116- بدء تحرُّك الفريسيين
116- بدء تحرُّك الفريسيين
(الحركة
الأُولى: بأي سلطان تفعل هذا؟):
لم
يكن دخول المسيح أُورشليم بموكبه الملكي الظافر وآلاف الهتافات بهوشعنا يمرُّ
بسلام على الفرِّيسيين، ومعه الإحساس بالمرارة التي خلَّفتها إقامة لعازر من الموت
جهاراً وإشاعة الخبر في كل البلاد. وبلغ غيظهم القمة لمَّا رأوه يطرد الباعة من
الهيكل بقوة وسلطان مثير. فقد تحرَّك الجزء الأكثر انفعالاً في السنهدرين لوضع
نهاية حتمية للمسيح. وقد كان العامل الأساسي للتحرُّك هو دخوله أُورشليم بموكب
الملك الظافر، ولم يعلموا في الحقيقة أنه إنما صنع ذلك عامداً لكي يسرعوا هم أيضاً
بالعمل الذي خطَّطوا له في السر- أي قتله- والذي أرادوه أن لا يكون في العيد،
والذي أراده هو وحتَّم به أن يكون في العيد؛ وهم تحاشوا الشعب، وهو أراد اشتراك
الشعب، لأن الضحية ضحيتهم والذبيحة ذبيحتهم.
وكانوا قد أذاعوا خبراً سريًّا مرَّروه بينهم هكذا: “فكانوا يطلبون يسوع
ويقولون فيما بينهم، وهم واقفون في الهيكل:
ماذا تظنون؟ هل هو لا يأتي إلى العيد؟ وكان أيضاً رؤساء الكهنة والفرِّيسيون قد أصدروا أمرًّا أنه إن عرف أحد أين هو
فليَدُلَّ عليه، لكي يمسكوه.” (يو 11: 56و57)
لذلك
كان دخوله المظفّر العلني بهتاف يشق عنان السماء ب”مبارك الآتي باسم الرب،
ومباركة هي مملكة أبينا داود”، أمراً مفاجئاً جداً وغير مصدَّق عند
السنهدرين، وكأنه ضربة قاصمة نزلت على ظهورهم. فنظروا إلى الموكب بحسرة بالغة
وعبَّروا عن كل مخاوفهم وأحقادهم معاً: “انظروا إنكم لا تنفعون شيئاً. هوذا
العالم قد ذهب وراءه.” (يو 19: 12)
أمَّا
قبل الموكب وهو لا يزال في بيت عنيا، فكانت النية هي مداهمته والقبض عليه وقتله،
ربما اغتيالاً وربما قتلاً، بحسب الناموس ادعاءً: “وتشاوروا لكي يمسكوا يسوع
بمكر ويقتلوه. ولكنهم قالوا: ليس في العيد لئلاَّ يكون شغب في الشعب” (مت 26:
4و5). ولكن يسوع تشاور أيضاً مع الآب أنه يتحتَّم أن يكون في العيد! على أن التهم
وشهود الزور كانوا جاهزين، إذ قد تجمَّعت أدلة كثيرة من الذين يتسقَّطون الأخبار
ويتخابرون لحساب السنهدرين. ولكن، وبصورة رسمية، أوفد السنهدرين بعضاً من رؤساء
الكهنة وشيوخ الشعب للمسيح وهو يعلِّم في الهيكل، لكي يستجوبوه رسمياً في مَنْ هو؟
وما هو سلطانه في أعماله هذه كلها؟ ليفوزوا بتصريح منه يأخذونه ضدَّه كمستند رسمي.
“ولمَّا جاء إلى الهيكل تقدَّم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يعلِّم قائلين:
بأي سلطان تفعل هذا، ومَنْ أعطاك هذا السلطان؟” (مت 23: 21). وكانت بغيتهم
أنه سيتكلَّم عن نفسه وعلاقته بالله وعن سلطانه في كل ذلك، ولكنه خيَّب أملهم
وأوقعهم في مأزق خطر كان يمكن أن يثير عليهم كل الشعب؛ إذ حوَّل سؤالهم إلى سؤال
منه إليهم هكذا: “وأنا أيضاً أسألكم كلمة واحدة، فإن قلتم لي عنها أقول لكم
أنا أيضاً بأي سلطان أفعل هذا: معمودية يوحنا من أين كانت؟ من السماء أم من
الناس؟” (مت 21: 24و25). فتحيَّروا حيرة شديدة، لأنهم لو قالوا: من السماء،
وهي كذلك، يقول لهم: ولماذا لم تؤمنوا به؟ وإن قالوا: من الناس، تكون الطامة أكبر،
لأن يوحنا معروف عند كل الشعب أنه نبي: “فأجابوا يسوع وقالوا: لا نعلم”
“فقال لهم هو أيضاً: ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا” (مت 27: 21).
ولو أنه بسؤاله هذا ألمح أن سلطان المعمدان هو من سلطان المسيح لأنه السابق والمعمِّد
له. وبصريح العبارة، أفهمهم بلا كلام أن سلطانه
من الله الذي أنكروه في يوحنا. وفي نفس الوقت، سجَّل عليهم عدم إيمانهم بسلطان
المعمدان، وبالتالي مخالفة تدبير الله.