المسيحية

ميزات المسيح الخاصة الذاتية



ميزات المسيح الخاصة الذاتية

ميزات
المسيح الخاصة الذاتية

في
التعريف بالمسيح يقول: (إنما المسيح.. كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) النساء
170. انه (ابن مريم) ؛

وانه
أيضا مسيح الله، وكلمة الله، وروح منه تعالى. ففي تفسيرها كما فهموها سر شخصية
المسيح في ذاته السامية.

 

انه
مسيح الله

لقد
أبدع المفسرون في إيضاح هذا الاسم الكريم.

1)
قال البيضاوي: (سمي كذلك لأنه مسح بالبركة)
ولم يمسح غيره من المخلوقين ببركة الله مسحا ؛ فكان هو مسيح الله.

أو
(مسح بما طهره من الذنوب)
ولم ينل أحد هذه العصمة الفعلية من الذنوب، فهو مسيح الله
المعصوم.

او
(مسحه جبريل صونا له من مس الشيطان)
ولم ينل أحد من العالمين ولا من المرسلين هذه العصمة الأصلية من
كل شر أو إثم. فهو مسيح الله المعصوم على الإطلاق.

او
(مسح الأرض ولم يقم في موضع)
وهذا عمل اقرب إلى فعل الخلق منه إلى عمل المخلوق. فهو المسيح على
الإطلاق لدى الله.

 

2)
قال الرازي، مستجمعا جميع ما قيل في تفسيره: (قال ابن عباس: إنما سمي (مسيحا) لأنه
ما كان يمسح بيده ذا عاهة إلا برئ من مرضى)
وهذه قدرة إلهية فوق طاقة المخلوق.

وقال
احمد بن يحيي: (لأنه كان يمسح الأرض، أي يقطعها في المدة القلية)
وهل يقوى بشر على ذلك؟.

 (لأنه
كان يمسح راس اليتامى لله تعالى)
فمسحته تقديس لله.

 (لأنه
مسح من الأوزار والآثام)
فهو وحده المعصوم على الإطلاق كما يدل عليه اسمه (مسيح الله).

 (لأنه
مسحه جبريل بجناحه وقت ولادته ليكون له ذلك صوناً من مس الشيطان)
فهو وحده مسيح الله، لا سلطان للشيطان عليه، فهو فوق قدرة سلطان
الظلمة.

 (لأنه
خرج من بطن أمه ممسوحا الدهن)
فمسيح الله يمتاز عن كل مولود حتى بالمحسوسات.

فالسيد
المسيح يدل اسمه على العصمة، وعلى القدرة الإلهية، وعلى القداسة الذاتية، التي
تجعله في ذاته اقرب إلى الخالق منه إلى المخلوق ؛ فهو وحده مسيح الله. فترى كم
مسحة المسيح ترفعه بلا مقابلة فوق مسحة النبوة ؛ وترفعه فوق المخلوق إلى صلة خاصة
ذاتية بالخالق.

 

انه
كلمة الله

قد
استجمع الرازي تفاسيرهم بقوله (على ال عمران 39):

1)
(سمي
عيسى (كلمة الله) من وجوه: انه خُلق بكلمة وهو قوله (كن) من غير واسطة الأب، كما
يُسمى المخلوق خلقاً، وهو باب مشهور في اللغة
لو صح ذلك لكان آدم أولى بالاسم ؛ لكنه علم مختص بالمسيح وحده
دليلا على ذاته.

 

2)
(انه تكلم في الطفولية، واتاه الله الكتاب في زمن طفوليته فكان في كونه متكلما
بالغاً مبلغاً عظيماً ؛ فسمي (كلمة) أي كاملا في الكلام) – فالأعجاز فيه صفة
ذاتية، لا في المنزل إليه فقط. وهذا الأعجاز الكامل في الكلام برهان ذاته.

 

3)
(ان الكلمة كما انها تفيد المعاني والحقائق، كذلك كان عيسى يرشد إلى الحقائق
والأسرار الإلهية، كما يسمي القرآن روحا)
لميسمِ القرآن روحا، إنما التعبير (أوحينا لك روحا من امرنا)
الشورى 52 أي ملاكا جاءه في رؤيا حراء، كما تدل الآية السابقة على طرق الوحي
الثلاث. فالمسيح بصفة كونه (كلمة الله) كان (يرشد إلى الحقائق والأسرار الإلهية)،
فهو يعرف غيب الله ويكشفه لعباده. وعلم الغيب صفة إلهية يتمتع بها المسيح لأنه
(كلمة الله).

 

4)
(لأنه حقق كلمة بشارة الأنبياء به، كما قال (وحقت كلمة ربك)
وحده بشر به الأنبياء، وهو وحده حقق بشارتهم به، فهو (كلمة ربك)
في سيرته ورسالته، كما هو (كلمة الله) في ذاته.

 

5)
(ان الإنسان يسمى (فضل الله) و(لطف الله)، فكذا عيسى عليه السلام كان اسمه العلم
(كلمة الله) و(روح الله)
ولكنه اسم علم من الله نفسه، لا من البشر: (إذ قالت الملائكة: ان
الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) ال عمران 45. وعندما يُنزل الله
اسما على شخص فهو دليل على ذاته، وليس فقط على العلمية.

 

6)
أضاف الرازي (على ال عمران 45: (سمي (كلمة الله) كأنه صار عين كلمة الله الخالقة
له بوجوده المعجز)

وهذا برهان أعجازه في ذاته: انه كلمة الله عيها.

 

7)
أو (لأنه إبان كلمة الله افضل بيان)
وهذا برهان أعجازه في كلامه، لا في التنزيل إليه فقط ؛ وأعجازه
غير يقتصر على التنزيل.

 

لكن
كل تلك التفاسير قاصرة، بسبب الترادف بين (كلمته) وبين (روح منه) أي (روح صدر منه)
تعالى البيضاوي. لذلك استدرك الرازي وقال: (اعلم ان كلمة الله هي كلامه. وكلامه
على أقوال أهل السنة: صفة قديمة قائمة بذاته).

لكن
الرازي يرفض هذه النتيجة الحتمية لأنها برهان إلهية (كلمة الله) ؛ وكان عليه ان لا
ينسى مرادفها: (روح منه).

فالمسيح
هو (كلمة الله) أي (عين كلمة الله) وهي (صفة قديمة قائمة بذاته) تعالى. هذا منطوق
الاسم الكريم، كما ورد في الإنجيل بحسب حرف البشير يوحنا 1: 1-4 ؛ والقرآن (تصديق
الذي بين يديه) (قبله) وتفصيل الكتاب) يونس 36.

فإن
تشابه الاسم في القرآن، (فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك). لكن القرآن يرفع
التشابه بالجزم ان (كلمة الله) هو (روح منه) تعالى.

 

انه
روح منه تعالى

يبلغ
التشابه ذروته في القرآن، في تعبير (الروح). نرى أولا الواقع القرآني في تعابير
الروح ؛ ثم ندرس تفاسيرهم لقوله (روح منه).

1)
تعابير (الروح) في القرآن متعددة متنوعة

قد
ياتي تعبير (روح) على أسلوب ما بين المجاز والحقيقة في موضعين: (أولئك كتب في
قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه) المجادلة 22 أي (بنور) الجلالان.

وقال
يعقوب لبنيه: (يا بني اذهبوا فتجسسا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من روح الله، انه
لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) يوسف 87 ؛ هنا روح الله يعني (رحمته)
الجلالان.

وقد
يكون التعبير كناية عن الملائكة الحفظة الذي وكلهم الله بحراسة البشر.

وقد
يأتي التعبير كناية عن روح الإنسان، كما في قوله: (وأذ قال ربك للملائكة: اني خالق
بشر من صلصال من حمإ مسنون: فإذا سويته ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين) الحجر
38 و39 ؛ ص 7؛ وقوله: (ونفخ فيه من روحه) السجدة 9.

 

وقد
يأتي كناية عن ملاك الوحي الذي أوحى إلى النبي العربي في غار حراء: (قل: نزله روح
القدس) النحل 102 ؛ (نزل به الروح الامين) الشعراء 193 ؛ (أوحينا إليك روحا من
امرنا) الشورى 52. فالروح الامين، روح القدس، هو روح من أمر الله أي مخلوق، هو
جبريل نفسه بحسب تصريحه: (قل: من كان عدوا لجبريل، فإنه نزله على قلبك بإذن الله، مصدقا
لما بين يديه، وهدى وبشرى للمؤمنين) البقرة 97. وقد سمي جبريل (روح القدس) على
الإضافة إلى (القدس) أي الله، للتشريف ؛ وهو غير قوله في عيسى: (وأيدناه بروح
القدس) البقرة 87 و253 كما سنرى. قيل ان (روحا من امرنا) الشورى 52 قد تعني القرآن
بسبب القرينة (أوحينا إليك روحا من امرنا)، وهذا يتعارض مع الآية السابقة (الشورى
51) التي تفصل طرق الوحي الثلاث: الوحي المباشر مع عيسى، والوحي من وراء حجاب مع
موسى، والوحي بالواسطة، وساطة ملاك الوحي، فهو (روح من امرنا).

 

والروح
هو أيضا الملاك الذي بشر مريم بالمسيح: (فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا)
مريم 16.

وهذا
الملاك نفخ في مريم فحملت بالمسيح: (ونفخنا فيها من روحنا) الأنبياء 91 ؛ فنفخنا
فيه (فرجها) من روحنا) التحريم 12. فقوله: (من روحنا) يعني على الفاعل الملاك
النافخ في مريم ؛ وعلى المفعول الروح المنفوخ في مريم،

كما
سنرى.

ويأتي
الروح على العلمية في صلة مع اللائكة ؛ أولا في الوحي والتنزيل: (ينزل الملائكة
بالروح على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا إله إلا أنا فاتقون) النحل 2 في هذا
التعبير قد يكون (الروح) منزلا الملائكة، على الفاعل ؛ أو منزلا بالملائكة، على
المفعول: فعلى المفعول يعني (الوحي) الجلالان، وعلى الفاعل يكون (الروح) سيد
الملائكة، وهو الأصح.

ثانيا
في ليلة القدر (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أتمر) القدر 4 هنا يظهر
(الروح) متميزا عن الملائكة في قضاء أقدار الله من كل أمر: فمن هو؟ ثالثا في يوم
القيامة (تعرج الملائكة والروح إليه (الله ذي المعارج) في يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة) المعارج ؛ هنا أيضا يتميز الروح عن الملائكة: فمن هو؟

رابعا
في يوم الدين، يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من إذن له الرحمن وقال
صوابا) النبأ 38.

هنا
أيضا يتميز الروح عن الملائكة ويتقدمهم كأنه سيدهم ؛ ومثول (الروح) أمام الخالق
الديان الرحمان لا يتكلم بإذنه، قرينه ظاهرة على ان (الروح) مخلوق، مثل الملائكة
لكن من هو؟؟؟.

 

ويأتي
(الروح) أيضا على العلمية في صلة مع الوحي: (رفيع الدرجات ذو العرش يُلقي الروح من
امره على من يشاء من عباده، لينذر يوم التلاق) غافر
المؤمنين 15 أي يوم القيامة والحشر في (النحل 2) (ينزل الملائكة
بالروح على من يشاء من عباده)، أما في (غافر 15) فالروح وحده يُلقى على الأنبياء،
فكأنه يتميز عن الملائكة: فمن هو؟؟.

 

أخيرا
يأتي (الروح) كذات المسيح، في ثلاثة تعابير: التعبير الأول الصريح القاطع هو في
التعريف المشهور بالمسيح: (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى
مريم وروح منه..
لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله، ولا
الملائكة المقربون) النساء 170-171.

نلاحظ
اولا ان قوله (روح منه) هو مرادف على البدلية من (كلمة الله)، وهذا الترادف يقطع
بان (كلمته) ذات قائمة بنفسها، لا مجرد كلام الله أو أمر الله ؛ وثانيا ان التعبير
(روح منه) وحيد فريد في القرآن لا يأتي فيه إلا بحق المسيح، وسنرى تفاسيرهم لهذا
التعبير، وجوهرها ان كلمة الله بمنزلة (روح منه) تعالى، أي بمنزلة ملاك ؛ لذلك فهو
يجعله مع الملائكة المقربين (عبدا) لله، لا ربا معبودا ؛ مع ان التعبير (روح منه)
يدل على اكثر من ذلك، على صدور خاص من الله ؛ وثالثا ان وصف المسيح بأنه (روح منه)
يكشف معنى كامنا في التعبيرين الآخرين.

 

 التعبير
الثاني: (وأيدناه بروح القدس) البقرة 87 و253 ؛ (وأذ أيدتك بروح القدس) المائدة
110 له معنيان: الظاهر وهو ان (روح القدس) هو غير روح المسيح، وهو الذي يؤيد
المسيح في فعله المعجز ؛ ومعنى باطن وهو ان (روح القدس) في هذا التعبير يعني ذات
روح المسيح. وفسروه: (بروح القدس) أي (بالروح المقدسة، أراد به جبريل، إن روح عيسى
ووصفها به لطهارته
من الشيطان، أو لكرامته على الله تعالى ولذلك أضافها إلى نفسه تعالى، أو لأنه لم
تضمه الأصلاب ولا الأرحام الطوامث
أو الإنجيل ؛ او اسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى)
البيضاوي
(بروح القدس أي بالروح
المقدسة ؛ ووصفها (بالقدس) كما قال (وروح منه) فوصفه بالاختصاص

والتقريب
للكرامة ؛ وقيل: لأنه لم تضمه الأصلاب ولا الأرحام الطوامث ؛ وقيل: بالإنجيل، كما
قال في القرآن (روحا من امرنا) ؛ وقيل باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى
بذكره (الزمخشري)

(في تفسيره أقوال: الأول قال الحسن: القدس هو الله تعالى، وروحه جبريل عليه السلام
؛ والذي يدل على ان (روح القدس جبريل عليه السلام قوله تعالى: (قل: نزله روح القدس
؛ والقول الثاني وهو المنقول عن ابن عباس: ان روح القدس هو الاسم الاعظم الذي يحيي
به عيسى الموتى ؛ والقول الثالث وهو ول أبي مسلم: (ان روح القدس الذي أيده به يجوز
ان يكون الروح الطاهرة التي نفخها الله تعالى فيه، وأبانه بها عن غيره ممن خلق من
اجتماع نطفتي الذكر والأنثى)
وهذه الأقوال الثلاثة متواترة منذ الطبري. أما قولهم بان (الروح
القدس) الذي تأيد به المسيح هو (جبريل)، فقد جاء على المشاكلة مع (روح القدس) الذي
جاء محمدا بالوحي.

وأما
قولهم بأنه الإنجيل، فهذا بعيد الاحتمال، لان الإنجيل ليس (روحا منه) تعالى.

وأما
قولهم بأنه (الاسم الأعظم) فهو يدل على قدرة إلهية في المسيح تقدر على الأحياء
والخلق،

أخيرا
يبقى ان (روح القدس) في المسيح هو ذات المسيح، ويدل عليه قوله (روح منه)، حيث ذات
المسيح روح القدس أي روح الله الحال فيه، فهو روح القدس فوق البشر من عالم الأرواح
الملائكة، مثال قوله (من المقربين)

ال
عمران 45 أي من (الملائكة المقربين) النساء 171 ؛ فيكون ذات عيسى ملاكا في إنسان.

 

وهذا
ما يعنيه التعبير الثالث (نفخنا فيها من روحنا)، (نفخنا فيه من روحنا). فعلى
الفاعل يكون (روحنا) ملاك البشارة النافخ ؛ وعلى المفعول يكون (روحنا) هو المنفوخ
في المسيح. والنتيجة من التعابير الثلاثة ان المسيح (روح منه) تعالى أي ملاك (من
المقربين) ألقاه إلى مريم فكان المسيح عيسى ابن مريم. فكلها تقود إلى ثنائية في
شخصية المسيح: انه ملاك ألقى إلى مريم. لكن تعبير (روح منه) يدل على اكثر من ذلك،
على صلة مصدرية خاصة من الله تعالى، كما سنرى.

فتلك
التعابير السبعة المتنوعة في (الروح) جعلت الناس يسألون النبي العربي عن ماهية
الروح الذي يذكره: (ويسألونك عن الروح؟ – قل: الروح من أمر ربي، وما وأتيتم من
العلم إلا قليلا) الإسراء 85. فالتعريف (الروح من أمر ربي) أي (علمه لا تعلمونه)
الجلالان ؛ (قل: الروح من أمر ربي.

 

من
الإبداعيات الكائنة بكن، من غير مادة، وتولد من اصل كأعضاء جسده ؛

او
وُجد بأمره وحدث بتكوينه، على ان السؤال عن قدمه وحدوثه؛

وقيل:
ممل استأثر الله بعلمه..
وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة؛

وقيل:
الروح جبريل ؛ وقيل خلق اعظم من الملائكة ؛

وقيل:
القرآن. و(من أمر ربي) معناه من وحيه. البيضاوي.

أما
كون (الروح) جبريل او القرآن فهذا غريب لأنه يتعارض مع النص (من أمر ربي) الذي
استأثر بعلمه.

وقول
البيضاوي انه (من الإبداعيات) أو (وجد بأمره وحدث بتكوينه) فيتعارض مع الإبهام
الذي (من أمر ربي، معناه من وحيه) كما يقول. بقي ان (الروح): (خلق اعظم من الملاك)
او انه (مما استأثر الله بعلمه)، والقولان متكاملان. ونلاحظ انه يستخدم العلمية في
تسميته (الروح): فهو كائن فوق الملاك اقرب إلى الخالق منه المخلوق.

والنتيجة
الحاسمة ان القرآن يجهل أمر (الروح) المطلق، ويعلن ذلك بصراحة (وما وأتيتم من
العلم إلا قليلا).

وبما
ان القرآن يصرح بجهله في أمر (الروح) المطلق، فما علينا إلا العمل بالأمر الذي
فيه: فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك) يونس 94.

فان
الروح على العلمية والمطلق سر من ذات الله نفسه، سبحانه وتعالى.

قال
الأستاذ دروزة: (في الآية (85) حكاية لسؤال أورد على النبي عن الروح، وأمر له
بالإجابة بان الروح من أمر الله تعالى واختصاصه وعلمه ؛ وليس من شأن البشر إدراكه
؛ وان ما أوتيه الناس من العلم هو قليل بالنسبة إلى علم الله وآياته في كونه).
التفسير الحديث ج 3 / 262. نقول: ليس فقط علم الناس قليلا في سر (الروح) المطلق،
وليس في الآية مقابلة مع علم الله وآياته في كونه ؛ إنما العلم المنزل في القرآن
بشأن الروح هو القليل. وقال أحدهم: مضى محمد، ولما يدري ما الروح!!.

 

2)
(روح منه) هو سر المسيح (كلمة الله)
تفاسيرهم له.

ان
(الروح) على العلمية والمطلق ذات غير ذات المسيح، (كلمته ألقاها إلى مريم، وروح
منه).

قال
الجلالان: (روح منه: (روح) أي ذي روح ؛ (منه) أضيف إليه تعالى تشريفا له)
لكن التعبير (منه) لا يعني الإضافة، بل الصدور.

قال
الزمخشري: (قيل له (روح الله) أو (روح منه) تعالى لأنه ذو روح وجسد، من غير جزء من
ذي روح.. وانما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته الخالصة
لكن التعبير لا يدل فقط على وجوده المعجز بقدرة الله، إنما على
ذاته ؛ وليس معنى المقابلة (كلمته وروح منه) انه (ذو روح وجسد من غير جزء من ذي
روح). والزمخشري يكون عادة اقرب من غيره لفهم بيان القرآن ؛ فكيف به هنا يقصر عن
مدلوله؟!!.

قال
البيضاوي: (روح منه: ذو روح صدر منه تعالى، لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة
له. وقيل: سني (روحا) لأنه كان يحيي الأموات والقلوب). وهذا هو التفسير الصحيح
لحرف القرآن الوحيد فيه: (ذو روح صدر منه تعالى). والمشكل الكلامي الذي اختلف عليه
النصارى والمسيحيون، وانتقل إلى الإسلام والمسيحية، هو في كيفية هذا الصدور عنه
تعالى. وقولهم (سمي روحا لأنه كان يحيي الأموات والقلوب) فيه إشارة إلى كيفية ذلك
الصدور، عن طريق الانبثاق من ذاته تعالى، لا عن طريق الخلق والإبداع ؛ فمن يحيي
الأموات والقلوب فيه قدرة من قدرة الله تدل عليه.

قال
الرازي مستجمعا تفاسيرهم: (أما قوله (روح منه) ففيه وجوه:


انه جرت عادة الناس انهم إذا وصفوا شيئا بغاية الطهارة والنظافة قالوا: انه روح ؛
فلما كان عيسى لم يتكون من نطفة الأب، وانما تكون من نفخة جبريل عليه السلام وصف
بأنه روح)
لكن التعريف يفسر
(كلمته ألقاها إلى مريم) بأنه (روح منه) تعالى، على الترادف، فهو وصف ذاته، لا وصف
تكوينه ؛ فانه كلمة الله قبل إلقائه إلى مريم، لذلك فهو (روح منه) تعالى.

 

انه
كان سببا لحياة الخلق، في أديانهم ؛ ومن كان كذلك وصف بأنه روح)
فالاسم الكريم يستوعب في ذاته معنى (السبب لحياة
الخلق)، وفي ذلك إشارة إلى ان (روحا منه) اقرب إلى الخلق منه إلى المخلوق في صدوره
(منه) تعالى.

والقول
يشير إلى فاتحة الإنجيل بحسب حرف البشير يوحنا في تعريفه بكلمة الله: فيه كانت
الحياة، والحياة كانت نور الناس) 1: 4.

 (روح
منه أي رحمة منه: فلما كان عيسى رحمة من الله على الخلق من انه كان يرشدهم إلى
مصالحهم في دينهم ودنياهم لا جرم انه سمي روحا منه)
هذا القول يستند إلى قوله: ولنجعله آية للناس ورحمة منا) مريم 20.

هذا
مفعول كونه (روحا منه) تعالى، لا برهان ذاته بحسب الترادف (كلمته وروحا منه).

 

 (قوله
(روح) ادخل التنكير ليفيد التعظيم. فكان المعنى: روحا من الأرواح الشريفة العالية
القدسية.

وقوله
(منه) إضافة ذلك الروح إلى نفسه تعالى من اجل التشريف والتعظيم)
نقول: ان تعريف المسيح بأنه (روح من الأرواح الشريفة العالية
القدسية) يتفق مع وصفه (من المقربين) ال عمران 45 أي (الملائكة المقربين) النساء
171.

وهذه
هي صفة المسيح في القرآن: انه (ملاك كلمة الله) القي إلى مريم، بحسب عقيدة النصارى
– لا المسيحيين
ولكن يبقى سر
صدوره (منه) تعالى موضع حيرة وتساؤل.

فليس
قوله: (روح منه) فقط إضافة تشريف وتعظيم، بل (ذو روح صدره منه تعالى) كما يقول
البيضاوي.

وليس
نسبة مصدرية كسائر المخلوقين، عن طريق الخلق والإبداع، فإنه (منه) تعالى. فقوله
الفريد في القرآن بان المسيح (روح منه) تعالى يعني نسبة مصدرية ذاتية. لذلك يظل
التشابه قائما في معرفة سر المسيح، (كلمته وروحا منه).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار