المسيحية

شخصية المسيح في القرآن



شخصية المسيح في القرآن

شخصية
المسيح في القرآن

إنه
وحده “آية للعالمين”
(مريم 20، أنبياء 91، مؤمنون 51)

لنستجمع
الآن الخطوط التي تتكون منها شخصية المسيح في القرآن الكريم كما رسمها لناز لقد
أوجزها بلفظة واحدة: إنه “آية للعالمين”.

أعز
الأشخاص على النبي العربي هم: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد نفسه. ولا يخط القرآن
لواحد منهم صورة تداني الصورة التي يرسمها لعيسى ابن مريم، مسيح الله وكلمة الله
وروح الله. فإن أجمل وصف وأكمل تعريف حلاه القرآن بالنعوت الغنية والألقاب السامية
هو خبر عيسى ابن مريم؛ وإن أسمى شخصية فيه تستلفت العقول وتستهوي القلوب هي شخصية
يسوع المسيح. وإليك لاخطوط الكبرى التي تتكون منها صورة المسيح في القرآن؛ إنها
مجموع ميزات خارقة انفردت بها شخصيته على العالمين.

ظهوره
المعجز:

عيسى
ابن مريم منذ مولده شخص فوق البشرية، شخص عجيب غريب فريد وحيد.

جميع
الأنبياء، حتى محمد بن عبد الله “خاتم النبيين”، ولدوا بحسب ناموس
الطبيعة البشريةز أما المسيح فوحده وُلد من أم بتول لم يمسسها بشر (مريم 20، آل
عمران 45، نساء 156، أنبياء 91، مؤمنون 51)؛ ملاك متقدم على الملائكة المقربين
يبشر به امه؛ وروح القدس يظلل مريم وينفخ فيها فتحمل وتلد وهي عذراء؛ وهذه المعجزة
الوحيدة في تاريخ البشرية ترفع المسيح منذ مولده على كل البشر والأنبياء والمرسلين
لأنها دليل خاص فائق على أن الله اصطفاه على العالمين كما اصطفى أمه على نساء
العالمين “وجعلنا ابن مريم وامه ىية” (مؤمنون 51).

 

طهارته
المعجزة:

تخطى
الله من أجل المسيح ليس سنة الطبيعة فحسب بل سنة النعمةأيضاً.

فقد
حفظه الله كما حفظ أمه من مس الشيطان ومن أذاه لكل مولود، حين ميلادهما: “إني
أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم” (آل عمران 36)؛ وأي مس للشيطان وأي أذى
يلحق منه بالمولود سوى الخطيئة التي يولد بها ابناء آدم؟ حدث أبو هريرة عن النبي
العربي قال: “سمعت رسول الله يقول: ما من مولود من بني آدم يولد إلا نخسه
الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من نخسه إياه إلا مريم وابنها”. وقد أخرج
الصحيحان هذا الحديث بقولهما: “كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبه بإصبعه حين
يولد غير عيسى ابن مريم ذهب ليطعن فطعن في الحجاب”. لقد عبروا عن خطيئة الجنس
البشري، الموروثة بالتناسل، بطعنة الشيطان للمولود ومسه ونخسه. وقد صور القرآن
حالة النفس الطبيعية الناتجة عن مس الشيطان بقوله: “وأن النفس لأمارة
بالسوء”. فعصم القرن والحديث المسيح وأمه من هه الوصمة الأصلية.
ونجد في ميلاد المسيح من بتول لم يمسسها بشر دليلاً وتفسيراً لعصمة المسيح من
الخطيئة، ونجد في الخوارق التي اكتنفت الولادة المعجزة والطهارة المعجزة بياناً
لهما وبرهاناً.

وكما
عصم الله المسيح من الخطيئة الأصلية التي يولد بها كل الناس حتى الأنبياء عصمه
أيضاً من الخطايا الفعلية
التي يصيبها سائر بني آدم، حتى الأولياء والصالحين
والمرسلين، طيلة حياتهم. روي عن قتادة: “وذكروا لنا أنهما كانا (المسيح وامه)
لا يصيبان من الذنوب كما يصيب سائر بني آدم”. ورأى المفسرون في اسم المسيح
إشارة إلى أنه مُسح بما طهره من الذنوب مبدئياً (البيضاوي). ودليلاً على أنه مسح
من الأوزار والآثام فلم يكن لها عليه من سبيل (الرازي). فقد “مُسح
بالبركة” وظل “مباركاً أين ما كان” (مريم 30). وقد نسب القرآن
الإثم والخطيئة إلى كل الناس وكل الأنبياء، وواحد أحدُ في العالمين يقول عنه
القرآن والحديث والتفسير أنه كان – وأمه – معصوماً من الخطيئة. ونجد في انتصار
المسيح في آخرته على سلطان الموت تفسيراً كاملاً لانتصاره في حياته على سلطان
الخطيئة.

 

الحداثة
الخارقة:

وتتوالى
الخوارق الإلهية في طفولة المسيح وحداثته.

قال
الجلالان: كان الحمل بالمسيح والتصوير والولادة في ساعة. وقال الزمخشري: حملته في
ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها. وقالوا غير ذلك. وعن
ابن عباس: كانت مدة الحمل ساعة واحدة وكما حملته نبذته: حملت بمعجزة وولدت بمعجزة؛
فأمه هي الام البتول وحدها بين النساء.

واطعم
الله الوالدة من نخلة يابسة في الشتاء، وسقاها من “سري” ناشف: “لم
تقع التسلية بهما من حيث أنهما طعام وشراب ولكن من حيث أنهما معجزتان تريان للناس
أنهما من أهل العصمة” (الزمخشري).

والوليد
يتكلم للحال منذ مولده: نطقه معجزة، وكلامه نبوة، وكلاهما ميزة فريدة “فأشارة
إليه. قالوا كيف نكلم منكان في المهد صبياً؟ قال: إني عبد الله..” (مريم 26)،
قال الرازي: “هي خاصة شريفة كانت حاصلة له، ولا حصلت لأحد من الأنبياء قبله
ولا بعده”.

لقد
استنبأه الله طفلاً: “يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك
بروح القدس: تكلم الناس في المهد وكهلاً” (مائدة 113): إن إبراهيم وموسى
ومحمداص وسائر الأنبياء صاروا أنبياء بعدما تخطوا الكهولة أما المسيح فوحده وُلد
نبياً، واستنباه الله طفلاً. قال الشهرستاني “جميع الأنبياء بلاع وحيهم
أربعون سنة، وهو قد أُوحي إليه انطاقاً في المهد، وأوحي إليه إبلاغاً عند الثلاثين”
(171).

منذ
مولده تعلم من الله مباشرة “الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل” (آل
عمران 48) فيما يتخذ الله بينه وبين أنبيائه الملائكة واسطة يوحي بهم إلى عبيده: “يُنزل
الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده لينذروا يوم التلاق” (نحل 2،
غافر 15، شورى 52)؛ واتخذ جبريل واسطة لوحي محمد: “قل من كان عدواً لجبريل؟
فإنه نزله على قلبك بإذن الله” (بقرة 97). قال الشهرستاني “نفس وجوده
وفطرته ىية كاملة على صدقه، ونطقه من غير تعليم سالف” (171)؛ فلا غرو أن
ينفرد بالوحي منذ مولده بين العالمين: فهو “كلمة الله” فلا حاجة له إلى
من ينقل إليه كلام الله وهو “روح الله” فلا حاجة له إلى من يُسر إليه
أسرار الله.

وكانت
إعالته مع أمه على رابية غناء معجزة أخرى: “وجعلنا ابن مريم وأمه آية،
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين” (مؤمنون 51).

ولا
يذكر القرآن لمحمد أو لغيره منالأنبياء معجزة في حداثته فيما يذكر للمسيح معجزة
الخلق: “وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً
بإذني” (مائدة 113، ىل عمران 49): يسوع يتسلى بخلق الطيور في حداثته! إنها
لبداية ملاى بالخوارق والمعجزات.

 

معجزة
العفة:

حسب
القرآن الكريم قضى المسيح حياته كلها في البتولية، في عفة لا يدانيه فيها نبي من
كل من يذكر. فلا ينسب إلى عيسى ابن مريم أدنى علاقة بالزواج والنساء؛ فيما يتكلم
عن أعمال الأنبياء وخطاياهم وأخطائهم، وعن أزواجهم ومشاكلهن (رعد 40)، ويتطرف إلى
كلام عن النبي العربي، وعن أزواجه يحتاج إلى شرح كثير حتى نستسيغه؛ المسيح وحده
ارتفع فوق حاجة الرجل إلى حواء، فعاش بتولاً ورُفع بتولاً: وفي هذا ما فيه من
الكمال الذي انفرد به. وليس ذلك من نوع التقصير الجنسي كما يغمز الأستاذ العقاد
حيث قال: “قال لنا بعض المستشرقين: إن تسع زوجات لدليل على فرط الميول
الجنسية. قلنا: إنك لا تصف السيد المسيح بأنه قاصر الجنسية لأنه لم يتزوج قط. فلا
ينبغي ان تصف محمداً بأنه مفرط الجنسية لأنه جمع بين تسع نساء[1]
ولكن هذا دليل على أنه خضع لعازة الرجل إلى المرأة حسب القول المأثور[2]: “المرأة
شر كلها وشر ما فيها أنها لابد منها”، فيما سما المسيح فوق هذه العازة
البشرية سمواً كاملاً لا يدانيه فيه أحد.

 

معجزة
القداسة:

وشهد
القرآن أيضاً للمسيح بالقداسة الكاملة التي لا يرسم لنا عنها مثيلاً للمثله: وُلد
“غلاماً زكياً” (مريم 18) وعاش قديساً “وأوصاني بالصلاة والزكاة
مادمت حياً” (مريم 31). لم يكن له في العالم من صلة سوى أمه فكان “براً
بوالدته” (مريم 32). عاش بعيداص عن كل ما يمت إلى السلطان والطغيان والسيف
بصلة “ولم يجعلني جباراً شقياً” (مريم 32): بُعث رحمة للعالمين فكيف
يكون غير الرحمة (مريم 21). لقد عاش كرجل الله بكل ما في هذه الكلمة من معنى، فلا
يفطن إلا لما لله. فقد يهمل أمور الحياة والزواج والرزق والتسلية، قد يترك أمور
جسده ودنياه حتى لا يفكر إلا بمناجاة الحق ودعوى الناس إلى الإيمان بالله وحبه. لم
يبن مثل غيره منازل لأزواجه قرب المسجدن ليختلف كل ليلة إلى واحدة منهن بعد صلاة
العشاء[3]،
بل كان يقضي ليلته في الصلاة إلى الله (لوقا 6: 13، يوحنا 6: 13)؛ لم يكن ليغزو
ولا ليقرع بين نسائه، فأيهن خرج سهمها خرج بها معه[4]
كأنه لا يقدر ان يستغنى عن المرأة حتى في معامع الحروب؛ بل كان يقول لتلاميذه: إن
طعامي أن أعمل مشيئة من أرسلني وأتمم عمله (يوحنا 4: 34). لم يكن بحاجة في أول
أمره إلى أن “يشرح الله له صدره ليضع عنه وزره الذي انقض ظهره” (الشرح
1و2)، ولا في آخر عهده أن “يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر” (فتح
2)؛ فهذه القداسة السامية التي يفترضها القرآن في المسيح لهي أكبر نعمة وأعظم ميزة
يقدر الله أن يتحف بها مخلوقاً.إن عيسى ابن مريم أكمل مثال للكمال كما صوره القرآن.

 

كيف
أدى المسيح رسالته؟

أداها
كمثال للنبي والرسول الذي يهدي إلى الله بأقواله وأعماله: “لقد أحسن في كل ما
صنع” هكذا شهد له الشعب اليهودي؛ والشرطة الرومانية المكلفة بتوقيفه ولم تفعل
أجبات: “إنه ما نطق إنسان قط بمثل ما نطق هذا الرجل” (يوحنا 7: 46). كان
يهدي الناس لا عن طريق الرهبة والقوة، ولا عن طريق الرغبة والمال: فلا يذكر القرآن
أن المسيح شرع جهاداً لتوطيد حقيقة دينه بل ترك لسلطان الإيمان أن يفتح للحق
مغاليق العقول والقلوب، ولا يذكر القرآن أن المسيح قام بغز أو حاصر قوماً: لم يغز
قوماً ولم ينهض على بلد! ولا سبر السرايا والغزوات ليجلب لرجاله المال والمعيشة بل
كان يعيش من حسنات الشعب، ووصى مبعوثيه لنشر دينه “ألا يحملوا في الطريق لا
عصاً ولا زاداً”. بل عاش فقيراً ومحباً للفقراء والمساكين محرماً “عبارة
ربين: الله والمال”. لم يهد المسيح العالم إلى الله بسلطان السيف، ولا بسلطان
المال، ولا بسلطان الإغراء بطيبات الدنيا والآخرة، ولا بسلطان العلم والفلسفة، ولا
بشيء من مغريات الحياة الدنيا؛ بل فرض احترامه واحترام دينه بالزهد، والقداسة،
والنبوآت والمعجزات.

يشهد
القرآن أن الله اختص رسالة المسيح بتأييد الروح القدس: “ولقد آتينا موسى
الكتاب وقفينا من بعده بالرسل، وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح
القدس” (بقرة 87، 253). أجل، لا نفهم صريحاً ما يقصد القرآن بروح القدس؛ غير
أننا نرى ملياً أنه أيد علوي فريد لم ينله أحد من الأنبياء قبله أو بعده. فقط ميز
الله المسيح بين الأنبياء والمرسلين بتأييد الروح القدس، وقد لا ينعت
“الروح” بالقدس إلا في كلامه عن المسيح[5]:
“إذ قال الله يا عيسى اذكر نعمتي عليك – وعلى والدتك – إذ أيدتك بروح
القدس” (مائدة 113): فهذا التأييد كان نعمة كبرى وميزة عظمى من الله. وأن
رسالة يؤيدها روح القدس لهي أفضل رسالة.

وقد
شهد الله للمسيح بمعجزة النبوآت التي لم يفه بمثلها لغيره: يصرح القرآن مراراً عن
محمد بن عبد الله أنه لا يعلم الغيب (أنعام 50، 124)، فعلم الغيب من خصائص الله: “وعنده
مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو”. بل هي صفة إلهية من صفاته تعالى “إنك
أنت علام الغيوب” (مائدة 120). فإذا أشرك الله أحداً في هذه الميزة يكون قد
شهد له أفضل شهادة. والقرآن يقر أن المسيح أوتي علم الغيب: “وأنبئكم بما
تأكلون وما تدخرون في بيوتكم: أن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين” (آل عمران
49). وتنبأ من مهده أكبر نبوءة عن آخرته: “والسلام على يوم ولدت ويوم أموت
ويوم أبعث حياً” (مريم 33): منذ مولده يتنبأ أنه سوف يبعث حياً وقد تحققت
النبوة لما “رفعه الله إليه” (نساء 157). فهل يذكر القرآن لسرول معرفة
الغيب بهذه الصراحة وهذه القوة؟ وهل حققت الأيام قولاً كما حققت نبوة المسيح.

 

وشهد
القرآن للمسيح أيضاً بمعجزة العجائب الباهرة: العجيبة فعل يفوق طاقة المخلوق
ومعجزة إلهية لا يقدر أن يجترحها إلا الله القادر علىكل شيء. فإذا اختص الله عبداً
له بشيء من هذه القدرة الإلهية فذلك دليل ساطع على أن الله اصطفاه على سواه.
والقرآن لا ينسب لنبي من المعجزات كما نسب للمسيح. وفيما يصرح القرآن مراراً أن
الآيات والخوارق مُنعت عن محمد “وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا ان كذب بها
الأولون” (إسراء 59)، يشهد مراراً للمسيح باجتراح المعجزات العظام: “ورسولاً
إلى بني إسرائيل، إني قد جئتكم بآية من ربكم إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير
فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وابرئ الأكمة والأبرص، وأحيي الموتى” (آل
عمران 49)؛ يعود إلى ذكرها أيضاً في آخر عهده (مائدة 113): فأي خارقة أعظم من
إحياء الموتى[6]
وأعظم من القدرة على الخلق؟؟ هل ينسب القرآن إلى بشر أو نبي أو مخلوق ما ينسبه إلى
المسيح من خوارق في شخصه وفي رسالته؟ وتتخطى معجزاته نطاق الأرض إلى السماء فيُنزل
على الحواريين تلاميذه مائدة من السماء يأكلون منها فتطمئن قلوبهم، ويؤمنون به
مستشهدين في سبيله (مائدة 111-115): فظلت “عيداً لأولهم وآخرهم” وأعظم
آية من الله في تاريخ الأنبياء والمرسلين.

 

ولكن
شهادة الشهادات في القرىن عن لمسيح، وميزة الميزات التي انفرد بها المسيح ومعجزة
المعجزات التي بها اختص الله عيسى ابن مريم دون سائر الأنبياء والمرسلين بلا
استثناء هي أن “الله رفعه إليه” فهو حي نفساً وجسداً عند الله وإلىما
شاء الله: “وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً
حكيماً” (نساء 15).

البشر
كلهم يموتون، وينتهي أمرهم بالموت. ويولدون ليموتوا: الأولياء والصالحون،
والأنبياء والمرسلون، ماتوا جميعاًمز ومحمد “خاتم النبيين” قد مات كغيره
وقبره في المدينة المنورة “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات
أو قُتل انقلبتم على أعقابكم” (ىل عمران 144) فالموت سلطان السلاطين! الموت
آخرة كل شيء: آخرة القداسة والنبوة، وىخرة العلم والفلسفة والسلطان: واحد وحده لم
يكن للموت عليه من سلطان، هو عيسى ابن مريم، مسيح الله!

فهو
وحده حي عند الله! وإذ هو وحده حي فيما غيره قد مات وصار رميماً فرسالته دائمة،
وهدايته دائمة، وشفاعته دائمة. أليست رسالة الحي الدائم أفضل من رسالة الميت؟
أليست شفاعة الحي عند الله افضل من شفاعة الميت الذي صار تراباً؟ قال المسيح في الإنجيل:
“أنا القيامة والحياة: من آمن بي وإن مات فسيحيا” (يوحنا 14: 26). وقال
القرآن: “إذ قال الله: يا عيسىإني متوفيك ورافعك إلي، ومطهرك من الذين كفروا،
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة” (ىل عمران 55).

وهكذا
فقد اتفقت شهادة الإنجيل والقرآن للمسيح أنه حي عند الله. فهذه ميزته الخاصة التي
انفرد بها دون العالمين؛ وهي ميزة الميزات ومعجزة المعجزات.

فلا
عجب بعد ذلك إذا سمعنا القرآن يصف عيسى ابن مريم بألقاب ترفعه فوق المرسلين، وسائر
المخلوقين إلى صلة خاصة شخصية مع الله.

لقد
غمر القرآن المسيح بألقاب نبوية قد يشترك فيها غيره، ولكن القرآن قد خص ابن مريم
بألقاب غريبة سماوية، وأسماء إلهية: فقد أعطاه مع الإنجيل اسماً يفوق كل اسم: “إنما
المسيح عيسى ابن مريم: رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه” (نساء
157) فعيسى ابن مريم: رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه” (نساء 157)
فعيسى ابن مريم، رسول الله هو بالحقيقة مسيح اللهن وكلمة الله وروح الله! مهما يكن
من معنى هذه الألقاب الفريدة التي لا ينسبها القرآن لأحد من المرسلين والعالمين،
فهي تجعل المسيح وحده في صلة شخصية خاصة مع اللهن صلة مصدرية عقلية روحية، ترفعه
فوق صفة المخلوق.

 

لقد
كتب الأستاذ العقاد “عبقرية محمد” فجمع في النبي العربي مجموع العبقريات
والبطولات. وقد يكون ذلك. ولكن ليست العبقرية الخطابية، ولا العبقرية العسكرية،
ولا العبقرية السياسية، ولا العبقرية الإجارية، ولا العبقرية الشخصية في الصديق
والزوج والأب والسيد المطاع، والرجل الفرد المحبوب.. ليست كلها بشيء إزاء هذه
الألقاب الإلهية التي وصف بها القرآن المسيح عيسى ابن مريم.

لقد
عرفا لقرآن شخصية المسيح بأنه وحده في العالمين: مسيح الله، وكلمة الله، وروح
الله!

ولخص
عظمته بكلمة لم يقلها في غيره: “إنه آية للعالمين”.

“وجعلنا
ابن مريم وأمه آية” (مؤمنون 51).

“وجعلناها
وابنها ىية للعالمين” (أنبياء 91).

“قال
ربك هو علي هين: ولنجعله آية للناس ورحمة منا. وكان أمراً مقضياً” (مريم 21).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار