علم التاريخ

مجمع القسطنطينية – المجمع المسكونى الثانى



مجمع القسطنطينية – المجمع المسكونى الثانى

مجمع
القسطنطينية
المجمع
المسكونى الثانى

إنه
المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية عام 381 م، بأمر الأمبراطور
ثيئودسيوس الكبير للفصل فى بدعة مؤداها انكار لاهوت الروح القدس، وصاحب البدعة هو
مقدونيوس الذى قال بأن الروح القدس هو مخلوق كسائر المخلوقات، ولكن ذو رتبة أسمى
وليس أقنوما.

وكذلك
بدعة ابوليناريوس، الذى كان يعتقد بوجود تفاوت فى الأقانيم فالروح عظيم، والأبن
أعظم، والأب هو الأعظم.

وكذلك
بدعة سابيلوس، الذى اعتقد أن الثالوث القدوس ذاتا واحدا وليس ثلاثة أقانيم.

وقد
اجتمع المجمع وحاول الأساقفة اقناع المبتدعين فلم يقتنعوا.. فحرمهم المجمع وجردهم
من رتبهم ثم قرر المجمع 7 قوانين خاصة بنظام الكنيسة، وأهم هذه القرارات هو اضافة
جزء هام إلى قانون الأيمان يرد على بدعة هؤلاء هو:

(نعم
نؤمن بالروح القدس الرب المحيى المنبثق من الاب، نسجدله ونمجده مع الآب والأبن
الناطق فى الأنبياء، وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية ونعترف بمعمودية واحدة
لمغفرة الخطايا، وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى آمين).

كان
ذلك المجمع فى عهد الأنبا تيموثيئوس (البابا الثانى والعشرين) من باباوات
الأسكندرية، وهو أحد تلامذة الأنبا أثناسيوس بطل الأيمان الأرثوذكسى، والمدافع
الأول عن الأيمان القويم فى مجمع نيقية ضد آريوس وأتباعه، (وكان وقتها شماسا
وتلميذا للبابا الكسندروس السكندرى)

لذا
يجدر بنا، قبل الحديث عن مجمع القسطنطينية، أن نعود قليلا للوراء لنلقى نظرة سريعة
على ظروف العالم الدينية والسياسية فى السنوات السابقة لعقد مجمع القسطنطينية،
وكذلك ظروف الكنيسة، والأحداث التى مرت بها، منذ مجمع نيقية العظيم، وتأثير بدعة
آريوس على الشعب المسيحى فى الشرق والغرب، ودور أقباط مصر ونضالهم الروحى لحفظ
الأيمان الأرثوذكسى القويم.

 

مدينة
القسطنطينية:

اختار
الأمبراطور مدينة القسطنطينية لتكون مقرا للمجمع المسكونى الثانى، وهى المدينة
التى بناها الأمبراطور قسطنطين فى المكان الذى كانت فيه بيزنطة على شاطىء البوسفور،
وأنشأ فيها أول حكومة مسيحية، فى 11 مايو سنة 330 م، ولما تنصب الأمبراطور
اركاديوس ثبتها كعاصمة للأمبراطورية الرومانية الشرقية عام 395 م، ويبدو أن موقعها
الجغرافى الممتاز ومكانتها الأقتصادية والحربية قد وجهت إليها أنظار الطامعين
والفاتحين، فعانت لذلك حروبا كثيرة كادت تحيلها الى ميدان للقتال.

حاصرها
العرب عام 685 م، ولكن القيصر قسطنطين الرابع قد انتصر عليهم وردهم فاشلين فعادوا
لمحاصرتها مرة ثانية سنة 741 م فى عهد لاون الثالث غير أنهم لم يفلحوا أيضا.

وعندما
بدأت الحرب الصليبية، ودعا بابا روما بعض الممالك التابعة له كى تشترك فيها – جاءت
الجيوش عن طريق القسطنطينية، ويقال أنها عبثت بمحاسن المدينة ونقلت إلى روما أكثر
تحفها الثمينة، ويذكر البعض أن سبب ما أحدثته هذه الجيوش بالقسطنطينية هو وجود
نزاع فى تلك الأيام بين كنيستى الروم واللاتين لأختلافهما على بعض المسائل
العقائدية.

وفى
سنة 1453 م دخل السلطان محمد الثانى الفاتح مدينة القسطنطينية بجيوشه التركية،
وبعد أن استتبت له الأحوال، حول كنيستها الكبرى (كاتدرائية سانت صوفيا) التى كانت
من أكبر الكنائس فى ذلك الوقت وطرازا معماريا فريدا يدرس فى الكليات المعمارية إلى
اليوم – إلى جامع اسلامى..!!. وجعل المدينة عاصمة ملكه ومقر حكومته. ولازالت
المدينة باقية الى اليوم بأسم الآستانة أو أستانبول، ومنها انطلق الحكم العثمانى
ليشمل معظم الدول العربية فى التاريخ الحديث.

 

استمرار
الصراع الآريوسى

وجهاد
البابا أثناسيوس الرسولى:

لم
تمضى ثلاث سنين على إقرار عقيدة نيقية حتى تغير مسلك قسطنطين الكبير تغيرا تاما،
حيث أن حسابات الأباطرة تدخل فيها المصالح السياسية، فأراد التوفيق بين المسيحية
من جهة والوثنية من جهة أخرى ليحافظ على وحدة الأمبراطورية، فنجده قد مال إلى
الآريوسية كحل وسط، فقام باستدعاء آريوس من منفاه سنة 327 م، وكان ذلك بداية
لمرحلة خطيرة وهامة فى الصراع الآريوسى، كما أنه فتح الطريق لكل من تسول له نفسه
بابتداع هرطقة جديدة أو فكر منحرف دون مسآءلة أو حزم. وفى مجال الصراع الآريوسى
تعددت وتباينت الأطراف فى دورها:  لقد مال معظم أبناء قسطنطين الذين خلفوه فى
الحكم إلى التعاطف مع المذهب الآريوسى، حتى أصبح الموقف حرجا بالنسبة للكنيسة
الأرثوذكسية.

لقد
تعرضت الكنيسة الأرثوذكسية، حسبما شرح القديس أثناسيوس فى رسالة عامة عام 329 م،
لأضطهاد مرير على أيدى الآريوسيين، تحدث عن حرقهم لدور العبادة وسبى الأريوسيين
للعذارى، وانضم اليهود إليهم فى اضطهاد الأرثوذكس. لقد تعرض للأضطهاد كل من البابا
الكسندروس ثم القديس أثناسيوس الذى تحمل أكثر من 46 سنة من الأضطهادات المريرة
والنفى أكثر من مرة للخارج.

كما
يحكى لنا التاريخ أن أشد الناس تمسكا وغيرة على إيمان نيقية كانوا هم متوحدى
ورهبان مصر، كانوا مثالا للشعب فى التمسك بالأيمان وتحمل الأضطهادات. هكذا لم يكن
النصر الذى أحرزه المدافعون عن الأيمان فى مجمع نيقية نصرا نهائيا على الآريوسية،
بل ظلت الكنيسة تجاهد ضدها بعد مجمع نيقية بأكثر من نصف قرن من الزمان، ووقف
القديس أثناسيوس الرسولى مدافعا عن الأيمان برغم ما واجهه من صعاب واضطهاد، لهذا
فجميع الكنائس فى الشرق والغرب تعد الأنبا أثناسيوس الرسولى ليس من أكبر معلميها
فقط بل وأيضا حامى الأيمان الرسولى، وقد أنصف من دعاه من المؤرخين بمؤسس المسيحية
الثانى ونحن عندما نركز على تلك الفترة من التاريخ، فليس لغرض الأطالة فى الحديث،
ذلك لأن المجامع المسكونية الثلاث تعاقبت فى فترة زمنية متقاربة، حتى ليخيل لدارسى
التاريخ أنها كانت تعالج موضوعا واحدا، ونحن بصدد الحديث عن مجمع القسطنطينية لابد
من الربط بين فترة النضال الروحى للبابا أثناثيوس الرسولى، الذى وضع للكنيسة منهجا
فريدا فى الدفاع عن عقيدتها القويمة، احتذى به من جاء بعده من البابوات، ولهذا
فنحن نتذكر دائما كيف حافظ الشعب القبطى وقياداته الدينية على الأيمان القويم
بالجهاد والتضحية وبذل الأرواح وسفك الدماء، فالأريوسية برغم هزيمتها واندحارها فى
الماضى إلا أنها مازالت تطل على الكنيسة من جديد منذ أواخر القرن العشرين وحتى
اليوم من خلال مايسمى ” بجماعة شهود يهوه “، أو الطوائف الدخيلة علينا،
وكأن ابليس لا يريد أن يعترف بهزيمته وأندحاره، ويريد محاربة الكنيسة بشكل آخر، فى
العصر الحديث. أما عن القديس أثناسيوس فمن الحديث عن شخصيته نستطيع أن نقدر على أى
مستوى روحى يكونون تلاميذه أمثال البابا تيموثيئوس، الذى سوف نشير إليه فى معرض
الحديث عن مجمع القسطنطينية.

وبرغم
حروب الآريوسية ضد قرارات مجمع نيقية، فإن قرارت الآباء الثلاثمائة والثمانية عشر
ظلت كالصخرة التى تحطمت عليها كل الهرطقات الآريوسية والهرطقات التى تلتها.

إن
القديس أثناسيوس قد فعل كل شىء بكل قوة ليعد لإنحلال الأريوسية الأخير فى مجمع
القسطنطينية سنة 381 م، حيث اكتمل قانون الأيمان النيقاوى الذى بقى لكل التاريخ.

 

ثالثا:
وفاة قسطنطين وانقسام الأمبراطورية:

بعد
وفاة قسطنطين الكبير انقسمت الأمبراطورية إلى ثلاثة أقسام يحكمها أبنائه الثلاثة: فالغرب
كان من نصيب قسطنطين الصغير، وايطاليا والليريا وافريقيا كانت من نصيب قسطانس،
ومصر والشرق كانت من نصيب قسطنطيوس، وقد عاد البابا أثناسيوس من منفاه فى مدينة
تريف التى نفى إليها فى آخر أيام حكم الأمبراطور قسطنطين الكبير، وكان ذلك النفى
الأول له ولكن كانت هناك فترة جديدة من الصراع تنتظره بعد أن اغتال قسطنطيوس
الأريوسى أخاه قسطنطين – صديق البابا أثناسيوس – الأرثوذكسى امبراطور الغرب،
وعندها صارت الأمبراطورية إلى قسمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار