المسيحية

عيسى ابن مريم آية في رسالته



عيسى ابن مريم آية في رسالته

عيسى
ابن مريم آية في رسالته

“وآتينا
عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس” (بقرة 87، 253، مائدة 113)

ان
رسالة المسيح في القرآن قد امتازت وانفردت بتأييد “روح القدس”. تعليم
القرآن عن “الروح” غامض: “يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي.
وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” (اسراء 85) بيد أنا نشعر أن روح القدس الذي
اختص به عيسى ابن مريم دون سائر الناس ودون سائر الأنبياء، هو غير سائر الأرواح،
وإضافته ونسبته إلى القدس تجعله في صلة خاصة مع الله تعالى، فقد جعلوا
“القدس” مرادفاً لله: فلا يذكر القرآن أن نبياً اختص بهذا الأيد، ولا
ينسب هذا الأيد العلوي إلى “خاتم النبيين” نفسه؛ أجل يقول القرآن عن
تنزيل الوحي على محمد “نزله روح القدس من ربك بالحق” (نحل 102) ولكن روح
القدس هنا مرادف للروح الأمين” (شعراء 193) الذي هو جبريل: “قل من كان
عدواً لجبريل، وبهذا التصريح يتمزير عن “روح القدس” الذي خص القرآن
تأييده بالمسيح. وروح المسيح هذا ليس فقط روح وحي بل هو أيضاً روح قدرة إلهية، به
أحيا عيسى الموتى، وخلق من الطين طيوراً. أجل صفة “القدس” واحدة في وصف
روح محمد وروح عيسى، ولكنها شخصية مختلفة ذات قدرة متفاوتة: فجبريل روح من أمر
الله “وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا” (شورى 52)، أما روح القدس فهو
روح الله الذي يحيي الموتى ويخلق الطيور بواسطة المسيح.

فرسالة
المسيح وحدها وكرازته وحدها أيدهما الله بروحه القدوس. عندما يفصل القرآن ميزات
الرسل في باب المفاضلة بينهم يختص عيسى ابن مريم بهذا التأييد: “تلك الرسل
فضلنا بعضهم على بعض: منهم من كلم الله؛ ورفع بعضهم درجات؛ وآتينا عيسى ابن مريم
البينات وايدناه بروح القدس” (بقرة 253). وعندما يوجز تاريخ النبوة ينفرد
المسيح بتأييد الروح القدس: “ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل،
وآتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس” (بقرة 87). ويصرح القرآن
بأن هذا التأييد كان نعمة خاصة من الله بالمسيح: “إذ قال الله يا عيسى ابن
مريم اذكر نعمتي عليك – وعلى والدتك – إذ ايدتك بروح القدس” (مائدة 113).

فالمسيح
بقوة الروح القدس “يكلم الناس في المهد وكهلاً” (مائدة 113)؛ وبقوة
الروح القدس ينطق بمعجزة في المهد؛ وبقوة الروح القدس يعلم الغيب، ويعلم الناس
سبيل الله. وهو بقوة الروح القدس أيضاً يبرئ الأكمة والأبرص، ويخلق الطيور ويحيي
الموتى. أجل، البينات نزلت مع كل الرسل “لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا
معهم الكتاب (حديد 25) وجاء موسى بالبينات (بقرة 92) ومحمد أعطاه الله “آيات
بينات” (بقرة 99) لكنها آيات خطابية لا عملية. ولكن البينات التي ظهرت على يد
عيسى ابن مريم بتأييد روح القدس لا شبيه لها “آتينا عيسى ابن مريم البينات
وايدناه بروح القدس” (بقرة 87).

 

وهذا
التأييد الإلهي ميزة وخاصية ونعمة، والصفة الفارقة لرسالة المسيح حسب القرآن.
الأمر الذي يدل على سمو تلك الرسالة، وعلى سمو تلك الكرازة وذلك الوحي,

فالروح
القدس علم المسيح كل أنواع الوحي، وهو بعد طفل: “إذ قال الله يا عيسى ابن
مريم اذكر نعمتي عليك – وعلى والدتك – إذ ايدتك بروح القدس..وإذ علمتك الكتاب
والحكمة والتوراة والانجيل” (مائدة 113). لكن الله اختص عيسى بالإنجيل
“وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وآتينا
الإنجيل فيه هدى ونور” (مائدة 46). لقد حصر النبوة والكتاب في بني اسرائيل،
والمسيح منهم، ولكن ميزه بالإنجيل: “ولقد ارسلنا نوحاً وابراهيم وجعلنا في
ذريتهما النبوة والكتاب..ثم قفينا على أثرهم برسلنا. وقفينا بعيسى ابن مريم
وآتيناه بالإنجيل” (حديد 29).

بقوة
الروح القدس ولد المسيح نبياً: “قال أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني
نبياً” (مريم 20)، وجاء رسولاً إلى بني اسرائيل “إذ قال عيسى ابن مريم: يا
بني اسرائيل إني رسول الله إليكم” (صف 6). منذ كونه في بطن أمه جعله
“رسولاً إلى بني اسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين..”
(آل عمران 49). وقد صار منذ وجوده على الأرض نبياً ورسولاً بمسحة الروح القدس التي
مسحته مسيحاً “إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه
المسيح” (آل عمران 45).

ويظهر
القرآن فلضل رسول الانجيل وسمو رسالته بالألقاب التي وصفه بها دون سائر الأنبياء
“إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه”
(نساء 171) رسول الانجيل مٌسح مسيحاً بقوة الروح القدس لأنه كلمة الله وروح منه
تعالى وحل في مريم ومنها ظهر على الأرض يهدي الناس إلى سبيل الحق.

ولكن
ماذا علم المسيح عيسى ابن مريم؟ علم الاسلام المسيحي: بشر بدين الله أي الإيمان
بالله واليوم الآخر. من المهد نادى: “الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط
مستقيم” (مريم 36). وطاف يكرز ويقول: “جئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله
وأطيعون: أن الله ربي وربكم فاعبدوه، هذا صراط مستقيم” (آل عمران 51). ويظل
الحياة كلها عاكفاً على نشر التوحيد بالحكمة، مؤيداً دعوته بالبينات: “ولما جاء
عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله
وأطيعون: إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم” (زخرف 64). وهذا
الاسلام المسيحي أوحى الله إلى الحواريين تلاميذ المسيح: “وإذ كففت بني
اسرائيل عنك إذ جئتم بالبينات، فقال الذين كفروا: إن هذا إلا سحر مبين، وإذ أوحيت
إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي. قالوا: “آمنا واشهد بأنا مسلمون”
(مائدة 114) فقبل الحواريون توحيد عيسى وكفر سائر اليهود: “فلما أحس عيسى
منهم بالكفر قال: من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله آمنا بالله
وأشهد بأنا مسلمون! ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين”
(آل عمران 50 – 53). “إن ذلك اقرار منهم بأن دينهم الاسلام وأنه دين كل
الأنبياء” (الرازي) ولم يبشر المسيح عيسى ابن مريم إلا بالتوحيد الشديد: “وقال
المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله
عليه الجنة ومأواه النار” (مائدة 72). وفي استجواب المسيح يوم الدين، يوم
يجمع الله الرسل، يستنكر كل تعليم إلا التوحيد الخالص: “وإذ قال الله يا عيسى
ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ قال: سبحانك! مايكون لي
أن أقول ما ليس بحق. أن كنت قلته فقد علمته. تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك،
إنك أنت علام الغيوب! ما قلت لهم إلا ما أمرتني به: إن اعبدوا الله ربي
وربكم” (مائدة 117).

ومن
أهداف رسالة المسيح أن يثبت التوراة ويصدقها: “ورسولاً إلى بني اسرائيل..مصدقاً
لما بين يدي من التوراة” (آل عمران 49 – 50)، وشهادته للتوراة شهادة لرسالته:
“وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين
يدي من التوراة” (صف 6). فجاء الانجيل نوراً وهدى وموعظة للمتقين تصديقاً
للتوراة: “وقفينا آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة،
وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور، ومصدقاً لما بين يديه من التوراة، وهدى وموعظة
للمتقين” (مائدة 46).

بيد
أن هذا التصديق لا يمنع المسيح من تخفيف شدة بعض شرائع التوراة: “ورسولاً إلى
بني اسرائيل..مصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حُرم عليكم”
(آل عمران 50).

ومن
مقاصد كرازة المسيح أن يوفق بالحكمة التي اوتيها، بين البشر فيما اختلفوا فيه،
ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه،
فاتقوا الله واطيعون” (زخرف 64).

وأما
طريقة تعليمه فقد كانت بالتصريح البسيط عن التوحيد، وبالإيجاز المعجز: “إن
الله ربي وربكم: فاعبدوه! هذا صراط مستقيم” (مريم 36، زخرف 64، آل عمران 51،
مائدة 116) فالصراط المستقيم هو التوحيد المسيحي! وكانت طريقته بالأقوال والأمثال،
إلا أن القرآن لم يذكر منها شيئاً كثيراً؛ فقد حفظ ذكر مثل الزرع: “ومثلهم في
الانجيل كزرع اخرج شطئهُ فآزره فاستغلظ فاستوي على سوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم
الكفار” (فتح 29).

وجمعت
الطريقة المسيحية الحكمة إلى البينات: “ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم
بالحكمة” (زرخف 63). بينات من الحكمة والهدى خلبت لبهم حتى عدوها سحراً: “وإذ
كففت بني اسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات، فقال الذين كفروا منهم: أن هذا إلا سحر
مبين” (مائدة 110) وكانت تلك البينات معجزة من الأقوال والاعمال لم يسبق لها
مثيل، فصلها كأسهم نارية في سورة المائدة (113): يكلم الناس في المهد وكهلاً،
ويخلق الطيور ويحيي الموتى! وتلك الخوارق التي انفردت بها رسالة المسيح كانت بسبب
تأييد الروح القدس الذي اختص به عيسى ابن مريم دون سواه: “وآتينا عيسى ابن
مريم البينات وايدناه بروح القدس” (بقرة 87 و253),

ومن
خصائص رسالة المسيح معرفة الغيب والنبوات: كان المسيح مطلعاً على سرائر الناس
وأسرارهم: “وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم: أن في ذلك لآية لكم أن
كنتم مؤمنين” (آل عمران 49). وكان يعرف الغيب المجهول من الغد. ويورد القرآن
في سورة مريم نبوة المسيح الكبرى عن آخرته: سوف يموت ويبعث في الحال حياً. ويعطي
القرآن معجزة نطقه في المهد دليلاً على صحة نبوته هذه وصدقها: “والسلام علي
يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً” (مريم 33) فهل أعجب وأعظم من نبوة كهذه
ذات أثر دائم، ينطق بها وليد في مطلع وجوده؟ أنها معجزة خارقة تؤيد نبوة خارقةِ!
وأنها نبوة مدهشة تشهد لمعجزة مدهشة!

وخاتم
رسالة المسيح في القرآن المعجزات التي عجز عن مثلها جميع الأنبياء، وهي على نوعين:
المعجزات التي تمت في شخصه: الحبل والميلاد باعجوبة، والنطق حال وجوده، والتنبؤ
طفلاً، وارتفاعه حياً إلى الله في آخر حياته الأرضية – مات أم لم يمت – فهو آية
للعالمين في شخصه منذ دخوله العالم إلى حين خروجه منه.

ثم
المعجزات التي تمت في غيره على يده، يوجزها القرآن في مقطعين: في آل عمران: “ورسولاً
إلى بني اسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم: أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير
فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. وابرئ الأكمة والأبرص. وأحي الموتى بإذن
الله” (آل عمران 49) ثم في المائدة: “وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير
بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني, وتبريء الأكمة والأبرص بإذني. وإذ تخرج
الموتى بإذني” (110).

ردد
القرآن على الدوام هذه الخوارق الباهرة التي اجراها المسيح تأييداً لرسالته. ولا
يذكر لنبي مهما سما، ولا لمحمد نفسه، معجزة مثلها أو تدنو منها. وهو يصف عيسى ابن
مريم بصفات هي أقرب إلى الخالق منها إلى المخلوق: أنه يخلق أحياء من الجماد، وأنه
يخرج الموتى من القبور أحياء، وأعمال الإحياء والخلق من صفات الله عز وجل.

والمعجزة
الكبرى التي اكتسحت إيمان الحواريين هي أنه أنزل عليهم مائدة من السماء: “إذ
قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال
اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد
صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. قال عيسى ابن مريم: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة
من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا، وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين. قال
الله: وإني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني اعذبه عذاباً لا اعذبه أحداً من
العالمين” (مائدة 115 – 118) قال الرازي والجمهور الأعظم من المفسرين: “أنها
نزلت..وليس هذا شكاًُ منهم بالله بل باستجابته لعيسى بهذه المعجزة التي يقترحونها
عليه: فقد رأوا معجزات أرضية وهنا يطلبون معجزة من السماء”. وأي نبي اعطاه
الله معجزة كهذه من السماء؟ فآمن الحواريون بنزولها وآمن العالم على شهادتهم
بهاوظلت عيداً لهم لأولهم وآخرهم إلى يوم القيامة.

لا
يذكر القرآن رسالة لنبي حتى محمد، تأيدت بالخوارق مثل رسالة المسيح” معجزات
حياة المسيح ومعجزات كرازته رفعت رسالته، بشهادة القرآن، فوق جميع الرسالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار