مقالات

من هو من جميع البشر الذي سمع صوت الله الحي يتكلم ؟

من هو من جميع البشر الذي سمع صوت الله الحي يتكلم ؟
في الحقيقة والواقع الاختباري، أن صوت الله، صوت قوة [ صوت الرب بالقوة صوت الرب بالجلال ] (مزمور 29: 4)، فهو يدوي وصوته لنا عبر الأزمان يتخلل حياتنا كلها، لأنه يُنادي لكل إنسان، لكن عادة الإنسان أنه ثقيل الأُذن لا يسمع ولا يصغي بقلبه حتى يعود لله ويُشفى ليدخل في سرّ الارتباط بوحدة القلب مع الله الحي، فهو – في الحقيقة – لا يستطيع أن يهدأ إلى نفسه وينصت لصوت الرب إلهه من حوله وفي مراحل حياته منذ الطفولة إلى الكهولة، لذلك يظل يشتكي دائماً: لماذا لا يُسمعنا الله صوته حتى أسمع له كقول الأنبياء [ فاسمع لصوت الرب إلهك واعمل بوصاياه وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم ] (تثنية 27: 10)، لأعترف وأقول [ سمعت لصوت الرب إلهي وعملت حسب كل ما أوصيتني ] (تثنية 26: 14)، فأنا لا أستطيع أن أصغي لوصاياه لأُطيعها وأحيا بها، لأني لا أعرفه ولا أسمعه، ولذلك ليس عندي القناعة الكافية لكي أعيش الوصية أو أُصدق الكتاب المقدس، فأين هو الله الذي تحدث إلى الأنبياء والرسل، وأين هذا الذي قال عنه الرسول: الذي رأيناه وسمعناه !!!

في الحقيقية يا إخوتي أنا عن نفسي لا أستطيع أن أقول لأحد أين الله منه وأين هو من الله، كما إني لا أقدر أن أقول لأحد ما هي الطريقة التي تستطيع أن تسمع بها صوت الرب إلهك، لأن الله لا يُستحضر، أو يستطيع أحد أن يأتي به لا من السماء ولا من تحت الأرض، ليس لأحد سلطاناً عليه قط، فهو قدوس عالي فوق كل علو نعرفه، يفوق كل قدراتنا وتصوراتنا الخاصة، سلطانه سلطان مطلق وملكه ملك أزلي أبدي، وطبعه مجيد وكله نور فائق لا يوصف، وهذا ليس فقط على أساس المعرفة التي استقيناها جميعاً من خبرة القديسين والآباء الذين التقوا به من خلال إعلانه عن نفسه وشهادته لذاته سواء في الكتاب المقدس أو مع جميع القديسين، لأنها هي خبرة يجتازها كل رجال الله الأتقياء الذين طلبوه بكل قلبهم وأعلن لهم ذاته بالرؤيا والاختبار بسرّ فائق داخلهم، وهذا على مر الدهور كلها وإلي اليوم بل وليوم مجيئه العظيم المخوف المملوء مجداً.

فالله لا يُرى فقط من الخارج بطريقة خارقة للطبيعة وفائقة للغاية – وهو أضعف الإيمان وتعتبر حالات نادرة لهدف خاص – بل يُرى في الأساس من الداخل، ليس عن تخيلات وتصورات ذهن مريض بالأمراض النفسية أو العصبية أو حتى الدماغية التي تصور للإنسان أنه يرى أشياء وتُعلن له إعلانات وغالباً كلها وهمية مشوشة بسبب ذهنه هو وليس بإعلان الله الخاص عن ذاته !!! وهذا ما نراه عند الكثيرين وعلى الأخص من يدَّعون النبوة ويقولون أشياء خارج التعليم الكتابي ويتكلمون عن معجزات انخدعوا أنها من الله، والبسطاء عادة ينخدعون في هذه الرؤى والمعجزات ويتورطون في تصديقها حتى أنها تُأثر على حياتهم سلباً وتضلهم عن الطريق المستقيم، وكما هو مكتوب: [ توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت ] (أمثال 14: 12)

لكن رؤية الله وسماع صوته، هو في الواقع لقاء خاص على المستوى الشخصي غرضه الدخول في سرّ الشركة مع شخص حي يشد الإنسان إليه ويجذبه بقوة المحبة المتدفقة منه: [ لأن محبة المسيح تحصرنا ] (2كورنثوس 5: 14)، [ المحبة قوية كالموت الغيرة قاسية كالهاوية، لهيبها لهيب نار لظى الرب ] (نشيد 8: 6)، وبناءً على ذلك فأن هذا يُظهر الفرق الواضح ما بين الوهم والخيال والتصور، وبين الواقع الحي المُعاش، لأن لقاء الله ليس لقاء تصوري عادي، مثلما تتوارد الأفكار أو نلتقي بأشخاص التاريخ عن طريق قراءتنا عنهم وتصورهم في مخيلتنا، أو حتى على مستوى لقاء الإنسان للإنسان في المجتمع والتعارف العادي على أي إنسان…
فلقاء الله لقاء محبة بين طرفين، طرف فائق الطبيعة كله محبة متدفقة يتنازل باتضاع عجيب في وداعة فائقة، وطرف مشتاق عنده جوع لما هو فائق الطبيعة، يُريد أن يدخل في علاقة شركة خاصة مع شخص يحبه كما هو بدون غرض، يُعطيه ذاته، يركن إليه في كل صغيرة وكبيرة، يستطيع أن يسمعه ويصغي إليه كطفل، لا يخجل من أن يعترف بكل نقائصه أمامه ليصير له ستراً وغطاء، بل ويكون عنده القوة لتغييره للأفضل ليكون أهلاً لحياة مقدسة طاهرة عفيفة مملوءة صلاح وسلام وحرية وفرح لا يزول…

فيا إخوتي أنصتوا واصغوا حولكم وابحثوا وفتشوا عن صوت الله الذي يُناديكم في أعماق قلوبكم من الداخل، لأن الله ليس بغريب عن أي واحد فينا، لذلك للجميع اشتياق شديد لرؤية الله حتى ولو لم يكن يؤمن به، لأنه سيظل يشعر بجوع شديد، بل واضطراب عظيم ويحيا في قلق دائم، لأنه يحتاج لحب فائق لا يتغير أو يتبدل، حب متدفق إليه ويد حانية تضمه بحب فائق، لذلك يشعر في أعماقه من الداخل أنه مشتاق إلى ما هو أعظم، يحتاج لما هو أمجد من الحياة التي يعيشها الآن، والتي يراها ناقصة، كلها مشاكل وفيها عيوب، حتى العالم كله يراه ماضي للاضمحلال وليس فيه عدل ولا حرية كما يدعيها البعض، أو الشعوب، لأنه مربوط بشرّ خفي مالك على قلب الإنسان حتى أنه داس على أخيه الإنسان وعلى استعاد لقتله أن واتته الفرصة لكي يصل أن يكون العالم ملكه هو وحده والكل عبيد عنده، لأن الحرية مفقودة والحب أصبح كلام شعارات رنانة بلا فعل إلا عند أقل من أقل القليلين، الذين وعوا قدرة الخالق وتشربوا من حبه الأصيل حتى صاروا هم أنفسهم محبة تسير على الأرض تزاد قوة يوماً بعد يوم…

عموماً يا إخوتي أن أصوات الكثيرين اليوم: ماذا أفعل لكي يأتي إليَّ الله، أو أذهب أنا إليه !!!، فيا إخوتي انتبهوا جداً، لأن كثيرين ظنوا أن الله يُريد شيئاً من الإنسان ليفعله كي يستحضر الله، وهذا يجعلنا كلنا نصل لطريق مسدود، لأن الرب قال على فم صموئيل النبي: [ هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب، هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش ] (1صموئيل 15: 22)، لذلك قال إرميا النبي: [ نضطجع في خزينا ويُغطينا خجلنا لأننا إلى الرب إلهنا أخطأنا نحن وآباؤنا منذ صبانا إلى هذا اليوم، ولم نسمع لصوت الرب إلهنا ] (إرميا 3: 25)

ولذلك يقول الكتاب: [ الكلمة قريبة منك جداً، في فمك وفي قلبك لتعمل بها ] (تثنية 30: 14)، [ الْبِرُّ الَّذِي بِالإِيمَانِ فَيَقُولُ هَكَذَا: «لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟». أَوْ «مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ؟» (أَيْ لِيُصْعِدَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ). لَكِنْ مَاذَا يَقُولُ؟ «اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ» (أَيْ كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا). لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ. لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى»… لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ ] (رومية 10: 6 – 11)
ولننتبه يا إخوتي لقول الرسول الذي به يوضح عدم العذر إذ يقول: [ لَكِنْ لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا الإِنْجِيلَ لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟». إِذاً الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ. لَكِنَّنِي أَقُولُ: أَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا؟ بَلَى! «إِلَى جَمِيعِ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُمْ وَإِلَى أَقَاصِي الْمَسْكُونَةِ أَقْوَالُهُمْ». لَكِنِّي أَقُولُ: أَلَعَلَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أَوَّلاً مُوسَى يَقُولُ: «أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ». ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ: «وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي وَصِرْتُ ظَاهِراً لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي». أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: «طُولَ النَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ» ] (رومية 10: 16 – 21)

فلننتبه لما قاله الرسول في آخر الكلام لأنه هام للغاية إذ يقول بالنسبة للأمم الذين لم يعرفوا الرب: [ وجدت الذين لم يطلبوني، وصرت للذين لم يسألوا عني ]، أما عن إسرائيل الذي له المواعيد ويعرف الرب على مر تاريخه كله: [ طول النهار بسطت يدي إلى شعب مُعاند ومُقاوم ]

آه يا رب أعطنا انفتاحاً في الذهن والبصيرة الداخلية حتى نستطيع أن ننفتح بكل أبعاد كياننا على شخصك المُبارك لنسمع صوتك أيها الرب إلهنا، لنسلك في أوامرك التي جعلتها أمام وجوهنا، لأن لنا زمان طويل لم نسعى إليك ولم نصغي لك ولا لجميع كلام الأنبياء الذين أرسلهم إلينا، ولم ننتبه أنك أتيت إلينا بشخصك متجسداً، آخذاً ما لنا لتُعطينا ما لك ،لذلك نسألك يا مخلصنا القدوس الصالح تحنن على ثقل سمعنا وضع إصبعك سراً في آذان قلبنا الخفي وانطق كلمتك [ إفاثاه ] أي انفتح، حتى تنفتح آذاننا الداخلية ونسمع بوضوح وبلا تشويش ما يقوله الروح، فنطيع ونُلبي النداء، فنجري ورائك ونعطيك قلوبنا وحياتنا تكون بين يديك، وأنت تجددنا وتشفي أعماقنا من الداخل وتُسكن كلمتك فينا وتقوي إيماننا وترفعه لمستواها حتى نُطيعك طاعة الإيمان فنكون آنية مكرسة مخصصة لسكناك وحدك، فنفوز بأن نكون مسكنك وأنت تصير ممجداً فينا، اسمع واستجب لنا آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار