البنيانكلمات خاصة بالأعياد السيدية

عيد التجسد فرح الحياة

المجد_لله

عيد التجسد فرح الحياة

أن أبواق الأنبياء هتفت لجميع الشعب في أزمنتهم، معلنة لهم مجد مجيئ الرب في ملء الزمان، لكي تُعلن هُتاف الملائكة الذي صدح في عالمنا بأغنية المجد العظمى وإعلان المصالحة الكبرى قائلة: [ المجد لله في الأعالي وعلى الأرض سلام ] وبذلك دخل السرور البهي للعالم كله وتغيرت الإرادة التي كانت تحمل القصد السيء لتُصبح صالحة لإطاعة عمل النعمة المُخلِّصة، لأن النفس توجهت لبيت لحم الوداعة والاتضاع العجيب لاستقبال الخلاص في عهد جديد ظهر فيه برّ الله إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون، رافعاً العداوة، هادماً الحاجب المتوسط، مدمراً العداوة القديمة في جسد الحمل الوديع المتواضع القلب، الله الظاهر في الجسد…

أنه يوم عيد الأبواق الخاص بنا، ولنا اليوم أن نشترك في هذا المحفل البهي المكتوب عنه: [ واللاويون المغنون أجمعون: آساف وهيمان ويدوثون وبنوهم وأخوتهم لابسين كتاناً بالصنوج والرباب والعيدان واقفين شرقي المذبح ومعهم من الكهنة مئة وعشرون ينفخون في الأبواق ] (2أخبار 5: 12)، فالأبواق هي أبواق نبوية، أبواق كهنوتية تخص الكاهن الأعظم ربنا يسوع المسيح ابن الله الحي الكلمة المتجسد، الله الظاهر في الجسد، الذي بتقدمة نفسه برر شعباً قدسه لنفسه بذبيحة ذاته، ليدخله للمجد الفائق أمام الله الآب، حيث كان الباب مغلقاً لا يستطيع من له لحمٍ ودمٍ أن يدخله، لأن الإنسان بكليته فسد بالتمام، ولم يعد يصلح أن يدخل لمحضر النور والحياة، لأن كيف لظلمة أن تتواجد مع النور، وكيف لمن أنتن أن يستنشق نسيم الحياة…

لكن الحي وحده هو من يتنسم نسيم الحياة، ومن له النور الحقيقي هو الذي يُعيان النور، والمبصر هو الذي يُشاهد جمال المنظر ويفرح ببهاءُه المُشع، لذلك أتى ربنا يسوع، مسيح الله ليُشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم (مزمور 147: 3)، مُنادياً نداء الخلاص ببوق النعمة الذي يُقيم الميت الذي لم يعد يسمع أو يتحرك لأنه أنتن في قبر إرادته الميتة عن الحياة، وبكونه هو الحق، جذبنا إليه وعرفنا نفسه (يوحنا 8: 32) ليُقضي للأسير بالإطلاق ليصير حُراً (يوحنا 8: 36)، ويخلق للعُميان عيوناً جديدة، ويُرسل المنسحقين في الحرية (لوقا 4: 18)، حرية مجد أولاد الله (رومية 8: 21)، ليجعلنا كلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه (رؤيا 1: 6)، الذي بنفسه وذاته يحبنا (يوحنا 16: 27)، إذ بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا (رومية 5: 8).

أننا إزاء يوم مهيب جداً وعظيم للغاية، أنه يوم أعظم من اليوم الذي قام في الشعب قديماً ورأى إعلان مجد الله في الهيكل، لأن اليوم هو يوم ظهور الله الكلمة لا في هيكل مبني بحجارة ويحتوي على ذهب وفضة ونُحاس، فيه خوارس منفصلة عن بعضها البعض بحجاب وسور يفصل بين أمم ويهود، ولا في تابوت خشب أو خيمة كانت رمزاً، لأن الرمز انتهى وظهر الحق في كمال تجليه، وظهر الله الكلمة في جسم بشريتنا الذي شوهنا طبعه بحريتنا وإرادتنا، ظهر فيه بطهارة وبرّ فائق ليُعلن بهاء الإنسان الجديد الذي سيمنحه لنا في شخصه، فهذا اليوم هو يوم خلاصنا وبهجة عمرنا الجديد، لذلك علينا أن ننهض مسرعين من غفلتنا وننتبه بكل حواسنا ومشاعرنا وإرادتنا بكل وعينا وإدراكنا، وعلينا الآن أن نفتح آذاننا، نفتح قلوبنا، نفتح كل مداركنا، ونضع داود النبي مرنم إسرائيل الحلو كقائد لنا، ولنقل معاً بعذوبة وحلاوة: [ هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنبتهج ونفرح فيه ] (مزمور 118: 24)، لأن الرب نفسه صار خلاصنا، صار حريتنا الحقيقية، لأن كل من آمين به لا يخزى ويظل بلا كرامة بسبب خضوعه للشرّ النابع من قبر الموت الذي كان يعيش فيه، أنه يوم بهجة وعيد أنوار حي، لأنه يوم عيد ظهور مخلصنا لأجل حياة جديدة تُعطى لنا، فيها مجد وبهاء وحفظ كرامة الإنسان، ورده لرتبة مجده الأول، بضمان جديد بحيث لا يُرفض أو يلقى في الخارج لأنه صار في المسيح يسوع خليقة جديدة روحية ملتحفة بمجد البهاء الإلهي الفائق، لأن الكلمة صار جسداً وحل فينا ورأينا مجده، مجد وحيداً من الآب مملوء نعمة وحق، الذي فيه لنا صار حياة أبدية محفوظة بعربون الروح الذي به صار نطقنا الحلو [ يا أبانا ]، لأن الله الآب صار لنا أباً خاصاً في المسيح يسوع، لأنه جعلنا له ابناء في الابن الوحيد، فيا لعظم العطية الذي أعطاها لنا، وعلينا أن نتحسس موضعنا فيها ونُدرك القيمة الثمينة والغالية للغاية التي نلناها بسرّ فائق ندخل فيه ونشعره ونعيشه، مع أننا من الصعوبة التامة ان نشرحه بتدقيق ودقة لأن البنوة لا تُشرح على قدر أنها تُعاش وتُحيا…

أفرحوا وتهللوا يا محبي الرب، الذين شعرتم كم كنتم ظلمة وأموات في قبور الشهوة، وأتيتم بفرح لمسيح الخلاص الأبدي وآمنتم أنه هو الحياة قيامتنا كلنا، فنلتم شفاء وسَرَّت فيكم الحياة كنهر متدفق من عند أبي الأنوار، فدخلتم في سر التبني في يسوع المسيح إلهنا وملكنا الوديع المتواضع القلب الذي يحب الخطاة والفجار الذين أولهم أنا.

في هذا اليوم البهي والعجيب [ الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يُضيء ] (1يوحنا 2: 8)، وانحصر ذلك الليل القاتم الممتد الذي طال زمانه على البشرية المائتة عن الله الحي، أمام النور الغامر، فقد انحصر انحصار دائم لأنه هرب من وجه النور، لأن النور الحقيقي الذي كان مستتر في النبوة قديماً [ يُضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك ] (عدد 6: 25)، هذا [ الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة ] (رومية 1: 2) الذي كان ظاهراً بشكل خارجي الذي كُتب عنه [ وهديتهم بعمود سحاب نهاراً وبعمود نار ليلاً، لتُضيء لهم في الطريق التي يسيرون فيها ] (نحميا 9: 12)، قد أشرق اليوم للعالم كله [ والنور يُضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه ] (يوحنا 1: 5)، ولكنه لم يُشرق كما للقديم في عمود نار أو في أي شكل آخر، بل ظهر في جسم بشريتنا وأنار لنا نور الآب: [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6).

أنظروا الكرامة التي صارت لنا، أنظروا العزة التي نحن فيها الآن، [ أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله، من أجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه ] (1يوحنا 3: 1)، ألا يشعر أحد معي اليوم باستعلان الحياة الإلهية الفائقة العظمة في داخل الحياة الإنسانية، فيقوم مسرعاً لذلك الحمل الوديع ليلقي نفسه بالتمام عليه لتعود له الحياة وينال هذا السرّ المخفي عن أنظار غير المؤمنين لأنهم يسمعون لكنهم لا يفهمون، لأن مداركهم منغلقة على سرّ الحياة، لأنهم يحبون الظلمة أكثر من النور، فلهم عيون لا تبصر وآذان لا تسمع، لذلك ظلوا مائتين لا يدركون شدة الظلمة التي فيها يقيمون [ الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله ] (2كورنثوس 4: 4)، لكننا نحن الخطاة والأثمة لنا برّ مُقدم على نحوٍ خاص في ذاك الطفل العظيم الجالس في بيت لحم اليهودية الذي أعلن وأظهر نور الآب لكي ينقلنا من الظلمة للنور، ومن الموت للحياة، فلم نعد الخطاة الماءتين المنبوذين والمرفوضين من الله، بل صرنا الخطاة الذي أحبهم الله في المسيح يسوع، لأننا دُعينا للحياة لنؤمن بهذا السرّ، سرّ التجسد لندخل فيه ونستتر بالثوب الجديد، أي لبس شخص الرب يسوع نفسه، اسمعوا واصغوا لا بمجرد عقولكم، لأني اتكلم بسرّ في إيمان بإعلان الروح [ نتكلم بحكمة الله في سرّ الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا ] (1كورنثوس 2: 7)، وأكتب ما قاله الرسول:

[ الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الازلية ] (2تيموثاوس 1: 9)
[ إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته ] (أفسس 1: 5)
[ لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح ] (أفسس 1: 12)
[ لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فاعدها لكي نسلك فيها ] (أفسس 2: 10)
[ لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين ] (رومية 8: 29)
[ والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً، والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً، والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً ] (رومية 8: 30)
[ ولكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد، التي أيضاً دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً كما يقول في هوشع أيضاً سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة. ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي أنه هناك يدعون ابناء الله الحي ] (رومية 9: 23 – 26)

انظروا السرّ، اعرفوا دعوتكم، صدقوا عمل الله، اصحوا للبرّ، وأخيراً: [ لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيُضيء لك المسيح ] (أفسس 5: 14)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار