علم

مفهوم علم الباترولوچي



مفهوم علم الباترولوچي

مفهوم علم
الباترولوچي

علم الباترولوچي

“علم
آباء الكنيسة”

يبحث
علم الباترولوچي في حياة آباء الكنيسة الأولى وأقوالهم وكتاباتهم وأفكارهم
اللاهوتيّة والروحيّة والمسكونيّة الخ. فإن كان المسيحيّون اليوم يشتاقون نحو
التعرّف على إيمان الكنيسة الأولى الجامعة، وإدراك روحها وفكرها، فإن هذا هو عمل
علم الباترولوچى، لأن قصّة الآباء هي قصّة حياة الكنيسة الأولى من كل جوانبها:
التعبّديّة والكرازيّة والرعويّة والاجتماعيّة؛ قصّة الكنيسة الحيّة التي تحتضن
بالحب الإلهي أولادها، وتواجه العالم الوثني لتدخل به إلى دائرة حب اللَّه بالإيمان،
كما تواجه الهراطقة وأصحاب الانقسامات لا لتحطيمهم بل لتحطيم ما هو شر فيهم،
فنقتنيهم أبناءً لها، بفكرٍ إنجيلي عملي.

 

موضوع
علم الباترولوچي

كلمة
Patrologia” مأخوذة من الكلمة اللاتينيّة Pater،
أي “أب”، فعلم الباترولوچي هو العلم الذي يبحث في حياة الآباء
الأولين وأعمالهم (أقوالهم وكتاباتهم) وأفكارهم
[1].
دراسة سيرة الآباء أو حياتهم أمر حيوي، يسندنا في تفهّم شخصياتهم ومعرفة
الظروف المحيطة بهم، والتي من خلالها سجّلوا لنا كتاباتهم[2].
أما أعمالهم سواء كانت أقوالهم أو كتاباتهم أو رسائلهم، فهي جزء لا يتجزّأ
من تاريخ حياتهم. أما الجانب الرئيسي في هذا العلم، فهو الكشف عن فكر الآباء
وعقائدهم وتعاليمهم
، بالدخول إلى روح الآباء والتعرّف على النقاط التي ركّز
عليها كل أب، ودراسة آرائه على ضوء الصراعات المعاصرة له. يلزم دراسة تعاليم كل أب
وشروحاته وتعليقاته على ضوء صوت الكنيسة الجامعة، بكونه عضوًا في الجسد الواحد.

يلقَّب
إبراهيم وإسحق ويعقوب بطاركة “آباء” إسرائيل[3]،
وكان اللقب الرسمي للكتبة في التقليد اليهودي هو “آباء“.

وفي
كنيسة العهد الجديد نسمع في استشهاد القدّيس بوليكاربوس جماعات اليهود
والوثنيّين يصرخون: “هذا هو أب المسيحيّين[4].
وحين دافع القدّيس أثناسيوس عن استخدام تعبير “أمونسيوس” ذكر أن الآباء
استخدموه، قاصدًا بتعبير “الآباء” القدّيسين ديونسيوس السكندري
وديونسيوس الروماني وغيرهما[5].

v           
عندما يتعلّم إنسان من فم آخر يُقال عنه أنّه
ابن ذاك الذي يعلّمه، ويُحسب الأخير أباه[6].

القدّيس إيريناؤس

v           
الكلام ابن النفس، لهذا ندعو الذين يعلّموننا
آباء لنا… ويُحسب الذي يتعلّم في خضوع الابن[7].

القدّيس إكليمنضس السكندري

في
علم الآباء لا يُحصر تعبير “آباء” على الأساقفة والكهنة
والشمامسة الذين لهم تراث أدبي روحي أو لاهوتي، وإنّما يضم المدافعين عن الإيمان
المسيحي في القرون الأولى، كما يضم الرهبان الذين هربوا من الكهنوت لكنّهم تلمذوا
كثيرين بفكرٍ نسكيٍ إنجيليٍ.

يُشترط
في الأب الآتي:

1.           
أن يكون له مقالات أو كتب أو
رسائل أو أقوال سجّلها له أبناؤه.

2.    
أن يكون أرثوذكسي – مستقيم –
المعتقد، يعيش بروح الكنيسة. هذا وتستفيد الكنيسة بتراث بعض الشخصيّات التي عُرفت
بخصوبة إنتاجها مع ارتباطهم بالكنيسة، وإن كانوا قد سقطوا في بعض الانحرافات مثل العلاّمة
ترتليان وتاتيان
وأوريجينوس الخ. كما يعطي علم الباترولوچي اهتمامًا بكتابات
الهراطقة
أيضًا والكتب الأبوكريفا (المزوّرة) لنتفهّم جو الكنيسة الأولى،
ونتعرّف كيف شهدت الكنيسة للحق بالرغم من مقاومة الهراطقة.

3.           
قداسة الحياة: فنحن ندرس
هذا العلم من أجل التمتّع بالحياة الكنسيّة الإنجيليّة الأصيلة.

4.    
يضع بعض علماء الباترولوچي شرط “الزمن
بمعنى أن يكون الأب منتميًا إلى الكنيسة حتى زمن معين، حدّدها البعض بالقرن السادس
وآخرون بالقرن الثامن، ويرى آخرون أن عصر الآباء ممتد مادام روح الرب يرافق
الكنيسة ويعمل فيها، لهذا لا ينقطع عنها آباء قدّيسون معلّمون[8].

5.    
يضع الكاثوليك شرط القبول الكنسي للأب، لكننا
بروح الكنيسة الأرثوذكسيّة لا تقوم الكنيسة بتقنين “اللاهوت
الآبائي” في كل كلمة، ولا تقدّم فهرسًا إلزاميًا عن الآباء وتراثهم، إنّما
تكتفي في مجامعها بفرز الكتابات والآراء المنحرفة إيمانيًا وتحذر منها، كما تحرم
الهراطقة من شركتها حتى يرجعوا عن ضلالهم.

سلطان الآباء

يمثّل
الآباء القدّيسون فكر الكنيسة الجامعة الذي تسلّمته من الرسل بفعل الروح القدس
الذي يعمل بلا انقطاع في حياة الكنيسة. يتحدّث عنهم القدّيس أغسطينوس،
قائلاً: [تمسّكوا بما وجدوه في الكنيسة، عملوا بما تعلّموه، وما تسلّموه من الآباء
وأدعوه في أيدي الأبناء[9]]، [من يحتقر
الآباء القدّيسين ليعرف أنّه يحتقر الكنيسة كلّها[10].]

يقوم
هذا السلطان على عاملين: عامل طبيعي، إذ اتّسم الآباء بالحياة القدسيّة
والأمانة في استلام وديعة الإيمان الحيّ من أيدي الرسل، لذلك هم أقدر على الشهادة
للحياة الكنسيّة من كل جوانبها، خاصة وأنهم يحملون الفكر الواحد، بالرغم من اختلاف
الثقافات والمواهب والظروف، مع بُعد المسافات بين الكراسي الرسوليّة وصعوبة
الاتصالات في ذلك الحين.

والعامل
الثاني إلهي،
حيث عاش الآباء منحصرين بالروح القدس، قائد الكنيسة ومرشدها
إلى كل الحق، يحفظها داخل دائرة صليب المسيح.

هذا
لا يعني عصمة الآباء كأفراد، وإنّما تعيش الكنيسة الجامعة ككلٍ محفوظة بروح الرب.

كيف نستخدم كتابات الآباء؟

1.    
لا يقدر أحد من الآباء بمفرده أن يتعرّف على
“الحق” كلّه كما تعرِفه الكنيسة في كليّتها، لهذا يليق بنا ألاَّ نقبل
رأي أب ما بطريقة مطلقة بغير تحفّظ، إنّما يجب أن يكون رأيه إنجيليًا يحمل روح
الكتاب المقدّس ومطابقًا لفكر الكنيسة الجامعة.

2.           
يلزمنا ألاَّ نبتر بعض فقرات من تراث الآباء
لتأكيد فكرة مسبّقة في أذهاننا.

3.           
دراسة معاني بعض التعبيرات التي يستخدمها الأب،
إذ توجد عبارات أو كلمات كانت تحمل مفاهيم فلسفيّة أو شعبيّة في ذلك الحين.

4.           
يمكننا فهم بعض العبارات الصعبة الواردة في
كتابات أحد الآباء بمقارنتها بما ورد في كتابات وأعمال الآباء المعاصرين له.

الالتجاء
إلى تراث الآباء

اعتمد
القدّيس أثناسيوس على تراث الآباء في دفاعه[11]،
كما اعتمد القدّيس باسيليوس على كثير من التقاليد الكنسيّة خلال أقوال
الآباء السابقين له. تزايد هذا الاتجاه، إي الالتجاء إلى أقوال الآباء السابقين،
في القرن الرابع، ونما جدًا في القرن الخامس[12].
فالقدّيس كيرلس السكندري كمثال، في كتاباته إلى الرهبان المصريّين[13]
دفاعًا عن لقب القدّيسة مريم ثيؤتوكوس – لتأكيد أن المولود هو كلمة اللَّه
المتأنّس دون انفصال اللاهوت عن الناسوت – أشار إليهم أن يقتفوا آثار القدّيسين.
وفي حديثه ضدّ نسطور[14] التجأ إلى
تعليم الكنيسة المقدّسة الممتدّة في كل العالم وإلى الآباء المكرّمين أنفسهم،
معلنًا أن الروح القدس تحدّث فيه. ولتدعيم حديثه عن السيّد المسيح استند إلى بعض
مقتطفات آبائيّة في كتاباتهم الجدليّة[15]، قدّمها
إلى مجمع أفسس[16].

اهتمام الأقباط بكتابات الآباء

كان
الأقباط منذ نشأة الكنيسة على صلة وثيقة بالفكر الآبائي للكنيسة الجامعة، فقد
قاموا بترجمته إلى لغة الشعب حتى في صعيد مصر، والدليل على ذلك وجود مخطوطات
قبطيّة قديمة لكتابات الآباء الرسوليّين، بكر الكتابات الآبائيّة.



[1] See F. Cayé: Patrologie et Histoire de la
Theologie, Paris 1945, t 1
.

[2] Patrick J. Halell: Introduction to Patrology, 1968, p.
10.

[3] انظر
تك١: ٢٤ (الترجمة السبعينيّة)؛ خر٣: ١٣،
١٥؛ تث١: ٨؛ أع ٣: ١٣؛ ٧:
٢، ١٢؛ رو٤: ١٣، ١٦؛ ٢ بط
٣: ٤
.

[4] Marty. Polyc. 12:3.

[5] Athanasuis: Ep. ad Afros 6.

[6] Against Haer 4:41:2.

[7] Stromata 1:1:2.

[8] Timothy Ware: The Orthodox Church, Maryland
1969, p. 212.

[9] St.
Augustine
: Contra Julian, II 9.

[10] St. Augustine: Contra Julian 37.

[11] Athanasius: Ep. ad Afros 6.

[12] Kelly: Early Chrisian Doctrines, p. 48–49.

[13] Ad Monach PG 77:12,13.

[14] Adv. Nest. 4:2.

[15] De recta Fide ad regin; apol. contr. Orient PG 76:1212
For; 316.

[16] E. Shwartz: acta conciliorum oecumenicorum 1:1, 7:89
F.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار