المسيحية

كلمة ختامية



كلمة ختامية

كلمة ختامية

إن الآيات التي تحمل معنى الإنكار لعقيدة لاهوت المسيح هي في الحقيقة
شهادة بصحة تلك العقيدة. أما أهم الآيات فهي قوله في النساء 4: 171، 172 يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ الّا
الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ
أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرَوُحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا
تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ
سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ
عَبْداً للّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ
عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً.

وقوله في المائدة 5: 17، 72، 73، 75، 116 لَقَدْ كَفَرَ الّذينَ قَالُوا
إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ
شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.. لَقَدْ كَفَرَ الّذينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا
اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ
عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
لَقَدْ كَفَرَ الّذينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ
الّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ
الّذينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ, مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ الّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا
يَأْكُلَانِ الْطَعَامَ,,, وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ
قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ
كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا
فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلّامُ الْغُيُوبِ.

وقوله في سورة التوبة 9: 31 اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ
أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ
لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ.

هذه الآيات تحمل في ظاهرها معنى إنكار العقيدة المسيحية عن لاهوت المسيح.
ولكن التأمل فيها يكشف عن غرض آخر ترمي إليه، توضحه نفس نصوص الآيات كما توضحه
تفاسير أشهر المفسرين لها.

أما هذا الغرض فليس هو محاربة المسيحيين عامة في عقيدتهم عن لاهوت المسيح،
ولكنه محاربة فرقة خاصة قد شطت عن الصواب، وضلت عن الحق، وذهبت في عقيدتها عن
المسيح مذاهب غريبة عن التعليم الصحيح، كما ذهبت إلى أن العذارء مريم قد صارت هي
أيضاً بولادتها المسيح إلهاً ثالثاً. فهذه الفرقة ترى أن الثالوث والد ومولود
وصاحبة. وحارب الإسلام هذه العقيدة، وهي ليست العقيدة المسيحية الصحيحة.

جاء في هذه الآيات قوله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ
اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الّذينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا
مِنْ إِلَهٍ الّا إِلَهٌ وَاحِدٌ, وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً
وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (سورة المائدة 5:
72، 73 والتوبة 9: 31)

فهذه التصريحات برهان ناطق على أن العقيدة التي أراد الإسلام محاربتها
بهذه الآيات وما يشابهها ليست هي مجرد الإعتقاد بلاهوت المسيح، إنما هي عقيدة
الإشراك والتعدد. فهذه الآيات أُريد بها إثبات أن الله واحد لا شريك له، وهذا لا
يناقض معتقدنا في وحدانية الله تعالى، ولا يتعارض مع إيماننا بلاهوت المسيح له
المجد، يؤيد هذا قوله في الآيات السابقة: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ؟ (المائدة 5: 116) فهو قول يُفصح أن هناك
شيعة ذهبت إلى الاعتقاد بأن كلاً من المسيح ومريم إله قائم بذاته منفصل عن الإله
الواحد. وما كانت العذراء مريم إلهاً، ولا كان المسيح إلهاً ثانياً منفصلاً عن
الإله الواحد. وهذا ما أرادت الآية إثباته. ويزيد هذا إيضاحاً قوله: وَلَا
تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ,,, إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ
لَهُ وَلَدٌ (النساء 4: 171) فواضح أن ما أُريد مقاومته إنما هو الإعتقاد بالإشراك
والتعدد، وكذلك الاعتقاد بالتوالد التناسلي، وأن ما أُريد إثباته هو التوحيد
والتنزيه عن فكرة التوالد.

قال الجلالان (ص 98) في تفسير قوله: لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث
ثلاثة أي أحدهما والآخران عيسى وأمه. وهم فرقة من النصارى.

قال البيضاوي في تفسير آية النساء: وقيل الخطاب للنصارى خاصة فإنه أوفق
لقوله: ولا تقولوا على الله إلا الحق يعني تنزيهه عن الصاحبة والولد.. فآمِنوا
بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة أي الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم (البيضاوي ص 164،
165).

وفي هذا التفسير إقرار بأن المطلوب نفيه في الآية هو أن الله له صاحبة،
وله ولد، وأن الآلهة ثلاثة: الله والمسيح ومريم. وما علّمت المسيحة بأن الله له
صاحبة، ولا علّمت بأن المسيح ولد الله بمعنى الولادة التناسلية، ولا قالت المسيحية
في تعليمها الصحيح إن الآلهة ثلاثة، ولكنها على العكس علّمت ولا زالت تعلّم أن
الله إله واحد. إذاً فالإسلام لم يهاجم المسيحية في عقيدتها السليمة، وإنما كان
يهاجم فرقة مبتدِعة من النصارى شطّت عن جادة الصواب ووقعت في هوة سحيقة من الكفر
والضلال.

الخلاصة

الذي أراده الإسلام هو مقاومة كل تعليم يرمي إلى الإشراك والتعدد والتوالد
التناسلي، واعتبار المسيح إلهاً منفصلاً عن الله، واتخاذ مريم إلهاً من دون الله.
والمسيحية لا تعلّم بإشراك ولا تعدد ولا توالد تناسلي، ولا تقول إن مريم إله، ولا تعلم
أن المسيح إله منفصل عن الله.

فالإسلام إذاً في موقفه هذا لا يعادي المسيحية الصحيحة ولا يقاومها، ولكنه
على العكس يسير معها جنباً إلى جنب ويحالفها في إشهار الحرب ضد تلك الفرقة
المبتدِعة. وبديهي أن الإسلام لو كان يعتقد أن المسيحية بأسرها حادت عن الحق في هذا،
وأنه أراد بهذه النصوص النعي على المسيحية عامة لَمَا مجَّد المسيحية وشهد بصحة
إيمان تابعيها. فقد قال في سورة آل عمران 3: 113، 114:،,, لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ
وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وقال ايضاً في نفس السورة 55 إِذْ قَالَ اللّهُ
يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الّذينَ
كَفَرُوا وَجَاعِلُ الّذينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الّذينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ.

فهنا نرى الإسلام يحكم للمسيحيين بالإيمان الصحيح بالله، ويشهد لهم ببعدهم
عن الكفر، كما يشهد برفعهم فوق الكافرين إلى يوم القيامة. فالمسيحية باقية صحيحة
وكتابها باق لم يُحرَّف، ومجدها سيبقى إلى الأبد، وسيبقى الذين آمنوا بها فوق
الذين كفروا بها إلى يوم القيامة

وبعد

أليست هذه المقارنة تنطق بصورة واضحة بالتشابه بين ما صرّحت به المسيحية
عن مجد المسيح ككلمة الله الأزلي، وبين ما صرّح به الإسلام عن شخصه المبارك
الممجد؟

وهلا تثبت هذه المقارنة دعوانا أن الإسلام ما حارب المسيحية قط، بل على
العكس كان مؤيداً لتعاليمها، مصدقاً على عقائدها في المسيح مؤسسها، ذاك الذي له
المجد إلى الأبد. آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار