المسيحية

نظرة إلى القرآن



نظرة إلى القرآن

نظرة
إلى القرآن

الفهرس

تمهيد

القرآن وحي عربي للكتاب

مبادىء الدراسة

1- الرجوع إلى نصّ القرآن

2- البحث عن المعنى الروحي

3- خط الله التربوي المعتمد في الوحي

 أ- عن الذبائح

 ب- عن الزواج

4- وحدة الوحي

 أ- وَضع الوحي في إطار زمنه وبيئته

 ب- الجدل بالتي هي أحسن

نقاط الجدل

1- الله واحد في أقانيم ثلاثة

2- المسيح ولقب “ابن الله”

3- الوهية المسيح

4- صلب المسيح

5- “تزوير” التوراة والإنجيل

 أ- البراهين القرآنية على صحّة الكتاب

 ب- البراهين العلمية على صحة الكتاب

“إنجيل” برنابا

هل من آيات قرآنية عن التزوير؟

6- سيرة النبي محمد

 أ- أزواج النبي محمد

 ب- أهم حروب النبي محمد

أهم نقاط الإلتقاء

1- المسيح

2- العذراء مريم

3- المائدة السماويّة

4- الروح

دعوة إلى التفكير

1- الرسالة إلى هرقل

 أ- يؤتيك الله أجرك مرتين

 ب- إثم الأريسيين

2- لجوء المسلمين إلى الحبشة

الخاتمة

 

تمْهيد

 يعتقد
معظم الناس أن هناك خلافاً بين القرآن والكتاب، والحقيقة هي أن الوحي واحد في
الكتاب المقدّس والقرآن الكريم. فالذي أنزل الوحي الكتابي، أي التوراة والإنجيل،
هو الذي أنزل الوحي القرآني مصدّقاً له. الخلاف ليس في الوحي، بل بين مفسّريه.
فيقول الله في القرآن الكريم: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب (التوراة والإنجيل)
آمنوا بما نزّلنا (القرآن) مُصدّقاً لما معكم) (النساء 47).

هذا
الكتاب دراسة موجزة للمفهوم الأصلي للوحي الإلهي. تدعو تلك الدراسة إلى الإنفتاح
بإيمان على القرآن الكريم، ومنه على الإنجيل والتوراة اللذين يصدّق عليهما القرآن.
إنها نظرة إيمان بالوحي إجمالاً، تهدف إلى توحيد المؤمنين بتوحيد الوحي الكتابي –
القرآني، أو بالأحرى إلى اكتشاف وحدة الوحي الموجودة أصلاً بين نصوص التوراة
والإنجيل والقرآن الواردة إلينا اليوم، إذ أن القرآن يؤكّد أنه لسابقيه (مصدّقاً)
لا ناقضاً، ويشهد أن الإله الذي أوحى الكتاب هو نفسه الذي أوحى القرآن. فجاء في
سورة العنكبوت:

 

إلهنا
وإلهكم واحد ونحن له مسلمون (العنكبوت 46).

 رغم
ذلك، فإنّنا نجد الطوائف الدينيّة قد فرّقت المسيحيّين والمسلمين بتقاليدها
الموروثة جيل بعد جيل. لم يتوقف هذا التمزّق إلى حدّ الطوائف الإسلاميّة
والمسيحيّة، ولكنه أصاب كلاًّ من هاتين الطائفتين مُفرّقاً بين المسيحيّين وبعضهم
البعض والمسلمين وبعضهم البعض. لذا، أرجو القارئ الكريم أن ينفتح على مضمون كتابي
هذا بموضوعية، مُرتفعاً عن ذهنيّة الطائفة التي ينتمي إليها وعن كل ذهنيّة طائفيّة
ضيّقة، لأن هدف هذه الدراسة هو التخلّص من روح الطائفيّة والعنصريّة الدينيّة التي
اندسّت فينا جميعاً بلا وعي منّا. ولا يمكننا التخلّص من تلك الروح الشرّيرة إلاّ
بواسطة المعرفة، معرفة حقيقة ما جاء في الوحي. تلك المعرفة هي وحدها الكفيلة
بتحريرنا من براثن التقاليد والأفكار المنحرفة عن تعاليم الكتاب والقرآن.

ولقد
مرّت تلك التقاليد والتعاليم الفاسدة في شرايين الناس مع مرور الزمن، فتوارثوها
إبناً عن أب، وتقبّلوها دون البحث في صحّتها، وتشبّثوا بها، وقتلوا من أجلها
وكأنها حقيقة مطلقة لا تُمسّ، دون التأكد من أصالتها. وكلنا شكا منها وبكى وتعذّب.
وليس فيها من الصحة والأصالة شيء.

 

 لذلك،
لا بد من الإقتناع بأن على المؤمن الرجوع إلى الكتاب والقرآن للتأكّد من صحة أو
خطأ الشائعات التي يروّجها البعض لإثارة الفتن كما يقول القرآن: (الذي أنزل عليك
الكتاب منه آيات محكمات هنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ متشابهاتٌ فأمّا الذين في قلوبهم
زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله (تفسيره) وما يعلم تأويله
إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به (بالقرآن) كلّ من عند ربّنا وما
يذكّر إلاّ أولوا الألباب) (آل عمران 7).

 

لقد
احتكر بعض الرؤساء الدينيّين حق تفسير الوحي، وليس الوحي حكراً لأحد من البشر.
إنما التأويل عند الله، (لا يعلمه إلا هو)، وهو الذي (يهدي به من يشاء من عباده)
(الشورى 52). فلقد حرّم العلماء الدينيون اليهود على سواهم تفسير التوراة، رافضين
الإعتراف للناس بحقّهم في فهم نبوءاتها إلاّ بفتوى منهم. وهم حتى الآن يرفضون
تطبيق تلك النبوءات الواضحة على السيد المسيح يسوع.

 

 ويحتكر
أيضاً علماء ورؤساء مسيحيون كثيرون حق تفسير الإنجيل، رافضين تطبيق نبوءاته
الصريحة ضد الكيان الإسرائيلي الظالم الدجال من جرّاء التزامهم مع الإسرائيليين
والصهيونية العالمية. هذا الموقف المُنحاز مُذنب فهو شهادة ضدّ السيّد المسيح
وتعاليمه، خاصّةً وأنّ يوحنا الإنجيلي قد فضح الإسرائيليّين على أنّهم هم المسيح
الدجّال (
Antichrist) الذي ينكر أنّ يسوع هو المسيح (1 يوحنا 2: 22).

 

وكذلك
أيضاً هناك رؤساء وعلماء مسلمون كثيرون يحتكرون تفسير القرآن ويأتون بتأويل من
عندهم، لا من عند الله، تظهر فيه روح التعصّب والتفرقة التي أشرنا إليها، وهم
يمنعون سواهم من فهم آيات القرآن إلاّ بفتوى منهم، وهم عن مقصود الله بعيدون كل
البعد. إذ أنّهم توقّفوا عند (المُتشابهات) وأساؤوا تفسيرها (بُغية الفتنة[.

 

 إنّ
القرآن يفرض على المؤمن أن يجادل في الله من منطلق معرفة كتب الوحي المنيرة، فقد
أوحاها الله تعالى للهُدى. فعلى المرء أن لا يتّبع عشوائياً كل قول شيطاني يُثير
الفتنة وشق الصف، بدون العودة إلى كتاب الوحي المنير: (ومن الناس من يجادل في الله
بغير علم ويتّبع كل شيطان مريد..) (الحج 3)، (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم
ولا هدى ولا كتاب منير) (الحج 8).

لذلك
نستعين بكتابين منيرين في جدلنا، هما الكتاب والقرآن، لَئلاّ نبني إيماننا على
رمال متحرّكة كالشائعات، فنصبح ضحية (كل شيطان مريد) متعصّب. نريد إيماننا راسخاً
على صخرة المعرفة واليقين، ومُنشرحاً كونه مُستنيراً ومُستوحى من نبع الوحي الإلهي،
لا من أقوال وتقاليد بشرية مَحْضة، سنحاسب عليها، لأن لا أساس لها في الكتب
المنيرة، ولذلك وجدناها قد أفلست في نتائجها، فمنحت ثمارها الباطلة التي فرّقت بين
الأخوة. وقد أراد الله جمع شمل عياله بوحيه، لا تشتيتهم بتقاليد هو منها برّاء.

 

 (رب
اشرح لي صدري) (طه 25). ولن ينشرح الصدر إلاّ بالتخلّص من وطأة الإيمان الجاهل،
وهو الإيمان التقليدي المتحجّر. إذا أردنا الخلاص، فلا بدّ من التخلّص من الإيمان
الجاهل الباطل واعتناق الإيمان الحقيقي المَبني على المعرفة، معرفة كتب منيرة
ترشدنا لنجادل في الله بعلمٍ وهدى.

 

إننا،
إذا أردنا استيعاب روحانية الإسلام الأصلية، علينا أن ندرك الهوّة العميقة التي
تفصل بين القرآن وبين مسلمين كثيرين، لا تساويها سوى الهوّة الفاصلة بين الإنجيل
والمسيحيين، والأخرى الفاصلة بين التوراة واليهود. إنّ حافري تلك الهوّة هم دعاة
التقاليد والطقوس الذين رفعوا شعار التراث الديني. إنهم، للحفاظ على هذا التراث
المادي البشري، نسوا أو يتناسون أن الله روح، وأنه يريد أن يتقرّب منه عباده
“بالروح وبالحق” كما قال المسيح (إنجيل يوحنّا 24: 4)، لا بطقوس وتقاليد
من اختراع الإنسان.

 

 قال
النبي محمد في أحاديثه الشريفة: “سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن
إلاّ رسمه، ومن الإسلام إلاّ اسمه، يسمّون به وهم أبعد الناس عنه”. وقال المرحوم
الشيخ محمد عبده في هذا المضمار: “جلّ ما تراه الآن مما تسمّيه إسلاماً فهو
ليس بإسلام، وإنما حُفظ من أعمال الإسلام صورة الصلاة والصوم والحج ومن الأقوال
قليلاً منها حُرّفت عن معانيها. ووصل الناس بما عرض على دينهم من البدع والخرافات
إلى الجمود الذي ذكرته وعدّوه ديناً نعوذ بالله منهم ومما يفترون على الله ودينه.
فكل ما يُعاب الآن على المسلمين ليس من الإسلام وإنما هو شيء آخر سمّوه
إسلاماً” (كتاب “الإسلام والنصرانية”).

 

ولقد
تساءل السيد المسيح، وهو يكلّم تلاميذه عن عودته في آخر الزمان، إن كان سيجد حينئذ
“إيماناً على الأرض” (إنجيل لوقا 8: 18)، وحذّرنا قائلاً إن محبة الله
ستزول من قلوب الناس من كثرة الظلم والإثم في آخر الزمان (إنجيل متّى 12: 24).
لذلك أنذر المؤمنين قائلاً: “ليس كل من يقول لي: يا سيد، يا سيد! يدخل إلى
ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات. كثيرون (من المؤمنين
الكذبة) سيقولون لي في ذلك اليوم (إذ يروني ثائراً عليهم): “يا سيد، يا سيد،
أليس باسمك تنبّأنا، وباسمك أخرجنا الشياطين، وباسمك صنعنا خوارق كثيرة؟! فحينئذٍ
سأقول لهم وجهاً لوجه: إنّي لم أَعْرَفكم يوماً، إبعدوا عني أيها الظالمون” (متّى
22: 7).

 

 ويؤكد
أيضاً الرسول بولس في الوحي الإنجيلي أنّ “في آخر الأيام، ستأتي أزمنة صعبة،
لأن الناس سيكونون أنانيين، محبّين للمال، متغطرسين، مجدّفين، كافرين، بلا قلب،
بلا نزاهة، لهم صورة التقوى لكنّهم ينكرون ما يجعل قوّتها” (رسالة بولس
الثانية إلى تيموثاوس 1: 3-5).

 

 هكذا،
أينما سألنا الوحي الإلهي، وجدناه يحذّرنا مما يتمسّك به أكثرية المؤمنين من
ممارسات سطحيّة لا جدوى منها لاسترحام المولى الديّان الذي لا تناله منّا إلاّ
التقوى والمحبة ومعرفة الحق والإنصاف.

 

إننا
نجد في الوحي الإنجيلي مقياساً للإيمان في آخر الأزمنة. هذا المقياس هو
“وحش” تنبّأ بظهوره الرسول يوحنا في كتاب الرؤيا. هذا الوحش هو
“المسيح الدجّال” الذي تتجسّد فيه قوى الظلم. يظهر هذا الوحش الظالم في
فلسطين حيث يحشر جماعته وجيشه من زوايا الأرض الأربع للحرب. مقياس الإيمان هو في
درجة حماس الإلتزام لمحاربة الوحش. فكلّما ازداد إيمان المرء ووعيه الروحي، كلما
ازداد حماساً واستمات في مقاومة الوحش ومحاربته. أما حيث الإيمان ضعيف أو معدوم،
فنجد الناس لقوّة الوحش مُستسلمين وقائلين: “من يستطيع أن يحارب الوحش؟!..”
(رؤيا 4: 13). ويبشّر الوحي الإنجيلي المؤمنين بانتصارهم على الوحش الدجّال.

 

 لقد
كشفت في كتابي “كشف سفر الرؤيا” عن هويّة هذا الوحش، وبيّنت أنه الكيان
الإسرائيلي الدجّال، الذي حشر جيوشه الصهيونية من زوايا الأرض الأربع للحرب في
فلسطين. في هذا الكيان الإسرائيلي المزيّف، الذي تأسّس على الظلم والجريمة، تتجسّد
فعلاً قوى الظلم والشر. مصيره الفناء.

 

 إنّ
المؤمنين الحقيقيين اليوم هم الذين يَعون هوية الوحش، وأنه “الشر
المطلق” كما أعلنه بصراحة سماحة الإمام العلامة موسى الصدر، الذي قال أيضاً
أن “التعامل مع إسرائيل حرام”. إنّ المؤمنين اليوم هم الذين يثورون على
عدوّ الله المتمركز في فلسطين بعد احتلال كل سعة أرضها، وفاض منها ظلمه إلى جنوب
لبنان.

 

 إنّ
مقياس الإيمان اليوم هو محاربة إسرائيل. هذا هو المِحَكّ الرهيب الذي وضعه الله في
العالم، دينونة للضالّين المتعاملين معها، وبركة أبديّة للشرفاء وأهل الكرامة
السائرين في الصراط المستقيم بمحاربتها. إن الوحدة بين المؤمنين كافة تتم اليوم
بوحدتهم ضد عدو الله: إسرائيل. إنّ الكفاح ضدّ الكيان الإسرائيلي هو بمثابة
معموديّة جديدة.

 

 وقد
تنبّأ الوحي القرآني أيضاً بظهور (دابّة) في (يوم الحشر) في آخر الأزمنة (وإذا وقع
القول عليهم أخرجنا لهم دابّةً من الأرض تكلّمهم أنّ الناس كانوا بآياتنا لا
يُوقنون) (سورة النمل 82). هذه الدّابة هي وحش الرؤيا (فصل 13 و17). وتنبّأ النبي
محمد في أحاديثه الشريفة عن المسيح الدجّال وجماعته الذين يظهرون في آخر الزمان في
فلسطين، قادمين إليها “من كل حدبٍ ينسَلون” – كما أتى إليها اليهود من
كلّ جهة – ويعبرون بحيرة طبريّا التي بفلسطين. ويقول النبي محمد إن هذا الدجّال
سيضلّل مؤمنين كثيرين، إنما المؤمنون الحقيقيون سيقاتلونه وبالنهاية ينتصرون عليه.
إنني قد بيّنت في كتابي “المسيح الدجّال في الإسلام” صلة هذا المسيح
الدجّال بالكيان الإسرائيلي الدجّال، مُستشهداً بالأحاديث النبوية الشريفة، وكلها
ورادة في كتاب الشيخ صبحي الصالح “منهل الواردين”.

 

قلت
إن تعاليم باطلة كثيرة اندسّت في صفوف المؤمنين، وباتت تقاليد راسخة لا تمسّ، ولا
يُشكّ فيها، ولا يُبحث في أمرها. منها نظرة بعض المسيحيين إلى القرآن على أنه
يخالف الإنجيل، ونظرة بعض المسلمين إلى الإنجيل وكأنه “مزوّر”، أو كأن
هناك تناقضاً بين الأناجيل الأربعة المكوّنة للبشرى الإنجيلية. وهناك من يظن أن
الإنجيل غير موثوق به لأنه كُتب بعد صعود المسيح، وكأن قدرة الله على الوحي مقيّدة
بزمن أو بمكان. كل هذه الأفكار الباطلة تدل على جهل من يُروّجها ومن يُصدّقها، وهي
ليست من وحي الله، والإنجيل منها برّاء، ويُعارضها القرآن معارضة تامة.

 

 أردت
في دراستي هذه الدخول إلى عالم الوحي من باب القرآن، ومنه إلى الكتاب، لنكتشف أن
الوحي فيهما واحد، فلا داعي للخلاف بين الذين يؤمنون بأحدهما؛ والإيمان بأحدهما
دون الإيمان بالآخر، موقف غير منطقي وغير مبارك من الله الذي أوحى بهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار