س، ج

ما هو موقف الله من المدمين الذين لا يستطيعوا أن يشفوا من إدامنهم، وما هو الطريق الصحيح لتوبتهم وإيمانهم

سؤال أتى بالنسبة لحالات الإدمان _ بكل أنواعها _ عن ما هو موقف الله منها، وما موقف تلك النفس من الله وكيفية التخلص من الأدمان الذي ليس له علاج، أو تم الفشل في علاجه، وكيف يتوب الإنسان وهو على هذه الحالة وليس في استطاعته الشفاء !!!

بالطبع لن نخوض في الموضوع من الناحية العلمية ولا الطبية لأنه موضوع ضخم وكبير وبالطبع لا يخص كل الحالات في العموم، لأن لكل شخصية حالتها الخاصة التي تحتاج دراسة منفصلة وفهم لها ولطبيعة شخصيتها وطريقة تربيتها وما هو المجتمع الذي نشأت فيه.. الخ، وهي تحتاج لدراسة تربوية اجتماعية نفسيه بيئية.. الخ، وعلاج كل حالة يختلف من حالة لأُخرى بالطبع، وتحتاج لأطباء متخصصين في علم النفس.

ولكن لا ينبغي التعميم على كل الحالات، ولا على تقنين ما هو شاذ – وعلى الأخص الإدمان الجنسي – ليكون قاعدة أو أنه أمر طبيعي أصبح مُسلَّم به لأننا ماذا نفعل والعلم أثبت أن هذا من صميم طبيعة البعض، لأن كثيرين ظهروا وكتبوا أبحاث لكي يبرروا هذه الحالات لإعطاء لها شكل قانوني مُبرر، أو لإلتماس العُذر لأصحابها عوض علاجها العلاج السليم ببذل الجهد والتعب والمشقة، وذلك لكي يتم علاجهم بفاعلية وتقديم المساعدة الحقيقية لهم بكل جدية، أو ربما لأنهم عجزوا عن حلها لأنها تأصلت كحالة نفسية مشوشة عند الإنسان، وكل هذه الدراسات والأبحاث تخص المجتمع لحفظ توازنه أو لكي يتعايش هؤلاء بصرف النظر عن هذه الحالات والعادت أن كانت صحيحة أم خاطئة من جهة العقيدة أو الدين أو وما هي نظرة الله لها، لأن هذا لا يخص المجتمع على الإطلاق، لأن كل ما يخص المجتمع هو الحفاظ على الإنسان وحريته طالما لا تتعارض مع حُرية الآخرين وانتهاك حُريتهم التي يكفلها لهم القانون أو تتخطى حدود شخصيته، أو إرغام أحد على أن يحيا بطريقة خاصة تُفرض عليهم، وهذا هو حق كل إنسان في التعايش في أي مجتمع أو في العالم عموماً، لأن كل واحد حُر في نفسه يفعل بها ما يشاء وما يراه مناسباً لنفسه ولا يحق له ان يتعدى على الآخرين، أو إجبارهم على حياة معينة أو تتميم افعال لا يقبلوها شكلاً أو موضوعاً…

لكن بالنسبة لله والعلاقة معه، فالموضوع يختلف تمام الاختلاف، ولا يجب الخلط أبداً مهما ما كان المُبرر، لأن هؤلاء يريدون أن يعرفوا ما هو الإيمان الحي، أي الإيمان الخلاصي، لأن الإيمان قوة تربط الإنسان بالله وتجعله يخرج من تحت سلطان كل ما يتسلط عليه، فالإنسان خُلق على صورة الله ومثاله، وبالسقوط تشوهت الصورة وانهار المثال، فأصبح الإنسان مشوش يعمل في كيانه الموت الذي جعله عبداً حتى أن الغير طبيعي صار له طبيعياً وكأنه من صميم كيانه،وقد صارت له الشرعية لكي يهرب من مجابهة الله الحي:

[ فقال يسوع لليهود الذين آمنوا به إنكم أن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يُحرركم. أجابوه إننا ذُرية إبراهيم ولم نُستعبد لأحدٌ قط كيف تقول أنت إنكم تصيرون أحراراً. أجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم أن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد. فأن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً ] (يوحنا 8: 31 – 36)

فكل من هو عبد فهو تحت سلطان، وسلطان الخطية يعمل بالموت، حتى أن الإنسان يصير مستعبداً لخطاياه ولا يستطيع الفكاك منها قط، بل ويُصبح ما هو مضاد للطبيعة كأنه قانون وطبيعي وأمر مُسلَّم به، والرب يسوع أتى لكي: [ يعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية ] (عبرانيين 2: 15)، [ روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأُبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأُنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعُمي بالبصر، وأُرسل المنسحقين في الحرية. وأكرز بسنة الرب المقبولة…. فابتدا يقول لهم: أنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم ] (لوقا 4: 18 – 21)
فأن لم يتم شفاء الإنسان، فما هو إذاً عمل المسيح الرب لأنه مكتوب: [ يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة، الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس… له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا ] (أعمال 10: 38)، [ فالجموع إذ علموا تبعوه فقبلهم وكلمهم عن ملكوت الله والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم ] (لوقا 9: 11)

فالمشكلة الحقيقية أن معظم خُدام الكنيسة لم يعودوا يسلموا الإيمان الخلاصي الذي يجعل الإنسان يمسك في الله مخلصه ويدخل في حرية مجد أولاد الله ليتم فيه المكتوب [ فلستم إذاً بعد غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ] (أفسس 2: 19)

فالرب يسوع طبيب حقيقي شافي النفس فعلاً، فهو يُشفي الأمور المستعصية والتي يستحيل أن تُشفى أبداً Hopeless case، ويفك الإنسان من سلطان الموت والخطية، ليس نظرياً، إنما واقع فعلي عملي مُعاش يتم في واقع الحياة اليومية، يتم في أعماق قلب الإنسان من الداخل فعلياً…

وللأسف كثيرين – اليوم – يريدون أن يعالجوا الأمر فكرياً أو نفسياً أو حتى فلسفياً بعيداً عن المسيح الرب القيامة والحياة، وركزوا على الطب وحده (وهذا ليس خطأ في حد ذاته بل ضروري ومهم جداً لأنه من الله، والكلام لا ينفي على الإطلاق السعي الجاد للعلاج النفسي) وركزوا أيضاً على الحياة في المجتمع منفصلاً عن الحياة في المسيح، وكأننا بلا مسيح أجنبيين عن العهد الجديد، لأن الرب بشخصه وبنفسه، هو بذاته يُشفي ويُعالج فعلياً كل ما هو خطأ ينافي الطبيعة المخلوق عليها الإنسان، بل ومهما ما كان الإنسان متورط في الشر والهلاك وكله فساد تام ميئوس منه، بل ولو كان ميتاً بكل أنواع الموت ولا رجاء أو أمل في حياته قط، لذلك قد أتى ليكون لنا حياة ويكون لنا أفضل…

فهو يظل يعمل فينا لكي نكون خليقة جديدة لا تتبع الخليقة القديمة، فهو المُحرر العاتق للنفس من تحت أي سلطان، وكل من اقترب منه – بجدية وأمانة – وعرفه إله حي وحضور مُحيي يفهم ويعرف ما أقول، لأن كلنا قبل أن نؤمن بالرب يسوع إيمان حي، وليس بحسب الولادة والشكل، تحررنا من خطايا وعادات (ولا زلنا نتحرر) كان من المستحيل إننا نتخيل أننا ننفك منها أبداً مهما ما بذلنا من مجهود وقدرة، بل ومهما ما قضينا الوقت في علاج تحت يد أمهر الأطباء، ومكتوب: [ إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (2كورنثوس 5: 17)، لأن الرب نفسه قال بفمه الطاهر: [ أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا ] (يوحنا 11: 25)

لذلك مثل هذه المشاكل تضعنا أمام امتحان إيماننا [ جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان، امتحنوا أنفسكم، أم لستم تعرفون أنفسكم، أن يسوع المسيح هو فيكم أن لم تكونوا مرفوضين ] (2كورنثوس 13: 5)، فهل نحن نؤمن فعلاً على مستوى الواقع العملي المُعاش في حياتنا اليومية، أن الرب قادر على مستوى الواقع، أي على مستوى العمل والفعل أن يُشفي فعلاً أم لا يُشفي من مات بالخطايا والذنوب وواقع تحت سلطانها بل وتحت تشويش النفس وأمراضها الداخلية المستعصي علاجها على المجتمع والأطباء أن يشفوها تماماً لتعود لحالتها الطبيعية ويتم فيها قصد الله الحي !!!

فلا أحد يقنعني أن حالات الإدمان وعلى الأخص الشذوذ هي حالات طبيعية في الإنسان، وإلا لماذا تُسمى شذوذ، ولماذا الله يرفضها ويحكم عليها ويُدينها على مر تاريخ الكتاب المقدس كله، ولا يصح إننا نبررها أبداًَ، مهما ما بررها الأطباء أو العلماء، أو مهما كنا متورطين فيها، بل لنا أن نعرف أنها مرض الطبيعة الساقطة التي وقعت تحت سلطان الموت، وعلينا أن نهرب منها ونسعى أن نتخلص منها، ولا نضع المبررات لأجل راحة الناس ولا راحتنا، لأننا سنموت عن الله ونحيا بنفسية مُحطمة…

فالموضوع ليس فقط الإدمان بكل أنواعه، ولكن الموضوع أن الإنسان طبعه صار مشوش، أصبح تحت الموت وصراخه أين الطريق، أُريد أن أنفك، أموت عن نفسي وعن حياتي السابقة وأصير آخر جديد…

فهذا هو نداء البشرية كلها وصراخها الذي يعلو وعلينا أن نسمعه ونقدم لهم الإيمان بالمسيح الحي، مسيح القيامة والحياة الذي عرفناه مُقيماً لنا من براثن الموت، الذي فكنا من سلطان الخطية والموت، لأن هذا هو الخلاص كفعل وعمل في حياة الإنسان، لأن الرب يسوع أتى ليُقيم الطبيعية الساقطة ويجعلها خليقة جديدة وليس مجرد ليقول لها مغفورة لك خطاياك ويصمت، وتظل كما هي تحت سلطان الخطية وأفعال الشرّ الناتجة من فساد الطبيعة، ويتم تبرير أفعالها ليظل الإنسان فيها تحت تعبها وثقلها عينه، لأن الخلاص يعني أن أُشفى وأصير جديداًُ، ولا يستعبدني شيءٌ قط بل أحيا حُراً…

فيا إخوتي، الله لا ينظر للإنسان بحسب خطيئته وماذا يفعل لأنه يعلم أنه لا يقدر أن ينفك من الموت أوة يتحرر من قيوده بقدرته، ولا يُنادي على الأبرار لأنه أتى لأجل المرضى بكل علل الخطايا، وهو فاحص الكلى والقلوب، ويعرف من هم الذين يريدون أن يقتربوا منه حقيقةً ليلمسوه ويصيروا إنساناً جديداً مشفي من أمراض الطبيعة الساقطة، بغرض أن يكون له شركة مع الله القدوس الحي، مثلما حدث لنازفة الدم حينما مست هدب ثوبه فخرجت منه قوة فشُفيت في الحال والتو، وحذاري من أن يقول أحد أن هناك نفس واحدة عملت كل طاقتها وأرادت أن تلمس يسوع فعلياً ولم تخرج منه قوة، واعلموا يقيناً أن من يقول لكم هذا فهو كاذب ولا تصدقوه، لأن الله يعمل للإنسان حسب ما في قلبه، فلم ولن يوجد من يلتمس الله فعلاً وبكل قلبه ولا يجده على الإطلاق، ولا ينال منه القوة التي تعوزه قط:
+ أطلبوني أنا الرب متكلم بالصدق مخبر بالاستقامة (أشعياء 45: 19)
+ وتطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلبكم (أرميا 29: 13)

فكما هو مكتوب: حيثما كثرت الخطية، ازدادت النعمة جداً، أي حيثما كثرت الخطية في النفس تمجدت نعمة الله جداً وظهرت وتجلَّت، لأنها تنسكب في الإنسان لتغطي الخطية وتبرره وتعطيه قلباً جديداً وروحاً جديدة في داخله، ليصير في حرية مجد أولاد الله صدقاً، على مستوى الخبرة والحياة والشركة.
فمهما ما كانت خطية الإنسان أو أمراضه المستعصية التي تجعله يُخطئ، فالرب أقوى وأعظم جداً – وبما لا يُقاس – من كل شيء، يُعطي شفاء لا يقدر عليه أطباء هذا الزمان (ولا أي زمان آخر) مهما ما بلغوا من شطارة وحكمة ومعرفة وقوة.. وتاريخ الكنيسة يشهد على الزناه والزواني وتوبتهم التي تفوق توبة الذين لم يفعلوا شيئاً خاطئاً …

أرجو أن لا يُفهم من كلامي إني أُريد أن أكتب عظة أو مجرد إرشاد، ولكني أُريد أن أوصل خبرة فقدها الكثيرين من أبناء هذا الجيل، وأوصل علاج حقيقي فعال بقوة الله وليس حسب فلسفة الناس وفكرهم، ولا يظن أحد أني استهين أو أُسطح مُعناة الآخرين أو لا أشعر بها أو أتهاون فيها، لأن هذا كفيل أن يجعل الكلام رتيباً خارجاً عن معناه، لأن المسيحية ليست نظريات ولا أفكار ولا مجموعة من عِظات كما ينظر إليها هذا الجيل الذي معظمة لم يختبر أو يتذوق قوة الله ولا يصدق فاعليتها إلا من خلال مجرد معجزات يُكتب عنها، بدون أن يعي قوة شفاء النفس لأن هذه هي المعجزة الحقيقية التي تفوق معجزات الجسد وخوارق الطبيعة، فالمسيحية الحقيقية هي تجلي المسيح وسط كل جيل متعب جداً ويُعاني تحت ثقل المزلة ويحيا تحت أي نوع من أنواع الضعف والقهر والشقاء، لأن المسيح الرب هو مسيح الحُرية الأبدية والعتق من كل أسر، وقوة فك من كل قيد يُقيد النفس ويعوق انطالقها في الحُرية… فآمنوا بمسيح القيامة والحياة وأنتم ترون حقاً مجد الله الحي فيكم لأنه قريب منكم وليس هو بغريب عنكم لأن الكلمة صار جسداً…

كونوا معافين باسم الرب إلهنا الذي أعتقنا من سلطان الخطية والموت، والذي لا نأتمن غيره على أنفسنا وحياتنا لأنه لا يزل أو يُعير أحد، وهو الشافي لكل أمراضنا وأوجاعنا الداخلية فعلاً، لأنه يغيرنا إليه بسرّ فائق لا يعرفه سوى من دخل فيه… النعمة معكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار