تأملات كتابية

نأمة (أنين تَعَدًّ) معصية الشرير في داخل قلبي أن ليس خوف الله أمام عينيه – مزمور 36

نأمة (أنين تَعَدًّ) معصية الشرير في داخل قلبي أن ليس خوف الله أمام عينيه [ في أعماق قلب الشرير تهمس المعصية: لا تضع مخافة (تقوى) الله أمام عينيك ]
لأنه ملق (تملق) نفسه لنفسه من جهة وجدان إثمه وبغض. [ فيحلو ذلك في نظره ويجد إثمه أهلاً للمديح ]
كلام فمه إثم وغش كف عن التعقل [ يُهمل التعقل ] عن عمل الخير.
يتفكر بالإثم على مضجعه يقف في طريق غير صالح لا يرفض الشر [ لا يرفض أن يفعل الشر ].
يا رب في السماوات رحمتك أمانتك إلى الغمام.
عدلك مثل جبال الله [ الجبال الشامخة ] وأحكامك لُجَّة [ غمر ] عظيمة الناس [ البشر ] والبهائم تخلص يا رب.
ما أكرم رحمتك يا الله فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون.
يروون من دسم بيتك [ يشبعون ] ومن نهر نعمك تسقيهم.
لأن عندك ينبوع الحياة بنورك نرى [ نُعاين ] نوراً.
أدم رحمتك للذين يعرفونك و عدلك للمستقيمي القلب.
لا تأتني رجل الكبرياء (لا تدع قدم التكبر تأتي إليَّ) ويد الأشرار لا تزحزحني [ عنك ] .
هناك سقط [ يسقط كل ] فاعلو الإثم دحروا (طُرِحوا أرضاً ارتموا) فلم يستطيعوا القيام – مزمور 36

الإنسان كائن حي، ليس من ذاته بل بنفخة الله، وهو مكوَّن من النفس والجسد، وقيامة وسقوطه يأتي من الاثنين معاً (أي من الجسد والنفس)، فسر ثبات الإنسان في خبرة قيامته مع المسيح بالمعمودية وتجديدها بالتوبة هو التقوى أي مخافة الله أمام عينيه، فقداسة الجسد تتحقق بطرد الرغبات الوضيعة والابتعاد عن الأعمال التي لا تتفق مع حياة التوبة ووصية الله المُعلنة في الكتاب المقدس، بينما قداسة النفس تتحقق بسلامة الإيمان بالله بدون إضافة أو حذف مما أعلنه لنا الله بفمه الطاهر ومن خلال أنبياءه وقديسيه.

+ فالتقوى تذبُل وتفسد بواسطة دنس الجسد ونجاسته، والمحبة تبرد بسبب العبث بالإثم وعدم التحفظ، كما أن الضلال عندما يتسلل إلى النفس يُجمدها ويلوثها فتفقد سلامها وتنعزل عن الله بفكر مظلم يخلق إله وهمي يعبده الإنسان، إذ قد صنعه بفكره الخاص حسب الضلال المُخيم على فكره الذي انطفأ النور فيه لأنه لم يحفظ الإيمان المُسَلَّم من القديسين عبر العصور.
+ وعلى العكس من ذلك فإن التقوى تحفظ بهائها وجمالها يزداد رونق، طالما أن النفس تُوجد في الحق [ المسيح الرب : أنا هو الحق ] والجسد يحتفظ بالنقاوة [ بقوة كلمة الله وعمله في داخل القلب الذي ينضح على الجسد ويظهر فيه ]، وطالما الإنسان يسعى بكل جهده أن يطلب الطبيب الشافي فأنه يُشفى من كل أوجاعه بقوة الرب الذي هو النور الحقيقي والقيامة والحياة:
[ ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة ] (يو 8: 12)
[ أنا قد جئت نوراً إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة ] (يو 12: 46)
[ ويكون نور القمر كنور الشمس ونور الشمس يكون سبعة أضعاف، كنور سبعة أيام في يوم يجبر الرب كسر شعبه و يشفي رض ضربه ] (اش 30: 26)
فالرب [ يشفي المنكسري القلوب ويُجَبَّر كَسرِهم ] (مز 147: 3)، [ وكان يسوع يطوف كل الجليل يُعَلِّم في مجامعهم ويُكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب ] (مت 4 : 23)،
[ إن المسيح أتى من السماوات ليشفينا من الأمراض المستعصية، والتي ما كان لنفوسنا أن تُشفى منها بدونه ] (العلامة أوريجانوس)

فأي فائدة – يا أحباء الله – أن يعرف الإنسان الحق بالكلام وهو لا يزال يلوث الجسد ويُسلَّمهُ للأعمال التي لا تتفق مع الوصية وروح الإنجيل ؟ وما الفائدة من قداسة الجسد لو أن الحق غير موجود في النفس ؟
لأن النفس والجسد يقودا الإنسان إلى حضرة الله، لذلك يقول الروح القدس على فم داود النبي مرنم إسرائيل الحلو والملهم من الله وفي أول المزامير ورأسها [ طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس لكن في ناموس الرب مسرته ] (مزمور1)

إذن كل من لا يعبد الله الكائن بذاته بالتقوى في الإيمان العامل بالمحبة يُحسب من الأشرار الذين يبغضون النور ويحبون الظلمة، لذلك يستحيل عليهم جداً أن يُعاينوا الله أو يدركوه، لأن الظلمة لا تستطيع أن تفهم النور لأنها حتماً تهرب منه وتتبدد [ والنور يُضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه ] (يو 1: 5)، [ وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة ] (يو 3: 19)
والخطاة هم الذين، بالرغم من أنهم يملكون معرفة الله فأنهم لا يحفظون وصاياه بل يستهينون بها، وتتحول لهم التقوى تجاره ومظهر خارجي باطل يُرضي الناس ولكنه يجعل الله يحجب وجهه ويتحول بعيداً عنهم، ويقولون ويظهرون بأعمالهم الشكلية أن لهم شركه معه: [ إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق ] (1يو 1: 6)، بل قد يصل البعض منهم إلى أنه يثق أنه قائداً للخطاة لطريق الحياة [ وتثق أنك قائد للعُميان ونور للذين في الظلمة ] (رو 2: 19)، فيشغل منصب المُعلمين فيفسد عقول البسطاء ويسبيهم بغرور الذات نحو الطريق المعوج بعيداً عن الله والنور الحقيقي، ويعوزهم توبة حقيقة سريعة مع إيمان واعي أن المسيح الرب قد أتى [ ليُضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام ] (لو 1: 79)

ولكي لا نتعرض لهذه الأمور ونُشفى منها – إن كنا مصابين بهذا الداء – لا بدَّ من أن نتمسك بقانون الإيمان الثابت ونحفظ في إيمان حي عامل بالمحبة وصايا الله، ونتقي الرب ونهابه ونحبه كأب.
وحفظ الوصايا يأتي نتيجة للإيمان، لأن [ إن لم تؤمنوا فلا (فلن) تفهموا ] (إش7: 9 س)، فالحق يمنح الإيمان، لأن الإيمان مؤسس على الأمور المُعلنة في الحق، ونحن نؤمن بما هو حقيقي كما هو في الواقع الحادث والمُعلن لنا في القلب بالروح القدس، فإيماننا إيمان خبرة، إيمان رؤية وسمع ولمس [ الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه و لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة ] (1يو 1: 1)، وهذا الإيمان يؤدي للشركة في الواقع اليومي المُعاش: [ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا وأما شركتنا نحن فهي مع الآب و مع ابنه يسوع المسيح ] (1يو 1: 3)

[ إذن ، طالما أن خلاصنا يعتمد على الإيمان، فمن الضروري أن نبذل كل اهتمام لحفظ هذا الإيمان (في القلب والفكر مترجماً عملياً في حياتنا كسلوك وحياة)، وأيضاً كي يكون فهمَنا لهذا الإيمان صحيحاً وحقيقياً ] (القديس إيرينيوس – عن كتاب الكرازة الرسولية فقرة 3)…

وليس أمامنا اليوم سوى أن نتوب ونرجع للرب فنُشفى من كل مرض داخلي ونحيا أتقياء مُزينين بكل زينة الروح السماوي ليكون لنا نصيباً مع كل القديسين في النور والحياة للأبد في ملكوت لا يتزعزع ليس فيه شبه ظلمه، لأن الله النور والحق والحياة هو شمسه الخاص…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار