المسيحية

فاتحة آل عمران



فاتحة آل عمران

فاتحة
آل عمران

 قال
ابن اسحاق: لمّا قدم أهل نجران على رسول الله ص. يسألونه عن عيسى بن مريم نزلت
فيهم فاتحة آل عمران إلى الثمانين منها. وحضر اليهود المناظرة واشتركوا فيها. فكان
ما يسميه حسين هيكل ” مؤتمر الاديان الثلاثة في المدينة”.

 أولا:
يذكر خلاف محمد واليهود على ” ان الدين عند الله الاسلام”

 18
شهد الله أنه لا إله ألا هو، والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط
لا إله اّلا هو العزيز الحكيم [1]

 19
إِن الذين عند الله الاسلام. وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءَهم
العِلم بغياً بينهم: وَمن يكفر بأيات الله فإِن الله سريع الحساب.[2]

 20
فإن حاجّوك فقل: أسلمتُ وجهي الله ومَنِ اّتبعنِ. وقل للذين اوتوا الكتاب
والاميّين: أَسلمتم فإِن أسلموا فقد اهتدوا، وان تولوا فانما عليك البلاغ والله
بصير بالعباد.[3]

 21
إَن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط
فبشرهم بعذاب أليم.

 ان
اهل الكتاب الذين يختلف محمد معهم (19) هم اليهود وحدهم بدليل قوله انهم
“يقتلون النبيين بغير حق” (21) ولم يكن ليفعله النصارى اذ لا نبي عندهم
بين المسيح وأحمد الذي يتكلم. والخلاف ليس على التوحيد، فإنهم، وهم ” اولو
العلم” شهدوا به مع اله والملائكة(18) بل على الاسلام أَي الشرع المبعوث به
محمد مبْنيّاً على التوحيد (19) إي على طريقة عبادة الله.

 ويجيبهم
على محاججتهم: ليس الشرع بضروري للتوحيد، بل الاصل في الايمان والدين هو
التوحيد” فإن حاجوك فقل أسلمتُ وجهي لله ومَنِ اتّبعنِ” يعنى “ان
دينى دين التوحيد وهو الدين القويم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي وما جئتُ
بشئ بديع حتى تجادلوني فيه” (الزمخشرى).

 

ثانياً:
بشارة امرأة عمران بمريم (33
37)

 33
ان الله اصطفي آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين.

 34
ذريةً بعضها من بعض والله سميع عليم.

 35
اذ قالت امرأة عمران: ربّ اني نذرتُ لك ما في بطني محرّرا فتقبل مني انك انت
السميع العليم.

 36
فلما وضعتها قالت: رب اني وضعتها انثي، والله عليم بما وضعت، وليس الذكر كالانثي.
وانيِ سميتها مريم. واي أُعيذها بك وذريَّتها من الشيطان الرجيم.

 37
فتقبَّلها ربّها بقبول حسن. وأَنبتها نباتاً حسناً. وكفَّلها زكريا كلما دخل عليها
المحراب وجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنَّي لكِ هذا قالت هو من عند الله يرزق من
يشاء بغير حساب.

ثالثا:
بشارة زكريا بيحيي: آل عمران (39
41)

 39
فنادته الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب: ان الله يبشّرك بيحيي، مصدِّقاَ بكلمة
من الله، وسيداً وحصوراً، ونبياًّ، من الصالحين[4]

 في
هذه آية ينعت القرآنُ يحيي بخمس صفات، اوّلها انه آمن ” بكلمة الله” وهو
عَلَم للمسيح. فهنالك في المحراب (37) أي في الهيكل، لما رأى زكريا ذلك (أي
المعجزة في شأن مريم)، وعلم ان القادر على الاتيانبالشئ في غير وقته قادر على
الاتيان بالولد على الكبر، دعارّبه، “فنادته الملائكة ان الله يبشرك بيحيي
مصدّقاً بكلمة كائنة من الله، أي بعيسي انه روح الله
وسمّي كلمة لأنه خُلق بكلمة: كن!” (الجلالان). ونقول: ان قولهم ” بان عيسى روح اله وكلمة الله الكائنة من
الله (الجلالان) الصادرة من الله بدون توسط اصل (البيضاوى)، وانه خُلق بأمر الله: كن!”
قولّ فيه تناقض اذ كيف يمكن لروح الله وكلمة الله، ان يُخلق خلقاً؟! 00 انه لا
يخلق خلقاً بل يصدر صدوراً. اذ ان ” كلمة الله
كما تقول السنَة صفة قديمة قائمة بذات الله” (الرازى)؛ “وعيسى عليه
السلام كان اسمه العلم (كلمة الله) و(روح الله) ” {الرازى}.
ويشهد القرى
، أن اول من
آمن بالمسيح انه كلمة الله وبشر بذلك هو يحيي بن زكريا “الذي لم يعمل خطيئة
ولم يهم بها”.

رابعا:
عزلة مريم في الهيكل (42
44)

 42
وإِذ قالت الملائكة: يا مريم إِن الله اصطفاكِ وطهَّركِ واصطفاك على نساء العالمين.

 43
يا مريم اقتنتي لربك واسجدى واركعى مع الراكعين

 44
ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنتَ لديهم اذ يلقون اقلامهم أَيهم يكفل مريم
وما كنتض لديهم اذ يختصمون.

خامسا:
بشارة مريم بالمسيح
(يوردها القرآن في آل عمران بعد ان قصّها في
سورة مريم),

 45
اذ قالت الملائكة: يامريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم
وجيهاً في الدنيا والاخرة، ومن المقربين.

 46
ويكلّم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين.

 47
قالت أني يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ قال: كذلكّ الله يخلق ما يشاء، اذا قضي
أَمراً فإنما يقول له: كن! فيكون.

 48
ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل.[5]

 49
ورسولاً إلى بنى اسرائيل: آني قد جئتُكم بآية من ربكم، أنى أخلق لَكم من الطين
كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. وابرِئ الاكمة والابرص. واحي الموتي
بإذن الله. وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم: لن في ذلك لآية لكم ان كنتم
مؤمنين.[6]

 50
ومصدّقاً لما بين من التوراة، ولأُحلّ لكم بعض الذي حُرِم عليكم. وجئتكم بآية من
ربكم

فاتقوا الله وأَطيعون-[7]

 51
إِن الله ربي وربكم فاعبدوه: هذا صراط مستقيم

 في هذا النص
الرئيسي من المسيح يذكر القرآن ولادته المعجزة من مريم بخلق مباشر فيها دون واسطة
أب، ودون واسطة معجزة كعمل الملاك؛ ويقرّر في القاب اربعة وأوصاف اربعه شخصية
مولود مريم الفريدة، ولم يخص القرآن احداً قط من الانبياء بمجموع هذه النعوت ولا
يمثل سموّها؛

 ويدل
على عظمة وحيه أَنه تعلّم مباشرة من الله، الوحى كلّه، ما سبقه وما نزل عليه: فكأنه
جمع الوحي فيه.

 وذكر
خمسة انواع من معجزات عيسى منها ما اشترك به مع غيره من الانبياء مثل الابراء
والانباء بالغيب؛ ومنها ما انفرد به على جميع المرسلين كالمقدرة على الخلق واحياء
الموتي وهما من خصائص الخالق.

 ويختم
بذكر موضوع رسالته: تصديق التوراة وتخفيف بعض احكامها ثم التبشير بالتوحيد من جديد.

 سادسا:
آخرة المسيح:
آل عمران 52
58 وقد ذكرها في مريم على غير تفصيل

 52
فلماَّ أحس عيسي منهم الكفر قال: من أَنصارى إلى الله؟ قال الحواريون: نحن انصار
اللهّ آمنا بالله؛ واشهد بأناَّ مسلمون. [8]

 53
ربنا آمنّا بما أنزلت وأتبعنا الرسول (المسيح) فاكتُبْنا مع الشاهدين.

 54
ومكروا (الذين كفروا)، ومكر الله، والله خير الماكرين.[9]

 55
اذ قال الله: يا عيسي اني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا. وجاعل الذين
اّتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم
فيه تختلفون.[10]

 56
فأما الذين كفروا (بالمسيح) فأعذّبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من
ناصرين.

 57
وأمَّا الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات فيوفيهم اجورهم والله لا يحب الظالمين.[11]

 58
ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم.[12]

 يذكر القرآن
نتائج رسالة المسيح بين بنى اسرائيل: كَفَرَ الاكثرون به، وآمن الحواريون وكانوا
انصار عيسى في سبيل الله.

 ويشهد
القرآن على اقرارهم بأن دينهم هو الاسلام ” واشهدْ بأنا مسلمون” قائلاً
انهم آمنوا بالله، وكتب الله، ورسول الله أي المسيح، واتبعوه ونصروه مستعدين
للشهادة والاستشهاد في سبيله وسبيل دينه (عن الرازى).

 ويشهد
القرآن ايضاً شهادة صريحة بموت المسيح وإِحيائه بعد ذلك بمدة وجيزة ورفعه إلى
السماء؛ وبإِحيائه ورفعه إلى عالم الملكوت كان الله أشد مكراً من المتآمرين على
المسيح لقتله.

 ”
واعترفوا بان الله تعالي شرّف عيسى في هذه الآية (57) بصفات (الاولى) الوفاة
المعجزة، و(الثانية) الرفع إلى ملكوت الله، إلى محل كرامته تعالى، وجعل ذلك
“رفعاً” اليه للتفخيم والتعظيم، و(الثالثة) تطهيرهُ من الذين كفروا،
وكما عظّم شأنه بلفظ الرفع اليه أخبره عن معنى تخليصه منهم بلفظ التطهير،
و(الرابعة) تفوّق المؤمنين بالمسيح على الكافرين به، بالقهر والسلطان والاستعلاء
إلى يوم القيامة، وبالحجة والدليل والبرهان؛ والفوقيّة بالرفعة والدرجة. انه تعالي
بشر عيسي عليه السلام بانه يعطيه في الدنيا تلك الخواص الشريفة والدرجات الرفيعة
العالية؛ واما في القيامة فإِنه يحكم بين المؤمنين به وبين الجاحدين برسالته
فالحكم في يوم الدين يكون على الايمان بالمسيح وعدمه” (الرازى) وهذا القصص
ينقله عن الذكر الحكيم الذي نزل من قبل للذكر النازل الآن في القرآن.

 

سابعاً:
شخصية المسيح: آل عمران 59
64

 أنه
لتفسير متأخّرُ إضافي:

 59
إنَّ مثل عيسي عند اله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له: كن! فيكون[13]

 60
الحق من ربّك فلا تكن من الممترين.[14]

 61
فمن حاجك فيه من بعدِ ما جاءَك من العلم فقل: تعالَوا ندعُ أبنائنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم وأَنفسنا وأَنفسكم ثم نبتهل فنجعلْ لعنت الله على الكاذبين.[15]

 62
إِن هذا لهو القصص الحق. وما من إِله اَّلا الله. وان الله لهو العزيز الحكيم.[16]

 63
فإِن توَّلوا فإِن الله عليم بالمفسدين.[17]

 64
قل: يا أهل الكتاب، تعالوا إلى كلمةِ سواء بيننا وبينكم، أَلا نعبد الا الله، ولا
نشرِكْ به شيئاً، ولا يتّخذْ بعضنا بعضاً أَرباباً من دون الله. فإِن تولوا فقولوا:
اشهدوا بأناً مسلمون![18]

 تترك
النصوص السابقة في نفس القارئ فكرة عظيمة عن سمو المسيح حتى لقد تخرج به عن طبقة
البشر، وتترك الباب مفتوحاً لاعتقاد النصارى بتأليه عيسى. فجاء هذا النص الاضافي
من زمن متأخر يقوّم ذلك الشعور ويعلّل القضية على هذا النحو: اَلا يظن ان معجزة
ميلاد المسيح بلا اب قد أظهرته اسمى من البشرية ورفعته إلى رتبه الالوهية؟
كلَّا، انما عيسى مخلوق وهناك أغرب من طريقة خلقه: إِنه وُلِدَ
بلا أَبٍ، وآدم وُجد بلا أبوين[19] بأمرٍ من
الله: كن! فكان.[20]

 وتلاحظ
ان القرآن يسمّي مقالتهم كذباَ وفساداً في الدين؛ ولكنهما ليست كفراً؛ انه لا
يصمهم ابداً بالكفر لأنه يعتدّهم حتى النهاية موحدين مثله ” واشهدْ بأنّا
مسلمون” (آل عمران 52 و80)

 وبعد
فشل الحجج في الاقناع والاقتناع دعي النبي وفد نجران النصرانى إلى الملاعنة على
الكاذب على المسيح، وفي قصصه الحق: فأبوا. وامتناعهم عن المباهلة (الملاعنة) لا
يعنى انكارهم لألوهية عيسى أَو اقرارهم بنبوة محمد (61) لأنهم “تولوّا”
تاركين محمداً وشأنه (62). وقد دعا كفارُ مكة محمداً إلى المباهلة وطلبوا من الله
امطارهم بالحجارة ان كان ما يقوله محمد هو الحق، ثم انه لم ينزل العذاب بهم البته:
ليس في الملاعنة من افحام للخصم!

 وفي
ختام “مؤتمر الأديان الثلاثة” في المدينة يدعو القرآن أهل الكتاب إلى
كلمة انصاف وحق وعدل في الله: ألا وهي توحيده الخالص، قبلوا بها أم لم يقبلوا: يا
اهل الكتاب تعالوا إلى كلمة مستوية بيننا وبينكم لا يختلف فيها القرآن والانجيل
والتوراة.

 دعا
المشركين في مكة إلى توحيد الآلهة؛ ويدعو الكتابين في المدينة إلى توحيد الاديان.

 

ثامنا:
الاسلام هو تعليم انبياء الكتاب
: آل عمران 79 80، 83 85

 79
ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحُكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي
من دون الله، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمِون الكتاب وبما كنتم تدرسون.[21]

 80
ولا يأمركم أَن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً! أًيأمركم بالكفر بعدَ إِذ أّنتم
مسلمون[22]

 83
أَفغير دين الله يبغون وله أسلم مَن في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً واليه
يُرجعون.[23]

 84
قل: آمنا بالله وما أُنزل علينا وما أُنزل على ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوبز
والاسباط وما اوتي موسي وعيسي والنبّيون من ربهم: لا نفرّق بين أَحد منهم ونحن له
مسلمون.[24]

 85
ومن يبتغِ غير الاسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[25]

 في
النص السابق دحض القرآن ألوهية عيسى المستندة إلى الادلة النقلية. وهنا يذكر
الادلة العقليّة: يستحيل ان يطلب نبي العبادة لنفسه من دون الله؛ فهذا خيانة
لنبوته! ويستحيل ان يأمر نبي اتباعه باتخاذ الملائكة والنبيين ارباباً: “أيام
بالكفر قوماً مسلمين”؟! وهذه شهادة صريحة لصحة اسلام اهل الكتاب (80) كالتى
سبقتها “واشهدْ بأنّا مسلمون” (52): فدين الله هو عبادته وحده لا شريك
له من الملائكة او النبيين او أحبار أو رهبان: افغير دين الله يبغون؟! وقد وّحديه
السماوات والارضون!

 التوحيد
الصحيح هو الاسلام ومن يتبع غيره ديناً فلن يُقبل منه! وهذا التةحيد هو ايمان
الكتاب والقرآن وتعليم جميع الانبياء: لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون.

 

تاسعاً:
امة عيسى في عصر محمد: آل عمران 110
120.

 أخيراً
يذكر القرآن نتائج “مؤتمر الاديان الثلاثة” لأول العهد بالمدينة واصفاً
أُمم الكتاب الثلاث:

 110
كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المكر وتؤمنون باله. ولو آمن
أهل الكتاب (اليهود) لكان خيراً لهم: منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون.[26]

 111

112 ضُربت عليهم الذَّلة والمسكنة: ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون
الأنبياء بغير حق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.

 113
ليسوا سواء! من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم
يسجدون[27]

114
يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ويسارعون في
الخيرات واولئك من الصالحين.

115
وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه. والله عليم بالمتقين.

116
120 يعود إلى ذكر
الذين كفروا بنبوته من اهل الكتاب (أَى اليهود).

 هذه
الفقرة تصف امم الكتاب الثلاث عقب المؤتمر. كان وفد من نصارى نجران قد حضر وباحث
النبي في دعوته وفي عيسى، وحضر المجادله بعض اليهود: فوادعه النصارى وانصرفوا وزاد
اليهود كفراً به.

 فالآية
110 تصف امّة المسلمين: يؤمنون بالله، ويأمرون بالمعروف لذلك صاروا خير أمّة.

 والآيتان
111
112 تصفان اليهود:
منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون. هؤلاء الفاسقون ضُربت عليهم الذلة والمسكنة
وباؤوا بغضب من الله، ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق.
هذا الوصف من قتل الأنبياء يوضح صراحةً ان المعنيين هم اليهود.

 والآيات
113
115 تستثنى من أهل
الكتاب أمة مؤمنة تقية صالحة مصلحة؛ لاشك انها تقصد النصارى ورهبانهم لأنه
يستثنيهم من اله الكتاب الفاسقين، قتلة الأنبياء، فضلاً عن ان احياء الليل ف
يالسجود وتلاوة آيات الله فيه كانت عادة الرهبان النصارى لا عادة اليهود، ولا عادة
المسلمين الذين لم يتكوَّنوا بعد.

 و”اعلم
أنه تعالي مدح الامة المذكورة في هذه الاية بصفات ثمانية: 1 قائمة أي مستقيمة
عادلة 2- يتلون آيات الله: وصفهم بالتهجد بالليل 3- الصلاة ” وهم
يسجدون” 4- يؤمنون بالله واليوم الآخر، بالمبدأ والمعاد 5- يأمرون بالمعروف

6-
ويتهون عن المنكر 7- ويسارعون في الخيرات 8- واولئك من الصالحين؛ والوصف بهذا غاية
المدح” (الرازى): يشهد اذن بتقواهم العظيمة (يتلون آيات الله آناء الليل وهم
يسجدون)، وصحة دينهم وايمانهم واسلامهم (يؤمنون بالله واليوم الآخر)، وغيرتهم على
الاصلاح(يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، وعلي صلاحهم وكمالهم (يسارعون في
الخيرات واولئك من الصالحين)، ويعدهم الجنة (وما يفعلوا من خير فلن يُكفروه).

 

عاشراً:
القرابن علامة النبي الآتى: آل عمران 182

 بعد
ان حرّض على بذل النفس والمال في سبيل الله، وكان اليهود يصدّون عن ذلك لقولهم
بعدم نبوّة محمد، شرع في حكاية شبهات القوم في الطعن بنبوّته:

 181
الشبهة الاولى: لقد سمع الله قول الذين قالوا: إِنَّ الله فقير ونحن اغنياء‍‍‍ [28]000

 182
الشبهة الثانية: الذين قالوا: إِنَّ الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتي يأتينا
بقربان تأكله النار‍-قل: قد جاءكم رُسُلُ من قبلى بالبّيِنات، وبالذي قلتم، فلَمِ
قتلتموهم إِن كنتم صادقين؟‍ [29]

 183
فإِن كذبوك فقد كُذّبِ رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزُبر والكتاب المنير.

 جاء
وجهاء اليهود وعلماؤهم إلى محمد وقالوا له: ان الله عهد الينا في التوراة الا
نصدّقَ نبياً حتى يأتينا بقربان تأكله النار، وهذا شرط خاص لنا عليه، فلا نؤمن لك
حتى تأتينا به. اجابهم: القربان من جملة المعجزات فهو وهي سواء؛ لقد جاءَكم الرسل
بالمعجزات، وبالقربان الذي قلتم قتلتموهم إِن كنتم صادقين في طلبكم؟

 مَن
هو الرسول الذي جاء بعد موسى بالقربان المطلوب وقتله اليهود؟
ليس من جواب في آل عمران انما نجده في سورة المائدة: الرسول
المذكور الذي اعطي القربان معجزة له ليصدّقوه هو عيسى الذي أنزل عليهم المائدة من
السماء؛ ولم تذكر التوراة والانجيل والقرآن نبياً فعل ذلك بعد سكوت الوحي خمس مئة
سنة إلى المسيح ثم ست مئة سنة إلى محمد، سوى المسيح عيسى ابن مريم كلمة الله وروح
الله.



[1] أية 18 “أولو العلم” هم اهل الكتاب لمعرفتهم الوحي، كما انه
يسمّي المشركين ” الذين لا يعلمون” لأنهم لا يعرفون الكتاب.

[2] آية 19 “الذين اوتوا الكتاب” من اليهود و النصارى (الجلالان
والبيضاوى والزمخشرى). وعندى انه يقصد هنا اليهود وحدهم اذ خصهم بقتل
الانبياء(21). “ان الدين عند الله الاسلام” : الشرع المبعوث به الرسل
المبنى علي التوحيد (الجلالان). ” وما اختلف الذين اوتوا الكتاب” في دين
الاسلام فقال قوم انه حق وقال قوم انه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقاً. أو
في التوحيد” (البيضاوي). واضاف الزمخشرى ” هو اختلافهم في نبوة محمد
وقيل هو اختلافهم في الايمان بالأنبياء”. وعندي ان موضوع الخلاف ظاهر: هو على
الاسلام(19) لا على التوحيد (18) اذن هو على طريقة عبادة الله الأحد أي على شرع او
دين الاسلام لا على عقيدة الاسلام أو توحيده.

[3] آية 20 “الاميين” الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب (الزمخشرى)
ومنه النبي الأمي.

[4] آية 39 آل عمران “مصدقاً بكلمة من الله” أي بعيسى سمّي بذلك
لنه وُجد بامره تعالي دون اب فشابه البدعيات التي هي عالم الامر. او بكتاب الله
(البيضاوى). “يحيي اسم اعجمي، وهو الظاهر، مُنع صرفه للتعريف والعجمة.
(مصدقاً بكلمة من الله) مصدّقاً بعيسي مؤمناً به، قسل هو اوّل من آمن به، وسمّي
عيسي كلمة لانه لم يوجد الا بكلمة الله وحدها وهي قوله : “كن!” من غير
سبب آخر. وقيل مؤمنا بكتاب منه تعالي”(الزمخشرى).

 وقال
الرازى ” كلمة من الله” : أي كتاب من الله وهو قول ابي عبيدة، واختيار
الجمهور أَنَّ المراد بكلمة من الله هو عيسي. وقال ابن عباس ان يحيي كان اكبر سناً
من عيسي بسته اشهر وكان يحيي اول من آمن وصدّق بانه كلمة الله وروحه ثم قُتل يحيي
قبل رفع عيسي. وسمي عيسي كلمة الله من وجوه : 1) أنه خلق بكلمة الله وهو
قوله كن من غير واسطة الأب كما يسمّي المخلوق خلقاً وهو باب مشهور في اللغة؛ 2)
انه تكلّم في الطفولية وآتاه الله الكتاب في زمان الطفولية فكان في كونه متكلماً
بالغاً مبلغاً عظيماً فسمّي كلمة أي كاملاً في الكلام؛ 3) ان الكلمة كما انها تفيد
المعانى والحقائق كذلك عيسى كان يرشد إلى الحقائق والاسرار الالهية كما سمي القرآن
روحاً؛ 4) لانه حقق كلمة بشارة الانبياء به كما قال وحقق كلمة ربك؛ 5) إِن الانسان
يسمّي “فضل الله ولطف الله” فكذا عيسي عليه السلام كان اسمه العَلَم
“كلمة الله” و” روح الله”. واعلم ان كلمة الله هي كلامه؛
وكلامه على قول اهل السنة “صفة قديمة قائمة بذاته”. والرازى يرفض المعنى
الأخير لأنه يستحيل ان يقال ان كلمة الله القائمة بذاتها هي ذات عيسي؛ ولا نعلم
لماذا يستحيل ذلك والله هو الموحي به! واضاف في آل عمران 45 : سمّي كلمة الله كأنه
صار عين كلمة الله الخالقة له بوجوده المعجز، او لأنه أبان كلمة الله أفضل بيان

 “سيداً”.
قال القاضي: هو المتقدمّ المرجوع اليه في الدين فيدخل فيه جميع الصفات؛ وقال الزمخشرى:
السيد هو الذي يسود قومه أَي يفوقهم في الشرف وكان يحيي فائقا لقومه وفائقاً للناس
كلهم في انه لم يركب سيّئة قط. “حصوراً” لا بمعنى المفعول بل بمعنى
الفاعل وهو اختيار المحققين، وهو الذي لا ياتى النساء للعفة والزهد لأن الحصور هو
الذي يكثر منه حصر النفس ومنعها. “احتجّ اصحابنا بهذه الآية على ان ترك
النكاح أفضل وذلك لأنه تعالى مدحه بترك النكاح” (الرازي) ؛ 45- 47 سبق
تفسيرها: إِن الملاك يصف لمريم شخصية مولودها الفريدة : أربعة ألقاب تعنيه : كلمة
منه تعالى
اسمه المسيح عيسى ابن مريم؛ وأربع صفات تظهره : وجيهاً في الدنيا بالنبوة وفي
الآخرة بالشفاعة
ومن
المقربين في السماء بالجلسة ومشافهة الحق

ويكلّم الناس في المهد كلام النبوة كما يكلمهم كهلاً

ومن الصالحين الكاملين الخالدي الذكر. قال الزمخشرى: “لَمِ قيل اسمه المسيح
عيسى ابن مريم، وهذه ثلاثة اشياء الاسم منها عيسى، واما المسيح والابن فلقب وصفه؟
الاسم للمسّمى علامة يعرف بها ويتميّز بها من غيره فكانه قيل الذي
يُعرف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الثلاثة” كذلك الرازى والبيضاوى.
نقول حلّت هذه الالقاب والنعوت محل الاسم لشهرتها ومعرفته بها.

 لاحظ
في النص تعبيره” بكلمة منه” : فقوله منه يدل على المصدر الذي صدر منه
الكلمة لا على التبعيض كما يُظَن ودحضه الرازى؛ وليس فقط كما يقول هو لابتداء
الغاية فكل ارواح المخلوقين يصح فيها “من” الابتدائية، والمسيح اختص
دونهم بهذه الصدور. ولو كان هذا التعبير “كلمة منه” تعني خلق المسيح
بامر الله، لصح ان يطلق هذا الاسم على جميع المخلوقين لانهم كلهم خلقوا بامر الله.
ولكن انفرد المسيح بهذا اللقب، وسماه القرآن بهذا الاسم بسبب ميزة الصدور الوحيدة
التي بها صدر “من” كروحه وكلمته.

 [6] آية 49
” ورسولاً” على مَ تُحمل؟ ” هو من المضائق” (الزمخشرى)،
“منصوب بمضمر او بالعطف على الاحوال المتقدمة” (البيضاوى),

 “الى
بنى اسرائيل” وتخصيصهم لخصوص بعثته اليهم. ” قد جئتكم بأية” المراد
الجنس لا الفرد.

 “اخلق
لكم” جميع المفسرين يخففون من قوة اللفظ في تفسيرهم فيقولون “اقدّر لكم
شيئا مثل صورة الطير” والخلق هو التصوير والتقدير وذلك لانه ثبت ان العبد لا
يكون خالقاً بمعنى التكوين والابداع فوجب تفسيره كونه خالقاً بالتقدير”
(الرازي والزمخشري والبيضاوي).
نقول يجب حمل اللفظ على معناه
الاصلي البديهي لا ان نتحامل عليه ونتمحّل له ما نريد؛ ومقدرته على “احياء
الموتي” تؤيد حمل الخلق علي اطلاقه.

 “انه
حكي ههنا خمسة أنواع من معجزات عيسي. وروي انه عليه الصلاة و السلام ربما اجتمع
عليه خمسون الفاً من المرضى من أطلق منهم أتاه ومًن لم يطلق اتاه عيسى، وما كانت
مداواته الا بالدعاء وحده” (البيضاوى)؛ فأبرأ في يومٍ خمسين الفاً بالدعاء،
بشرط الايمان” (الجلالان). والمفسرون يمرون مرور الكرام على “إحياء
الموتي” ومدلولها العجيب.

[7] 50 “وجئتكم بآية منر بكم” شاهدة على صحة رسالتى وهي
“ان الله ربي وربكم” لان جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا
فيه. وقرِئَ على الفتح (أن) على البدل من آية. وقوله “فاتقوا الله
واطيعون” اعتراض000

 “ومصداّقاً
لما بين يديّ من التوراة” : يجب على كل نبي ان يكون مصدقاً لجميع الانبياء
عليهم السلام، لأن الطريق إلى ثبوت نبوّتهم هو المعجز، فكل من حصل له المعجز وجب
الاعتراف بنبوته فلهذا قلنا بان عيسى عليه السلام يجب ان يكون مصدقاً لموسي
بالتوراة؛ ولعلّ من جملة الاغراض في بعثه عيسي اليهم تقرير التوراة وأزالة شبهات
المنكرين وتحريفات الجاهلين (الرازي).

 ولكن
هلى في قوله ذاك تعارض مع قوله هذا : و “لأحلّ لكم بعض الذي حُرّم
عليكم”؟
إِن الناسخ والمنسوخ في
الاحكام العملية كلاهما حق وصدق، والتصديق للتوراة لا معنى له الا الاعتقاد بان كل
ما فيها حق وصواب.

[8] آية 52 يذكر القرآن ايمان الحواريين بالمسيح وكُفْر باقى اليهود به بل
مؤامرتهم لاغتياله (54).

 وينقل
لنا الرازى روايات متعددة عن آخرة المسيح وما كان أحراه بنَقْل رواية الانجيل كما
ينقل منه معجزة صيد السمك في اسباب ايمان التلاميذ به. ومن اسباب كفرهم به أنه
دعاهم إلى دين الله فتمردوا، او عرفوا فيه المسيح الذي يبطل من شرائعهم فتآمروا
عليه.

 “من
أنصارى إلى الله” قيل “الى ” بمعنى مع أو في اللام (البيضاوى)،
وهذا القول كان في أَول أمره أو حين اختفائه عنهم أو في آخر آمره. ونصرة الله محال
فالمراد اذن نصرة دينه وأنبيائه (الرازى)؛ و الباعث على طلب النصرة اقدامهم على
دفْع الشرّ عنه. “قال الحواريين” وهؤلاء الحواريون مَن كانوا؟ ينقل
الرازى الآراء المختلفة :كانوا من الملوك أِو من صيادى السمك أَو من القصّارين أَو
من الغسالين أَو من هؤلاء جميعاً”. هم أَعوان دينه، واصفياؤه واول مًن آمن به
وكانوا اثنى عشر رجلاً؛ والاسم مشتق من الحَورَ وهو البياض (وكذا جميع المفسرين في
اصل اللفظ، و يحمل معه دلالته على الاصل الآرامي)، وقيل كانوا قصّارين يحورّون
الثياب أي يبيضونها” (الجلالان)، ” وسمّي به اصحاب عيسى لخلوص نيتهم
ونقاء سيرتهم؛ وقيل كانوا ماوكاً يلبسون (الثياب) البيض استنصر بهم عيسى”
(البيضاوى)؛ ” وحواريّ الرجل صفوته وخالصته وفي وزنه الحواليّ وهو الكثير
الحيلة” (الزمخشرى).

 “آمنا
بالله” يجري مجري ذكر العلة في نصرتهم له. “واشهد بانّا مسلمون”
فيه قولان : اشهدْ بأنّا منقادون لما تريد ولأمر الله، أَو إٍن ذلك اقرار منهم
بأن دينهم الاسلام
وأَنه دين كل الأنبياء. واعلم أنهم لمّا أشهدوا عيسى على
ايمانهم وعلى اسلامهم تضرّعوا إلى الله (الآية 53) مؤمنين بالله، وكُتب الله،
ورسول الله؛ وعند ذلك طلبوا الزلفة والثواب ” فاكْتُبنا مع الشاهدين” لك
بالتوحيد ولأنبيائك بالنبوّة؛ وعن ابن عباس : في زمرة الانبياء. أًو ممن يكون في
شهود جلالك مستعدّاً للشهادة بالدم (عن الرازى).

[9] أية 54 “ومكروا” همّوا بقتله “ومكر الله” من باب حمل
المعنى على لفظ ما قبله، ومكر اله بان رفع عيسي إلى السماء فلم ينالوه. ولفظ المكر
في حقه تعالى من المتشبهات، ولكن ليس كذلك حسب المعنى لنه عبارة عن التدبير المحكم
ثم اختص في العرف بايصال الشر. (عن الرازى).

[10] أية 55 “يا عيسي إنى متوفيك” ونظيره قوله ” فلما
توفيتنى” (المائدة117).

 “اختلف
اهل التأويل في هاتين الايتين على طريقين (احدهما) اجراء الآية على ظاهرها
من غير تقديم ولا تأخير فيها، (والثاني) فرض التقديم والتأخير. اما الطريق الأول
فبيانه من وجوه: 1ً اني متمّم عمرك إلى اجلك؛ 2ً متوفيك أي مميتُك وهو مروي
عن ابن عباس ومحمد بن اسحاق، قالوا مع وهب : توّفيّ ثلاث ساعات ثم رفع، ومع محمد
ابن اسحاق : توفي سبع ساعات ثم احياه الله ورفعه؛ 3ً قال الربيع بن أنس : انه
تعالي توفاه حين رفعه إلى السماء؛ 4ً تُحمل الافاظ على ظاهرها من موت ورفع، ولكن
كيف يفعل ؟ ومتي؟ فلا يذكره؛ 5ًمتوفيك عن شهواتك ؛ 6ً التوفي هو أخذ الشئ وافياً
أي كاملاً بجسده وروحه؛ 7ً متوفيك : أي اجعلك كالمتوفي في نظرهم برفعك؛ 8ً التوفي
هو القبض يقال توفي واستوفى وهو رفعه؛ 9ً ان يُقدَّر حذف المضاف أي متوفى عملك.-
والطريق الثانى : لابد من تقديم وتأخير في الاية (فالواو) لا تفيد الترتيب، يقدَّم
الرفع وتؤخر الوفاة وتحمل على ظاهرها بالموت. واهلم ان الوجوه التي قدمنا تغنى
عن التزام مخالفة الظاهر”
(الرازى).

فهكذا نرى الرازى وافضل المفسرين يحملون الوفاة على المعنى الوضعى الحقيقى لا
المجازى.

 وقال
الجلاالن : “اني متوفيك” اني قابضك أي رافعك؛ والبيضاوى: “مستوفي
اجلك ومؤخرك إلى اجلك المسمّي، او قابضُك من الارض؛ او متوفيك نائماً، اذ روي انه
رفع نائماً؛ او مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت. وةقيل اماته
الله سبع ساعات ثم رفعه إلى السماء واليه ذهبت النصارى”؛ والزمخشرى : مشتوفي
اجلك ومميتك حتف انفك.

 وهكذا
فالأكثرية من المفسرين تقول ان الآية تشهد بموت المسيح وإحيائه ورفعه. “وجاعل
الذين اتبعوك”. من هم؟ قال الزمخشرى : ومتابعوه هم المسلمون لانهم متبعوه في
اصل الاسلام وان اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه او كذبوا عليه من اليهود
والنصارى”
تفسير مغرض! وقال البيضاوى
: ومتبعوه من آمن بنبوته من المسلمين والنصارى. وكذلك الجلالان.- ونقول لا محل
لذكر المسلمين.

[11] أية 56 57 تفصسل الحكم على المؤمنين بعيسى و الكافرين به (الزمخشرى
والبيضاوى).

[12] آية 58 “الذكر الحكيم” فيه قولان : (الاول) المراد منه القرآن،
و(الثاني) غير القرآن. وهو اللوح المحفوظ الذي منه نقلت جميع الكتب المنزلة على
الانبياء؛ أخبر انه تعالى انزل هذا القصص عما كتب هنالك. والله اعلم بالصواب؛ كذلك
البيضاوي. والجلالان والزمخشرى على الاول. وعندنا انه الكتاب المقدس.

[13] آية 59 إِن شأن عيسي الغريب عند الله كشأن آدم في حلقه من غير أُم ولا أب
وهو من تشبيه الغريب بالأغراب ليكون أقطع للخصم وأَوقع في النفس (الجلالان). صفة
عيسي كصفة آدم و نظيره.

 “خلق
آدم” هنا من تراب . وفي غيرها من الماء ” هو الذي خلق من الماء بشراً
فجعله نسباً وصهراَ” وفي غيرها من الطين ” وبدأ خلق الانسان من
طين”. وفي غيرها ” من سلالة من طين” أي مسلولة من ألطف أجزاء الطين
وفي غيرها ” من طين لازب”. وفي غيرها من ” صلصل ، من حما
مسنون” والصلصال اليابس الذي له صوت ، والحمأ الذي استقر في الماء مدة وتَغير
لونه ورائحته. ولهم اجتهادات في توفيق الآيات الواردة. “ثم قال له كن
فيكونَُ” قال الرازى : ” في الآية اشكال وهو انه كان ينبغي ان يقال : كن
فكان. والجواب تأويل الكلام”.

[14] آية 60 “الحق” خبر مبتدأ محذوف أًي أًمر عيسي، قصته، خبره.
والحق المذكور هو ما ورد في الآية السابقة من خلق عيسي كخلق آدم في المعجز، وفي
الخلق ذاته يفسرها في الآية 62 : عيسي مخلوق لا اله.

[15] آية 61 اذا امتنعوا عن الاقرار بخلق عيسي، يدعوهم إلى المباهلة أي إلى
لعن الكاذب، والبَهلَة اللعنة.

[16] آية 62 إِن خلق عيسي لهو القصص الحق فما من إله الا الله لا أحد يساويه
فب القدرة التامة و الحكمة البالغة ليشاركه في الالوهية (البيضاوى). وهو جواب لهم
: فقدرة عيسي محدودة بخلاف الله.

[17] آية 63 “إِن الله عليم بالمفسدين” وضع المظهر موضع المضمر ليدل
على ان التولَي عن الحجج والاعراض عن التوحيد فساد للدين والاعتقاد.

[18] آية 64 “قل يا أَهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواءً” (وقرأ الحسن
سواءً بالنصب) : دعوة لاهل الكتاب إلى الاتفاق على التوحيد الخالص. وقد تكون دعوة
خاصة بالنصارى للجدل السابق بحق عيسي. وقد تكون عامة لليهود والنصارى، بانقطاع
الحديث السابق واستئناف غيره. وقد تكون خاصة بأهل نجران او يهود المدينة
في الايتيين 61، 62 الخطاب وإن كان مع محمد فالمراد به الكل.

 “إلى
كلمة سواء” المعنى هلموا إلى كلمة فيها انصاف من بعضنا لبعض لا ميل فيه لأحد
على صاحبه. والسواء هو العدل والانصاف وذلك لأن حقيقة الانصاف اعطاء النصف مساوياً
بين نفسه وبين غيره: جعل لفظ التسوية عبارة عن العدل (الرازى)

 “واشهدوا
بأنّا مسلمون” يعنى اظهروا أَنكم على هذا الدين ولا تكونوا في قيد ان تحملوا
غيركم عليه (الرازى).

[19]-ليس مثل أدم كمثل
المسيح من حيث المعجزة وخرق العادة الطبيعية: آدم خلق بدون معجزة اوجده الله بدون
اسباب مقرّرة؛ أما وجود عيسي ضمن قانون التسلسل البشرى وفوق العادة المقررة فهى
المعجزة الدالة على كرامة خاصة له عند الله لم ينلها نبي سواه.

[20]-احتجاج المفسرين
لتسمية المسيح “الكلمة” أنه مأخوذ من قوله “كن، فيكون” غير
وارد لأن قوله “خلقه من تراب ثم قال له : كن فيكون” هو مفسر لخلق آدم
بدليل قوله “من تراب” لا لوجود المسيح.

[21] آية 79 ” ما كان لبشر” المقصود منه النفي لا النهى. انما أراد
تكذيب النصارى في ادعائهم ان عيسي قال لهم اتخذوني الهاً (الرازى). “الكتاب
والحكم والنبوة” : الوحى وفهمه وتبليغَه (الرازى) يختلفون كثيراً في فهم معنى
“الحكمة” او “الحكم” وقد ورد اللفظان.

تقول انها اسماء اسفار من الكتاب حسب تسمية اليهود.

 “الربّاني”
نسبة إلى الرب بزيادة الف ونون (الزمخشرى) وهو الذي يَعْلَم ويعلّمِ كتاب الرب.
“تعلمون” فيه قراءَتان، تعْلمُون بالتخفيف من العلم، وتعلَمِون من
التعليم بالتشديد : وكلاهما صواب (الرازى).

[22] آية 80 “ولا يأمركم” قالوا يامركم بالرفع على الاستئناف،
وقالوا بالنصب عطفاً على “يؤتيكم”. قالوا (لا) زائدة، وقالوا ثابته،
وقرأوا : ولن يأمركم. من هو فاعل يأمر؟ الله؟ ام محمد ام عيسي ام الانبياء؟ (عن
الرازي). نقول هو البشر المُرْسل في الآية 79 كما يقول البشاوى
ولمن الخطاب في الآية 80؟ الذين يعبدون الملائكة، قيل هم الصابئة
(الجلالان)؛ أم قريش، يسمون الاهاتهنم بنات الله ويقولون انهنَّ ملائكة
(الزمخشرى). وعندنا ان الخطاب كله في79 و 80 لأهل الكتاب عن موقفهم من عبادة او
تكريم الملائكة والانبياء، وقوله ” ربانيين تعلمون الكتاب” تكفي شاهداّ
ودليلاً، فالربانيون هم علماء الناموس أي التوراة.

 “أيامركم
بالكفر بعد إذ انتم مسلمون” : زعم الزمخشرى والرازى والبيضاوى ان الخطاب
للمسلمين وهم المُسْتَأذنون لأن يسجدوا لمحمد؟! لا نستغرب ذلك منهم يحوّلون هذه
الشهادة الصريحة باسلام اهل الكتاب إلى امتهم : انه لا يجوز لسامع القرآن ان
يستأذن محمداّ بعبادته، فالكلام كله اذن عن أهل الكتاب، وجدالهم في اكرام عيسي
والانبياء والملائكة. والمقصود نفي عبادة عيسي(79) واكرام الملائكة والانبياء
اكراماً ربانياً ” وهو ادنى من العبادة” والنهي عنه (عن البيضاوى).

[23] آية 83- الاسلام
مفروض طوعاً وكرها على السماوات والارض: كل ما فيها يشهد بتوحيد الله فكيف يبغون
غير هذا الدين!.

[24] آية 84 “لا نفرق بين أحد منهم” التفريق بتفضيل البعض على البعض
أو الايمان بعض دون كما فرقت النصارى واليهود؛ أو كما قال ابو مسلم لا نفرق ما
اجمعوا عليه وهو كقوله : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. ” ونحن له
مسلمون” مثلهم اجمعين.

[25] آية 85 الاسلام في هذه الآية يعنى عقيدة الاسلام أي دين الله (83) الذي
آمن به جميع الانبياء (84)

فيما في الاية 19 كان يعنى شريعة الاسلام.

[26] آية 110 ” تأمرون بالمعروف” بيان لقوله كنتم خير امّة
(الزمخشرى)

[27] آية 113 من هي الأمة الصالحة المذكورة في الايات 113 115؟ من أَهل الكتاب أمة مستقيمة ثابته على الحقّ كعبد الله بن
سلام واصحابه (الجلالان)؛ (ليسوا سواء) الضمير لأهل الكتاب، (من أَهل الكتاب امة
قائمة) استئناف لبيان نفي الاستواء؛ و القائمة : المستقيمة العادلة وهو الذين
اسلموا منهم (البيضاوى)؛ وقيل عن صلاة العشاء التي يصليها المسلمون ولا يصليها اهل
الكتاب (الزمخشرى)
نقول
ليست صلاة العشاء هى المقصودة لأنه يتكلم عن احياء الليل كله بالصلاة والتلاوة
وهذا لا يفعله سوى رهبان عيسي. روى الرازى حديثا : أَلا اني نهيتُ أن أقرأ راكعاً
أو ساجداً. وقوله ” وهم يسجدون” حال من يتلون آيات الله، فلا تكون حال
محمد ولا حال امته. بقيت انها حال من يمدح من أهل الكتاب لا من يذمهم. وقال الرازى
“في المراد بأهل الكتاب قولان : (الأول) وعليه الجمهور المراد منه الذين
ىمنوا بموسي وعيسي ، و(الثانى) المراد بأهل الكتاب كل مًن اوتي الكتاب من أهل
الاديان وعلى هذا القول يكون المسلمون من جملتهم

[28] آية 181 قالت اليهود
والآية تعنيهم وحدهم لقوله ” وقتْلهم الانبياء”

مَن يطلب المال من غيره كان فقيرا محتاجاً‍‍‍‍‌‌‌ ‍ونحن نرى اله محمد يستقرض منا
فنحن اغنياء وهو فقير؟ وينهانا عن الربا ثم يعطينا الربا‍ لقوله ” من ذا الذي
يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافاً كثيرة” فهذا محال، ومحمد يفتري على
الله. وليس في الاية جواب ظاهر على الشبهة.

[29] آية 182 هي الشبهة الثانية في الطعن في نبوة محمد وتقريرها، انهم قالوا:
إِن الله عهد الينا ان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تاكله النار، وأنت يا محمد
ما فعلت ذلك، فلست من الأنبياء ولا النبي الذي ننتظره (عن الرازى) وللعلماء فيما
ادعاه اليهود قولان : إِن هذا الشرط جاء في التوراة، أو إِن ادعاء هذا الشرط كذب
على التوراة
نقول : هذا الشرط غير وارد
نصاً ولكن معنى أي يكون النبي على الشريعة موسي التي تأمر بتقديم قربان لله تأكله
النار. والقربان مصدر من قرّب كالكفران وهو ما يُتقربق به إلى الله. والجواب على الشبهة
:”قل قد جاءَكم” يقصد منه انه يقتضى توقيف الصدق على ظهور مطلق المعجزة
المعينة وحدها “وبالذى قلتم” فلو كان الموجب للتصديق هو الاتيان به وكان
توقفهم وامتناعهم من الايمان لاجله فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به؟ وبمعجزات أخر؟
واجترؤوا على قتله” (عن الرازى و البيضاوى)

قالوا : ان الذين جاؤوا بالقربان تأكله النار وقتلوهم هم زكريا ويحيي، وليس هذا
وارد في الكتاب المقدس عنهما. بل جاء عن ايليا وظنوا ان ايليا سيعود بذاته ويجدّد
معجزاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار