المسيحية

سورة البقرة 86، 136 – 138، 253



سورة البقرة 86، 136 – 138، 253

سورة
البقرة 86، 136
138، 253

 لم
يقم في مكة جدال بين محمد وأهل الكتاب، بل يظهر النبي العربي في ذلك العهد كأنه
واحد منهم، حتى انه لما نشب خلاف في آخر تلك شجبه بشدة: “ولا تجادلوا أَهل
الكتاب الا بالتى هي أحسن
الا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل الينا وانزل اليكم
وإَلهنا وإَلهكم واحد ونحن له مسلمون. وكذلك أَنزلنا اليك الكتاب فالذين آتيناهم
الكتاب يؤمنون به (القرآن) ومن هؤلاء (اهل مكة) مَن يؤمن به، وما يجحد بآياتنا الا
الكافرون (مشركو مكة)
.. بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا
العلم(اهل الكتاب) وما يجحد بآياتنا الا الظالمون (المشركون)” (عنكبوت 46
49). لا جدال بينهم فالله واحد والايمان بالكتاب والقرآن واحد، ودين
التوحيد واحد.

 في
المدينة ظهر الخلاف شيئا فشيئاً، وهو خلاف لا على الدين والتوحيد بل على الرئاسة[1]
والمِلّة، أَو الطائفية كما نقول في عصرنا؛ فاختلاف اليوم سياسيّاً اصحاب الامس: “ولن
ترضى عنك اليهود

ولا النصارى
حتى تتّبع
ملتهم” (بقرة 120). وكان الخلاف طيلة العهد المدنى بين محمد واليهود، ولم
يشمل النصارى الا في آخره، في سورة التوبة، بعد غزوات النبي إلى شمال الجزيرة حيث
كانت اكثرُ مواطن العرب النصارى. ومن ثمّ نرى في سورة البقرة

 اولا:
حملة القرآن الاولى على اليهود: “و آمنوا بما انزلتُ مصدّقاً لما معكم
ولا تكونوا أوّل كافر به” (بقرة41). ويعدّد لهم مظالمهم. ومنها تكذيب الرسل
وقتلهم.

 87
” ولقد آتينا موسي الكتاب، وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم
البينات، وأَيْدْناهُ بروح القدْس: أفكلما جاءَكم رسول بما لاتهوى أنفسكم
استكبرتم؟! ففريقاَ كذبتم وفريقاً تقتلون!”.[2]

يذكرهذا
المقطع الاول من سورة البقرة للسيد المسيح ميزتين اختص بهما: اتيان الله اياه
البيّنات أَي المعجزات الواضحات ىالتي لا مثيل لها، وتأييد الله له بالروح القدس
مماّ لم يفعله مع غيره من الانبياء. ويظهر ذلك جليّا في الاية 253 من سورة البقرة
ذاتها حيث يؤكد هذه الميزات والخصائص للمسيح في باب مفاضلة الانبياء[3]

ثانيا:
يورد القرآن في نص جوهرى أسباب الخلاف بين محمد واليهود:

 135
وقالوا: كونوا هوداً أَو نصارى تهتدوا!
بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.[4]

 136
قولوا: آمنا بالله وما انزل الينا وما انزِل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
والأسباط وما أوتى موسى وعيسى، وما أوتى النبيون من ربهم: لا نفرق بين أحد منهم!
ونحن مسلمون.[5]

 137
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإِن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيهم الله
وهو السميع العليم.[6]

 138
صبغة الله! ومن أحسن من الله صبغة؟ ونحن له عابدون[7]

 139
قل: أَتحاجونا في الله وهو ربنا وربكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم ونحن له مخلصون. [8]

 140
أم تقولون: ان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط كانوا هوداً أو نصارى؟ قل
انتم اعلم ام الله؟ ومَن اظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عَّما
تعلمون. [9]

 141

تلك أُمّةُ قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تُسْلون عمَّا كانوا يعملون.[10]

تعود
اسباب الخلاف بين محمد واليهود إلى أربعة (وفي آل عمران تتسع إلى تسع اختلفوا على
صحة انتساب كل منهم إلى ابرهيم (135 و140) ومَن اولى بهذا الانتساب. واختلفوا في
قبول نبوة عيسى نبي النصارى، ونبوة اماعيل نبي العرب الاقدمين، فالقرآن يقبل جميع
الانبياء على السواء ” لا نفرق بين احد منهم”. واختلفوا في طريقة عبادة
الله، بأي شرع يجب ان يُعْبد؛ قالوا بشريعة موسى او عيسى، فقال ليس من الضرورى
لصحة التوحيد توحيد طرق العبادة فالله ربنا وربكم ولنا اعمالنا ولكم اعمالكم فليس
الاختلاف في طريقة العبادة شيئاً. وانكروا على محمد نبوّته قائلين: الأنبياء كلهم
منا فلو كنتَ نبياً لكنت منا، فأجاب لا اختصاص لله بقوم دون قوم يصيب برحمته من
يشاء.

 وهكذا
يؤيد القرىن صحة رسالة المسيح ضد اليهود.

 

ثالثاً:
ويختم بمفاضلة القرآن بين الأنبياء وفضل عيسى على غيره(253)

 253
تلك الرسل، فضَّلنا بعضهم على بعض: منهم مَن كلَّم اللهُ، ورفع بعضهم درجات،
وآتينا عيسى ابن مريم البينات، وأَيدناه بروح القدس. ولو شاء
الله ما
اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات. [11]

 يقر
هنا مبدأ المفاصلة بين الانبياء، فيخصّ كلا منهم بمنقبه ليست لغيرة (البيضاوى
والجلالان): خصَّ موسي بتكليمه ومشافهته؛ وخصّ غيره (مَن؟) برفعه على سواه درجات؛
وخص المسيح بالبينات ” وجعل معجزاته سبب تفضيله لأنها آيات واضحة ومعجزات
عظيمة لم يستجمعها غيره” (البيضاوى) وإن عّمت البيّنات جميع الانبياء ”
ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءَتهم البينات” وخصّه
ايضاً بتأييد الروح القدس، ولم يذكر القرىن هذا

التأييد
السماوى الخاص لغير المسيح.

 فقد
أبان القرآن وجه تفضيل موسى، بالتكليم، ووجه تفضيل عيسى بالبينات وتأييد الروح
القدس. وجعل تأييد الروح القدس للمسيح سبب المعجزات العظيمة التي لم يستجمعها غيره
(البيضاوى) وهذا دليل بيّن على ان من زيد تفضيلّا بينهم بالآيات فقد فضل على غيره
(الزمخشرى)؛ ومَن زيد تفضيلاً بالآيات مثل المسيح؟



[1] ينسب هذا الخلاف
الي((بغي)) المختلفين (آل عمران) حسداً بينهم وطلبا منهم للرئاسة وحظوظ الدنيا
واستتباع كل فريق ناساً يطئون اعقابهم لا شبهةً في الاسلام (الزمخشرى).

[2] آية 87 قال الجلالان : “البينات: المعجزات كإحياء الموتى وابراء
الاكمة والابرص (وايدناه) قوينا (بروح القدس) من اضافة الموصوف إلى الصفة، إى
الروح المقدسة جبريل، لطهارته يسيسر حيث سار”. وقال البيضاوى: “و(عيسى)
بالعبرية (إِيسوع)؟ ومريم بمعنى الخادم (؟).

(البينات)
المعجزات الواضحات كإحياء الموتي وابراء الاكمة والابرص والاخبار بالمغيبات، او
الانجيل. (وأيدناه أو آيدناه) قويناه (بروح القدُس) وقرأ ابن كثيّر ” بروح
القدْس” بالاسكان في جميع القرآن، أي بالروح المقدسة، اراد به جبريل، او روح
عيسى
ووصفها به لطهارته من مس
الشيطان أو لكرامته على الله تعالى ولذلك اضافها إلى نفسه تعالى أو لاه لم تضمّه
الاصلاب ولا الارحام الطوامث

او الانجيل، او اسم الله الاعظم الذي كان يحيي به الموتىّ ((ففريقاً كذبتم)) كموسى
وعيسى ، و الفاء للسببية او التفصيل ( وفريقاً تقتلون)) كزكريا ويحيي. وانما ذكر
بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضاراّ لها في النفوس او للدلالة على
استمرارها ومراعاة للفواصل”.

 قال
الزمخشرى : “وقيل (عيسى) بالسريانية أيشوع و(مريم) بمعنى الخادم. (البينات
المعجزات الواضحات و الحجج كإحياء الموتى و ابراء الأكمة والابرص والاخبار
بالمغيَبات. (بروح القدس) أًي بالروح المقدسة

ووصفها بالقدس كما قال ، “وروح منه” فوصفه بالاختصاص والتقريب للكرامة،
وقيل لأنه لم تضمّه الأصلاب ولا أرحام الطوامث

وقيل بالانجيل كما قال في القرآن ” وروحاً من أمرنا” ؛ وقيل باسم الله
الأعظم الذي كان يُحيي الموتى بذكره”.

 قال
الرازي: “ابن مريم” إن مريم في لغتهم العابدة؛ “وأَيدناه بروح
القدس” : فيه مسألتان (المسألة الأولى) “القدس” تثقّله اله الحجاز
وتخففه تميم، (المسألة الثانية) في تفسيره أًقوال: الاول قال الحسن: القدس هو الله
تعالى، وروحه جبريل عليه السلام: والذي يدل على ان روح القدس جبريل عليه اسلام
قوله تعالى :” قال نزَّله روح القدس” والرازى على هذا الرأي؛

والقول
الثانى وهو المنقول عن ابن العباس: ان روح القدس هو الاسم الذي كان يُحيي به عيسى
عليه السلام الموتى؛ والقول الثالث وهو قول ابي مسلم : ان روح القدس الذي ايده به
يجوز ان يكون الروح الطاهرة التى نفخها الله تعالى فيه وأبانه بها عن غيره ممن
خَلَق من اجتماع نطفتي الذكر والانثي” (راجع تفسيره للايه 253 الآتيه) وفي
غير موضع : وكان جبريل عليه السلام لا يفارقه ساعة وهو معنى قوله : ”
وأَيدناه بروح القدس” (54).

ونقول
: قال بعضهم ذهب محمد ولمّا يدْر ما الروح؛ وكذلك مفسّرو القرآن : فليس روح القدس
روح عيسى التي نفخها الله تعالى فيه كما قال ابو مسلم: فالتأييد للمسيح بالروح
القدس حاصل له بعد وجوده، فالروح القدس اذن غير روح عيسى؛ وهب ان ما زعم حقّ فلن
يبقى في الآيه نكته من اختصاص عيسى بميزة فضّله الله بها على غيره (87)، وهو
يذكرها ايضاً حيث يذكر فضائل الانبياء بأفضال الله عليهم(253)؛ وليس هو جبريل
وقد سموه كذلك على المشاكلة تشبيها له بحال محمد مع الموحى اليه ولو ورد اسم جبريل موصوفاً بروح القدس في قوله ” قل نزَّله
روح القدس” فهي هنا صفة ظاهرة لجبريل الموحي اليه، وأَما عن المسيح فهي اسم
ذات غيرهما. والمعلوم من التوراة والانجيل والقرآن ان الملائكة كانت واسطة الوحي
بين الله والانبياء، فتخصيص المسيح بتأييد جبريل لا يفيد معنى التخصيص المطلوب
وتفوت النكتة المقصودة؛ وليس هو الانجيل، فهو غير وارد، او غير معقول اذ يصير روح
القدس فاعلاً ومفعولاً معاً ، والانجيل مؤيّدِاً ومؤيّدا.

فروح القدس اذن الذي به أّيّد الله المسيح هو ذاتُ قائمة بنفسها غير ما ذُكر: وهي ”
روح الله” كما قال الحسن، ” و الذي كان يُحيي به عيسى الموتي” كما
قال ابن عباس. فالروح القدس هو “الامم الاعظم الذي كان يحيي به عيسى
الموتى” ويصنع المعجزات.

[3] قال الزمخشرى (بقرة
253): “وأما قوله” وآتينا عيسى بن مريم البينات” فإنما اختار لفظ
المخاطبة لأن الضمير في قوله (وآتينا) ضمير التعظيم، وتعظيم المؤتى يدل على عظمة
الايتاء
لِمَ خص موسى وعيسى من بين
الانبياء بالذكر وهل يدل ذلك على انهما أفضل من غيرهما؟ والجواب سبب التخصيص ان
معجزاتهما أبهر وأقوى من غيرهما

وتخصيص عيسى ابن مريم بالبينات يدل أو يوهم ان ايتاء البينات ما حصل في غيره، أو
خصهما بالذكر لأن تلك البيّنات اقوى عنده من غيره”. على هذا يورد الزمخشرى
قول من قال : لن بينات موسى اقوى من بينات عيسى فأن لم تكن أقوى فلا أقل من
المساواة!
وهل في معجزات موسى ما
يدانى غحياء الموتى و المقدرة على الخلق وهما من خصائص الخالق؟ لذلك خص القرآن
المسيح وميزه على سائر الانبياء” بالبينات وتأييد الروح القدس”.

[4] أية 135- كلن
ابراهيم في السورة المكية مؤمنا، فصار في البقرة حنيفاً، وفي آل عمران يكون
مسلماً(67):فالخلاف على الملّة وأَيهم احق بالانتساب إلى ابراهيم.

[5] أية 136- الخلاف
ايضا على نبوّة اسماعيل وعيسى: فالقرآن يؤمن ليس فقط بالانبياء الذين يقبلهم
اليهود بل ايضا بالذين لا يقبلونهم مثل عيسى نبي النصارى واسماعيل نبى العرب
الاقدمين: لا يفرقّ بين احد منهم فكلهم في توحيد الاسلام سواء.

[6] أية 137 “بمثل ما آمنتم به” : المعنى ان تحَروّا الايمان بطريق
يهدي إلى الحق مثل طريقكم فقد اهتدوا فإن وحدة المقصد لا تأبى تعدّد الطرق و
“المثل” مقحم كما في قوله ” وشهد شاهد من بنى اسرائيل على
مثله” أَي عليه؛ ويشهد له قراءة “بما آمنتم به أَو بالذي آمنتم به”
(البيضاوى).

 “فإنما
هم في شقاق” في خلاف (الجلالان) أي في مناوأَة ومعاندة لا غير

 (الزمخشرى)
لاحظ انه لا يقول في كفر. والأية 139 تبين ان الخلاف في طريق العبادة ليس خلافاً
في الدين والتوحيد.

[7] آية 138 “صبغة الله” مصدر مؤكد منتصب عن قوله “آمنا
بالله” وهي فعلة من (صَبَغ) كالجلسة من جلس وهي الحالة التى يقع عليها الصبغ.
والمعنى تطهير الله بالايمان لأن الايمان يطهّر النفوس. والاصل فيه ان النصارى
يغمسون اولادهم في ماء اصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم، واذا فعل
الواحد منهم بولده ذلك قال : الآن صار نصرانياً حقاً! فأمر المسلمين ان يقولوا لهم
: آمنا بالله وصبغنا الله بالايمان صبغةً وطهرنا به تطهيراً. وانما جئ بلفظ الصبغة
على طريق المشاكلة (ومَن احسن من الله صبغةً) يعنى انه يصبغ عباده بالايمان
ويطهرهم به من اوضار الكفار فلا صبغة احسن من صبغتِهِ (الزمخشرى).

وقال
البيضاوي: “أي صبغنا الله صبغته أو هدانا هدايته أو طهّر قلوبنا بالايمان تطهيرة.
وسماه (صبغة) لأنه ظهر أثرة عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ وتداخل في قلوبهم تداخل
الصبغِ الثوبِ. أو للمشاركة فإِن النصارى كانوا يغمسون اولادهم في ماء اصفر يسمونه
المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم. ونصبها على انها مصدر مؤكد
لقوله آمنا، وقيل على الاغراء وقسل على البدل من ملة إبراهيم”.

ويظهر
لي ان هذه الآية مزيدة هنا من وقت آخر لأن اقحامها فيه سبب تفكيك للنظم وسوء
الترتيب واخراج الكلام عن التئامه وانتساقه(راجع الزمخشري)، فان الحديث كله (136
141) جواب لليهود، وليس فيه جواب للنصارى، فاقحمتْ جواباَ لهم:
صبغةُ الله بالايمان أفضل من صبغة العبد بالماء!

[8] آية 139 تورد سبباَ ثالثا للخلاف وهو على عبادة الله: لنا اعمالنا ولكم
اعمالكم. يقول : الله واحد، وهو ربنا وربكم، وان اختلفت طرق العبادة، “لنا
اعمالنا ولكم اعمالكم” اذ ليس من الضرورى لصحة الدين والايمان والتوحيد طرق
العبادة. وقد يكون الخلاف على ادعاء ضرورة اليهودية او النصرانية على الانبياء فلا
يكون نبياً من غيرهم : الكل عنده سواء فهو يصطفى من يشاء.

[9] أية140 تورد سبباً رابعاً للخلاف : صحة انتساب كل ملة من الثلاث الي
إبراهيم، فليس انتساب النصارى واليهود إلى الآباء باصح من انتساب المسلمين لأنهم
كما يقول كانوا قبل الانجيل والتوراة، وعيسى وموسى.

[10] آية 141 ختام الجدال: على كل حال ليس الانتساب في صحة النسب بل في صحة
الايمان والعمل: لهم ما كسبوا ولنا ما نكسب فلا تزر وازرة وزر اخرى.

[11] آية 253 ” فضلنا بعضهم على بعض” تقرير مبدإِ التفضيل
“بتخصيصه بمنقبة ليست لغيرة” (الجلالان والبيضاوى) ” منهم مَن كلم
اللهُ” وقرئ مَن كلّمَ الله أو كالّم الله، وهو موسى، وقيل موسى ومحمد، ولكن
كيف رأوا فيه محمداً وكيف راوه ايضاً في الثانية ” ورُفع بعضهم درجات”؟
فمن هو هذا المرفوع درجات على غيره؟ قيل هو محمد وقيل إبراهيم خصصه بالخلة التي هي
اعلى المراتب، وقيل ادريس عليه السلام لقوله ” ورفعناه مكانا عليّاً”
وقيل اولو العزم من الرسل؛ وفي حديث عن ابن عباس انه يحيي. واتينا عيسى ابن مريم
البينات وايدناه بروح القدس” خصه بالتعيين لافراط اليهود والنصارى في تحقيره
وتعظيمه، وجعل معجزاته سبب تفضيله لانها آيات واضحة ومعجزات عظيمة لم يستجمعها
غيره” (البيضاوى). وهذا التفسير ينقض زعم من قال مع الزمخشرى: “تحصيص
عيسى ابن مريم بإيتاء البينات يدل او يوهم ان ايتاء البينات ما حصل في غيره،
ومعلوم ان ذلك غير جائز. فإن قلتم انما خصها بالذكر لأن تلك البينات اقوى! فنقول
ان بينات موسي عليه السلام اقوى من بينات عيسى عليه السلام فأن لم تكن اقوى فلا
اقل من المساواة” (آية253)

فنجيب ان تخصيص عيسى بالبينات مع تعميمها على سائر الانبياء يوحى بأن بيناته أقوى حتى
اختص بها كما قال البيضاوى.

 وقال
الرازي ” ان الضمير في قوله “آتينا” ضمير التعظيم وتعظيم المؤتي
يدل على عظمة الايتاء وقد خص عيسى و موسى بالذكر مما يدل على انهما افضل من
غيرهما”. وقال الزمخشرى : “خصص عيسى و موسي من بين الانبياء بالذكر لما
اوتينا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ولقد بيّن وجه التفضيل حيث جعل
التكليم من الفضل وهذا دليل بيّن ان مَن زيد تفضيلاً بينهم بالآيات فقد فُضل على
غيره”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار