اللاهوت الدفاعي

هوت_دفاعى_عظمة_الكتاب_المقدس_وحفظ_الله_له_02[1].html



الرد الثاني

هل حرف
اليهود التوراة وأفسدوا المسيحية؟

وهل هناك كتب
كثيرة كل منها يسمى بالتوراة؟

 

 وقال أن اليهود ” واندسوا بين تابعيه (أي تابعي
المسيح) في محاوله لصرفهم عن دين الله‏،‏ وإصرار علي تزويره وتشويهه “!!
والسؤال هنا هو من أين أتى بهذا الكلام؟ هل من الإنجيل أم من كتب آباء الكنيسة أو
تاريخ الكنيسة؟ أم من القرآن؟ أو من كتب الحديث أو السيرة النبوية؟ أم من كتب
التاريخ المدني في القرون الأولى للميلاد؟ أم من كتب الملحدين الذين لا دين لهم
ولا يؤمنون بالله ولا بالحياة الآخرة والعالم الأخر؟ ونقول مؤكدين وواثقين وجازمين
أنه لا الإنجيل ولا القرآن ولا كتب آباء وتاريخ الكنيسة ولا كتب الحديث ولا السيرة
النبوية ولا كتب التاريخ المدني قالت بذلك أو بشيء من مثل ذلك أو حتى ما يشبهه!!
لأن الرب يسوع المسيح كان يعلم كل شيء ويعلم التلاميذ وأن واحداً منهم كان سيسلمه:
أنا اعلم الذين اخترتهم ” (يو13: 18)، ” أليس أني أنا
اخترتكم الأثني عشر وواحد منكم شيطان
” (يو6: 70). وكان من المستحيل أن
يدس بينهم أحد لا قبل الصلب والقيامة ولا بعدها لأن الكنيسة كان يقودها الروح
القدس وكانت تجرى ” على أيدي الرسل آيات وعجائب كثيرة في الشعب ” (أع5:
12). أو كما يقول القديس بولس: ” بقوّة آيات وعجائب بقوة روح الله.
حتى أني من أورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بانجيل المسيح
” (رو15: 9).

 ثم يقول سيادته: ” ولكن اليهود
أشبعوها تحريفا وتزويرا ودسا علي الله تعالي‏،‏ وهم اليوم يعتبرون التوراة متجسدة
في الأسفار الخمسة الأولي مما يعرف باسم العهد القديم‏، ‏وهذه الإسفار الخمسة لم
تدون إلا في عهد عزرا بعد وفاه موسي عليه السلام بأكثر من ثمانية قرون “!!
وهنا لنا عدة ملاحظات:

(1) متى
أشبعوها تحريفاً وتزويراً ودسا وتزويرا، كما يزعم؟! ليته يقدم لنا دليلا علمياً
واحداً على هذه المزاعم الباطلة والأقاويل العشوائية التي لا تزيد عن كونها مجرد
أحاديث عوام.

(2)
وليأتينا سيادته بدليل واحد يقول أنها لم تكتب إلا في زمن عزرا! وفي نفس الوقت
نؤكد لسيادته بالدليل العلمي كيف أن الله حفظ التوراة وبقية أسفار العهد القديم
بدقة متناهية عبر حوالي 3500 سنة!!

 

1-
هل يتفق كلامه مع جاء في تفاسير كبار مفسري القرآن؟

 وهنا نسأل هل يتفق كلامه هذا مع ما جاء في القرآن
وتفاسير كبار المفسرين؟! وإلى أن يأتينا سيادته بالدليل نأتيه نحن بما قاله كبار
المفسرين في تفسير قوله: وَيُعَلِّمُهُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتوراة وَالإِنجِيلَ
(آل عمران: 48):

 جاء في جامع البيان للطبري: ” القول في
تأويل قوله تعالى: ” ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ” فيعلمه
الكتاب، وهو الخط الذي يخطه بيده، والحكمة: وهي السنة التي نوحيها إليه في غير
كتاب، والتوراة:
وهي التوراة التي أنزلت على موسى،
كانت فيهم
من عهد موسى
، والإنجيل: إنجيل عيسى، ولم يكن قبله، ولكن الله
أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه، وإنما أخبرها بذلك، فسماه لها، لأنها
قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل
“.
وهو يؤكد هنا على أن التوراة التي كانت بين يدي المسيح هي نفسها التي نزلت على
موسى النبي ” والتوراة: وهي التوراة التي أنزلت على موسى،
كانت فيهم
من عهد موسى
“.

 وجاء في تفسير الرازي: ” يعلمه
التوراة، وإنما أخر تعليم التوراة عن تعليم الخط والحكمة، لأن التوراة كتاب إلٰهي،
وفيه أسرار عظيمة،
والإنسان ما لم يتعلم العلوم الكثيرة لا يمكنه أن يخوض في
البحث على أسرار الكتب الإلٰهية، ثم قال في المرتبة الرابعة
والإنجيل، وإنما أخر ذكر الإنجيل عن ذكر التوراة لأن من تعلم الخط، ثم تعلم
علوم الحق، ثم أحاط بأسرار الكتاب الذي أنزله الله تعالى على من
قبله من
الأنبياء فقد عظمت درجته في العلم فإذا أنزل الله تعالى عليه بعد ذلك
كتاباً آخر وأوقفه على أسراره فذلك هو الغاية القصوى، والمرتبة العليا في العلم،
والفهم والإحاطة بالأسرار العقلية والشرعية، والإطلاع على الحكم العلوية والسفلية،
فهذا ما عندي في ترتيب هذه الألفاظ الأربعة
(1). وهنا يؤكد الفخر الرازي أن التوراة التي
كانت مع المسيح هي الكتاب الإلهي.

 وجاء في ابن كثير: ” فالتوراة هو
الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى بن مريم
عليهما السلام. وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا
(2).

 وجاء في تفسير ابن عطية: ” الكتاب ”
التوراة ” هي المنزلة على موسى عليه السلام، ويروى أن عيسى كان يستظهر
التوراة وكان أعمل الناس بما فيها، ويروى أنه لم يحفظها عن ظهر قلب
إلا أربعة،
موسى ويوشع بن نون وعزير وعيسى عليهم السلام
(3).

 وجاء في تفسير الخازن: ” ويعلمه الكتاب
والتوراة ” يعني التي أنزلت على موسى“.

 وقال أبو حيان: ” روي أن عيسى كان
يستظهر التوراة، ويقال لم يحفظها عن ظهر قلب غير: موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى
“.

 وجاء في مختصر ابن كثير للصابوني:
فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزل
على عيسى بن مريم عليهما السلام، وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا
“.

 كما قالوا في تفسير قوله: َمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التوراة
وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ
رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي
” (آل عمران: 50(:

 قال الطبري: ” قيل: ” وَمُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتوراة
” لأن عيسى صلوات الله عليه كان مؤمناً بالتوراة مقرّاً بها، وأنها من
عند الله،
وكذلك الأنبياء كلهم يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله،
وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك، مع أن عيسى كان فيما
بلغنا عاملاً بالتوراة، لم يخالف شيئاً من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في
الإنجيل مما كان مشدّداً عليهم فيها
“.

 وقال الرازي: ” لأن
التصديق بالتوراة لا معنى له إلا اعتقاد أن كل ما فيها فهو حق وصواب
وأيضاً
إذا كانت البشارة بعيسى عليه السلام موجودة في التوراة لم يكن مجيء عيسى عليه
السلام وشرعه مناقضاً للتوراة”.

 وقال القرطبي: ”
كان مؤمنا بالتوراة مقرا بها، وأنها من عند الله… مع أن عيسى كان فيما
بلغنا عاملا بالتوراة، لم يخالف شيئا من أحكامها إلا ما خفف الله

عن
أهلها في الإنجيل مما كان مشددا عليهم
فيها“.

 وقال المفسرون في تفسير قوله: ”
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ التوراة
وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ
وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وَهُدىً وَمَوْعِظَةً
لِلْمُتَّقِينَ ” (المائدة: 46). أنه رأى التوراة حقا وأن التوراة التي
كانت بين يديه هي نفسها التوراة التي أنزلت على موسى
.

 فقد جاء في الجامع
لأحكام القرآن للقرطبي: ” مصدقا لما بين يديه ” يعني التوراة؛
فإنه رأى التوراة حقا، ورأى وجوب العمل بها
“.

 وجاء في مختصر تفسير
ابن كثير: ” أي
مؤمنا بها
حاكماً بما فيها
أي متبعاً لها غير مخالف
لما فيها إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا
يختلفون
فيه
“.

 وقال الرازي: ” معنى
كون عيسى مصدقاً للتوراة أنه أقر بأنه كتاب منزّل من عند الله، وأنه كان حقاً واجب
العمل به قبل ورود النسخ. السؤال الثاني: لم كرر قوله ” مُصَدّقاً لّمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ ” والجواب: ليس فيه تكرار لأن في الأول: أن المسيح يصدق
التوراة، وفي الثاني: الإنجيل يصدق التوراة
“.

 وقال ابن كثير:
أي: مؤمناً بها، حاكماً بما فيها
وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتوراة ” أي:
متبعاً لها، غير مخالف لما فيها، إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا
يختلفون فيه
“.

 وجاء في تفسير الخازن:
وقفينا على آثارهم… بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة
يعني أن عيسى عليه السلام كان مصدقا بأن التوراة منزلة من عند الله
عزّ وجل
“.

 وجاء في تفسير غرائب
القرآن ورغائب الفرقان للقمي النيسابوري:
مصدّقاً لما بين يديه ” أي مقراً بأن التوراة كتاب
منزل من عند الله تعالى وأنه كان حقاً واجب العمل به
“.

 وهكذا يؤكد لنا القرآن والمفسرون وعلماء الإسلام
أن التوراة وكتب الأنبياء كانت كما هي، مثلما نزلت على موسى النبي والأنبياء، مع
المسيح وبين يديه، وكان حافظاً لها ومتمسكاً بها ومتمماً لما جاء بها عنه. وأنه من
المستحيل أن تكون قد فقدت أو ضاعت أو أنها غير التي كتبها موسى النبي والأنبياء،
لأنها كانت مع المسيح وبين يديه وأنه كان هو وموسى ويشوع وعزرا حافظين لها لذا فمن
المستحيل أن تكون قد فقدت أو تغيرت أو تبدلت فيما بين موسى والمسيح، أو أنها كتبت
فقط أيام عزرا!!!

 

2
– الدقة المتناهية في نقل التوراة عبر آلاف السنين وحفظ الله لها:

 ونوضح لسيادته ولغيره ممن يعنيهم هذا الأمر، من
خلال كلام العلماء والمختصين، أن الله حفظ التوراة فجعل علماء اليهود المختصين بذلك
يقومون بنقل التوراة بدقة لا مثيل لها على الإطلاق، عبر آلاف السنين، فالله يقول
” أنا ساهر على كلمتي لأجريها ” (ار1: 12). فقد وضعوا معايير صارمة عند
نسخ كل نسخة من التوراة وبقية أسفار العهد القديم تضمن نقل كل كلمة وكل حرف بكل
دقة. فيسجل صموئيل ديفيدسون في كتابه ” النص العبري للعهد القديم “(4) بعض من القواعد التي وضعها علماء التلمود
للحفاظ على سلامة النص الكتابي ووصوله بدقة متناهية. وفيما يلي هذه القواعد
الصارمة:

(1) يجب أن
يدون درج المجمع على جلد حيوان طاهر.

(2) يجب أن
يعده للاستخدام الخاص من قِبَل المجمع شخص يهودي.

(3) يجب أن
تُضَم صفحات الدرج معاً بخيوط مأخوذة من حيوانات طاهرة.

(4) يجب أن
تحتوي كل صفحة من الجلد على عدد معين من الأعمدة ثابت في المخطوطة كلها.

(5) يجب ألا
يقل طول أي عمود عن 48 سطراً وألا يزيد عن 60 سطراً، ويجب أن يشتمل السطر على
ثلاثين حرفاً.

(6) يجب أن
تحاذي أوائل السطور في النسخة كلها، وإذا وجِدت ثلاث كلمات دون محاذاة لا يعتد
بهذه النسخة.

(7) يجب أن
يستخدم الحبر الأسود وليس الأحمر أو الأخضر أو أي لون آخر، ويجب أن يعد طبقاً
لمواصفات محددة.

(8) يجب أن
يتم النقل عن نسخة معتمدة لا يحيد عنها الناسخ بأي حال من الأحوال.

(9) يجب ألا
يعتمد الناسخ على ذاكرته في تدوين أي كلمة أو حرف ولو كان أصغر الحروف، ما لم يكن
الكاتب قد نقل عن المخطوطة التي أمام عينيه…

(10) يجب أن
يفصل بين كل حرفين ساكنين مسافة شعرة أو خيط.

(11) وأن
يفصل بين كل فقرتين مسافة تسعة حروف ساكنة.

(12) وبين
كل سفرين ثلاثة أسطر.

(13) يجب أن
ينتهي السفر الخامس من أسفار موسى بسطر تام وليس هذا ضرورياً بالنسبة للأسفار
الأخرى.

(14) علاوة
على ذلك، يجب أن يرتدي الناسخ الثياب اليهودية كاملة.

(15) وأن
يغسل بدنه كله.

(16) وألا
يبدأ في كتابة اسم الله بقلم حالما أخرجه من مدواة الحبر.

(17) وإن
خاطبه ملك أثناء تدوينه لهذا الاسم يجب ألا يلتفت إليه.

 

ويضيف
دفيدسون أن: الكتب التي لا يلتزم عند تدوينها بهذه القواعد كان مصيرها الدفن في
الأرض أو الحرق، أو كانت تؤخذ إلى المدارس حيث كانت تستخدم ككتب للقراءة.

 ومن هنا كانت كل نسخة جديدة تنسخ تكون صورة طبق
الأصل للنسخة الأقدم، المنقولة عنها، ولذا كان يتم اعتمادها ويعطونها نفس صلاحيات
القديمة.

 ويقول فريدريك كنيون العالم الأثري ومدير المتحف
البريطاني الأسبق في كتابه ” كتابنا المقدس والمخطوطات القديمة “(5) عن ضياع المخطوطات القديمة: ” إن
الحرص الشديد الذي كان يتَّبع عند نسخ المخطوطات هو نفسه السبب في اختفاء النسخ
القديمة. فعندما كانت تنسخ المخطوطة طبقاً للمواصفات الدقيقة المنصوص عليها في
التلمود، وبعد أن يتم التحقق من صحتها تماماً كانوا يقبلونها كنسخة معتمدة، لها
نفس قيمة النسخ الأخرى. وإذا تطابقت نسختان تماماً وبشكل صحيح فإن عنصر القِدَم لم
يكن عنصر إيجاب للإبقاء على المخطوطة بل عنصر سلْب، إذ أن المخطوطة كانت عرضة
للبلاء والتلف بمرور الوقت. وكانت النسخة التالفة أو غير السليمة تفرز حالاً وتعد
غير ملائمة للاستخدام.

 وكان ملحقاً بكل مجمع جنيزة هي خزانة للأشياء
القديمة كانت توضع بها المخطوطات التالفة جانباً، ومن هذه الخزانات تم اكتشاف بعض
المخطوطات الأكثر قِدَماً في العصور الحديثة.

 ومن هنا لم تجري العادة اليهودية على اعتبار
النسخة الأقدم من الأسفار المقدسة هي الأكثر قيمة، ولكن على تفضيل النسخة الأحدث
كنسخة سليمة لا يلحقها التلف. أما النسخ القديمة التي كانت تودع في الجنيزة فكان
يصيبها التلف والفناء بشكل طبيعي إما بسبب الإهمال أو بسبب حرقها بشكل مقصود عندما
كانت الجنيزة تمتلئ عن آخرها.

 ومن ثم فإن غياب النسخ القديمة جداً للكتاب
المقدس العبري لا يجب أن تثير دهشتنا أو قلقنا. وإذا أضفنا للأسباب التي ذكرناها
عصور الاضطهاد المتكررة (بما فيها من تدمير للممتلكات) التي تعرض لها اليهود،
يمكننا تعليل اختفاء المخطوطات القديمة، كما يمكننا قبول المخطوطات الباقية بما
تحفظه لنا – أي النص الماسوري.

 ويقول أحد علماء النقد النصي وهو ف ف بروس:
” كان الماسوريون على درجة عالية من العلم، وتعاملوا مع النص بأقصى درجات
الاحترام والتبجيل ووضعوا نظاماً معقداً لحفظه من زلات الكتبة. فعلى سبيل المثال
قاموا بإحصاء عدد المرات التي ورد فيها كل حرف من حروف الهجاء في كل سفر، وحددوا
الحرف الأوسط في الأسفار الخمسة الأولى والحرف الأوسط في الكتاب المقدس العبري
كله. كما قاموا بحسابات أخرى أكثر دقة وتفصيلاً من هذه. ويقول ويلر روبنسون إنهم
أحصوا كل ما هو قابل للإحصاء. ولقد ألَّفوا عبارات قصيرة تيسر لهم تذكر الإحصاءات
المختلفة “(6).

 وعلى سبيل المثال فقد كان الكتبة يعرفون ما إذا
كان سفر إشعياء أو العهد القديم كله مثلاً خالياً من حرف ساكن معين. لقد وضعوا
الكثير من القواعد التي تضمن لهم الحصول على نسخة طبق الأصل عند الانتهاء من
نسخها.

 ويقول السير فريدريك كنيون أيضاً: ” إضافة
إلى تسجيلهم للقراءات التقليدية والحديثة المختلفة، قام الماسوريون بعدد من
الإحصاءات التي لا تقع في نطاق النقد النصي العادي. لقد أحصوا آيات وكلمات وحروف
كل سفر. كما حسبوا موقع الكلمة الوسطى والحرف الأوسط في كل منها. كما أحصوا الآيات
التي اشتملت على كل حروف الهجاء أو عدد معين منها. وهذه الإجراءات التي لا قيمة
لها، من وجهة نظرنا،كان لها رغم ذلك أثر في توفير العناية التامة للنقل الصحيح
للنصوص، وهي تدل على الاحترام البالغ للأسفار المقدسة الذي لا يستحق إلا الثناء.
لقد كان الماسوريون حقاً حريصين على ألا يسقط أو يضيع أي شئ ولو كان نقطة أو حرفاً
صغيراً أو حتى جزء من حرف الناموس “(7).

 مما سبق يتبين لنا الكيفية التي حافظ بها علماء
اليهود على نقل مخطوطات العهد القديم بكل دقة وحرص وتقديسهم الشديد للأسفار
المقدسة. وبحسب ما جاء في التلمود ” كانت هناك مواصفات ليس فقط لنوع الجلد
المستخدم وحجم الأعمدة، ولكن الكاتب كان عليه أن يؤدي طقساً دينياً معيناً قبل
تدوين اسم الله. كما نصت القواعد على نوع الحبر المستخدم والمسافة بين الكلمات
وحظرت تدوين أي شئ من الذاكرة. كان يتم إحصاء السطور – وكذلك الحروف – بأسلوب
منهجي. ولو وجد بالمخطوطة خطأ واحد كان يتم التخلص منها. كانت الإجراءات الشكلية
التي تمسَّك بها الكتبة مسئولة، ولو بشكل جزئي على الأقل، عن الحرص الشديد الذي
كان يتبع عند نسخ الأسفار المقدسة. وهذا هو السبب في قلة عدد المخطوطات (إذ كانت
القواعد تنص على التخلص من النسخ المعيبة)(8).

 ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس (36 – 100م):
ويوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا لهذه الكتب، فبرغم المدة
الطويلة التي انقضت حتى الآن لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن يحذف شيئاً منها أو
يغير أي شئ منها. بل أنه طبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد مباشرة يعتبرون هذه
الكتب هي تعاليم الله ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون سعداء لأجلها
.
فكم من المرات شاهدنا الأسرى وهم يكابدون ألوان العذاب والموت في المسارح مفضلين
ذلك على أن ينبثوا بكلمة واحدة “(9).

 

3
– هل هناك أكثر من توراة؟

 ومن أغرب بل ومن أعجب ما يقوله د زغلول النجار
هو قوله: ” ويجمع دارسو العهد القديم علي أن سفر حزقيال وضع أولا‏،‏ ثم ركبت
حوله بقيه الأسفار الموضوعة‏،‏ ولذلك كان لليهود أكثر من توراة مثل التوراة
البابلية‏،‏ توراة القدس‏،‏ والتوراة البيضاء‏،‏ والتوراة السامرية والسبعينية
والعبرية واليونانية وغيرها‏ “!!

 وهنا نسأل سيادته من قال هذا الكلام الباطل وما
هو دليلك ودليله ليتك تأتينا به؟! فقد كانت التوراة، كما بينا أعلاه، مكتوبة قبل
سفر حزقيال بحوالي 900 سنة لأن سفر حزقيال مكتوب حوالي سنة 590 ق م ومزامير داود
النبي كتبت فيما بين 1000 و950 ق م ومعظم أسفار العهد القديم الأخرى كإشعيا وإرميا
وميخا 00 الخ كتبت قبل سفر حزقيال!!

 كما نقول له يا سيادة الدكتور كيف تتكلم عن أمور
لا تعرف عنها شيئاً وتدعي العلم فيها؟!! فما معنى قولك: ” أكثر من توراة
مثل التوراة البابلية‏،‏ توراة القدس‏،‏ والتوراة البيضاء‏،‏ والتوراة السامرية
والسبعينية والعبرية واليونانية وغيرها
“؟!!! يا فضيلة الدكتور لا يوجد
إلا توراة واحدة هي توراة موسى النبي والتي كانت مكتوبة بالعبرية وقد أخذ عنها
السامريون نسخة سميت بالتوراة السامرية نسبة إلى السامرة عاصمة مملكتهم، ثم ترجمت
إلى اللغة اليونانية فسميت بالترجمة اليونانية ولأن التاريخ يقول أن الذين قاموا
بترجمتها هم سبعون من علماء اليهود لذا سميت بالسبعينية. أما ما تسميه بالتوراة
البابلية وتوراة القدس فلا علاقة له بالتوراة بل هو ما يسميه علماء اليهود
بالتلمود البابلي وهو شروحات وتفاسير للتوراة وتقاليد اليهود والتي كانت مع اليهود
الذين كانوا يقيمون في بابل، وتلمود القدس أو الأورشليمي الذي كان يستخدمه يهود
فلسطين(10).

 كما أن التوراة السامرية ليست توراة أخرى بل هي إحدى
مخطوطات النص العبري ذاته. وهي تضم أسفار موسى الخمسة، وقد تم تدوينها بالكتابة
العبرية القديمة، أو الخط العبري القديم أو الخط الكنعاني الشبيه بالكتابة على حجر
موآب، والنقش في سلوام، وألواح لخيش، وعلى الأخص ببعض مخطوطات قمران. وقد وجدت بعض
مخطوطات الكتاب المقدس الأكثر قدماً في قمران مدوَّنة بهذه الكتابة التي تم
إحياؤها في القرن الثاني ق.م أثناء الثورة المكابية على الحكم الإغريقي. وتقترب من
النص التفسيري أكثر من النص الحرفي، لذا تتفق أحيانا مع النص العبري المأخوذة عنه
أصلاً وأحيانا مع الترجمة اليونانية، وأحياناً تختلف عن العبرية أو عن السبعينية
في كونها ليست نقلاً حرفياً، كما تختلف أحياناً عن الاثنتين. وبالرغم من بعض
الاختلافات بين النسخة السامرية والنسخة العبرية الماسورية، إلا أن أغلب هذه
الاختلافات هي أخطاء في النسخ لا تمس أي حقيقة جوهرية واختلافات في فهم بعض معاني
الكلمات مثل كلمة ” روح ” في العبرية التي وردت في بداية سفر التكوين:
وروح الله يرف على وجه المياه
(تك1: 2)، والتي تعنى ” روح ” كما تعنى ” رياح ” فنقلتها
السامرية ” رياح ” بينما التزمت الترجمات الأخرى بترجمتها ” روح
” كما تدل على ذلك القرينة وسياق الكلام، الذي يتكلم عن عمل الله الخلاق.

 ولكن هناك بعض الأخطاء التي ترجع إلى تغييرات
مقصودة لتأييد بعض عقائدهم مثل تغيير عيبال إلى جرزيم (تث 27: 4). ولكن لا ننسي
أنها مأخوذة عن النص العبري الذي هو الأصل وأن التوراة السامرية كانت بين يدي أناس
حاولوا تثبيت عقيدتهم من جهة مكان هيكل عبادتهم في جبل جرزيم. كما أن أقدم
مخطوطاتها لا ترجع لأكثر من القرن الثاني عشر أو الحادي عشر بعد الميلاد وأن النص
العبري هو الأصل والذي تزيد مخطوطاته في القدم عن السامرية بحوالي 1400 سنة وكلما
كانت المخطوطات أقدم كلما كانت أقرب إلى الأصل، كما أثبتت اكتشافات قمران أن
التوراة السامرية منقولة، أصلاً، عن قراءة عبرية متنوعة وجد نموذج لها في مخطوطة
لسفر الخروج (خر ب 4ق) بالعبرية القديمة، ومخطوطة أخرى لسفر العدد (عد ق 4ق) بالخط
المربع، الآرامي(14).

 كما أن الترجمة اليونانية السبعينية هي ترجمة عن
الأصل العبري والاختلاف بينهما راجع لأنها ترجمة تفسير تنقل المعنى أكثر ما تنقل
الكلمة حرفياً، وعلى سبيل المثال ما جاء في (تك10: 49) قوله ” لا يزول قضيب
من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون (شيلوه) وله يكون خضوع شعوب
” أي المسيا الآتي، وقد وردت العبارة الأخيرة في الترجمة اليونانية ” وإياه
تنتظر الأمم
(أو تتوقع الأمم) –
he is the
expectation of nations

“، والنص اليوناني يترجم معنى العبارة ويضعها في قالب تفسيرى يركز على عقيدة
المسيا الآتي، المسيح المنتظر، دون المساس بجوهر العقيدة.

 

(1)
الرازي ج 4: 212.

(2)
ابن كثير ج 2: 441.

(3)
ابن عطية 2: 44.

(4) Davidson, The
Hebrew Text of the Old Testament, p89.

(5) Kenyon, Our Bible and the Ancient
Manuscript, p43.

(6)F F Bruce,
the Books and the Parchments, p117
.

(7) Kenyon.
p38
.

(8) Geisler,
Baker Encyclopedia of Christian Apologetics, p552.

(9) Josephus, Against Ebion.
1: 8.

(10) جاء في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية
للأستاذ عبد الوهاب المسيري: ” ” التلمود ” كلمة مشتقة من الجذر
العبري ” لامد ” الذي يعني الدراسة والتعلم كما في عبارة ” تلمود
توراه “، أي ” دراسة الشريعة”. ويعود كل من كلمة ” تلمود
” العبرية وكلمة ” تلميذ ” العربية إلى أصل سامي واحد. والتلمود من
أهم الكتب الدينية عند اليهود، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، أي تفسير
الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة)… وهناك تلمودان: (1) التلمود الفلسطيني:
وينسبه اليهود خطأً إلى أورشليم (القدس) فيقولون ” الأورشليمي.
(2) والتلمود البابلي: وهو نتاج الحلقات التلمودية (أكاديمية – يشيفا) في
العراق (بابل)، وأشهرها سورا ونهاردعه وبومبديثا. ويُعرَف هذا التلمود في حالات
نادرة جداً باسم ” تلمود أهل الشرق”.

(14) وهي الآن
محفوظة في مجمع نابلس ولكن بسبب بعض الكوارث أصاب التلف الجزء الأكبر من المخطوطة،
ولم يبق من المخطوطة القديمة سوى الإصحاحات الثلاثة الأخيرة من سفر العدد مع كل
سفر التثنية. وأقدم النسخ الموجودة من التوراة السامرية عليها ملحوظة بمبيعها في
1150م، ولكن الأرجح أن المخطوطة نفسها أقدم من ذلك ببضعه قرون. وتوجد مخطوطة
مكتوبة في 1204م، بينما توجد مخطوطة أخرى ترجع إلى 1211/1212م محفوظة في مجموعة
مكتبة إيلندز في مانشستر، وأخرى ترجع إلى 1232م في المكتبة العامة بنيويورك. دائرة
المعارف الكتابية ج 4: 323.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار