علم

19- مديح العفة



19- مديح العفة

19- مديح العفة

ويدعو
القديس ميثوديوس العذارى إلى مدح العِفة قائِلاً:

”تعالوا
– طِبقاً لمواهِبنا – نمدح نجمة المسيح المُتلألأة المجيدة جداً التي هي العِفة“
فالعِفة هي نجمة المسيح.

 

يرى
القديس أنه لم تكُن هناك وسيلة أُعيدَ بها الإنسان إلى الفِردوس وأُزيلَ بها
الفساد وتمَّت بها المُصالحة مع الله، وكانت وسيلة خلاص للناس باقتيادها إيَّانا
إلى الحياة، مثل العِفة، فهي تمنحنا بركات عظيمة، ذلك أنه بعد سقوط الإنسان قديماً
وطرده من الفِردوس بسبب تعدِّيه، اندفع نهر الفساد بفيض في تيارات عنيفة، ولم يكُن
يُحطم ما يلمسه من الخارج بل اندفع نحو الداخل مُغرِقاً أرواح البشر، وكانت أجساد
البشر، المُعرَّضة دوماً لتيارات الفساد هذه، خرساء وحمقاء، ولم تجد شيئاً ثابتاً
تتشبث به، لأنَّ أمواج الحماقة تندفِع بقُوَّة داخل حواس النَّفْس عندما تُثيرها
شهوات الجسد التي تأتيها من الخارِج، لذلك أشفق الله علينا نحن الذين كُنَّا لا
نقوى على القيام، وأرسل لنا من السماء أعظم وأحسن معونة التي هي البتولية حتّى
نستطيع بها أن نحكُم ونضبُط أجسادنا بثبات، مثل السُّفُنْ، ويصير لنا هدوء وسكون
ونصِل إلى الميناء بغير خسائِر أو أضرار.

 

ويذكُر
بعد ذلك أنَّ الروح القدس يشهد على كلامه هذا، فيقول أنَّ النِفوس في المزمور 137
تُرسِل تسبحة شُكر لله بفرح عظيم، تلك النِفوس التي أُمسِكت وأُقيمت لتمشي مع
المسيح في السماء، ولم تغمُرها أو تُغرِقها تيارات هذا العالم وجموحات الجسد،
ويُورِد دليل كِتابي آخر ضمن منهجه الإنجيلي، عندما يشرح أنَّ فِرعون كان مِثالاً
للشيطان في مصر، لأنه بلا رحمة أمر بإلقاء الذكور في النهر وإبقاء الإناث أحياء
فالشيطان الذي كان يحكُم من آدم وحتّى موسى على مصر العظيمة التي هي العالم، اهتم
بأن تُزال وتُدمر الذُّرية العاقلة من الذكور بتيارات الشهوة والأهواء، ولكنه
يشتاق إلى ازدياد الذُّرية الجسدية الغير عاقلة.

 

ثم
يشرح القديس ميثوديوس المزمور 137 الذي تُرنِمه ”الأرواح الطاهرة الغير دَنِسة
لله“: ”على أنهار بابِل هناك جلسنا، بكينا عندما تذكّرنا صهيون، على الصِفصاف في
وسطها علَّقنا قِيثاراتنا“، مُستخدِماً المنهجية الرمزية في التفسير، أذ يرى
ميثوديوس أنَّ الأرواح الطاهرة التي تُسبِّح هذا المزمور لله تُسمَّى قِيثارات،
تلك التي علَّقوها على أغصان العِفة مُثبتين إيَّاها في الخشب كي لا ينزعها أو
يحملها أي تيار من الشهوة، أمَّا بابِل – التي تعني ازعاج أو ارتباك – فهي تُشير
إلى الحياة التي تنساب من حولها المياه، ونحن نجلِس فيها، وتظل أنهار الشر ترتطِم
بنا طُوال فترة وجودنا في العالم، لذلك نخاف دوماً ونئِن ونصرُخ إلى الله بدموع
لكي لا تنزع أمواج الشهوة الجامِحة قِيثاراتنا وحتّى لا تسقُط قِيثاراتنا من شجرة
العِفة، لأنَّ الكِتاب المُقدس يتخذ دوماً من شجرة الصِفصاف رمزاً للعِفة لأنها
عندما ينقع ورقها في الماء ويُشرب ذلك الماء يُطفِئ كلّ ما يُشعِل الشهوات
والأهواء الجسدية داخلنا ويجعل كلّ ميل لإنجاب الأطفال بلا أثر أو تأثير، لذلك قال
هوميروس أنَّ شجرة الصِفصاف بلا ثمر، وفي إشعياء قيلَ عن البَّار ”مثل الصِفصاف
على مجاري المياه“ (إش 44: 4). ”بالتأكيد إذاً يُرفع بُرعُم البتولية إلى عُلُو
عظيم مجيد عندما يبلُّه ويُنديه البَّار الذي أُوكل إليه العناية بها، وعندما
يرتوي البَّار من أعذب أنهار المسيح“ لأنه من طبيعة هذه الشجرة أن تنمو وتنبُت
براعِم داخل المياه، وبالمِثل هي طبيعة البتولية أن تزهر وتينع وتنضُج عندما تُغذي
بالكلِمات الإلهية، حتّى يستطيع الإنسان أن يُعلِّق جسده عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار