلاً الأيام
الستة للخلْق، وسقوط آدم وحواء التاريخي في جنة عدن، الطوفان الذي يبدو لنا أنه
غير حقيقي تاريخياً، ولكن حتى معظم الأعمال الإلهية في التاريخ الكتابي للشعب
العبراني أصبحت رموزاً وليست حقائق تاريخية. لنذكر القليل منها فقط، إسحق طفل
إبراهيم غير المتوقع، الزيارات الإلهية الكثيرة، الكلمات والتوجيهات الخاصة
بالآباء، الضربات التي جاءت على المصريين، عمود النار، شق البحر الأحمر، تسليم
الناموس في سيناء، الصوت المسموع بواسطة الأنبياء، لهذا السبب عندما نقرأ ما يقوله
العهد القديم عن ما فعله الله، وبعد ذلك ننظر إلى التفسير الحديث لما فعله الله في
أيام الكتاب المقدس، فإننا نجد اختلافاً هائلاً. (
Gilkey, COTBL, 144- 45)

 

يُعيد
چيلكي وجهة النظر هذه إلى نتيجتها المنطقية: إن التصويرات الفخمة التي أحاطت
بالأحداث العجيبة والأصوات التي سبقت حادثتي الخروج وإعطاء العهد في قصص الآباء
تؤخذ الآن على أنها تفسيرات عبرانية لماضيهم التاريخي المبني على الإيمان الذي
حصلوا عليه وقت الخروج. أما بالنسبة لنا، فإن هذه القصص لا تُمثل كثيراً أحداث
تاريخية تصويراً لما عمله الله فعلاً، وما قاله فعلاً كأمثلة تُعبِّر عن الإيمان
عند اليهود بعد الخروج. أعني الإيمان بالله الذي عمل أعمالاً وتكلَّم بوعود وأوامر،
وهكذا. كما أن القصص الكتابية عن الحياة بعد الخروج- مثال ذلك إعلان الناموس،
والغزوات، والتحركات النبوية- تُعبِّر عن استمرار الحياة والتاريخ. بالنسبة للاهوت
الكتابي الحديث لم يعد الكتاب المقدس كتاباً يحتوي على وصف أعمال الله وكلماته،
ولكنه كتاباً يحتوي على تفسيرات عبرانية. إننا نطلق عليها «تفسيرات إبداعية» وهي –
مثل قصة يونان – تخبرنا بقصص عن أعمال الله واستجابات الإنسان لكي تعبر عن العقائد
اللاهوتية للديانة العبرانية. ومن ثم فإن الكتاب المقدس هو كتاب لا يصف أعمال الله
وإنما ديانة العبرانيين. (
Gilkey,
COTBL, 146
)

 

3(أ)
تاريخ وديانة إسرائيل تقوم على الخداع في أساسها

من
الواضح عند قراءة حكايات العبرانيين عن تاريخهم وديانتهم كما هي منشورة أمامنا في
أسفار العهد القديم، إنهم كانوا يقصدون أن هذه الحكايات تُقبل من القرَّاء كروايات
تاريخية حقيقية. إن تسلسل وتعاقب القصة عن موسى وهو يعطي الناموس، وفيما بعد الأنبياء
وهم يحكمون الناس أن بالاستناد على ناموس موسى، كان المقصود منها أن تكون قصة ما
حدث فعلاً- والنظام الدقيق الذي حدث فيه.

 

ويقول
أنجر نقطة مشابهة: «مرة أخرى، فإن سفر التثنية إذا لم يكن قد نُشر حتى عام 621 ق.م،
ومع ذلك يُعترف به أنه من فم وقلم موسى لا يمكن أن هذا لا تثور حوله الشبهات
بالتزوير الديني. ونفس الشيء يمكن أن يُقال عن مجموعة الشرائع الكهنوتية، التي لم
تُكتمل حتى عام 500 ق.م، ولكن يُعترف بها مراراً أن الله أمر موسى بها. تحت هذه
الظروف، فإن أمانة محرريها لا يمكن أن لا تكون موضع شك وريبة». (
Unger, IGOT, 231)

 

أياً
كان من كتبوا أسفار العهد القديم وجعلوها من الأسفار المعترف بها، فإنهم أرادونا
أن نفكر أن التاريخ الذي صُوِّر لنا فيها هو في الحقيقة التاريخ الحقيقي لإسرائيل.
فإذا كان علماء الوثائق على صواب، فإن مؤرخي العهد القديم بلا شك مخطئين، ولا يبدو
أن هناك أي طريقة معقولة تجعلنا نتجنب ما يتضمنه ذلك من أن هذه الأسفار تحتوي على
«تاريخ مختلق ومزيف».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار