اللاهوت الدستوري

(15) مذكرة البابا كيرلس السادس



(15) مذكرة البابا كيرلس السادس

(15) مذكرة البابا كيرلس السادس

 

أ- مذكرة البابا كيرلس السادس تؤكد على شريعة
الزوجة الواحدة

قداسة البابا السابق المتنيح الأنبا كيرلس
السادس، اهتم بموضوع الأحوال الشخصية، وأرسل مذكرة تضمنت أهم المبادئ التى تطالب
بها الكنيسة القبطية، وفى مقدمتها “وحدة الزيجة”.

وكان قداسته قد شكَّل في 9 أكتوبر 1962 لجنة
للأحوال الشخصية برئاسة نيافة الأنبا شنوده اسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية
وقتذاك (قداسة البابا شنوده الثالث حالياً) وعضوية القمص صليب سوريال استاذ
الأحوال الشخصية بالكلية الاكليركية، والاستاذ راغب حنا المحامي، والمستشار فرج
يوسف، والمستشار حسنى جورجي..

 

وبعد اجتماعات طويلة لهذه اللجنة، انتهت الى
مذكرة وافَق عليها قداسة البابا كيرلس، وختمها بخاتمه، وأرسل يوم 22 أكتوبر 1962
نسخة منها الى الأستاذ فتحى الشرقاوى وزير العدل وقتئذ، ونسخة اخرى إلى الأستاذ
بدوى حمودة رئيس مجلس الدولة. ولما صار الاستاذ بدوى حمودة وزيراً للعدل، ارسل
قداسة البابا كيرلس لسيادته ملخصاً للمذكرة آنفة الذكر. وتأكيداً لمطلب الأقباط في
هذا الصدد، أرسلت صورة ثالثة من نفس المذكرة إلى الأستاذ عصام الدين حسونة وزير
العدل بتاريخ 8 ابريل 1967.

 

وفيما يلي النص الكامل لهذه المذكرة:

مذكرة قداسة البابا كيرلس السادس

السيد الأستاذ

نحي سيادتكم أطيب تحية مع وافر دعائنا أن
يؤازركم الله بنعمته ويرشدكم إلى ما فيه خير الوطن المواطنين جميعاً.

بمناسبة اجتماعات لجان مراجعة قانون الأحوال
الشخصية لغير المسلمين، رأينا أن نقدم بعض النقاط الجوهرية التى تهم الكنيسة
القبطية الأرثوذكسية أهمية كبرى، إذ أنها تتصل بصميم العقيدة وتعاليم الدين
المسيحي التي وضعها السيد المسيح له المجد ورسله الأطهار. وأملنا كبير في أن تراعى
هذه النقاط التي نرسلها اليكم، مع عدم الالتفات الى أي قانون أو مشروع أو اقتراح
سابق يتعارض معها، حتى يأتي للقانون الجديد موافقاً لمبادىء الدين وتعليم الكنيسة
القبطية الأرثوذكسية.

 

ونود أولاً أن نوضح لسيادتكم، أن مصدر التشريع
للأحوال الشخصية فى الديانة المسيحية هو الكتاب المقدس أولاً، ثم القوانين الكنسية
القديمة العهد التى وضعتها المجامع المسكونية والاقليمية. وأن كل تشريع أياً كان
واضعه، وأى تفسير وأى اجتهاد، لا يجوز الأخذ به إطلاقاً، اذا تعارض مع آيات الكتاب
المقدس والقوانين الكنسية القديمة.

أما هذه المبادىء الأساسية التى تقدمها كنيستنا
القبطية معلنة بها رأيها في الأحوال الشخصية فهي:

 

ب- وحدة الزيجة في المسيحية

ونقصد به عدم تعدد الزوجات أو الأزواج في
المسيحية. وهذا مبدأ عام يجمع عليه كافة المسيحيين في أنحاء العالم كله على اختلاف
مذاهبهم، وقد ظهر واضحاً فى الكتاب المقدس. ومن أبرز الأدلة عليه قول السيد المسيح
“مَنْ طلَّق امرأته وتزوج بأخرى فانه يزنى عليها” (مرقس 10: 11). فلو
كان يجوز الجمع بين زوجتين، ما كان يعتبر الزواج الثاني زنا، سواء كان الطلاق
شرعياً أو غير شرعي. لذلك نرى أن يتضمن التشريع الجديد مادة من فقرتين تنص على
الآتى:

 

1- لا يجوز للمسيحى أن يجمع يبن زوجتين فى وقت
واحد.

2- يعتبر الزواج الثاني أثناء قيام الزوجية
الأولى باطلاً وغير شرعي، ولا يترتب عليه أى أثر من آثار الزواج الصحيح.

 

ج- موانع الزواج في المسيحية

تعتبر الكنيسة الاسباب الآتية من موانع الزواج،
بحيث إذا ظهر سبب منها يكون كافياً للحكم ببطلان الزواج:

1- ارتباط احد الزوجين في زيجة سابقة لم تعترف
الكنيسة بفصم عُراها.

2- اختلاف المذهب أو الدين.

3- عدم تكامل القوى الجنسية، كأن يكون يكون
عنيناً أو خنثى أو مخصياً وما إلى ذلك.

4- سبق صدور حكم بالطلاق على أحد الزوجين
بالزنى.

5- القربى أو المصاهرة التى تمنع الزواج، حسب
الجداول المعمول بها فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

6- الجنون.

 

د- إتمام الزواج على يد كاهن

الزواج المسيحي هو سر مقدس، لا يتم ولا تعترف به
الكنيسة إلا إذا انعقد على يد كاهن، وبعد أداء المراسيم الدينية المعروفة.
وبالتالى فإنه لا يجوز مطلقاً القيام بإجراءات توثيق لزواج، أو سماع دعوى متعلقة
بأي أثر من آثاره، إلا إذا ثبت رسمياً بمحضر يحرره الكاهن، يوضح به إتمام هذه
المراسيم الدينية بناء على التصريح من رئاسته.

لذلك فإننا نرى وجوب إضافة مادتين جديدتين إلى
التشريع الجديد:

 

المادة الأولى:

لا يجوز توثيق عقد زواج بين المسيحيين المتحدي
المذهب، إلا بعد إتمام المراسيم الدينية وفقا لشريعة الزوجين.

 

المادة الثانية:

لا تُسمَع الدعوى المتعلقة بأي أثر من آثار
الزواج بين المسيحيين المتحدى الملة، إلا إذا ثبت الزواج بمحضر يحرره الكاهن الذي
قام بالمراسيم الدينية بناء علي تصريح من رئاسته.

 

ه- تطبيق شريعة عقد الزواج المسيحي

من المبادىء المقررة قانونا أن العلاقة التي
تنشأ في ظل قانون معين، يجب أن تظل محكومة بهذا القانون. والقول بأن مجرد تغيير
أحد طرفيها مذهبه أو اعتناقه ديانة معينة، يجعل الولاية التشريعية عليها لقانون
آخر، هو قول مؤداه فرض إراده هذا الشخص على وضع تشريعى متعلق بالنظام العام،
وإعطاؤه سلطان التشريع، والسماح له بان يتحلل بمشيئته المنفردة من التزاماته التى
كان قد ارتضاها، وأن يهدد حقوق الطرف الآخر المكتسبة حين يريد. وذلك يجافى أبسط
قواعد القانون والعدالة. لأنه لا يُستساغ السماح لشخص بان يضع إرادته موضع
التشريع، فيغير القاعدة القانونية التى تحكم علاقته مع الغير، ويعدل المركز
القانوني المكتسب للطرف الآخر رغم إرادته.. خاصة إذا كانت القاعدة القانونية
متعلقة بمبادىء دين من الاديان التى نصَّ الميثاق الوطنى على وجوب احترامه وعدم
المساس به. ويترتب على ذلك أن تظل العلاقة الزوجية من حيث قيامها وسائر الآثار
المترتبة عليها وانقضائها، محكومة بالقواعد القانونية التى أُبْرِمَت في ظلها،
والتى ارتضاها الطرفان فى عقد زواجهما، والتى لا يجوز لأحدهما أن يغيرها بإرادته
المنفردة، فيهدر الحقوق المكتسبة للطرف الآخر..

 

بناء عليه ترى الكنيسة أن يتضمن القانون الجديد
النص الآتى:

 

أ- تظل الزوجية وما ينشأ عنها من الآثار خاضعة
للشريعة التى عُقِدَ الزواج وفقاً لأحكامها، ولو غيَّر أحد الزوجين مذهبه أو
ديانته أثناء قيام الزوجية. وكذلك تسرى أحكام تلك الشريعة على الطلاق والتطليق
“الانفصال”.

 

ب- تكون حضانة الأولاد للطرف الباقي على الشريعة
التي عُقِدَ الزواج وفقاً لها.

 

و- حكم الطاعة في المسيحية

لما كانت الحياة الزوجية في المسيحية مبنية على
الاتفاق والتراضي والمحبة، ولا يمكن أن يدخل الإرغام فيها بحال من الأحوال.. لذلك
نرى وجوب تضمين التشريع الجديد المادة الآتي نصها:

 

“لا يُحْكَم بالطاعة على الزوجة المسيحية
مهما كانت الظروف، حتى ولو كانت بسبب تغيير ديانة أو ملة أو مذهب الزوج”.

 

ز- الطلاق والتطليق في المسيحية

موضوع الطلاق بالذات قد وضع السيد المسيح بنفسه
تشريعاً خاصاً به. كرَّره بوضوح فى أكثر من موضع، ولا يجوز لأحد أن يغير فيه، وإلا
كان هذا التغيير منافياً لتعاليم السيد المسيح وآيات الكتاب المقدس.

 

أما هذا التشريع فيتلخص فى النقط الآتية:

ا- لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنى، وفى ذلك يقول
السيد المسيح “وأما أنا فأقول لكم أن مَنْ طَلَّق امرأته إلا لعلة الزنى
يجعلها تزني” (متى 32: 5).. وأيضاً “وأقول لكم أن مَنْ طلق امرأته إلا
بسبب الزنى وتزوَّج بأخرى يزنى” (متى 19: 9).

 

2- لا يجوز زواج المطلقة، ووصايا السيد المسيح
في هذا الأمر واضحة تحكم بالزنى على الرجل وعلى المرأة في مثل هذا الزواج، وهى
“ومَنْ يتزوج مطلقة فإنه يزني” (متى 32: 5).

 

“والذى يتزوج بمطلقة يزني” (متى 19:
9)، “وان طلقت امرأة زوجها، وتزوجت بآخر، تزني” (مرقس 10: 12)،
“لكل مَنْ يتزوج بمطلقة من رجل يزني” (لوقا 6: 18).

 

والحكمة في هذا التشريع المسيحي، هى أن المرأة
لا تُطَلَّق إلا بسبب الزنا، فكعقوبة لها على زِناها، لا يُسمَح لها بالتزوج مرة
أخرى، لأنها لا تؤتَمَن على عهد الزوجية المقدس.

 

3- لا يجوز زواج الرجل الذي طلَّق امرأته بغير
علة الزنا. وهذا واضح من قول السيد المسيح “كل مَنْ يطلق امرأته، ويتزوج
بأخرى، يزني” (لوقا 16: 18).

 

وايضاً “مَنْ طلَّق امرأته، وتزوج، يزنى
عليها” (مرقس 10: 11).

 

والسبب فى هذا أن المسيحية ترى أن الرجل مرتبط
بزوجته، وان طلاقه منها بغير علة الزنى هو طلاق باطل لا يفصم عرى الزوجية. لذلك
اذا تزوج بأخرى يعتبر زانيا، إذ أن المسيحية لا تسمح له بالجمع بين زوجتين فى وقت
واحد.

 

ح- الفرقة بين الزوجين في حالة تغيير الدين

إذا كان تغيير الدين هو مجرد لون من التلاعب
والتحايل للحصول على الطلاق، فليس من الحكمة أن نسمح لهذا التحايل أن يدرك هدفه،
لذلك نرى أن يكون تغيير الدين سبباً في الفرقة والانفصال بين الزوجين، لا التطليق.
لأن المرأة التى قبلت الزواج برجل على أساس أنه مسيحي، لا يصح إرغامها على المعيشة
معه بعد أن غيَّر دينه.

 

فإن رجع الرجل الى دينه، يجوز أن ترجع العلاقة
يبن الزوجين كما كانت. يقول الكتاب المقدس: “فإن المرأة التى تحت رجل هي
مرتبطة بالناموس بالرجل الحى، ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل، فإذاً
ما دام الرجل حياً تُدعى زانية إن صارَت لرجل آخر” (رومية 7: 2، 3).

 

أما إذا تزوج الرجل بعد تغيير دينه، إن كان
الدين الجديد يسمح له بذلك، فان المسيحية تحكم في هذه الحالة بالطلاق، على اعتبار
انها تنظر إلى هذا الزواج كأنه زِنى لأنه جمع بين زوجتين. وهنا تتوفر العلة التي
ذكرها السيد المسيح.

 

أما إذا لم يتزوج الرجل، فتبقى الفرقة كما هي،
وتكون مدتها مجالاً يختبر فيها الرجل نفسه ويقرِّر مصيره.

 

ط- المصالحات بين الزوجين في حالات الخلاف

حيث أن وزارة الشئون الاجتماعية تتجه اتجاها
حكيما، باقتراحها إحالة الدعاوى على لجان مُصالحات قبل نظرها المحكمة.. وحيث أن في
الأخذ بهذا المبدأ بالنسبة للكنيسة، فيه إعطاء فرصة لها لتقول كلمتها في الدعوى
قبل نظرها..

لذلك نأمل أن يتضمن المشروع نصاً يفيد الآتى:

“تحيل أقلام الكتاب قضايا الطلاق بمجرد
تقديمها، إلى الرئاسة الدينية الكائنة المحكمة في دائرتها، لمحاولة الصلح
والتوفيق، على أن تعيد الرئاسة الدينية الأوراق مشفوعة برأيها إلى المحكمة في مدة
أقصاها ثلاثة أشهر”.

 

ي- خاتمة مذكرة البابا كيرلس بخصوص وحدة الزيجة

وختاماً أملنا الأخذ بهذه النقاط الجوهرية التي
نرسلها إليكم، حتى يتمشى قانون الأحوال الشخصية الجديد وفقا لتعاليم الدين
المسيحي، ووفقاً لقواعد الحرية الدينية التي نصَّ عليها الميثاق الوطني.

 

وفقنا الله وإيّاكم الى ما فيه سعادة وطننا
المجيد وخير مواطنينا المباركين، ولكم منّا خالص التحية وأكرم الدعاء.

تحريراً في 22 أكتوبر 1962

خاتم

كيرلس السادس

بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار