بدع وهرطقات

مشكلة أوريجانوس



مشكلة أوريجانوس

مشكلة
أوريجانوس

هناك
خمسة إتهامات منسوبة للعلامة أورجانوس، الأولى مؤكدة، أما الأربع إتهامات الآخرى
فغير معلوم على وجه اليقين هل هو فعلا آمن بها أم إنها بدع مدسوسة فى كتاباته من
قبل الهراطقة لنشر افكارهم من خلال كتب العلامة اورجانوس، وتتمثل تلك التهم فى الآتى:

1-
قم بخصى نفسة (وهذة حقيقة مؤكدة).

2-
آمن بعودة التجسد: أى أن النفوس خلقت قبل الأجساد وإرتبطت بالأجساد كتأديب عن
خطايا سابقة أرتكبتها وأن عالم الحس بالنسبة لها ليس إلا مكاناً للتطهير.

3-
نفس المسيح لها وجود سابق قبل التجسد وإتحدت باللاهوت.

4-
ستعود كل الخليقة إلى أصلها فى الرب، ويخلص كل البشر (وأن العقوبة الأبدية لها
نهاية)

5-
سيخلص الشيطان وكل الأرواح الشريرة

 

فكر
أوريجانوس والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23

التفسير
الرمزى هو إتجاه لتفسير الكتب المقدسة بما يسمو بالروحانيات، ولا دخل بالثقافة
الوثنية أو الفلسفة الوثنية فى تفسير الكتب المقدسة لسبب بسيط هو أن التفسير
الرمزى هو إتجاه فكرى بحثى تأملى للوصول إلى العمق الروحانى، والتفسيرات الرمزية
تعتمد على قدرة تأمل الإنسان، وتختلف قدرة التأمل من إنسان إلى آخر، كما أنه فى
فقرة ما أو آية ما ينطبق عليها التفسير الحرفى وينطبق عليها ايضاً التفسير الحرفى
البسيط، بل نستطيع القول أنه يمكن تفسير كل شئ بالتفسير الرمزى ولكن لا يمكننا
تفسير كل شئ بالتفسير الحرفى البسيط، والتفسير الرمزى لا يتعارض إطلاقاً مع
التفسير الحرفى، ولكن التمسك بالتفسير الحرفى بمفرده فهذا قد يقتل التمتع بالايات
المقدسة هو الذى تجعل الإنسان يسموا فى سماء الروح.

 

نحن
محتاجين للتفسير الرمزى أكثر من الحرفى، وبالرغم من أن الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية قد حرمت أوريجانوس وحرمت فى بعض الأحيان من يقرأ كتاباته، إلا أن
كتاباته لا زالت حية ويقرأها الأقباط حتى يومنا هذا بل ويستمتعون بها، كما أنه
يمكن القول فى ثقة أن التفسير المجازى والرمزى والتأملى الأوريجانى هو الذى يتبعه
غالبية قادة الكنيسة القبطية كمنهج رئيسى فى تفسير الكتب المقدسة.

 

وبالرغم
من محبة معظم الأقباط لهذا المنهج الأوريجانى فى الكنيسة القبطية فى التفسير شعباً
وقادة، إلا أن الكنيسة القبطية تفتقر للتفسير العلمى الواضح والبسيط، وإنغماس
القادة فى هذه التفسيرات الروحية جعل البرتستانت يتقدموننا فى التفسير العلمى
وإلتزامهم بالآيات وحفظهم ودراستهم للكتب المقدسة

 

وننهى
هذا الموضوع بالقول أن تفسير الكتب المقدسة يتم عن طريق محاور عديدة منها التفسير
الرمزى، والحرفى، والعلمى.. ألخ كما يجدر الإشارة فى التفسير إلى الناحية
التاريخية والجغرافية بل والإجتماعية وعادات الناس فى هذه العصور القديمة بل قد
يحتاج موضوع ما إلى نوع العملة ومقدارها. الموضوع ليس حرباً بين الفكر الأوريجانى
والفكر الحرفى وأيضاً ليس تحيزاً بين منهج وآخر ولكن التفسير الشامل الكامل هو
الذى يلم بتفاصيل وزوايا الأحداث فى الكتب المقسة من جميع وجهات النظر: الرمزية
والحرفية والعملية والإجتماعية والإقتصادية والتاريخية والجغرافية وغيرها..

 

وبالنسبة
إلى موضوع أوريجين أو أوريجانوس يمكن تقسيم موضوعه إلى: شخصيته، أعماله الشخصية،
كتاباته، منهجة الفكرى فى التفسير الرمزى.

 

لقد
حرم اوريجانوس لأجل عمل شخصى بتنفيذ آية فى الكتاب المقدس تفسير حرفى وهو صاحب فكر
التفسير الرمزى، أما كتاباته لا يستطيع احد أن يتأكد من: هل أدخل النساخ عليها
تغيير أم لا (فى أزمنة لاحق ةخاصة من الأريوسيين) لأن الاباء العظماء مثل أثناسيوس
الرسولى وغيره قد إستخدموها، لهذا لا زالت كتاباته تقرأ، أما عن منهجه فى التفسير
الرمزى فلا أحد يستطيع حرم إنسان يستخدم التفسير الرمزى والمجازى الأوريجانى

 

 الفكر
الأوريجانى والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 فى القرن الرابع

شغف
آباء القرن الرابع بالفكر الأوريجانى (نسبة إلى العلامة المصرى أوريجانوس) وقلدت
كتاباتهم الفكر الأوريجانى المؤسس على الرمزية، كما درسوها وحفظوها وأخذوا أفكاره
وأستبعدوا أخطاؤه، مشيرين إليها دون أن يقلل ذلك إهتمامهم بها (1)

أما
رهبان مصر فقد إنشغلوا بالفكر الأوريجانى (2)

 

البابا
أثناسيوس الرسولى وآباء وقديسين إستخدما كتابات وأقوال العلامة أوريجانوس

*
وقد إعتمد البابا أثناسيوس الرسولى علي ما وجده في كتابات العلامة المصرى
أوريجانوس من براهين قوية تسندة فى قوانين الإيمان النيقاوى وفى مقاومة الهرطقة
الأريوسية .

*
كما شغف بكتابات أوريجانوس آباء وقديسين كبار منهم آباء الكبادوك مثل القيسين
باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزنيزى الناطق بالإلهيات.

*
وفى الغرب إستوحى القديسان هيلارى أسقف بواتيه وأمبروسيوس أسقف ميلان منها
أفكارهما وتأملاتهما.

*
أخذ القديس جيروم والأب يوحنا الأنطاكى من كتابات العلامة المصرى أوريجانوس المنهج
التفسيرى الأوريجانى فى تفسير الكتب المقدسة.

 

بداية
مهاجمة التفسيرات الأوريجانية الرمزية بالعودة إلى الحرفية

فى
حوالى عام 373 بدأ القديس أبيفانيوس (315- 403م) أسقف سيلاميسى بقبرص كتابه عن
الهرطقات ” خزانة العلاج لشفاء كل الهرطقات” وقد كان ناسكاً أراد أن يرد
على كل الهرطقات، وظن أن العلامة أوريجين قد أفسد نقاوة الإيمان الحقيقى (بقصد
البسيط) بسم الثقافة الوثنية، وقد إعتبر كتاباته هرطوقية دان فيها أولاً وقبل كل
شئ ميله لتفسيره العبارات الحرفية الواضحة برمزية روحية، خاصة روحنة تعليم القيامة.

لم
يقصد أبيفانوس إدانة أوريجين الراقد، بل قصد جزء من كتاباته رآها من وجهة نظرة
ليست سليمة ولكنها هرطوقية لأنها رمزية وإبتعدت عن الحرفية البسيطة.

 

وفى
عام 394 قامت مناقشة بين يوحنا اسقف أورشليم ومعه روفينوس كاهن أويلية وكانا
الإثنان معجبان بالعلامة أوريجين وكتاباته، وبين جيروم الذى إعتبر أوريجين
هرطوقياً يؤيده بلا شك أبيفانيوس أسقف سلاميس..

 

الثورة
الفكرية التى أحدثتها الكتابات الأوريجانية بين رهبان مصر

الرهبنة
فى بدء قيامها فى مصر تأسست على الممارسة العملية لآيات الكتاب المقدس وتنفيذ
الوصايا الإنجيلية والنمو فى سلم الفضائل الروحية والقداسة والصراع فى البرية ضد
قوات لاشر الروحية هذا ما أعلنه اثناسيوس الرسولى فى كتابه عن القديس أنطونيوس،
وكانت فى البداية لا تحتوى على أى إتجاه تأملى عقلى، ولكن ما ان تسللت الأوريجانية
” التفسير الرمزى والمجازى ” إلى بعض الرهبان والنساك حتى وجدوها لذة
وغاية فى الإنطلاق فى تاملات إلهية عميقة (3) وبهذه التأملات الروحية أثار الفكر
الوريجانى ثورة فكرية فى الحياة الرهبانية وخاصة بين رهبان مصر.

 

وخرج
القمص العلامة تادرس يعقوب الملطى بنتيجة فقال (4): ” نستطيع القول أن
الكتابات الأوريجانية هى سر التحول الرهبانى من نسكيات مجاهدة لأجل الفضيلة إلى
نسكيات مجاهدة من أجل التأمل أو التأوريا.. ”

 

وفى
حوالى عام 370م عشق رهبان نتريا الفكر الأوريجانى فى التفسير وحفظ كثير منهم
كتابات العلامة المصرى أوريجانوس، وكان الأخوة الطوال فى مقدمة هؤلاء الذين حفظوا
عن ظهر قلب الملايين من سطور كتابات أوريجانوس، وإشتهر الإخوة الطوال بالقداسة
والنسك والزهد الشديد، وسجل التاريخ نضالهم ضد الأريوسية وذهب أحدهم مع البابا
أثناسيوس الرسولى إلى نيقية، وكانوا على علاقة طيبة مع كل من البابا أثناسيوس
الرسولى 20، والبابا تيموثاوس 21، وكانوا على علاقة طيبة مع البابا ثاؤفيلس
البطريرك رقم 23 حتى عام 400م وكان قد احبهم واكرمهم فرسم ديسقوروس أسقفاً على
هرموبوليس، وأراد أن يرسم أخاً آخر منهم أسقفاً إلا أنه قطع اذنه، ورسم الأثنين
الباقيين كاهنين عنما رفضاً الأسقفية وأراد البابا أن يبقيهما بالأسكندرية ولكنهما
فضلا سكنى البرية وفى شقوق الأرض لممارسة عباداتهم الروحية.

 

وقوع
اغلبية من الرهبان فى بدعة وهرطقة تصور شكل الله الإنسانى

فى
منطقة الأسقيط حيث كان يتواجد أعداد كبيرة من الرهبان وكانوا فيما يبدوا على درجة
بسيطة من العلم، رفضوا التفسير الرمزى الأوريجانى رفضاً قاطعا بل أنهم إعتبروا
الرهبان الذين يأخذون به أعداء وهراطقة، وقاموا بتفسير العهد القديم تفسيراً
حرفياً فتصورا أن الإله له وجه وعينان وأيدى وأعضاء جسدية وفسروا بعض الايات التى
وردت فى العهد القديم بلغة يفهمها البشر بتفسير حرفى كقول العهد القديم

*
إسجدوا عند موطئ قدميه (مز99: 5)

*
عيناى على أمناء الأرض… المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عينى (مز 101: 6، 7)

*
يداك صنعتانى وأنشأتانى (مز119: 73)

*
أضئ بوجهك على عبدك وعلمنى فرائضك (مز114: 135)

 

وهكذا
سقطوا فى بدعة جديدة إعتنقوا فكر تجسيم شكل الإله أو تصور شكل الإله الإنسانى
Anthropomorphism كان رأس وقائد هذه البدعة أفوديوس من بين النهرين وجر ورائه
الكثيرين من الرهبان… وحدث نزاع فكرى بين الوريجانيين من جهة وأصحاب هرطقة تصور
شكل الإله الإنسانى
Anthropomorphism كم جهة أخرى وأصبح هناك حزبين من الرهبان وكثر اللغط والكلام حول
هل للإله أعضاء جسدية؟ وهكذا أصبح فى مصر فريقان من الرهبان فريقاً وصل إلى أقصى
درجات العلم فى التفسير وهو الفريق الذى تبنى التفسير الرمزى الأوريجانى وآخر
فريقا من الرهبان جاهلاً تصور أن للإله أعضاء جسدية حسية وكان للأسف الرهبانمن
أصحاب بدعة تصور شكل الإله الإنسانى
Anthropomorphism هم الأكثر عدداً وقوة، فقد كان التعلم فى الأزمنة القديمة لا يقدر
عليه إلا الأغنياء وكان يعتبر شكلاً من أشكال الرفاهية.

 

إنقسم
رهبان مصر إلى قسمين أكثرية سقطت فى بدعة تصور شكل الإله الإنسانى
Anthropomorphism وأقلية رهبانية كانت تفسر الإنجيل بطريقة رمزية كان أول من بدأ بها هو
العبقرى أوريجانوس العلامة المصرى، وكان البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 يميل إلى
الإتجاه الأوريجانى الرمزى فى التفسير.

 

وفى
عام 399م كتب البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 رسالته الفصحية التى تقرأ فى كل
الكنائس والتى كان من العادة إرسالها ويحدد فيها عيد القيامة حسب قوانين مجمع
نيقية، وفى هذه الرسالة لمح البابا بطريقة غير مباشرة أنه لا يليق بنا أن نعتقد فى
الإله بطريقة جسمانية مادية لأن الإله روح، إذ هو غريب عن الشكل البشرى.

 

وقد
روى القديس يوحنا كاسيان فى كتابه ” المناظرات (5) ” أثر هذه الرسالة
على جماعات الرهبان، فقد رفضت المجامع قرائتها (6)، ما عدا القديس بفنوتيوس الذى
كان أباً لمنطقة شهيهيت العليا، الذى تلاها فى مجمعه.

 

وما
أن عرف الراهب البسيط صرابيون وهو من أنصار بدعة تصور شكل الإله الإنسانى
Anthropomorphism ما جاء فى الرسالة حتى رأس حركة مقاومة لهذه الرسالة وسرعان ما
إنضم له أعداد غفيرة من الرهبان وكان هذا الراهب بسيطاً وزاهداً وناسكاً

 

الرهبان
يهددون البابا بقتله لأنه هرطوقى

 

وسرت
نار التمرد والثورة فى قلوب الرهبان التى خرجت للبرية للصلاة والجهاد والفضيلة،
وبالرغم من أنهم يعتنقون فكراً هطوقياً إتهموا البابا بأنه هرطوقى وتجمعوا فى
جماعات بالإسقيط وتحركوا فى حشد غفير إلى الإسكندرية، فأحاطوا بالبطريركية يصيحون
ويتوعدون بالقضاء على البابا الهرطوقى مهددين بقتل صاحب البدعة والهرطقة البابا
ثاؤفيلس البطريرك رقم 23 هذا ما سجله المؤرخون القدامى (7)

 

إلى
من إنحاز البابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23؟

 

ويقول
العلامة القمص تادرس يعقوب ملطى (8) عن هؤلاء الرهبان الهراطقة: ” أن كثيرين
منهم كانوا بسطاء وعباد روحيين، ويسهل قيادتهم ويبذلون حياتهم من أجل طاعة مرشديهم
الروحيين، وكانوا مملوئين حباً للإله الذى ظنوا أنه له شكل مجسم، ورأى البابا
ثاؤفيلس البطريرك أن الوقت ليس وقتاً للجدال والنقاش بل أراد كسب صداقتهم حتى
يعالج ألمور بهدوء وسكينة.. بحكمة إلتقى بهم قائلاً بلطف: ” إذ أراكم أنظر
وجه الإله “…. ففسروا قوله تفسيراً حرفياً كعادتهم وفعلاً خفت حدة غضبهم،
واجابوه: ” إن كنت حقاً تقول بوجود ملامح لٌله مثلنا فإحرم كتب أوريجانوس،
فقد إستخرج البعض منا أدلة تخالف قولنا، وإن لم تفعل ذلك فتوقع منا معاملتك
كهرطوقى عدو للإله ”

 

وأجابهم
البابا ثاؤفيلس البطريرك: انى مهتم بهذا الأمر، ومستعد أن أجيب طلباتكم، لا تغضبوا
على، فإنى لست موافقاً على أعمال أوريجين وألوم من يقتنيها ”

 

عاد
الرهبان إلى أديرتهم، وكاد الموقف ينتهى عند هذا الحد كقول المؤرخ سقراط لولا ثورة
الأخوة الطوال، فقد رأوا فى تصرف البابا جبناً وإستهتاراً بالعقيدة ومجاملة على
حساب الحق.. ”

 

وفى
الفصح التالى عقد البابا مجمعاً وحرم أوريجينوس وكل من يقرأ كتابات أوريجين، وهكذا
نفذ البابا طلبات الهراطقة.

 

ووجد
الأخوة الطوال أنفسهم فى حالة حرم لأنهم يحبون كتابات أريجانوس وتفسيره الرمزى
للكتاب المقدس، فتمردوا أيضاً ولكن كان البابا سريعا فى التحرك فقاد قوة عسكرية
وذهب إلى اديرتهم وقام بحرق صوامع الرهبان واحاط الجنود بالرهبان وإختبئ الأخوة
الطوال فى بئر عميقة وقتل أحد الرهبان وهو يصلى فى صومعته ويقول الملكيين انه قتل
كثيرين من الرهبان الإوريجانيين ثم هربوا من الجنود وإعتصموا فى الكنيسة

 

===

المراجع

(1)
R. Moulard: Saint Jean Chrysostome, P317

(2)
H. Chadwick: The Early Church, ch.
13
.

(3)
Lossky: The Vision of God, ch 6.

(4)
القديس يوحنا ذهبى الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته) – القمص تادرس يعقوب ملطى
– أقوال الآباء (علم الباترولوجى) – سنة 1980م ص 68

(5)
مناظرة 10: فصول 1- 6

(6)
فصل 6

(7)
Soc 6: 7. Soz, 8: 11.

(8)
القديس يوحنا ذهبى الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته) – القمص تادرس يعقوب ملطى
– أقوال الآباء (علم الباترولوجى) – سنة 1980م ص 70

 

قضية
الخلاف بين البابا ديمتريوس ال 12 وأوريجانوس

لا
يسع القبطى إلا أن يفخر بالعلامة أوريجانوس فلم ترى مصر والكنيسة القبطية رجلاً
أنجز الكثير من خدماته وأعماله التى أرتكزت على موهبتة الفائقة فى التفكير والتأمل
وكذلك عقليته الفذه هذه كلمة حق نقولها تقديراً لهذا الرجل العلامة العظيم بالرغم
من حرمانه على يد الأنبا ديمتريوس البطريرك ال 12 فى تعداد البطاركة وقد أوردنا
هذه المقدمة إنصافاً للحق ونحن إنما نتخذ الحياد وسنسرد جميع وجهات النظر المختلفة
فى هذا الموضوع الذى كان وما زال حتى الآن مثار جدل كبير.

 

 نبدأ
بالأحداث التى أدت إلى إلإتهامات التى وجهت إلى العلامة أوريجانوس كما يلى:

أرسل
البابا الأنبا ديمتريوس أوريجانوس فى رحلة إلى اليونان حيث ذهب إلى آخائية ليعمل
صلحاً، وكان يحمل تفويضاً كتابياً من أسقفه (1) وفى طريقة عبر فلسطين، وفى قيصرية
سيم قساً بواسطة أسقفها (2)، حيث رأى للأساقفة أنه لا يليق بمرشد روحى مثل
أورجانوس بلغ أعلى المستويات العلمية وتخرج من تحت يده كهنة وأساقفة ورهبان أن يظل
بدون درجة كهنوتية، كما أن البابا ديمتريوس أعترض على أنه علمانى ويعظ فى الكنيسة
فى حضرتهم حيث أنهم أساقفة، ولكن أعتبر البابا ديمتريوس أن هذه السيامة أكثر خطأ
من وعظه علمانيا فى حضورهم، وقد أعتبرها سيامة باطلة لسببين:

ا
– أن أوريجانوس قبل السيامة من أسقف غير أسقفه وبدون أذنه.

ب
– أن أوريجانوس خصى نفسه، الأمر الذى يحرمه من نوال درجة كهنوتية!!

 

كيف
أدين أوريجانوس؟

دعا
البابا ديمتريوس مجمعاً من الأساقفة والكهنة فى الأسكندرية وكانت قراراته هو رفض
المجمع القرار السابق وأكتفى بإبعاد أوريجانوس عن الأسكندرية (3) .

 

عودة
أوريجانوس من مهمته إلى مصر

وعاد
أوريجانوس من مهمته التى أرسله فيها البابا ديمتريوس إلى الإسكندرية ليفاجأ بقرار
المجمع بإبعاده عن الأسكندرية وأعتقد أنه له فيها كهنوت ويفعل ما أراده فلم يقبله
القديس ديمتريوس وقال له: ” يوجب قانون الآباء الرسل.. أن لا يفارق كاهن
المذبح الذى قسم عليه، فإمضى إلى الموضع الذى قسمت فيه قساً فإخدم فيه هناك بإتضاع
كالقانون، وأنا فلن أحل قانون البيعة (الكنيسة) لأجل مجد الناس ” فظل مطروداً،
فلم يقبله البابا ديمتريوس، ونفاة، فذهب أوريجانوس إلى بلدة تمى من كوستانكية،
وبقول ويذكر الأنبا ساويرس (ابن المقفع) تاريخ البطاركة: سيره الأباءالبطاركه –
ساويرس إبن المقفع أسقف الأشمونين أعده الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها
طباعة النعام للطباعة والتوريدات رقم اإيداع 17461/ لسنة 1999 الجزء الأول ص 18: ”
وخدع أسقفها وأسمه أمونة فجعل أوريجانوس يخدم فى أحدى البيع (الكنائس)، فلما وصل
الخبر إلى الأنبا ديمتريوس ذهب بنفسه إلى تمى عن قصد ونفى أوريجانوس وقطع (حرم)
الأسقف أمونة لأنه قبل أوريجانوس وشفق عليه فى أسقفيته مع أنه عارف بأعماله وكذبه،
ورسم الأنبا ديمتريوس أسقفاً غيره أسمه فلا أس، وكان فلا أس رجلاً خائف من الرب
وكان إيمانه كبير.. فقال: لن أجلس على الكرسى وأمونة على قيد الحياة ” وظل
كذلك حتى مات أمونة ثم جلس السقف فلا أس، ثم أستشهد بعد ذلك بزمان ومضى إلى الرب
بسلام

 

البابا
ديمتريوس يصر على عقد مجمع آخر

ولكن
قرارات المجمع المحلى السابق لم ترضى البابا ديمتريوس فدعا لعقد مجمعاً آخر من
الأساقفة فى سنة 232 م كان قرارة كالآتى

 

 بطلان
كهنوتة وأعتبارة لا يصلح للتعليم.

ويقول
ابونا القمص تادرس يعقوب الملطى أن أوريجانوس: حرم أيضاً لأخطاء وردت فى كتاباته (ملاحظة
من الموقع: لم يذكر أبونا تادرس هل الفقرات التالية وردت فى نص الحرم فى المجمع
المنعقد أم لا – حيث أنه من المعروف أن الكتب فى ذلك كانت تنسخ باليد وكان يمكن
أضافة مقاطع إلى كتب المؤلفين إذا أراد أحدا أن يفعل ذلك وليست مثل الكتب التى
تطبع هذه الأيام حيث يذكر أبونا تادرس يعقوب الملطى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
كنيسة علم ولاهوت – القمص تادرس يعقوب ملطى – طبعة تحضيرية 1986 م ص 36: ”
والآن أود أن أقدم فكرة مختصرة عن أخطائة التعليمية، وإن كان قد أعلن هو (أوريجانوس)
بأنها قد أدخلت فى كتاباته بغرض تشوية صورتة) – وعموماً هذه مجرد تساؤلات فقط
ونسرد الأخطاء التى ذكرها:

 

1
– آمن بأن النفوس خلقت قبل الأجساد، وأنها أرتبطت بالأجساد كتأديب عن خطايا سابقة
أرتكبتها (4) وأن عالم الحس بالنسبة لها ليس إلا مكاناً للتطهير .

2
– نفس المسيح لها وجود سابق قبل التجسد. أتحدت باللاهوت (5).

 3
– ستعود كل الخليقة إلى أصلها فى الرب، ويخلص كل البشر (6) (وأن العقوبة الأبدية
لها نهاية)

4
– سيخلص الشيطان وكل الأرواح الشريرة، وإذ وجه إلي اوريجانوس اللوم على ذلك أعترض
قائلاً: ” أنها مجرد فكرة قد بلغت نظرية (7)

 

أنتشر
القرار فى مصر كقرار من مجمع محلى ولكن لشهرة العلامة أوريجانوس العالمية أنتشر فى
الغرب وقد علق المؤرخ أوسابيوس القيصرى قائلاً: ” عندئذ إزدادت شهرته جداً،
وأصبح أسمه معروفاً فى كل مكان، ونال صيتاً عظيماً بسبب فضائلة وحكمتة، وأما
ديمتريوس فإذ لم يكن لديه ما يقوله ضده سوى ذلك العمل الصبيانى، أتهمه بمرارة،
وتجاسر على أن يتهمه ويشرك معه فى هذه الإتهامات أولئك الأساقفة الذين نصبوه قساً
” ولكن تجاهلت الكنائس الشرقية قرار المجمع المصرى ومنها كنائس فلسطين
والعربية وفينيقية وآخائية حيث كان أوريجانوس شخصية معروفة لأساقفتها.

 

الأسباب
التى أوردها الأنبا ساويرس فى تاريخ البطاركة

الأنبا
ساويرس (ابن المقفع) تاريخ البطاركة: سيره الأباءالبطاركه – ساويرس إبن المقفع
أسقف الأشمونين أعده الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها طباعة النعام
للطباعة والتوريدات رقم اإيداع 17461/ لسنة 1999 الجزء الأول ص 14- 15 يصف إدانه
أوريجانوس فيقول: أوريجانوس الذى قطعه الأنبا ديمتريوس بسبب فعلة ما لا يجوز من
كتب السحر ورفضه كتب القديسين، وأنه وضع كتب كثيرة عن نفسه فيها تجديف كثير منه:

 

*
الأب خلق الإبن، وأن الأبن خلق الروح القدس.. ولم يقل أن ألاب والأبن والروح القدس
إله واحد، وأن الثالوث لا يعجزة شئ بل قوته واحدة وربوبيته واحدة.

 

 ولأجل
سوء أعتقادة رفضته الكنيسة إذ كان غريباً منها وليس هو من أولادها لفساد أقواله،
فلما طرد منها وزال طقسه خرج من الأسكندرية ومضى إلى فلسطين وأحتال حتى نال درجة
الكهنوت وقسم قساً من يد أسقف قيسارية فلسطين،

 

ويذكر
الأنبا ساويرس (ابن المقفع) تاريخ البطاركة: سيره الأباءالبطاركه – ساويرس إبن
المقفع أسقف الأشمونين أعده الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر وتوابعها طباعة النعام
للطباعة والتوريدات رقم اإيداع 17461/ لسنة 1999 الجزء الأول ص 17: ” فلما
رأى أوريجانوس الذى حرمه ديمتريوس بأن البيعة قد أبعدته مضى إلى اليهود وفسر لهم
آيات من الكتب العبرانية على غير جهتها، وأخفى ما فيها من نبوات الأنبياء عن السيد
المسيح.. حتى أنه لما جاء إلى موضع الشجرة التى كان فيها كبش أبراهيم (عندما كان
يريد أن يقدم أبنه محرقة) مربوطاً بقريبه (شجيرة)، وقد فسرها ألاباء أنها مثال
خشبة الصليب، فأخفى أوريجانوس ذكرها، وأزاله، وفسر كتباً كثيرة كذباً ليست صحيحة
وشاركه مخالف آخر أسمه سيماخوس.. قال: ” أن المسيح مولود من مريم ويوسف..
وأنكر قوة الولادة العجيبة.. وأن السيد المسيح مولود بلا تعب.. لأنه هكذا ولد من
العذراء بلا تعب، هو الإله وهو الأنسان بالحقيقة واحد من أثنين، وكان هذا المخالف
يظهر انه مسيحيى مرة ومرة أخرى يقول أنه حكيم وقد قرأ كتب الصابئة والمعتزلة.. ثم
صادق أوريجانوس وأضل مجموعة من السذج، فقام أنسان فاضل قديس له حكمة إلهيه أسمه
أمونيوس بالرد عليهما وأظهر كذبهما فيما فسراه من الكتب

 

الروح
المسيحية النبيلة لأوريجانوس:

أطاع
أوريجانوس قرار المجمع المحلى فى مصر متحاشيا روح الفرقة والإنقسام بكل محبة
مسيحية أبتعد عن مكان نشأته والموضع الذى أحبه أكثر من أى بقعة أخرى على الأرض وهو
الرجل الذى أعتقد أنه بخصى نفسه ضحى بشئ وبإبتعاده هذا ليست بالتضحية العظيمة من
أجل حفظ وحدة الكنيسة، فقد وصلت علاقاته الشخصية قصر الأمبراطور ولأعماله ومركزه
العلمى وصلت شهرته إلى العالمية حيث كان يتعلم فى مدرسة الأسكندرية أبناء عظماء
بلاد الشرق والغرب، ويقول ابونا القمص تادرس يعقوب الملطى: فكان فى إمكانه قيادة
حركة مضادة للبابا لكنه لم يفعل هذا، ويشهد على صلاته فى موطنة قوله: ” يحدث
أحياناً أن أنساناً يطرد خارجاً ويكون بالحق لا يزال فى الداخل، والبعض يبدون كما
لو كانوا بالداخل مع أنهم بالحقيقة هم بالخارج “

 

الأنبا
ديمتريوس يطارد أوريجانوس

وذهب
أوريجانوس إلى قيسارية فلسطين وصار يقدس هناك أسقفاً، فكتب البابا ديمتريوس إلى
الأكسندرس أسقف يورشاليم يقول له: ” لم نسمع أن مارقاً يعلم (يقصد أوريجانوس)
فى مكان فيه أساقفة قيام ” وكان يعتب على أسقف قيسارية وأسمه تاودكطس ويلومه
لأن أوريجانس عنده ويصعب عليه الأمر ويقول: ” ما ظننت أن يكون هذا فى قيسارية
(على هذا السقف) وقد وجدنا فى كتب أوريجانوس يقول أن: الأبن مخلوق والروح القدس
مخلوق ” فقرأ أسقف قيسارية كتاب البابا ديمتريوس فى البيعة (الكنيسة) لأن
اسقف أورشليم أرسله إليه فقطع أوريجانوس (حرمه) وطرده من كرسى قيسارية وعاد
أوريجانوس إلى الإسكندرية ويقول الأنبا ساويرس: ” فعاد (أوريجانوس) بقلة حياء
إلى الإسكندرية ”

 

ولما
صار على أنطاكية بطرك أسمه فيلتس ظهر فى أيامه رجل مخالف آخر وكتب كتباً خارجه عن
التعليم، ثم مات فيلتس ورسم بطرك اسمه زابتوس.. فأمر أن لا تقرأ كتب هذا المخالف،
كما لا تقرأ كتب اوريجانوس الذى نفى من ألسكندرية لأن كتبه كانت قد أنتشرت وأشتهرت
وقال: ” من يحب أن يقرأ الكتب فليقرأ الكتب المقدسة ”

 

وكان
البابا ديمتريوس عقد سينودسيَن ومنعهُ على إثرهما من التعليم ومن الإقامة في
الإسكندرية، وقد ثبَّت البابا بونتيانوس هذا التدبير، ذلك أن أوريجانوس كان قد
ارتكب خطأً فادحاً في خَصْي ذاتهِ، مُفَسراً بشكل حرفي ما ورد في مت 19/12. لكن من
المحتمل أن هناك أسباباً أبعد من ذلك، تتعلَّقُ بصحة تعليمهِ.

بسبب
هذه الأحداث انتقل أوريجانوس ليعيش في القيصرية تحت ظل الأسقف ثيوكتيستوس، حيث
باشر بتأسيس مدرسة لاهوتية على شاكلة تلك التي كان عمل بها في الإسكندرية، بمساعدة
صديقهِ أمبروسيوس الذي كان غنوصياً قد اهتدى إلى الإيمان. وأمضى أوريجانوس الباقي
من حياتهِ هناك حيث علَّم ووعظ.

 

=

المراجع

(1)
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة علم ولاهوت القمص تادرس يعقوب ملطى – طبعة
تحضيرية 1986 م ص 25 –
Kelly, p333

(2)
المرجع السابق نفس الصفحة وأيضاً راجع المرجع
ACO II,i,p155;535

(3)
المرجع السابق ص 26 وأيضاً راجع المرجع
Ibid 144: 546f

(4)
المرجع السابق ص 26 وأيضاً راجع المرجع
Mansi VI, 748.

(5)
المرجع السابق ص 26 وأيضاً راجع المرجع
Tixorent, vol 3، p69.

(6)
المرجع السابق ص 26 وأيضاً راجع المرجع
Kelly, p333

(7)
المرجع السابق ص 26 وأيضاً راجع المرجع
Behnam, p 90 – 92

 

إتهام
أوريجانوس بالتبخير للأوثان

تم
اتهام أوريجانوس أيضاً بأنه ضحى للأوثان فى أواخر حياته حين ألقى فى سجن كريه وقد
إعتمدوا فى دليلهم على رثاء على نفسه بعد أن خرج من السجن، ولم يذكر أحد من
المؤرخين أنه قام بالتبخير للأوثان، ولكن فى هذا الرثاء إذا كان هو كاتبه حقاً لم
يصرح صراحة بأنه قد بخر للأوثان، وأى رثاء لا يشترط فيه أنه عمل جرما كبيراً إن
الإنسان الحساس الملتصق بالرب يمكن أن يرثى نفسه عندما يسقط فى خطية ولو صغيره
لأنه فقد صلته معه ولو للحظة ولكن يوجد رجاء فى دم المسيح الذى يطهرنا من كل خطية
إن مشكلة الذين يحرمون أوريجانوس أنهم لا يعطون الرجاء فى الرجوع لأنه بالرغم من
إعتراف أوريجانوس للبابا ديمتريوس بالخصى إلا أن البابا لم يغفر له لأنه كل خطبة
قابلة للمغفرة إلا التجديف على الروح القدس وأوريجانوس لم يحاكم ولم يدافع عن نفسه
ولكن أعماله ومحبية على مدى قرون دافعوا عنه ومنهم القديس العظيم والشهير يوحنا
ذهبى الفم وفيما يلى الرثاء::

 


أيها البرج الشامخ كيف سقطت إلى الحضيض بغته، أيتها الشجرة الغضة كيف يبست على
الفور، أيها النور المتوقد كيف أظلمت وشيكاً، أيها الينبوع المتدفق الجارى كيف
نضبت، ويل فإنى كنت مشتعلاً بمواهب ونعم وقد تعريت من جميعها ألآن، فرقوا لحالى يا
أحبائى فإنى قد رذلت لأنى دست خاتم إقرارى وإتحدت مع الشيطان، أشفقوا على يا خلانى
فإنى قد طرحت من أمام وجه الرب، أين ذاك الراعى راعى النفوس الصالح، أين من نزل من
أورشليم إلى أريحا وعنى بأمر جريح اللصوص، فإنجدنى يارب أنا الذى وقعت من أورشليم،
ونقضت النذر الذى أخذته على بالمعمودية وغيرها، أغثنى أيها الروح القدس وهبنى نعمة
من لدنك لأتوب، رب أنى أبتهل أن تردنى فقد سلكت للهلاك أعظم مسلك، أنعم على بالروح
القدس المرشد والمهذب الصالح لئلا أمسى مأوى للشيطان بل أدوسه كما داسنى وأقوى على
حيله فأعود للتمتع لخلاصك، رب إنى أخر أمام عرش مراحمك فكن بى رحيماً أنا النائح
هذا النواح لشدة ما أسأت إليك، كثير من المسيحيين يتوسطون عندك من أجلى أنا العبد
السقط، رب أظهر رحمتك لخروفك التائه الذليل، ونجنى من فم الذئب المفترس، أنزع عنى
ملابس حدادى وألبسنى منطقة الفرح والسرور وأقبلنى فى فرح وأجعلنى أهلاً لملكوتك
بواسطة خالص صلوات الكنيسة عنى لأنها تحزن على وتواضع نفسها من أجلى ليسوع المسيح
الذى له الكرامة إلى الأبد ”

 

هل
من أنصاف للعلامة أوريجانوس؟

جميع
الكتابات التاريخية هى على الحياد فى جميع القضايا ولا ننحاز حتى لرأى الكنيسة
القبطية والأحداث التاريخية لا تكذب ولكن الآراء حول حدوثها وأسبابها ونتائجها
تختلف من إنسان لآخر ومن مكان لمكان ومن زمان لزمان.

ومن
المواضيع المحيرة موضوع حرم العلامة أوريجانوس، ويشعر القبطى بالفخر من أعمال هذا
الرجل العظيمة فى خدمة العلم والوطن والمسيح كما يشعر القبطى أن من بين ابناء
شعبنا خرج العلامة القبطى أوريجانوس، وإذا كانت الكنيسة القبطية حرمته من عضويتها
إلا أنه ظل علامة يعطى بسخاء وطاعة وظل قبطياً مصرياً أصيلاً فلا أحد يستطيع سحب
جنسيته ولا حتى محبته للمسيح وعطاءه له، والعلامة أوريجانوس موضع تبجيل وأحترام من
معظم مؤرخى التاريخ وخاصة الغربيين وبعض ابناء الكنيسة القبطية، وفى هذا الموضوع
سنورد ما قالة العلامة المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا – منقولة من
كتاب – منشورات أبناء الأنبا غريغوريوس، موسوعة الأنبا غرغوريوس، الدراسات
الفلسفية للمتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات العليا اللاهوتية والثقافة
القبطية والبحث العلمى سنة 2004 م ص 276 – 278 – عن موضوع هل من انصاف للعلامة
أوريجانوس؟ وقد وضعنا عناويين لكل مقطع فقط

 

أعجاب
آباء الكنيسة بشخصسة وعلم العلامة أوريجانوس

يقول
الأنبا غريغوريوس: ”

لم
يكن أوريجانوس، ذلك العبقرى الفذ، هو أعظم قادة الفكر بين المصريين وحدهم، ولا بين
الجانب المقيمين فى مصر فحسب، بل كان أعظم أهل زمانه فى كل بلاد الشرق، والغرب
أيضاً… حتى أنك لا تفتح كتاباً أو دائرة معارف شرقية أو غربية إلا وتجد أسم
اوريجانوس يحوطه الإعجاب والإحترام والتقدير العظيم.. وهو يوصف عادة بأنه المع
لاهوتى فى زمانه، ومن أعظم قلة معدودة فى تاريخ المسيحية بأسرها، وأنه فاق فى
شهرته أساتذته الأفذاذ، وقفز أسمه إلى قمة الشهرة التاريخية، وصار يعرف ب (دكتور)
الكنيسة الجامعة.

 

الأمر
الذى لا شك فيه، ولا جدال حوله.. هو عبقرية أوريجانوس وشخصيته الفذة التى.. جمعت
فأوعت: روحانية عميقة، وعلماً واسعاً وعقلاً جباراً، وأستاذية نادرة، ورجلاً
مكملاً بالفضائل الأخلاقية والذهنية والعلمية، بصورة يتيمة لا تتكرر فى الترايخ
إلا فى حقب متباعدة تفصل بينها قرون واجيال

 

وأضاف
قداسته: ” والمعروف عند جميع الدارسين، أن كل الذين تتلمذوا على العلامة
أوريجانوس من آباء الكنيسة الكبار، كانوا معجبين به كل الإعجاب، ولقد أثنوا عليه
فى كتاباتهم ثناء عاطراً نادراً، ومدحوه مدحاً سخياً وبغير تحفظ، ولقد حمدوا صفاته
الشخصية الروحية، كما حمدوا له عبقريته الفكرية اللاهوتية، وحمدوا له أيضاً غيرته
المسيحية الأرثوذكسية، وذكروا له بالأعجاب والفخر مقاومته للآراء الهرطقية، فضلاً
عن المذاهب الفلسفية الوثنية المنتشرة فى زمانه، ومن بينها مذهب كلسوس
Celsus الفيلسوف البيقورى الكبير، الذى تزعم مهاجمة المسيحية وكان يسخر
منها، فإنبرى له أوريجانوس بالبيان الشفاهى والكتابى حتى أنهزم كلسوس أمام قوة
حجتة بل واعلن أقتناعه بالمسيحية، وأعتنق المسيحية ووضع فى تأييدها كتباً.

 

ومن
بين الهرطقات التى قاومها اوريجانوس بدعة ضد خلود النفس أنتشرت فى بلاد العرب فى
ايام فيلبس العربى، فذهب إليها، وحضر فيها مجمعاً وأستطاع أن يهدى الضالين، وأن
يواجه الهراطقة بالدليل والبرهان، حتى أجهز على تلك البدعة وقضى عليها.. وغير ذلك
الكثير صنعة أورجانوس، وله الفخر أنه أستطاع أن يرد إلى الإيمان الأرثوذكسى بريل
أسقف البصرة

 

عبقرية
أوريجانوس

على
أن مشكلة أوريجانوس الحقيقية هى عبقريته.. أن عبقريته جعلت أنتاجه الخصب أبعد من
مناله، فلم يكن له الوقت ليراجع أعماله… وأكثر كتاباته وربما كلها لم يكتبها
بقلمه.. ولكن كان لها جيش من الهواة، والأتباع والتلاميذ، بعضهم يكتب بقلم سريع ما
يمليه عليهم الأستاذ العظيم، وبعضهم كان يأخذ ما يكتبه اصحاب القلم السريع (الإختزال)
وينسخونه فى صحائف بخط واضح وجميل… ولم يكن لأوريجانوس الوقت يراجع فيه اقواله
والكتابات التى ينقلها عنه بعض تلاميذة، ولا المخطوطات المنسوخة بالخط الواضح
الجميل.. ومع أمتداد حياته زاد إنتاجه الخصيب حتى صار يضم ألوفاً من الكتب، وقد
قال عنه القديس أبيفانيوس أسقف قبرص: ” أن قارئاً مهما كان واسع الأطلاع، لا
يسعه الإلمام بكل مؤلفات أوريجينيوس لأن له اكثر من ستة الاف كتاب.

 

مشكلة
اوريجنيوس

وإذاً
فقد كان أمراً متوقعاً أن تحتوى الكتابات التى تحمل أسم أوريجينيوس على أخطاء، ولا
نعلم إذا كانت هذه الأخطاء هى من عمل تلاميذه أصحاب القلم السريع (الأخنزال) أم من
عمل تلاميذه النساخ، أم من عمل الفريقين معاً، كل فريق أسهم فى بعض تلك الأخطاء
التى نسبت إلى اوريجينيوس، مما أحتوته الكتابات التى تحمل أسمه.

 

ويضاف
إلى هذا أنه كان من عادة بعض الهراطقة فى الأزمنة القديمة أن يقحموا آرائهم
الهرطقية فى صلب كتابات عالم فذ مثل أوريجينيوس، فى النسخة الخطية التى ينسخونها
من تواليفه، وذلك لكى يكسبوا تأييداً لأفكارهم عند جمهور عريض من الناس يحترمون
أسم أوريجينيوس.

 

وإنصافاً
لأوريجينيوس.. نقول.. أنه هو نفسه كان يتنبه أحياناً لبعض الأخطاء وقع فيها أو زل
فيها لسانه، من ذلك رأيه فى أن نفوس الناس، أى أرواحهم، كانت موجودة سابقاً قبل
حلولها فى أجسادها بالولادة، وأنها لأخطاء إرتكبتها فى حياتها السابقة، عوقبت بأن
حبست فى أجساد، لعلها بهذا الحبس فى الجسد ومعاناتها قى الأرض، تكفر عن خطاياها
السابقة و ثم بهذا تتطهر فتعود إلى العالم الآخر مطهرة… نقول أن هذه الفكرة
أخذها أوريجانوس عن أفلاطون فى (نظرية المثل) وبرهن عليها من ألأنجيل بسؤال تلاميذ
المسيح لمعلمهم عن المولود أعمى: ” َفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا
أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، 2 فَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا
مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟».(يوحنا 9:
1و2)

 

ولكن
اورجينيوس عاد وأعتذر عن هذا ومهما يكن من أمر, فهناك آراء خاطئة نسبت إلى
أوريجينيوس ووجدت فى كتاباته، ولكننا لا نعلم على وجه اليقين إذا كانت هذه الاراء
الخاطئة مردها كلها أو بعضها إلى التلاميذ الذين كتبوا ففاتهم فكر الرجل فعبروا
عنه خطأ، أو فاتهم عبارات أو كلمات، فجاءت كتاباتهم صورة شوهاء.. لما ما قاله
العالم الكبير، أو أن هذه الأخطاء جائت من عمل النساخ الذين بحسن نية أو بسوء نية
أضافوا او حذفوا، فجاءت كتاباتهم مشتملة ‘لى أخطاء، وصار أوريجينيوس مسئولاً عنها،
لأنه لم يكن لديه وقت لمراجعتها وتصحيحها، ولقد أمكنه، كما قلنا، أن يصحح بعضها،
ولكنه لم يمكنه أن يصحح كل ما أتهمه به خصومه فيما بعد.

 

أوريجينيوس
والتطبيق الحرفى للأنجيل

أما
أنه خصى نفسه فهذه حقيقة، ولقد أضطرت الكنيسة أن تقف منه فى هذا الخطأ موقفاً
حازماً، لقد تساهلت مع سمعان الخراز أو الدباغ الذى خلع عينه بالمخراز عندما
أعثرته أمرأة ساقطة عرت ساقها أمامه، لكن سمعان رجل بسيط، ولا يقتدى بعمله أحد
نظراً لبساطته، أما أوريجينيوس فقد كان تصرفاً خاطئاً حتى لا يتبعه فى عمله آخرون
فيخصون أنفسهم مثله.

 

سيظل
موضوع أوريجينيوس مشكلة معقدة لا حل لها يرضى جميع الأطراف، وسيبقى مسألة غامضة لا
يجلوها إلا الرب نفسه فى يوم الحساب العظيم

 

إن
حرم الكنيسة لأوريجينيوس مأساة تاريخية، ومع ذلك ليس فى مقدورنا الان أن نصنع
شيئاً إعادة محاكمة أوريجينيوس أو مراجعة الحكم عليه، لأن معلوماتنا عنه ناقصة فلم
يبق من كتاباته إلا القليل، وفقد منها الكثير، ولسنا نستطيع أن نستعيد أحداث
التاريخ بصورتها الحية التى عاشها المعاصرون لها، بما احاطها من ظروف وملابسات
ومفاهيم اجتماعية.

 

أن
موضوع أوريجينيوس، إذا أردنا إنصافاً له وللحقيقة، أن نستودعة يد الله الحاكم
العدل، وهو الحق والحقيقة.. وعزاؤنا أن أحكامنا على الأرض أحكام إبتدائية، ولكن
هناك بعد الموت محكمة أستئناف عليا، وفى يوم الحساب العظيم سيصير الحكم العدل الذى
لا نقص فيه، وأمامه: ” لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ
الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ الإِله (رومية 3: 19)

 

فلنترك
قضية أوريجينيوس بما فيها من حق وظلم، بين يدى الديان الإله العادل: ” لَّذِي
سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ.(متى 16: 27)، (رومية 2: 6)

 

أما
نحن قلا نملك إلا الإعجاب بكل صفات أوريجينيوس النبيلة والجميلة، ونحنى هاماتنا
أمام عبقريته العظيمة، ونثنى على ما أسداه لنا ولكل الأجيال من خدمات ومعارف،
مترحمين عليه، نسأل له الغفران عنا عساة أخطأ فيه عن غير علم، فالرب وحده هو
المعصوم من الخطأ

 

=

تعليق:
فيما يبدو ان أوريجانوس ندم وخجل من فعلته أما عن السبب الذى قيل أن الكنيسة حرمت
العلامة أوريجانوس لأنه أستاذاً مشهوراً ويقتدى به كثيرين ولم تحرم سمعان الخراز
لأنه مجهول.. سبب غير مقنع لأن سمعان لاخراز اليوم أكثر شهرة فى الكنيسة القبطية
من العلامة أوريجانوس، كما أن قطع عضو أو أتلافه لم يحسب خطية عند الرب الإله
يستحق الحرم وإلا لما أستخدم سمعان الخراز فى معجزة نقل جبل المقطم، كما أن السبب
الذى قيل أنه قبل أن يرسمه أسقفاً غير أسقفه لا ترتقى لأن تكون أتهاماً.. وكما قال
الأنبا غريغوريوس سيظل حرم اوريجانوس مشكلة معقدة تريد حلاً لهذا الرجل العظيم ذو
الصفات النبيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار