(16) بعض نقاط في الأحوال الشخصية للأنبا غريغوريوس
(16) بعض نقاط في الأحوال الشخصية
للأنبا غريغوريوس
أ- مقدمة الملاحظات في الأحوال الشخصية
للمسيحيين
أريد أن أؤكد -ونحن فى صدد مناقشة التشريع
المسيحى لقانون الأحوال الشخصية- أن موضوع الزوجة الواحدة موضوع هام وخطير. وأي
مساس بهذا المبدأ المسيحي يهدم ركناً أساسيا من أركان ديانتنا، وكل تشريع لأحوالنا
الشخصية يجب أن يضع مبدأ الزوجة الواحدة فى قمة الاعتبار، ويجب أن ينص عليه فى
عبارة واضحة وصيغة دقيقة محددة لا تفسح مجالاً لأى تفسير أو تأويل منحرف يبعد بنا
عما تواضع عليه المسيحيون منذ نشأة المسيحية. وليس هناك أدنى اختلاف فيما بينهم فى
هذا الموضوع مهما اختلفت مذاهبهم.
وإذن يجب أن ينص في التشريع على أن المسيحية لا
تبيح تعدد الزوجات. فإذا اتضح أن مسيحياً تزوَّج بزوجة أخرى وزوجته الأولى حية،
صار زواجه الثانى باطلاً، وزوجته الثانية حراماً عليه، وتمسى علاقته بها علاقة أثيمة
غير مشروعة، منذ نشأت هذه العلاقة الجديدة ومهما مرَّ عليها من زمن. ولا يصح
التذرع بفترة زمنية معينة كما يُقال أحيانا، حتى لو قبلت الزوجة الأولى هذه
العلاقة الجديدة الناشئة بين زوجها وامرأة أخرى. أو صمتت عنها بعد أن علمت بها.
فما دامت المسيحية لا تقر تعدد الزوجات، وتعتبر كل زواج أو عقد يتم بين رجل وامرأة
أخرى في حياة زوجته الأولى، زنى وحراماً، فرضى الزوجة الأولى أو صمتها إلى فترة
زمنية محددة، لا يحل مبدأ مسيحياً أساسياً، ولا يغير من بطلان الزواج الثاني.
ب- التطليق والطلاق في المسيحية
ومسألة أخرى يجب أن توضَع مع شريعة “الزوجة
الواحدة” فى قمة الاعتبار وفى بؤرة الشعور هو أنه لا طلاق فى المسيحية
بالمعنى المعروف فى الإسلام، وهو حق الرجل في فصم الرابطة للزوجية بالإرادة
المنفردة. فالمسيحيون جميعاً على اختلاف مذاهبهم مجمعون على أنه ليس فى المسيحية طلاق
من هذا النوع. أن المسيحية تسمح بالتطليق وليس بالطلاق، والتطليق هو الفصل بين
الزوجين بناءً حكم محكمة ولأسباب تقرها الكنيسة.
وإذا كان ذلك كذلك فقد تعين عليه أن ينص فى
التشريع والقانون المزمع صدوره على أنه طبقا للشريعة المسيحية لا يجوز الطلاق
بالإرادة المنفردة، وان التطليق يتم بمعرفة القضاء إذا توافرت أسباب التطليق التى
تنص عليها الشريعة المسيحية.
وبناء عليه أيضا يجب أن يوضع حد للتحايل الذي
يلجأ إليه بعض الأزواج للنكاية بزوجاتهم. فيغير مذهبه الكنسي أو ملته فينضم مثلاً
الى الأروام أو الى السريان الأرثوذكس، ليخول له هذا الانضمام أن يطلق زوجته
بإرادته المنفردة، علماً أنه لا الأروام الأرثوذكس ولا السريان ولا الأقباط ولا
أية طائفة أو ملة أخرى مسيحيةْ تبيح لتابعيها حق الطلاق بالإرادة المنفردة، فكيف
إذن يحدث هذا التحايل ويحميه القانون؟! وهو يتعارض مع الشريعة المسيحية في جميع
مذاهبها؟ من أن يجوز لزوج مسيحي سواء كان قبطيا أو سريانياً أو رومياً، أو سواء
كان أرثوذكسياً أو كاثوليكياً او بروتستانتياً أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة؟!
إن القانون يجب أن يكون فى نطاق المبدأ المسيحى
العام الذى تقره جميع المذاهب المسيحية, أنه لا طلاق عند المسيحيين عموماً
بالإرادة المنفردة. واعتناق الزوج أى مذهب آخر من المذاهب المسيحية أو انضمامه الى
أية ملة أخرى مسيحية، لا يبيح له بتاتاً أن يطلق زوجته بالإرادة المنفردة. وقد
حكمت بهذا المعنى محكمة استئناف القاهرة فى حكم أصدرته دائرة رئيسها فى القضية رقم
166 لسنة 73 قضائية تاريخه 6 مارس 1957.
ج- شريعة العقد في القانون
وهذه نقطة ثالثة أساسية فى كل تشريع، فكل عقد تم
بين اثنين فى ظل تشريع معين، يخضع لأحكام هذا التشريع الذى ارتضى به الاثنان عند
إبرام العقد بينما. وهو مبدأ مقرر فى كل تشريع تحت السماء، وهى قاعدة قانونية
معروفة معمول بها فى كل مكان، وهى كالبديهيات والقضايا البينة بذاتها والتي لا
تحتاج إلى برهان أو دليل.
وبناء عليه يجب أن ينص فى تشريع الأحوال الشخصية
على احترام شريعة العقد التي تم عقد الزواج في ظلها ما دام الزوجان عند الزواج قد
ارتضياها، ويكون قانونها هو الحكم بينهما فى حالة الخصومة أو الخلاف.
وبهذا يوضع حد لتحايل آخر يلجإ إليه الزوج عادة
للحصول على الطلاق من زوجته التي ارتبط معها بعقد زواج مسيحي تم في ظل شريعة
مسيحية لا تبيح الطلاق.
وباطلاً يزعم بعض الناس بأنه لا قدرة لهم على
معرفة نوايا الشخص والتحقق من أنه غيَّر ديانته لقصد الحصول على الطلاق، أو محبة
منه للدين الجديد الذى اعتنقه وإيمانا بعقائده. فمن الواضح ان هذا التغيير قد تم
بعد نشوب الخلاف بين الزوجين، ولنية فصم العلاقة الزوجية القائمة. وإذا كان القضاء
الجنائي لا يغفل ركن القصد الجنائي بل يحاول استقصاء نية المتهم، أفليس حرياً
بالأولى بقاضى الأحوال الشخصية أن يتقصى السبب الذى يحدو بأحد الزوجين إلى تغيير
دينه ليهرب من أحكام شريعة العقد إلى شريعة أخرى يبيح له نظامها الخلاص من الرابطة
الزوجية؟!
إن القانون يجب ألا يحمى أمثال هؤلاء
المتحايلين، كما يجب ألا يغض الطرف عن نية الخداع والغش الواضحة عند هؤلاء الناس.
على العكس فإن القانون إذا نصَّ على احترام شريعة العقد عند حدوث أي خلاف بين
الزوجين، فإنه يشكم بذلك كل أسباب التحايل وفنون التدليس والغش والخداع التى يلجأ
اليها أصحاب الأغراض الفاسدة.
بهذا، وبهذا وحده يكون التشريع منصفاً وعادلاً،
ومحققاً الخير والحق والعدل لجميع المواطنين من دونما تحيز أو تشيع لفريق على حساب
الفريق الآخر.
ولسنا في هذا نطلب مِنّة أو وضعاً شاذاً. وإنما
نطلب حقاً مشروعاً يقره كل عقل وكل منطق في كل مجتمع راق متحضر.
القمص
باخوم المحرقي
(نيافه الأنبا غريغوريوس المتنيح)
الكلية الاكليريكية في 15 ابريل 1967
برمودة 1683