المسيحية

مقارنة التطوُّرات التاريخية للقرآن والإنجيل



مقارنة التطوُّرات التاريخية للقرآن والإنجيل

مقارنة
التطوُّرات التاريخية للقرآن والإنجيل

فحصنا
في القسم الثاني رأي القرآن والحديث في تحريف الإنجيل بقصدٍ سيء، ووجدنا أن لا
دليل فيهما على حدوث تحريف، بل إنهما يؤكدان وجود توراة وإنجيل صحيحين مع محمد في
مكة والمدينة في القرن الهجري الأول.

وفي
ستة أجزاء من هذا الفصل سنعالج (الاتهام بالتحريف) من زاوية أخرى، فنقارن تطور
نصوص الكتاب المقدس لنرى إن كان هذا الاتّهام صحيحاً فإن صحَّ وجود تحريف، فأين
ومتى جرى ذلك.

أ.
التطوّر الأوَّلي للقرآن والإنجيل

أبدأ
هذا النقاش بأن أفعل مع المسلم ما يفعله معي سأتظاهر أني أدَّعي أنه ما دام القرآن
لا يحتوي ما أعتقده، فلا بد أن المسلمين (أو جدودهم) قد حرَّفوا القرآن ليجعلوه
يقول ما يعجبهم!

فماذا
يقول المسلمون في هذا؟ وكيف يردّون هذه التهمة الظالمة؟

سيقولون
أولاً: لقد أوحى الله بالقرآن فإذا طلبت منهم البرهان على هذا سيخبرونني كيف تجمَّع.

 

أدوار
القرآن الأولى

قال
لي المسلمون الذين ناقشتُهم إن أول آيات القرآن نزلت على محمد قبل الهجرة بنحو
أربعة عشر عاماً (نحو سنة 609م) وخلال 14 سنة كانت ثُلثا آيات القرآن قد أُنزلت
وقد كتبوها على الرقاع (ورق يُصنع من الجِلد)، واللخاف (حجارة بيض رِقاق)، وأكتاف
الأنعام، والعُسُب (جريد النخل يُكشَط خوصه)، وصدور الرجال.

 

ولما
سألت عن عدد المسلمين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة مع محمد، قال البعض إن
عددهم 75 وقال آخرون إنهم 150 مسلماً ولا يذكر القرآن عددهم، لكن سورة الأنفال 8: 26
(من سنة 2 ه) تقول: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي
الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ
بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وبالإضافة
إلى المهاجرين من مكة كان هناك مسلمون بالمدينة، كما كان بعض العبيد في مكة قد
أسلموا، ولكنهم عجزوا عن مصاحبة محمد إلى المدينة ولعل العدد يكون فعلاً 150
مسلماً.

 

ويواجهنا
سؤال: كيف تتأكد أن نقل القرآن جاء صحيحاً، مع أنه لم يكن هناك سوى 150 مسلماً
مُخْلصين لإسلامهم؟ ربما ضاعت بعض الرقاع بما عليها من آيات وكيف تضمن عدم حدوث
تحريف؟

 

ستقول
لي: (لقد حفظوا القرآن في صدورهم، وكان بعض المهاجرين موجودين مع محمد لما تلا
السور ثم أن محمداً كان معهم يصحّح ما قد يخطئون فيه) ومع أني لا أختلف معه في هذه
الإجابة، إلا أن المسلم لا يملك برهاناً على ما يقوله، فليست لديه سورة واحدة
أصلية من التي كُتبت على الجلد أو الأكتاف! فالمسألة إذاً مسألة إيمان، لا برهان
مادي عليه هذا افتراض أساسي.

 

من
الهجرة إلى موت محمد

انتصر
نحو 300 جندياً مسلماً في موقعة بدر (سنة 2 أو 3 ه) على جيش كبير من المشركين وقال
عبد الله يوسف علي في تفسيره لسورة آل عمران 3: 13: (تكوَّنت القوة المسلمة من نحو
313 رجلاً معظمهم غير مسلّحين وكان عدد رجال مكة أكثر من ألف، كلهم مسلحون) فإذا
قلنا إن كل جندي مسلم كان متزوجاً وعنده ولدان، لكان عدد المسلمين وقتئذٍ نحو 1500
أو أكثر.

 

وفي
عام 6 ه اتَّجه محمد إلى مكة لأداء الحج ومعه 1400 رجلاً، وعُقد صلح الحديبية مع
المكيين ونعتقد أن عدد المسلمين وقتها يكون قد بلغ ستة أو ثمانية آلاف مسلم وبعد
الاستيلاء على مكة عام 8 ه زاد عدد المسلمين إلى عشرات الآلاف وعند موت محمد سنة
10 ه كان عددهم نحو 140 ألفاً وقد نزل باقي القرآن (الثلث الباقي) في أول عشر
سنوات من الهجرة.

 

وهنا
نسأل: كيف يعرف القارئ المسلم أن القرآن ظل صحيحاً في هذه السنوات العشر؟ ربما لم
يذهب المهاجرون إلى مكة أبداً! ربما لم تكن هناك موقعة بدر! كيف يبرهن أن القرآن
لم يتحرَّف؟

 

وسيجيب
المسلم: ولكنهم كانوا يحفظون القرآن في حياة محمد وبعد موته ظل 200 أو 250 مسلماً
ممن حاربوا في بدر على قيد الحياة: شهدوا المعركة وسمعوا كلمات محمد ولن أختلف مع
المسلم في ذلك، ولكني سأطالبه بنسخة من القرآن تعود إلى سنة 10 ه قطعاً إنه يؤمن
أن القرآن الذي بيده الآن مماثلٌ لما حفظه المسلمون في سنواتهم الأولى وهو يؤمن
بالأحاديث التي توضّح جمع القرآن، وتذكر موقعة بدر وصلح الحديبية.

 

أول
جمع للقرآن

والآن
لندرس الطريقة التي جُمعت بها سُور القرآن وآياته المتفرّقة في كتاب واحد روى
البخاري (عن زيد بن ثابت، باب جمع القرآن ج 6 ص 225 طبعة دار الشعب، القاهرة) أنه
بعد نحو سنة من موت محمد قام زيد بجمع القرآن بأمر من الخليفة أبي بكر:

(أرسل
إليَّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر: إن عمر
أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى أن
يستحرَّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثيرٌ من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع
القرآن قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟

قال
عمر: هذا والله خيرٌ فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيتُ في ذلك
الذي رأى عمر قال زيدٌ: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتَّهمك، وقد كنتَ تكتب
الوحي لرسول الله، فتتبَّعِ القرآنَ فاجمعْهُ فوَالله لو كلّفوني نقل جبل من
الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئاً لم
يفعله رسول الله؟ قال: هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري
للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر.

فتتبَّعت
القرآن أجمعه من العُسُب (سعف النخيل) واللِّخاف (الحجارة البيضاء) وصدور الرجال
حتى وجدت آخِر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحدٍ غيره (لقد
جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنِتُّم) حتى خاتمة سورة التوبة فكانت الصحف
عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر)

وجاء
في الإتقان للسيوطي (باب جمع القرآن وترتيبه) (أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعُدا
على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه).

وبقدر
ما نعلم، كانت تلك نسخة القرآن الرسمية الوحيدة حتى تولى عثمان الخلافة وكان أُبيّ
بن كعب في المدينة وابن مسعود في الكوفة بالعراق يمتلكان نسخة كاملة من القرآن،
لكن الغالبية العظمى من المسلمين كانت تعتمد على ما في صدور الرجال. ويمكن أن نقول
إنه لمدة أربعين سنة (من 13 قبل الهجرة حتى 27 ه لما تولى عثمان) اعتمد نقل القرآن
على الرواية الشفاهية.

 

ونعود
نسأل القارئ المسلم: كيف تعرف أن القرآن بقي خالياً من التحريف أثناء هذه الأربعين
سنة؟ ربما نسي أحدٌ شيئاً منه ربما أكلت بهيمة بعض آيات!

عن
عبد الرحمن بن عوف (خطب عمر في الناس، فقال:

ألا
وإن ناساً يقولون ما الرجم في كتاب الله، وإنما فيه الجَلد، وقد رجم رسول الله
ورجمنا بعده ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس
منه لأثبتُّها كما نزلت به) (ابن كثير، تفسير سورة النور آية 2)

وقال
ابن ماجة عن عائشة:

(نزلت
آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله
وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها) (ابن ماجة حديث 1944 ج 1 ص 626- دار إحياء الكتب
العربية، دت)

وقد
يطعن القارئ في صحة هذه الأحاديث، خصوصاً حديث عائشة ولكن حتى لو صدقت هذه
الأحاديث، فإنه لو نسي مسلم آيةً أو أكلها داجن، لتذكّرها سائر الصحابة والأنصار
ولو أخطأ أحد في اقتباس آية لصحَّحوها له.

 

انتشار
الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية

وسيقول
لي القارئ المسلم أيضاً إنه خلال هذه السنوات السبع والعشرين بعد الهجرة انتشر
الإسلام في أقطار عديدة، إذ فُتحت سوريا عام 13 ه، وفي عام 14 بلغت جيوش المسلمين
بلاد الفرس، وفُتحت مصر عام 19 (641م) وبلغت الفتوحات عام 25 ه أرمينيا وكان
كثيرون من جنود المسلمين يحفظون القرآن وأسباب نزول آياته وفي نور هذا كله يستحيل
أن يتمكن أحدٌ من تحريف القرآن الذي بلغت كلماته أنحاء الدنيا من مصر إلى فارس،
ومن تركيا إلى جزيرة العرب.

 

ولن
أختلف مع القارئ المسلم، ولكني أقول له: أنت تقول هذا لأنك تؤمن بالقرآن، لكنك لا
تملك النسخة الأصلية التي دوّنها زيد بن ثابت (بين يديك). ولا يوجد في إيمان
المسلم بقرآنه ما يناقض العقل وعندما نتَّجه لبحث تطور الإنجيل، سنجد انطباق
القوانين نفسها.

 

أدوار
الإنجيل الأولى

قبل
أن ندرس كيفية جمع الإنجيل ندرس معنى كلمة (إنجيل) إنها كلمة معرَّبة عن اليونانية
(إيفانجليون) وتعني (الخبر المفرح) وقد صارت كلمة (إنجيل) معروفة للعرب أما الخبر
المفرح فهو أن المسيح مات مصلوباً ليدبّر وسيلة مغفرة خطايا كل من يؤمن أنه
المخلّص المتألم لأجله ونحن نقول إنه (بذل نفسه عنا) و(سفك دمه لأجل فدائنا) وإنه
(فصحنا الذي ذُبح لأجلنا) وإنه (حمل الله الذي يرفع خطية العالم) وقد علّم المسيح
هذا ليلة احتفاله بالفصح مع تلاميذه، فقد (وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ
وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: (اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لِأَنَّ هذَا هوَ دَمِي
الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ
لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا) (متى 26: 27 و28) وسنطلق على هذه الفكرة (العقيدة أ).

 

ونؤمن
أن هذا الفداء ممكن لأن الله الواحد الخالق، الآب والابن والروح القدس، شاء أن
الابن، كلمة الله الأزلي، يتجسَّد ليقوم بعمل الفداء ويرتكز إيماننا هذا على ما
قاله المسيح عندما مثل للمحاكمة أمام رئيس الكهنة، فسأله: (أأنت المسيح ابن
المبارك؟) فأجاب: (أنا هو) (مرقس 14: 61 و62) فقد دعا نفسه (ابن الله) وسنطلق على
هذه الفكرة (العقيدة ب).

 

ويهمّنا
أن نوضح هنا أن الله تعالى علوا كبيراً على أن تكون له (صاحبة) ونحن نؤمن بقول
القرآن في سورة الأنعام 6: 101 (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ
لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ) فولادة (ولد) من (صاحبة) كفرٌ عظيم لكننا نؤمن أن المسيح كلمة
الله ذو وحدة أزلية مع الآب وكل ما جدَّ عليه هو اتخاذ جسدٍ إنساني بالميلاد من
العذراء.

 

وسأعتبر
العقيدة (أ) والعقيدة (ب) (العقيدة الإنجيلية) وفي تأملنا في التطور التاريخي
للإنجيل سنتتبَّع النقل الشفاهي لهذه العقيدة الإنجيلية حتى تدوينها كتابةً.

 

وقد
نشأ معنى جديد لكلمة (إنجيل) هو أنه (التسجيل المكتوب لحياة المسيح وموته وقيامته)
وقد كان المسيح يعرف القراءة والكتابة، فقد جاء عنه في لوقا 4: 16 (دَخَلَ
الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ) ولكن المسيح
لم يكتب (الإنجيل) بنفسه، إنما دوَّن قصة حياته على أرضنا أربعة رجال ملهَمين من
الروح القدس وهو ما نعرفه ب (الإنجيل حسب البشير متى) أو (الإنجيل حسب البشير
لوقا) وبمرور الوقت بدأ المسيحيون يطلقون على هذه الروايات الأربع للإنجيل: (الأناجيل
الأربعة) وهذه التسمية توحي أن لكل واحد من هؤلاء الأربعة إنجيله، ولكن هذا ليس
صحيحاً، فنحن نؤمن أن المسيح جاءنا بخبر مفرح واحد هو خلاصنا من خطايانا وهذا هو
الإنجيل الواحد الذي يرويه الأربعة.

 

وهناك
تسمية أخرى هي (العهد الجديد) وهو كتاب يشمل الروايات الأربع للإنجيل الواحد،
بالإضافة إلى رسائل النصح والعقائد التي كتبها رُسُل المسيح للجماعات المسيحية
المختلفة.

 

والكلمة
القرآنية (إنجيل) تعني كتاباً مكتوباً، ولكنها لا تجزم إن كان هذا الكتاب هو سيرة المسيح
وتعاليمه، أو إن كانت تعاليم رسل المسيح متضمَّنة فيه.

 

ولنرجع
إلى السؤال الرئيسي: كيف وصلَنا الإنجيل المكتوب؟ نحن أيضاً نقول إنه أُعطي لنا من
عند الله، وقد (كتبه أُناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس) فإذا سُئلنا: كيف
تعرفون هذا؟ نُجيب أيضاً بأن نوضح كيف تطوَّر الإنجيل تاريخياً.

 

بدء
الإنجيل

يؤمن
المسيحيون أن المسيح بدأ يعظ بالإنجيل عندما بلغ الثلاثين من العمر، فيقول لوقا 3:
23 (وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً).

 

والمشكلة
التي يواجهها المسيحيون في هذه التواريخ المبكرة تشبه تأريخ المسلمين لأحداث حياة
محمد قبل الهجرة، فقد كان المسيحيون مكروهين مضطهَدين لمدة 300 سنة بعد صعود
المسيح للسماء، فلم يحتفظ الرومان بسجلات دقيقة لتاريخ المسيحيين غير أن هناك
حادثتين في الإنجيل تعاوناننا على تحديد وقت ميلاد المسيح: أولاهما: أن هيرودس
الكبير كان الملك وقت ميلاد المسيح (متى 2: 1) وثانيتهما: أن بيلاطس كان الحاكم
عندما بدأ المسيح خدمته العلنية (لوقا 3: 1 و23).

 

ويقول
التاريخ المدني إن هيرودس الكبير مات عام 4ق م، وإن حكم بيلاطس بدأ عام 26م فإن
كان ميلاد المسيح عام 4ق م قبل موت هيرودس، وبدء خدمته العلنية وهو في عمر
الثلاثين عام 26م في بدء ولاية بيلاطس لأورشليم، نكون محقّين إن قلنا إن المسيح
وُلد عام 4 ق م، وبدأ خدمته الجهارية عام 26م أما التقويم الميلادي فقد وُضع عام
550م، ولا بد أن به خطأً قدره أربع سنوات.

 

وأخذ
المسيح يتجوَّل في أورشليم يكرز بالإنجيل، فسمعه كثيرون يدعوهم لاتّباعه وقد تبعه
بعضهم وبعد بضعة شهور اختار اثني عشر ليدرّبهم تدريباً مكثَّفاً (لوقا 6: 13)
وندعوهم التلاميذ الاثني عشر، أو الرسل الاثني عشر، لأنه أرسلهم ليعلنوا للبشر
جميعاً أخبار الإنجيل السارة ويسمّيهم القرآن (الحواريين) ويتحدث عنهم بتوقير كبير
باعتبارهم (أنصار الله) الذين (أوحى) إليهم أن يؤمنوا (سورة آل عمران 3: 52 و53
وسورة المائدة 5: 110 و111)

 

ولقد
ترك هؤلاء الرجال كل شيء وتبعوا المسيح ترك بعضهم مهنة صيد السمك، وترك متّى
وظيفته كجابي ضرائب، ورافقوا المسيح ثلاث سنوات ونصف في كل مكان ذهب إليه، يسمعون
مواعظه ويشاهدون معجزاته وقال بابياس (الذي جمع الأحاديث المسيحية وسجَّلها بين
عامي 120 و130م): (سجَّل متّى أحاديث المسيح باللغة العِبرية) وأعتقد أن متى جمع
أحاديث المسيح أثناء حياة المسيح على الأرض، ولو أنه رتَّبها في صورتها النهائية
بعد صعود المسيح للسماء (كما فعل زيد بن ثابت بالقرآن) وكان أولئك الحواريون
حاضرين وقت ارتفاع المسيح، فنقرأ في أعمال 1: 9 (وَلَمَّا قَالَ (المسيح) هذَا
ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ)

 

وقد
كانت أمُّ المسيح وإخوته شهوداً لتعاليم المسيح وأعماله ويمضي سفر الأعمال فيقول: (حِينَئِذٍ
رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ،
الَّذِي هوَ بِالْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ وَلَمَّا دَخَلُوا
صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ
وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا
وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ
وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ هؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ
وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ
يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسَطِ
التَّلَامِيذِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعاً نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ
فَقَالَ.) (أعمال 1: 12- 16)

 

من
هذه الرواية نرى أن أحد عشر تلميذاً كانوا موجودين (لأن التلميذ الثاني عشر وهو
يهوذا الإسخريوطي الذي خان المسيح كان قد انتحر) كما كان هناك 120 مؤمناً قوي
الإيمان بالمسيح قد تركوا بيوتهم بسبب إيمانهم.

 

شهود
آخرون

بالإضافة
إلى التلاميذ الاثني عشر كان مئات آخرون قد سمعوا تعاليم المسيح وشاهدوا معجزاته
فذات يوم شفى مرضى وأخرج شياطين، واجتمع حوله خمسة آلاف، عدا النساء والأولاد،
فأشبعهم من خمس خبزات وسمكتين، وفاضت اثنتا عشرة قفة من الخبز وأقام المسيح ثلاثة
أشخاص (على الأقل) من الموت، أوّلهم ابن أرملة في قرية نايين، وثانيتهم فتاة في
الثانية عشرة من عمرها، ابنة قائد يهودي كبير، وثالثهم لعازر من أعيان بيت عنيا
وقد شهد القرآن لمعجزات المسيح بقوله (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ
وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) (سورة آل عمران 3: 49)

 

وبناءً
على المعلومات الواردة في الإنجيل أجرى المسيح ما بين 900 و1000 معجزة، شاهدها نحو
15 ألف شخص، ولا بد أن نحو 85 ألف آخرين من أهل المرضى الذين نالوا الشفاء عرفوا
بالمعجزات وشهدوا قدرة المسيح المعجزية، وهذا يشكل خُمس عدد سكان فلسطين وقتها
وهذا يساعدنا لندرك ما حدث بعد ذلك، فبعد صعود المسيح بعشرة أيام كان العيد
اليهودي المعروف بيوم الخمسين، وفيه وعَظ التلاميذ (العقيدة الإنجيلية) فقبلها
وآمن بها نحو 3000 نفس في يوم واحد ويدوّن سفر الأعمال هذا الحدث فيقول: (وَلَمَّا
حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ (الرسل) مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ
فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الْأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ‚(أَيُّهَا
الرِّجَالُ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الْأَقْوَالَ: يَسُوعُ
النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللّهِ بِقُوَّاتٍ
وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللّهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ
أَيْضاً تَعْلَمُونَ هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ
الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ
وَقَتَلْتُمُوهُ اَلَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ
لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَه الموت) (أعمال 2: 1 و14 و22- 24)

 

وواضح
من كلام الرسول بطرس أنه كان متأكداً أن سامعيه يعرفون سيرة المسيح ومعجزاته، ولن
ينكروا ذلك وعندما انتهى من وعظه سألوه وسائر الرسل: (ماذا نفعل أيها الرجال
الإخوة؟) فأجاب: (تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ
يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ
الْقُدُسِ.. فَقَبِلُوا كَلَامَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ
الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَفْسٍ) (أعمال 2: 38 و41)

 

كان
هذا أول إعلان جهاري للإنجيل العقائدي، بعد صعود المسيح للسماء بعشرة أيام، نحو
سنة 30م وقد آمن بالمسيح يومها نحو ثلاثة آلاف نفس.

 

والآن
دعنا نثير نفس الأسئلة التي أثرناها بخصوص القرآن: كيف نعرف أن نقل الإنجيل كان
صحيحاً بينما لم يكن هناك إلا 120 مؤمناً يحبون المسيح؟ ربما ضاعت بعض أوراق
البردي من مجموعة متّى وهم يسافرون مع المسيح في أنحاء فلسطين وربما التهمت بهيمة
شيئاً من مجموعة يوحنا وهم نيام في أحد البيوت كيف نعرف أنه لم يحدث تحريف؟

 

وسنجيب
أن تلاميذ المسيح حفظوا كلماته صحيح أن المسيح لم يعطِ أمراً مباشراً بكتابة
الإنجيل، ولكن هناك سببان لاعتقادنا أن التلاميذ حفظوا الإنجيل، أولهما أن اليهود
كانوا يحفظون كتبهم بكل تدقيق، وكان التلميذ اليهودي يحفظ تعاليم معلّمه، وتقول
المشنا (التلميذ الصالح يشبه الحوض المطلي الذي لا تتسرب منه نقطة واحدة) وثانيهما
أن المسيح قال: (وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، وَأَنْتُمْ لَا
تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلَامِي
وَيَعْمَلُ بِهِ، يُشْبِهُ إِنْسَاناً بَنَى بَيْتاً، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ
الْأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ
الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى
الصَّخْرِ وَأَمَّا الَّذِي يَسْمَعُ وَلَا يَعْمَلُ، فَيُشْبِهُ إِنْسَاناً بَنَى
بَيْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دُونِ أَسَاسٍ، فَصَدَمَهُ النَّهْرُ فَسَقَطَ
حَالاً، وَكَانَ خَرَابُ ذلِكَ الْبَيْتِ عَظِيماً) (لوقا 6: 46-49) فإن كنتَ
تلميذاً للمسيح فإنك ستحفظ كلماته وتطبّقها على حياتك حتى لا تخرب.

 

ثم
نجيب أن تلاميذ المسيح كانوا حاضرين وهو يُلقي تعاليمه وكان المسيح معهم نحو أربع
سنوات، آخرها قبل أن يلقي بطرس موعظته بعشرة أيام فلو حدث خطأٌ لصحَّحه المسيح
فوراً وعلى ذلك فحتى لو لم تكن معنا مخطوطة متّى الأولى، ولو لم يكن لدينا تسجيل
لموعظة بطرس الأولى، فإننا نؤمن أن ما عندنا صحيح هذا افتراض أساسي.

 

من
صعود المسيح إلى أول مخطوطة مكتوبة

في
الشهور التالية لصعود المسيح أخذ عدد المسيحيين يزيد وبعد معجزة الشفاء التي
أجراها الله باسم المسيح على يدي بطرس ويوحنا (وَكَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ
سَمِعُوا الْكَلِمَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافٍ)
(أعمال 4: 4)

 

وقد
ألقى اليهود القبض على الرسل، لكن المسيحيين (وَكَانُوا لَا يَزَالُونَ كُلَّ
يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ
الْمَسِيحِ وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللّهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلَامِيذِ
يَتَكَاثَرُ جِدّاً فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ
يُطِيعُونَ الْإِيمَانَ). أعمال 5: 42 و6: 7

 

انتشار
المسيحية خارج فلسطين

عندما
أعلن بطرس العقيدة الإنجيلية (يوم الخمسين) سمعه يهودٌ من أمم كثيرة (وَكَانَ
يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ
(مقيمين للاحتفال بالعيد) فِي أُورُشَلِيمَ فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ
وَعِيلَامِيُّونَ، وَالسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، وَالْيَهُودِيَّةَ
وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّا وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ
وَمِصْرَ، وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ الَّتِي نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ،
وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلَاءُ، كِرِيتِيُّونَ
وَعَرَبٌ) (أعمال 2: 5 و9- 11) وقد آمن كثيرون من هؤلاء لما سمعوا وعظ بطرس وغيره
من الرسل ولما عادوا إلى بلادهم في إيران والعراق وتركيا وجزيرة العرب كرزوا في
بلادهم لشعوبهم برسالة الإنجيل.

 

وحدث
اضطهاد على المسيحيين في فلسطين استُشهِد البعض فيه، وتفرق البعض في اليهودية
والسامرة (فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ) وكرز
فيلبس المبشر لوزير المالية الحبشي، فحمل معه الإنجيل للحبشة (أعمال 8) واضطهَد
شاول (الذي آمن في ما بعد وعُرف باسم بولس) المسيحيين، وسافر إلى دمشق ليلقي القبض
عليهم وهذا يعني أن المسيحية قد بلغت سوريا (أعمال 9) وقد وصل المضطَهَدون إلى
فينيقية (صور وصيدا) وقبرص ورجال قبرصيون وقيروانيون (من ليبيا) ذهبوا إلى أنطاكية
في شمال سوريا (الآن جنوب تركيا) (أعمال 11: 19 و20) ويذكر أعمال 11 حدوث مجاعة
أيام حكم كلوديوس قيصر (الذي كان حاكماً عام 41 م) فنفترض أن الإنجيل كان قد انتشر
في كل هذه البلاد خلال فترة تتراوح بين 12 إلى 15 سنة وهكذا انتشرت العقيدة
الإنجيلية في تركيا واليونان وعندنا ما يثبت أنها وصلت روما عام 49م، ففي تلك
السنة بدأ الإمبراطور كلوديوس يضطهد اليهود والمسيحيين، كما كتب المؤرخ سيوتنيوس
عام 120م (كان اليهود يُحدِثون اضطرابات مستمرة لأن اسم المسيح كان يُثيرهم،
فطردهم كلوديوس من روما) وقدم البشير لوقا الخبر نفسه (فَوَجَدَ (بولس)
يَهُودِيّاً اسْمُهُ أَكِيلَا، بُنْطِيَّ الْجِنْسِ، كَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثاً
مِنْ إِيطَالِيَا، وَبِرِيسْكِلَّا امْرَأَتَهُ – لِأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ
أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ فَجَاءَ إِلَيْهِمَا)
(أعمال 18: 2) (30)

 

وهذا
يعني أن كثيرين من الرومان اعتنقوا المسيحية وقتها، وأثار وعظهم غضب اليهود فأثار
اليهود الاضطرابات ففي سنة 49م كانت المسيحية قد انتشرت غرباً على الأقل إلى روما،
ولا بد أن عددهم بلغ مئات الآلاف.

 

وهناك
عبارة أخرى في سفر الأعمال تقدم تاريخاً محدداً: (فَأَقَامَ (بولس) سَنَةً
وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ (في كورنثوس) بِكَلِمَةِ اللّهِ وَلَمَّا
كَانَ غَالِيُونُ يَتَوَلَّى أَخَائِيَةَ، قَامَ الْيَهُودُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ
عَلَى بُولُسَ، وَأَتَوْا بِهِ إِلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ) (أعمال 18: 11 و12)

 

وفي
مطلع هذا القرن اعترض البعض على ما كتبه البشير لوقا، وقالوا إنه لم يكن هناك حاكم
باسم (غاليون) في كورنثوس ولكن اكتُشفت كتابة على حجر في دلفي باليونان، ترجع لعام
52م، تقول (لما كان لوسيوس جونيوس غاليون صديقي حاكماً في أخائية) ومن مراجع أخرى
تبيَّن أنه تولى الحكم في أول يوليو (تموز)، ولمدة سنة فيكون المؤرخ المقدس صادقاً،
وتكون إقامة بولس في كورنثوس قد تمت عام 52م.

 

وفي
عام 55م لما كان بولس في أفسس كتب رسالة لكنيسة كورنثوس (نسميها رسالة كورنثوس
الأولى) ويتفق علماء الكتاب المقدس على هذا التاريخ، ولنفحص في ذلك نصَّين:

(بُولُسُ،
الْمَدْعُوُّ رَسُولاً لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللّهِ.. إِلَى كَنِيسَةِ
اللّهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ.. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلَامٌ مِنَ اللّهِ
أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. أَمِينٌ هوَ اللّهُ الَّذِي بِهِ
دُعِيتُمْ إِلَى شَرِكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا) (1كورنثوس 1: 1 و2
و3 و9)

أما
النص الثاني فيقول: (وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ بِالْإِنْجِيلِ الَّذِي
بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضاً
تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلَامٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ إِلَّا
إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثاً! فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي
الْأَّوَلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ
خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ.. وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلِاثْنَيْ
عَشَرَ وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ
أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الْآنَ وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا
وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ وَآخِرَ
الْكُلِّ.. ظَهَرَ لِي) (1كورنثوس 15: 1-8)

ومن
هذا نرى أن بولس يؤمن بالعقيدة (أ) أن المسيح مات من أجل خطايانا، وقام من الموت
في اليوم الثالث. وهو يؤمن بالعقيدة (ب) أن المسيح ابن الله.

 

وقد
وعظ بهذه (العقيدة الإنجيلية) لأهل كورنثوس شفاهاً لما كان بينهم عام 52م ليخلصوا
وها هو يسجل كتابةً في رسالة عام 55م نفس ما وعظ به شفاهاً.

 

والأغلب
أن متّى دوَّن أقوال المسيح كتابة أثناء وجود المسيح على أرضنا، لأن لوقا يقول: (كان
كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقَّنة عندنا) (لوقا 1: 1) لكن رسالة
كورنثوس الأولى هي أول جزءٍ من (العهد الجديد) يمكن أن نحدّد تاريخ كتابته ويقول
بعض علماء الكتاب إن (إنجيل مرقس) و(رسالة يعقوب) كُتبا عام 50م، إلا أن هذا
اجتهاد لا يقدرون أن يبرهنوه ولكننا متأكدون أن بولس سجّل في النصَّين اللذين اقتبسناهما
أعلاه (العقيدة الإنجيلية) المتداولة بين الكنائس شفاهاً، فجعل منها (إنجيلاً
مكتوباً) ظل متداولاً بلا تغيير حتى يومنا هذا.

 

ويجد
القارئ في الصورة 1 جزءاً من 1كورنثوس 14 و15 من مخطوطةٍ على ورق البردي محفوظة في
مكتبة (تشستر بيتي) في دبلن بأيرلندا، يرجع تاريخها إلى عام 200م، وهي النص
الأساسي الذي أخذنا ترجماتنا الحديثة عنه.

 

ويواجهنا
السؤال ثانيةً: كيف نعرف أن الإنجيل حُفظ سليماً بدون تحريف أثناء سنوات نقله
شفاهاً؟ ربما نسي أحدٌ منه شيئاً ربما لم يُقِم المسيح لعازر من الموت، وربما لم
يقُل أبداً إنه (القيامة والحياة) ربما لم يصعد المسيح أبداً للسماء.

 

ونجاوب
ثانيةً: لا يمكن أن يكون قد حدث تحريف خلال أول 25 سنة بعد صعود المسيح، لأن
التلاميذ حفظوا كلامه فإن نسي أحدهم يذكّره زميله كما أن التلاميذ الأقربين للمسيح،
وهم يوحنا وبطرس ويعقوب وغيرهم كانوا أحياء، ويمكنهم منع أي تحريف وكان آلاف ممن
شاهدوا المعجزات أحياء، فلا يمكن إدخال تحريف على الإنجيل الذي انتشر حتى روما
(على الأقل) غرباً وإلى سوريا والعراق شرقاً، ومن تركيا إلى جنوب ليبيا.

 

ونحن
نؤمن أن الرسالة إلى كورنثوس صحيحة حتى لو لم تكن النسخة الأولى منها (بين أيدينا)
ونؤمن أن ما سجّله لوقا من تاريخ الكنيسة في سفر الأعمال هو تسجيل صادق، لأن الروح
القدس أرشده ليكتبه، كما أن تأريخ المؤرخين الرومان والحفريات يؤيدان تأريخ لوقا.

30.
Suetonius, LIFE OF CLAUDIUS

 

ب.
الجمع الأخير للقرآن والإنجيل

القرآن
الذي جمعه زيد بن ثابت ولجنته

في
القسم السابق رأينا كيف تجهّزت النسخة الأولى من القرآن في عهد الخليفة الأول أبي
بكر وكانت هناك نسخ أخرى من القرآن مع بعض الصحابة، حسب ما سمعوه من محمد، أو
بنَسْخه ممن كانت لديه نسخة منه وكان عبد الله بن مسعود واحداً من أشهرهم، وكان
خادماً شخصياً للنبي وحضر بدراً وأُحداً، وكان يقول إنه حفظ سبعين سورة من فم
النبي مباشرة، ويقول الحديث إنه كان من أول من علّموا الناس تلاوة القرآن ومعروف
أن مصحف ابن مسعود كان يختلف في ترتيب سوره، ولم يكن يحتوي على (المعوَّذتين)
(سورتي الفلق والناس).

 

وكان
هناك مصحف آخر مع أُبيّ بن كعب، وهو أنصاري كان كاتب محمد في المدينة وكان مصحف
أُبيّ يحتوي على سورتين غير موجودتين في مصحف عثمان هما سورتا (الخلع والحفد) وآية
عن طمع الإنسان أوردها بعد آية 24 من سورة يونس وكان مصحف أُبيّ مستخدَماً في
سوريا قبل ظهور مصحف عثمان وكان أُبيّ أحد مساعدي زيد في تجهيز مصحف عثمان.

 

وبالإضافة
إلى ابن مسعود وأُبيّ، يذكر التاريخ الإسلامي والحديث وجود مصحف علي بن أبي طالب
مرتباً حسب ترتيب نزول الآيات، فكان يبدأ بسورة العلق (رقمها 96) ويذكر السيوطي في
(الإتقان) مصحف ابن عباس الذي كان يحتوي على سورتي الخلع والحفد، كما يذكر مصحف
أبي موسى المستعمل في البصرة والذي كان يحتوي على سورتي الخلع والحفد والآية التي
تتحدث عن طمع الإنسان (راجع المصاحف للسِّجستاني، باب اختلاف المصاحف).

 

جاء
في صحيح البخاري (جزء 6 ص 226 طبعة دار الشعب بالقاهرة، وفي (كتاب المصاحف)
للسجستاني طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، 1985، وفي مقدمة تفسير الطبري، طبعة دار
الفكر، بيروت 1984 ص 26) أن حذيفة بن اليمان قدِم على عثمان بن عفان، وكان يغزو مع
أهل العراق قبل أرمينية وأذربيجان في غزوهم ذلك الفوج ممن اجتمع من أهل العراق
وأهل الشام، ويتنازعون في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما ذعره.

فقال
حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف
اليهود والنصارى في الكتب وقال: غزوت أرمينية فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا
أهل الشام يقرأون بقراءة أُبيّ بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فتكفّرهم
أهل العراق وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل
الشام، فتكفّرهم أهل الشام).

ثم
يقول البخاري: (فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم
نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان،فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير
وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان
للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه
بلغة قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان
الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف
يخالف المصحف الذي أرسل به فذاك زمان حُرقت المصاحف بالعراق بالنار).

وجاء
في صحيح البخاري (جزء 6 ص 226):

(قال
ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت قال: فقدتُ آيةً من
الأحزاب حين نسخنا المصحف، فقد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها
مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه (سورة
الأحزاب 23) فألحقناها في سورتها بالمصحف).

والآن
وقد رأينا أسلوب زيد بن ثابت في جمع سور القرآن، تعالوا نر كيف جُمع الإنجيل،
وسنركز على إنجيل لوقا لأننا نملك معلومات أوفر على أسلوبه في الجمع.

 

تسجيل
أحداث الإنجيل

خلال
السنوات السبع والعشرين بعد صعود المسيح كان الرسل يبنون مواعظهم على: (أ) النبوات
التي وردت عن السيد المسيح في توراة موسى ومزامير داود وكتابات سائر أنبياء اليهود،
ثم: (ب) شهادات الرسل الذين قالوا بتحقيق تلك النبوات.

 

وبمرور
الوقت أرشد الروح القدس البشيرين الأربعة ليسجلوا كتابةً أحداث حياة المسيح
وتعاليمه ولكنهم لم يسجلوا تاريخ عملهم (كما هو الأمر مع القرآن) ولذلك لا نعلم
بالتحديد متى بدأوا كتابتها ولقد ذكرنا بابياس الذي جمع الأحاديث المسيحية، وقال
إن البشير متّى كان أول من سجّل أقوال المسيح، وإن البشير مرقس سجّل ما قاله له
الرسول بطرس، وإن البشير لوقا كان رفيق الرسول بولس، وإن البشير يوحنا كتب بشارته
في أفسس بعد أن تقدّم به العمر.

 

ويعاوننا
التاريخ المسيحي بتقديم تواريخ تقريبية للكتابة ويذكر المؤرخ الروماني تاسيتوس
المسيحيين في مجال كتابته عن حريق روما أثناء حكم الامبراطور نيرون عام 64م فيقول:

(لا
تقدر كل النجدة التي يقدمها الإنسان، وكل العطايا التي يسبغها الحاكم، وكل الأضاحي
المقدَّمة للآلهة أن تنجي نيرون من العار الذي لصق به نتيجة أمره بإحراق روما ولكي
يُسكِت الإشاعة اتَّهم باطلاً وعاقب بعذابات شديدة الجماعة المعروفة بالمسيحيين
المكروهين بسبب جرائمهم المنكرة والمسيح الذي يحمل المسيحيون اسمه كان قد قُتل في
عهد بيلاطس البنطي، والي اليهودية أثناء حكم طيباريوس ولكن خرافته انتشرت من جديد،
ليس في اليهودية وحدها حيث نشأ هذا الشر، بل وفي روما أيضاً) (31)

ومن
كتابة تاسيتوس يتضح أن الرومان صدّقوا أن المسيح مات في عهد بيلاطس كما يقول
الإنجيل، كما يتضح الاضطهاد القاسي الذي حلّ بالمسيحيين ويقول التقليد المسيحي إن
الرسولين بطرس وبولس قُتلا في هذا الاضطهاد ولما لم يذكر البشير لوقا خبر موتهما
في نهاية سفر الأعمال، فقد قال بعض علماء المسيحية إن سفر الأعمال لا بد كُتب قبل
حدوث ذلك الاضطهاد، أثناء السنتين اللتين قضاهما لوقا مع بولس في روما ولو صدق هذا
فإن سفر الأعمال يكون قد كُتب عام 62 أو 63م، وتكون بشارة لوقا قد كُتبت نحو عام
60م أثناء انتظار لوقا محاكمة بولس في فلسطين.

 

كفاءة
لوقا كجامع للمعلومات

يقول
الرسول بولس عن لوقا إنه (الطبيب الحبيب) (كولوسي 4: 14) فهذه الشهادة، بالإضافة
إلى الأسلوب الراقي لكتابة لوقا باليونانية، يعلنان عن درجة ثقافة لوقا العالية
وقد صحب لوقا بولسَ في مناسبتين على الأقل: مرة لفترة قصيرة من ترواس في تركيا إلى
فيلبي في اليونان (أعمال 16: 10-40) ومرة ثانية لعدة سنوات سافر خلالها مع الرسول
بولس من فيلبي إلى أورشليم، وانتظر مع بولس سنتين مدة سجنه في أورشليم، ثم قضى معه
سنتين أخريين أثناء سجنه في روما (أعمال 20: 6-28: 31) وأثناء وجود لوقا مع بولس
في فلسطين سنحت له الفرصة أن يلتقي بكثيرين ممن عرفوا المسيح، مثل يعقوب (أخي
الرب) غير الشقيق ويصف لوقا هذا اللقاء بالقول: (وَفِي الْغَدِ دَخَلَ بُولُسُ
مَعَنَا إِلَى يَعْقُوبَ، وَحَضَرَ جَمِيعُ الْمَشَايِخِ) (أعمال 21: 18) ولقد كان
يعقوب هذا يعلم كل شيء عن ميلاد المسيح العذراوي، وكيف عمل مع يوسف في النجارة
وينفرد لوقا بذكر المناقشة التي دارت بين المسيح وشيوخ اليهود في أورشليم لما كان
المسيح في الثانية عشرة من العمر (لوقا 2: 41-50) وهي حقيقة يسهل عليه أن يعرفها
من يعقوب هذا.

 

ونقرأ
في 1كورنثوس 15: 7 أن المسيح بعد قيامته ظهر ليعقوب، ولا بد أن لوقا سأل يعقوب عن
هذا الظهور وما قاله المسيح له أثناءه.

 

وبالإضافة
إلى شهادة يعقوب، فربما كانت العذراء مريم حية، ويكون أن لوقا سألها شخصياً عن
الميلاد العذراوي، لأنه الوحيد الذي أورد كلمات الملاك جبرائيل لها: (اَلرُّوحُ
الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضاً
الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللّهِ) (لوقا 1: 35 و36)

ولا
بد أن لوقا سأل مئات الأشخاص الذين رأوا معجزات المسيح، أثناء إقامته مدة السنتين
اللتين كان بولس فيهما مسجوناً في فلسطين ولا بد أنه التقى ببعض (الخمسمئة أخ)
الذين ظهر المسيح لهم بعد قيامته، دفعةً واحدة (1 كورنثوس 15: 6)

 

كما
أن البشير لوقا كان يعرف البشير مرقس لأنهما كانا مع بولس في وقت واحد ويقول بولس
في نهاية رسالته إلى كنيسة كولوسي: (يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ
الْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ابْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا.. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ
لُوقَا الطَّبِيبُ الْحَبِيبُ). كولوسي 4: 10 و14

 

ولقد
رأينا في حديث بابياس أن البشير مرقس كتب بشارته عن فم بطرس وبمقارنة بشارتي مرقس
ولوقا نكتشف أن لوقا لا بد قد اطّلع على بشارة مرقس واتَّخذها كأحد مراجعه وربما
حصل على بشارة مرقس من كاتبها مباشرة أثناء سجن بولس وكل هذه شواهدٌ تبرهن أن لوقا
تحقَّق من كل ما حصل عليه من معرفة بأقوال المسيح وأعماله من شهود عدول، كما فعل
زيد بن ثابت ورفاقه في تحقيق صحّة آيات القرآن

أسلوب
لوقا في جمع مادة بشارته.

 

وما
حدث مع القرآن حدث مع الإنجيل، فقد جمع كثيرون أقوال المسيح وأعماله وهذا ما يقوله
البشير لوقا في فاتحة بشارته: (إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ
قِصَّةٍ فِي الْأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا
الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ،
رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْأَوَّلِ
بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ
ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلَامِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ) (لوقا 1: 1-4)

 

يبدأ
لوقا بالقول إن كثيرين جمعوا أقوال المسيح ووصفوا معجزاته، كما سمعوها من معاينيها
ومن خدّام الكلمة و(الكلمة) هنا تشير إلى المسيح (كلمة الله) ويقول لوقا إنه
تتبَّع كل شيء بالتدقيق (على فم شاهدين على الأقل كما تأمر التثنية 19: 15 في عدد
الشهود) ثم سجَّل أخباره المفرحة لحاكم اسمه (ثاوفيلس) والآن دعونا نلقِ نظرة
سريعة على سائر البشائر:

 

بشارة
مرقس

كان
مرقس أحد سكان أورشليم، ولا بد عرف بطرس وسائر الرسل منذ حداثته ثم كان مع بطرس في
روما، لأن بطرس يقول: (تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ (الكنيسة) الَّتِي فِي بَابِلَ (روما)
الْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ابْنِي) (1بطرس 5: 13) وهذه الآية تؤكد وجود
مرقس مع بطرس واستقاءه الحقائق منه وربما روى بطرس البشارة بالأرامية وكتبها مرقس
(ككاتبٍ له) باليونانية، ويقول العارفون بالأرامية واليونانية:

(توجد
أدلة غير قليلة في بشارة مرقس على أن المادة الأصلية كانت أولاً بالأرامية، لأن
لغة البشارة اليونانية، في بعض الأماكن، تحتفظ بوضوح بالتعبيرات الأرامية) (ف ف
بروس في كتابه (وثائق العهد الجديد، هل هي صحيحة؟)) (32)

ويقول
التقليد المسيحي إن بطرس استُشهد أثناء اضطهاد الإمبراطور نيرون للمسيحيين، والذي
بدأ عام 64م ويقترح د بوكاي أن مرقس ربما سجّل ما حفظته ذاكرته بعد موت بطرس، وذلك
عام 70م ولكن لما كان الأغلب أن لوقا كتب بشارته عام 60م، وقد اتَّخذ من بشارة
مرقس مرجعاً له، فإن معظم علماء الكتاب المقدس المحافظين، مع آباء الكنيسة
الأوَّلين (أمثال أوريجانوس وإيرينيموس وأكليمندس الإسكندري) يعتقدون أن مرقس كتب بشارته
عام 50م

 

وكما
سنرى، فإن اختيار د بوكاي لعام 70م موعداً لكتابة بشارة مرقس لا يعتمد على دليل من
داخل البشارة أو من خارجها، ولكنه يتبع (افتراضاً أساسياً) قام عليه (نقد الصيغة
اللغوية) الذي يفترض عدم وجود معجزات ولا وحي.

 

بشارة
متّى

لا
نعرف تاريخاً محدداً لكتابة بشارة متّى وكما سنرى، فإن الرسائل والكتابات المسيحية
الأولى التي لدينا قد اقتبست منها ويقول بابياس إن متّى كان أول من سجّل تعاليم
المسيح.

 

ولقد
كان متى جابي ضرائب، استجاب لدعوة المسيح له ليتبعه وكانت وظيفته تتطلّب في حاملها
أن يعرف اللاتينية والأرامية ليسجل الضرائب المطلوبة، وربما يعرف اليونانية، لغة
التجارة في وقته وهذا يعني أنه يملك الإمكانيات التي تؤهّله لتسجيل أقوال المسيح
وقال بابياس إنه سجل تعاليم المسيح باللغة العبرية (الأرامية).

 

ولقد
تبع متّى المسيح من بلد لآخر يصغي إلى تعاليمه ويسجلها، دون أن يحدد تاريخ إلقاء
تلك التعاليم (كما لم يسجل أحدٌ تاريخ نزول آيات القرآن) وتسجيل التاريخ لا يعنينا
كثيراً، فليس مهمّاً أن نعرف أين ومتى قال المسيح (فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ
كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هوَ كَامِلٌ) (متى 5: 48)

 

ثم
جاء شخصٌ آخر فعل ما فعله لوقا، وجمع مجموعته من أعمال المسيح وأقواله، فأخذ من
بشارة مرقس المنقولة عن بطرس، ثم ترجم ما كتبه متّى إلى اليونانية، وأضاف إليه ما
أخذه عن مرقس وكان أشهر ما قدَّمه (الموعظة على الجبل) (متى 5-7) التي يتحدث
المسيح فيها عن الصلاة والصوم والطلاق والزنا بالقلب، وغير ذلك من المواقف الروحية
القلبية، مع أصعب ما أمر المسيح به، وهو قوله: (أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ بَارِكُوا
لَاعِنِيكُمْ أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ
يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ
الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ) (متى 5: 44 و45) ولقد نفَّذ المسيح هذا الأمر لما صلى
من أجل أعدائه الذين صلبوه وقال: (يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ) (لوقا 23: 34)

وواضح
من الأمر (لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات) أنه يتحدث عن بنوية روحية
معنوية، لا جسدية حرفية.

 

وتنفرد
بشارة متّى بذكر بعض أحداث حياة المسيح، كزيارة الحكماء الذين جاءوا من المشرق،
وسجدوا للمسيح الطفل في المذود، وذلك لأن متى كتب بشارته لليهود الذين يعرفون النبوات
التي جاءت في توراتهم عن قدوم حكماء وسجودهم للمسيح، في سفر إشعياء 60: 3

 

بشارة
يوحنا

يُقال
إن يوحنا كتب بشارته في مرحلة متأخرة من عمره بين عامي 90 و95م، ولكن لا توجد في
بشارته أية إشارة إلى تاريخ كتابتها وقد بدأ علماء الكتاب أخيراً يُرجِعون زمن
كتابتها إلى تاريخ مبكر عن ذلك وقال وليم أُلبرايت (وهو من أشهر رجال الحفريات) في
كتابه (اكتشافات حديثة في بلاد الكتاب المقدس): (يمكن أن نقول بتأكيد إنه لا يوجد
أساس قوي لتأريخ كتابة أي سفر من العهد الجديد بعد عام 80م) (33)

 

لماذا
وضع د بوكاي هذه التواريخ؟

 

اقتبس
د بوكاي كتابات بعض علماء العهد الجديد، واختار التواريخ التالية للبشارات الأربع:
متّى: 80م مرقس: 70م لوقا: 70-90م يوحنا: في التسعينات وتلاحظ أن كل هذه التواريخ
جاءت بعد عام 70م لماذا؟ لأن أورشليم أُخرِبت عام 70م، ويسجل متى ومرقس ولوقا
نبوَّة المسيح بخرابها وخراب هيكلها يسجل مرقس: (وَفِيمَا هوَ (المسيح) خَارِجٌ
مِنَ الْهَيْكَلِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ: (يَا مُعَلِّمُ، انْظُرْ
مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ وَهذِهِ الْأَبْنِيَةُ؟) فَأَجَابَ يَسُوعُ: (أَتَنْظُرُ
هذِهِ الْأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لَا يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَا
يُنْقَضُ) (مرقس 13: 1 و2)

 

وقد
اقتبس د بوكاي أقوال علماء العهد الجديد الذين يؤمنون بنظرية الوثائق ونقد الصيغة
الأدبية، اللذين درسناهما في فصلي 2 و3 من هذا الجزء وعرف أن أصحاب هاتين الفكرتين
لا يؤمنون بالوحي ولا بالمعجزات ولذلك وضعوا تاريخ كتابة البشائر بعد عام 70م
فتكون أورشليم قد أُخرِبت قبل الكتابة، مما ينفي أن البشائر حملت النبوات
المسبَّقة بخراب أورشليم!

 

ذكرنا
أن البشائر لا تسجل تاريخ كتابتها، فربما كُتبت في السنوات العشر الأولى بعد موت
المسيح، وقد قال د جون روبنسون في كتابه (إعادة تأريخ العهد الجديد) الذي نشره في
لندن عام 1976 إن كل كتب العهد الجديد كُتبت قبل عام 70م (34)

 

وقد
أعطانا د بوكاي رسماً بيانياً (ص 97) يبرهن أن للبشر يداً في تحريف الكتاب المقدس
ويقدم الرسم البياني التالي جمع مادة البشائر كما وصفنا في هذه الصفحات:

 

واضح
أني أوافق على تأريخ د بوكاي وحتى لو اتفقنا مع تواريخه، فإن كل علماء العهد
الجديد يؤمنون أن كثيراً من أسفار العهد الجديد كُتبت بين سنة 52 و70م، كما يتفقون
أن عام 95م شهد كتابة العهد الجديد كله، ويتفقون أن كل من كتبوا العهد الجديد
كانوا مؤمنين ب (العقيدة الإنجيلية) وأضع التنبير على التاريخ 52-70م لأنه يشكل
مدة 26-44 سنة بعد بدء خدمة المسيح العلنية ونحن نذكر أن عثمان أرسل مصحفه للآفاق
نحو عام 26 ه، أي بعد نحو 40 سنة من بداية دعوة محمد لقومه وفي هذه نرى التشابه
بين تأريخ العهد الجديد وتأريخ القرآن.

 

ويواجهنا
السؤال مرة أخرى: (ولكن كيف تعرف؟)

 

ونجاوب:
نؤمن أن التلاميذ كانوا أبراراً صالحين يريدون معرفة الحق السماوي وأن يطيعوه
ويقول القرآن إنه أُوحي إليهم، وإنهم أنصار الله كما نؤمن أنه كان هناك شهود عيان
كثيرون لمعجزات المسيح وتعاليمه، يمكنهم أن يشهدوا للحق ويُزهِقون الباطل ونؤمن أن
الروح القدس أرشدهم وألهمهم ليكتبوا الصواب صحيح أننا لا نملك النسخة الأصلية،
ولكننا نؤمن أن بين أيدينا كتاب الله: التوراة والإنجيل.

 

احتياطات
عثمان لحفظ وحدة نصوص القرآن

ذكرنا
في هذا القسم بعض الأحاديث عن كيفية جمع القرآن بإشراف زيد بن ثابت، والتي ورد في
أحدها: (حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل
أفق بمصحف مما نسخوا، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل به فذاك
زمان حُرقت المصاحف بالعراق بالنار)

 

لقد
قرر عثمان ألا يكون هناك اختلاف في القرآن، فأحرق كل النسخ ما عدا نسخة زيد أحرق
نسختي علي وأُبيّ بن كعب وروى السِّجستاني أن بعض العراقيين طلبوا من ابن أُبي أن
يريهم مصحف أبيه، فقال لهم إن عثمان (قبضه) وقد أمر عثمانُ ابنَ مسعود في العراق
أن يحرق نسخته، ولكن ابن مسعود رفض ذلك ولا بد أنها أُبيدت بعد موته ولو أن عثمان
لم يحرق المصاحف لبقيت أربع نسخ (أو أكثر) تشهد لصحّة القرآن، فهي شهادة شاهدِي
عيان وسامعين بالآذان لما قاله محمد ولقد رأينا أن التوراة تطلب شاهدَين، ولكن
عثمان لم يُبقِ إلا على شاهد واحد

وإني
أسأل القارئ المسلم: على أي أساس تبرهن لنفسك (ودعْكَ من بَرْهَنة ذلك للمسيحيين)
أنه لم يحدث تحريف لفظي لنصوص القرآن؟ وما هو رأي د بوكاي في ما فعله عثمان؟ يكتب
بوكاي في كتابه (الرجل) (ص 163) جملة صاغها بتدقيق: (نعلم أن الإسلام انتشر بسرعة
كبيرة بعد موت محمد إلى مناطق بعيدة عن منشئه، بين أقوام لم تكن أغلبيتها تعرف
العربية، فاتَّخذوا بعض الاحتياطات الخاصة حتى لا يعاني النص القرآني من هذا
التوسع)

 

ولو
أن أحد المسيحيين كتب عبارة كهذه، أما كان د بوكاي يتَّهمه بالدفاع البهلواني
وإخفاء الحقائق وخداع المؤمنين!

 

ويدين
د بوكاي المسيحيين بقسوة ويتهمهم ب (استبعاد لكثيرٍ من المؤلفات وربما كان ما حُذف
مائة إنجيل) (ص 99) ولو أنه لا يقدم برهاناً على ما يقول ومعروف أنه لم تكن لدى
المسيحيين الأولين أية سلطة سياسية حتى تولى قسطنطين الحكم عام 324م فلم يكن
بإمكانهم أن يستبعدوا مؤلفات أو يحذفوا مئة إنجيل! صحيح أن بعض الكتب المقدسة
المسيحية أُحرقت، ولكن هذا كان تنفيذاً لأوامر غير المسيحيين، ففي عام 303م أمر
الإمبراطور الوثني دقلديانوس بإحراق كتب المسيحيين القانونية والأبوكريفية، ولكن
الكنيسة لم تفعل هذا.

 

وفي
عام 393م انعقد سنودس (مجلس كنسي أعلى) في هبو بشمال أفريقيا، أقرَّ قائمة بأسماء
الكتب القانونية التي اعتبرها مكتوبة بإشراف الرسل ولما كنا نعلم أن المخطوطتين
الفاتيكانية والسينائية قد كُتبتا قبل اجتماع هذه السنودس ب 40-50 سنة، وكلاهما
تحتويان على 27 سفراً، ندرك أن المسيحيين الأولين قد قبلوا هذه الأسفار السبعة والعشرين
نتيجة مناقشة حرة، في وقت لم تكن الكنيسة تملك فيه أية قوة سياسية تفرض رأيها!

 

وكان
يجب على د بوكاي أن يذكر هذا، خصوصاً وأنه أغفل ما فعله عثمان ومع ذلك فهو يقول: (ولا
نستطيع إلا أن نأسف مع الأب بومار على اختفاء كمٍّ ضخمٍ من الكتب التي اعتبرَتها
الكنيسة مزوَّرة) (ص 100) ومع ذلك فهو لا يأسف على إحراق عثمان نسخ المصاحف
الأصلية، ولا يتكرم حتى بذكر ذلك، ويكتفي بذكر (احتياطات عثمان الخاصة)! لقد قال
المسيح: (وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ.. وَهَا
الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ!) (متى 7: 3 و4) إن ما ينتقد به د بوكاي الكتاب المقدس
قشَّة بالنسبة لما فعله عثمان بنُسخ القرآن التي كانت بيد كبار الصحابة.

 

ونضيف
أن العدد الوفير من (الأناجيل والرسائل) التي ذكرها د بوكاي (وسنشير إلى بعضها في
قسم (د)) تورد كلها (العقيدة الإنجيلية) باستثناء إنجيل برنابا، الإنجيل المزيف
الذي يناقض القرآن والأناجيل الصحيحة (انظر كتابنا (إنجيل برنابا إنجيل مزيف) لعوض
سمعان)

مصير
نسخة القرآن الأولى والفريدة.

 

ولكن
ماذا كان مصير النسخة الأولى من القرآن التي جُمعت بأمر أبي بكر، والتي أعادها
عثمان إلى حفصة بعد أن وعدها بذلك؟ يقول السجستاني: (أخبرني سالم بن عبد الله أن
مروان (حاكم المدينة) كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كُتب منها القرآن،
فتأبى حفصة أن تعطيه إياها قال سالم:

فلما
تُوفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر (شقيق حفصة)
ليرسلنَّ إليه بتلك الصحف فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشُققت
فقال مروان: إنما فعلتُ هذا لأن ما فيها قد كُتب وحُفظ بالمصحف، فخشيتُ إن طال
بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول إنه قد كان شيء منها لم
يُكتَب) (ص 32)

وبتدمير
مصحف حفصة ومصحف ابن مسعود بالكوفة تكون مصادر القرآن الأساسية قد ضاعت، بدون
الاحتفاظ بنسخ منها ولكن في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ويُطلق عليها (فترة
الاجتهاد) كان علماء الإسلام يفضّلون قراءة على قراءة أخرى من قراءات الصحابة ولكن
الأصوليين لم يقبلوا هذا، حتى أن العالِم البغدادي المشهور (ابن شَنَبُوذ)
(245-328 ه) أُجبر أن ينكر علناً قراءاته من النسخ القديمة إذ يروي الطبري في
تاريخه (ج11 ص 291 دار المعارف، القاهرة، دت) أن الوزير ابن مقلة أحضر ابن شنبوذ
في شهر صفر عام 323 ه وقال له: (بلغني أنك تقرأ حروفاً في القرآن بخلاف ما في
المصحف، وكان ذلك بحضرة ابن مجاهد وأهل القرآن فاعترف بقراءة ما عُزي إليه من
الحروف، ومنها (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ.. فَامضوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (سورة
الجمعة آية 62: 9، وهي في المصحف الحالي (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا
إلى ذكر الله)) وأغلظ ابن شنبوذ للوزير والجماعة، ونصر ما عُزي إليه ثم استُتيب عن
قراءة الحروف، فتاب منها).

 

وإن
كان د بوكاي يكرر أن المسيحيين غيّروا وحرَّفوا إنجيلهم، فماذا يقول في ما عمله
عثمان ولجنته وما عمله مروان؟ ألم يغيّروا في القرآن ما شاءوا أن يغيروا؟ وهذا عين
ما قالته حميدة بنت أبي أويس، قالت: (قرأ عليَّ أبي وهو ابن ثمانين في مصحف عائشة
(إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمَنوا صلّوا عليه وسلّموا
تسليماً، وعلى الذين يصلّون في الصفوف الأولى) وذلك قبل أن يغيّر عثمان المصحف)
(القرآن المجيد، دروزة، ص 58).

 

ونعود
نوجّه السؤال: كيف تعرف إن كان القرآن الذي بين يديك الآن يماثل تماماً القرآن
الذي نزل على محمد؟

 

خاتمة

بالرغم
من إحراق عثمان للمصاحف يؤمن المسلمون أن لا اختلاف يُذكر قد جرى لعقائد القرآن
الأساسية فكيف يقول أحدٌ إن تغييراً قد حدث للعقائد الإنجيلية الأساسية؟

 

وإن
كان القرآن الذي جاء بعد الإنجيل بستمئة سنة يختلف مع الإنجيل، فعلى المسلمين أن
يجدوا حلاً آخر للمشكلة غير اتهام الإنجيل بالتحريف لقد افترضوا أساساً أن الإنجيل
تحرف، دون أن يقدموا برهاناً واحداً على ذلك.

ويتفق
المسيحيون مع المسلمين على ما جاء في سورة يونس 64 (لا تبديل لكلمات الله).

31. Tacitus, TACITUS ANNALS, XV

32. F F Bruce, THE NEW TESTAMENT
DOCUMENTS, Intervarsity Press,
Downers
Grove
, Ill,، p

33. William Albright, RECENT
DISCOVERIES IN BIBLE LANDS, Funk and
Wagnalls, New York,،
p

34. A T Robinson, RELATING THE
NEW TESTAMENT,
London, SCM Press,

35. Bruce M Metzger, THE TEXT OF
THE NEW TESTAMENT,
Oxford University Press, New York,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار