اللاهوت الروحي

2- الإنسان الخيِّر



2- الإنسان الخيِّر

2- الإنسان الخيِّر

 الخير هو أن ترتفع فوق مستوى ذاتك ولذاتك.. وأن
تطلب الحق أينما وجد، وتثبت فيه وتحتمل من أجله.

 الخير هو النقاوة، هو الطهر والقداسة.. هو
الكمال.

 الخير لا يتجزأ:

فلا يكون إنسان خيراً
وغير خير في وقت واحد..

آي لا يكون صالحاً
وشريراً في نفس الوقت.

الإنسان الخير:

ليس هو الذي تزيد
حسناته على سيئاته!

فربما سيئة واحدة تتلف
نقاوته وصفاء قلبه!

 أن نقطة حبر واحدة كافية لأن تعكر كوباً من
الماء بأكمله، وميكروباً واحداً كاف لأن يلقى إنساناً على فراش المرض. ليس هو
محتاجاً إلى مجموعات متعددة من الجراثيم لكي يحسب مريضاً!! تكفى جرثومة واحدة..
كذلك خطية واحدة يمكنها أن تضيع قداسة الإنسان..

 

 إن الشخص الشرير ليس هو الذي يرتكب كل أنواع
الشرور. إنما بواسطة شر واحد يفقد نقاوته مهما كانت له فضائل متعددة..

 

 فالسارق إنسان شرير. لا نحسبه من الأخيار. وربما
يكون في نفس الوقت لطيفاً أو بشوشاً، أو متواضعاً، أو متسامحاً، أو كريماً، أو
نشيطاً..

 

والظالم إنسان شرير،
وكذلك القاسي، وكذلك الشتّام، وقد يكون آي واحد من هؤلاء غيوراً أو شجاعاً، أو
مواظباً على الصلاة والصوم..!

 

 إن أردت أن تكون خيراً، سر في طريق الخير كله..
ولا تترك شائبة واحدة تعكر نقاء قلبك.

 

ولا تظن أنك تستطيع أن
تغطى رذيلة بفضيلة.

أو أن تعوض سقوطك في
خطيئة معينه، بنجاحك في زاوية أخرى من زوايا الخير.. بل في المكان الذي هزمك
الشيطان فيه، يجب أن تنتصر.. على نفس الخطية، وعلى نفس نقطة الضعف..

 

 كن إنسان خيراً، قس نفسك بكل مقاييسي الكمال.
واعرف نواحي النقص فيك، وجاهد لكي تنتصر عليها.. فهكذا علمنا الإنجيل المقدس:
“كونوا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل.. كونوا قديسين،كما أن
أباكم الذي في السموات هو قدوس.. ” (مت48: 5).

 

 نحن مطالبون إذن بأن نسير في طريق الكمال، لأن
النقص ليس خيراً.. والخير ليس هو فقط أن تعمل الخير.. بل بالأحرى أن تحب الخير
الذي تعمله..

 

 فقد يوجد إنسان يفعل الخير مرغماً دون أن يريده،
أو أن يعمل الخير بدافع الخوف، أو بدافع الرياء لكي ينتظره الناس أو لكي يكتسب
مديحاً.. أو لكي يهرب من انتقاد الآخرين. وقد يوجد من يفعل الخير وهو متذمر
ومتضايق: كمن يقول الصدق ونفسيته متعبة، وبوده لو يكذب وينجو. وكمن يتصدق على فقير
وهو ساخط، وبوده ألا يدفع..

 فهل نسمى كل ذلك خيراً..؟!

 

 قد يوجد من يفعل الخير لمجرد إطاعة وصية الله،
دون أن يصل قلبه إلى محبة تلك الوصية! كمن لا يرتكب الزنا والفحشاء، لمجرد وصية
الله التي تقول: “لا تزن”، دون أن تكون في قلبه محبة العفة والطهارة..!
وفى ذلك قال القديس جيروم: (يوجد أشخاص عفيفون وطاهرون بأجسادهم، بينما أن نفوسهم
زانية!!)

 

 ومثال ذلك أيضاً، الذي يتصدق على الفقراء لمجرد
إطاعة الله، ويكون كمن يدفع ضريبة أو جزية!! دون أن تدخل محبة الفقراء إلى قلبه..!

 

كل هؤلاء اهتموا بالخير
في شكلياته، وليس في روحه..!

والخير ليس شكليات،
وليس لوناً من المظاهر الزائفه. إنما هو روح وقلب.. ولذلك اهتم الله بحالة القلب،
أكثر من ظاهر العمل. وهكذا قال: “يا أبني أعطني قلبك”..

 

من أجل هذا، لكي نحكم
على العمل بأنه خير، يجب أولاً أن نفحص دوافعه وأسبابه وأهدافه. والدوافع هي التي
تظهر لنا خيرية العمل من عدمها.. فقد يوبخك اثنان: أحدهما بدافع الحب، والآخر
بدافع الإهانة. وقد يشتركان في نفس كلمات التوبيخ. ولكن عمل أحدهما يكون خيراً
وعمل الآخر يكون شراً.. وقد يشترك اثنان في تنظيم سياسي وطني، أحدهما من أجل حب
الوطن والتفاني في خدمته، والآخر من أجل حب الظهور أو حب المناصب.. الهم إذن في
الدافع والنية..

 

 والخير ليس عملاً مفرداً أو طارئاً، إنما هو
حياة..

 

فالشخص الرحيم ليس هو
الذي أحياناً يرحم، أو الذي ظهرت رحمته في حادث معين.. إنما الرحيم هو الذي تتصف
حياته كلها بالرحمة. تظهر الرحمة في كل أعماله وفى كل معاملاته، وفى أقواله، وفى
مشاعره، حتى في الوقت الذي لا يباشر فيه عمل الرحمة..

 

 الخير هو اقتناع داخلي بحياة القداسة، مع إرادة
مثابرة مجاهدة في عمل الخير وتنفيذه.. هو حب صادق للفضيلة، مع حياة فاضلة.

 

 الخير هو شهوة في القلب لعمل الصلاح تعبر عن
ذاتها وعن وجودها بأعمال صالحة وليس هو مجرد روتين آلي للعمل الصالح..!

 

 هو – حسب رأى القديسين – استبدال شهوة بشهوة..
ترك شهوة المادة، من أجل التعلق بشهوة الروح.. والتخلص من محبة الذات، من فرط
التعلق بمحبة الآخرين..

 

 ما لم تصل إلى محبة الخير، والتعلق به، والحماس
لجله، والجهاد لتحقيقه، فآنت ما تزال في درجة المبتدئين، لم تصل بعد الغاية، مهما
عملت أعمالاً صالحة..!

 

 والذي يحب الخير، يحب أن جميع الناس يعملون
الخير..

 

لا تنافس في الخير..

 

فالتنافس قد توجد فيه
ناحية من الذاتية..

 أما محب الخير، فإنه يفرح حتى ولو رأى جميع
الناس يفوقونه في عمل الخير، ويكون بذلك سعيداً.. المهم عنده أن يرى الخير، وليس
المهم بواسطة مَنْ! به أو بغيره..

 

لذلك فعمل الخير بعيد
عن الحسد وعن الغيرة..

 

 والإنسان الخير يقيم في حياته تناسقاً بين
فضائله، فلا تكون واحدة على حساب الأخر..

خدمته مثلاً للمجتمع،
لا تطغى على اهتمامه بأسرته. ونشاطه لا يطغى على أمانته لعمله. بل أن صلاته
وعبادته، لا يصح أن تفقده الأمانة تجاه باقي مسئولياته..

 

 إن الفضيلة التي تفقدك فضيلة أخرى، ليست هي
فضيلة كاملة أو خيرة.. إنما الفضائل تتعاون معاً.. بل تتداخل في بعضها البعض..

 

فهكذا نتعلم من الله
نفسه تبارك اسمه: فعدل الله مثلاً لا يمكن أن يتعارض مع رحمته، بل لا ينفصل عنها.
عدل رحيم، ورحمة عادلة. عدل الله مملوء رحمة الله، فليس من جهة الفصل نتكلم، إنما
من جهة التفاصيل، لكي تفهم عقولنا القاصرة عن إدراك اللاهوتيات..

 

والخير ليس هو سلبية،
بل إيجابية:

 

 ليس هو سلبية تهدف إلى البعد عن الشر، إنما هو
إيجابية في عمل الصلاح ومحبته. فالإنسان الخير ليس هو فقط الذي لا يؤذى غيره، بل
بالحرى الإنسان الذي يبذل ذاته عن غيره.. ليس فقط أنسان الذي لا يرتكب خطية، إنما
بالحرى الذي يعمل براً..

 

والإنسان الخير هو الذي
يصنع الخير مع الجميع، حتى مع الذين يختلفون معه جنساً أو لوناً أو لغة أو مذهباً
أو عقيدة..

 

 إنه كالينبوع الحلو الصافي، يشرب منه الكل..
وكالشجرة الوارفة يستظل تحتها الكل. إن الينبوع والشجرة لا يسألان أحداً: ما هو
جنسك؟ أو ما هو لونك؟ أو ما هو مذهبك؟!

 

 الخير يعطى دون أن يتفرس في وجه من يعطيه ويحب
دون أن يحلل دم من يحبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار