المسيحية

صدر سورة التوبة (أو براءة) 1 – 38

صدر
سورة التوبة (أو براءة) 1 – 38

روى
البخاري عن هذه السورة أنها الأخيرة في النزول (الجلالان) ولها أسماء عديدة منها
براءة والتوبة (البيضاوي). وقد اختلف أصحاب الرسول فقال بعضهم أن الأنفال وبراءة
سورة واحدة، كلتاهما نزلتا في القتال، وقال بعضهم هما سورتان, وهما معاً تعدان من
السبع الطوال في القرآن، وهما السابعة (الزمخشري). وقد صدروا القرآن بالسور السبع
الطوال على غرار المعلقات السبع.

وعندنا
أن سورة التوبة تصف حياة الاسلام في السنتين الأخيرتين من حياة محمد، فبعد أن أخضع
مكة دانت له الجزيرة العربية كلها، وزال المشركون واليهود من الوجود الرسمي فيها.
وكثر المنافقون جداً (102). ولذلك نزلت سورة التوبة كلها (الا صدرها) في بيان
أحوال المنافقين وجهادهم.

ولما
فرغ محمد من قلب الجزيرة حيث كان يربض أسد قريش، وجه جيوشه إلى أطرافها. فاكتسح
على بن أبي طالب وخالد بن الوليد اليمن بسهولة. ولما توجهت الجيوش إلى الشمال
اصطدمت بقوى النصارى، ومن بينهم العرب المتنصرين. وختمت حياة النبي بمأساة
“جيش العسرة” (118). وقد تركت حملاته إلى الشمال في نفسه أثراً مريراً
من العرب النصارى الذين تركوا سيد قومهم ليوالوا الأجانب ويحموا لهم أطراف ممالكهم.
لذلك بعد أن وادعهم طيلة حياته أمر قبل موته بقتالهم.

وأصدر
ذلك الأمر في يوم مشهود حج فيه أبو بكر بالناس الحج الأكبر (3). فبعث النبي في
إثره عليا فأذن يوم النحر بمني: أن لا يحج بعد العام المشرك، ولا يطوف بالبيت
عريان، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده.

وتلا
على صدر سورة براءة (1 – 37) في وجوب قتال المشركين حتى يسلموا فيسلموا (6) وقتال
الكتابيين حتى يدفعوا الجزية (30) خاضعين لدولة الاسلام فيسلموا. ويبرر قتال
المشركين بشركهم وقتالهم للمسلمين (9 و14 و25) ويبرر أيضاً قتال الكتابيين بما
“يضاهي” الشرك في أقوالهم وصدهم عن سبيل الله (31 – 36). ويختم: “قاتلوا
المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة” (37).

6
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. وخذوهم واحصروهم واقعدوا
لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم، إن الله غفور
رحيم.

ويبين
الأسباب الداعية إلى قتالهم (7 – 29)

 

30
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله،
ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون!

 

ويبين
الأسباب الأربعة الداعية إلى قتالهم:

31
وقالت اليهود: عزيز ابن الله! وقالت النصارى: المسيح ابن الله! ذلك قولهم بأفواههم
يضاهئون (يضاهون) قول الذين كفروا من قبل. قاتلهم الله أن يوفكون!

32
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، والمسيح ابن مريم. وما أمروا إلا
ليعبدوا إلهاً واحداً. لا إله ألا هو سبحانه عما يشركون!

33
يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا أن يُتم نوره ولو كره
الكافرون!

34
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

35
يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل
ويصدون عن سبيل الله. والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
فبشرهم بعذاب أليم (نار جهنم 36).

37
قاتلوا (بعد انقضاء الأشهر الحرم الأربعة) المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة.
واعلموا أن الله مع المتقين. تلك هي وصية محمد الأخيرة لامته أذاعها عليهم يوم
الحج الاكبر (3) يطلب فيها منهم قتال المشركين الدائم حتى يسلموا ­(6) وقتال
الكتابيين الدائم حتى يخضعوا للجزية (30).

وفي
غاية القتال مع الفريقين بون شاسع وتفاوت ساطع: لا سلام للمشركين الا بالإسلام،
ولا سلام للكتابيين الا بالخضوع للجزية. يطلب من المشركين الاستسلام للدين
الاسلامي، ومن الكتابيين أن احبوا البقاء على دينهم، القبول بالجزية عنوة
واقتداراً. لا محل للشرك في دار الاسلام، ويباح لأديان الكتاب الوجود الرسمي في
الدولة الاسلامية. لذلك يفرض القرآن على أمته، في وصية محمد الأخيرة، اخضاع
المشركين للدين الاسلامي واخضاع الكتابيين للدولة الاسلامية. وشتان بين المطلبين,

ونلاحظ
أيضاً أن قتال المشركين فريضة عامة مطلقة. بينما قتال الكتابيين مقصور “على
الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا
يدينون دين الحق” منهم. فهل من أهل الكتاب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر؟
حتى يصح قتاله!

يفسر
القرآن في الآيات (31 و32 و33 و35) معنى هذه التهمة (30) ويوضح الأسباب الموجبة
لقتال أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين:

1
أنهم بقولهم “عزيز ابن الله، والمسيح ابن الله” يضاهون قول المشركين
“الذين كفروا من قبلهم” وهذا “إفك” يستحقون عليه القتال (31)،
3 ويريدون أن يطفئوا نور الاسلام: ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كرهوا (33)، 4
أخيراً كثير من الأحبار والرهبان يأخذون الرشوة ويكنزون الأموال ولا ينفقونها في
سبيل الله بل يصدون الناس عن الاسلام: ألا قاتلوهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون!

وبكلمة
يستبيح قتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى لأنه يرى في قولهم بأفواههم “لا
بقلوبهم” (الزمخشري) شيئاً ونوعاً من “الإفك والشرك والكفر” الذي
“يضاهي قول الذين كفروا من قبل” من المشركين الحقيقيين.

فما
هو بالحقيقة “شرك” بل “شبه شرك”: مضاهاة أي مشابهةٌ لقول
المشركين (الجلالان والبيضاوي). فالنص صريح قاطع لا يجمع بين المشركين
“الكتابيين على صعيد واحد: فأنه يأمر بقتال المشركين حتى يٌسلموا ولا مندوحة
لهم عن الاسلام، وبقتال الكتابيين حتى يعطوا الجزية للدولة الاسلامية وهم فيها على
دينهم. لا يعترف بوجود وكيان رسمي للمشركين في دار الاسلام ويعترف لليهود والنصارى
بالحرية والكيان الرسمي بعد دفع الجزية.

ثم
أنه بعد هذه الحملة العنيفة تحريضاً على قتالهم يعود في آخر سورة التوبة، أي في
آخر ما نزل من القرآن، فيجمع بين الكتب الثلاثة في منزلة واحدة ودرجة واحدة: “إن
الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنية يقاتلون في سبيل الله
فيقتلون ويٌقتلون: وعدا عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن. ومن أوفى بعهده من
الله” (112).

إلى
اليوم كان محمد يستبيح قتال اليهود وحدهم لا لخلاف في الدين بل في السياسة، بسبب
مؤامراتهم، والآن في وصيته الأخيرة يبرر قتال اليهود والنصارى بعد أن اصطدم معهم
في شمال الجزيرة بحجة الخلاف الديني. مع أنه قد أشاد منذ قليل بصدق مودة النصارى
للمسلمين (مائدة 85) ولم يُسَمِ عبادتهم للمسيح إلا “غلواً في الدين” لا
غير (مائدة 80، نساء 170).

وقد
استخلص الزمخشري من سورة التوبة هذا المبدأ: “من دٌعيَ إلى الله عز وجل فأجاب،
ودعى إلى الجزية فأجاب: فقد اتبع الهدى”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار