علم الكتاب المقدس

سرّ الحكمة في الرسائل البولسيّة



سرّ الحكمة في الرسائل البولسيّة

سرّ
الحكمة في الرسائل البولسيّة

دانيال
عيوّش

مقدمة

تظهر الرسائل البولسية اهتمامًا خاصًا بعقيدة “سر الله”
(1كور 2: 1)، و”سر المسيح” (كول 4: 3)، و”سر الإنجيل” (أف 6: 19).
ويجد المفسرون في هذه العبارة إشارات إلى تعاليم أسرارية وغنوصية، وذلك خصوصًا في
الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ورسالة أفسس.
[1][1]

انطلاقًا من أنّ كل التعليم المتعلق بالإيمان المسيحي في الكتابات
البولسيّة متجذر في تقليد العهد القديم،
[2][2] يحاول هذا المقال أن يشير إلى نقاط التلاقي
الموجودة بين الأعمال البولسية والأدب الرؤيوي الحكمي في اليهودية الأولى، وذلك
بدراسة لغويّة ولاهوتيّة لطبيعة مفهوم “السر” ووظيفته في هذه الرسائل.

 

لهذا، وقبل الشروع في دراسة الأعمال البولسية، أرى من الضروري الحديث
عن الخلفيّة الدينيّة والثقافيّة لليهوديّة الأولى
[3][3] التي نشط فيها القديس بولس ورفاقه، بالتركيز
على الطريقة التي فهمت بها اليهوديّة العبارة موضوع كلامنا.

 

في الجزء الأول من هذا المقال عرض لمفهوم الحكمة في اليهوديّة الأولى،
وذلك بتحليل نصوص من الحكمة الرؤيويّة التي كانت تشكل، دون شك، التيار الحكميّ،
الذي كان له أثر كبير في أعمال بولس وفي المسيحيّة الأولى بشكل عام. وفي الجزء
الأخير دراسة لمعنى عبارة “سر” في نصوص الرسائل وعلاقته العميقة
بالثقافة الدينيّة اليهوديّة في القرن الأول للميلاد.

 

الحكمة في اليهوديّة الأولى

للحديث عن الحكمة في اليهوديّة الأولى لا يكفي الرجوع إلى الكتابات
الحكميّة القانونيّة
[4][4] كيشوع بن سيراخ، والجامعة، وحكمة سليمان،
وأيوب، بل إلى سلسلة كاملة من كتابات فترة ما بين العهدين، كأخنوخ، وكتاب
اليوبيلات، ومزامير سليمان، ونظام جماعة قمران. إنّ هذه الكتابات كلها تعكس، دون
شكّ، فكرًا لاهوتيًا معاصرًا ليسوع المسيح ويوحنا المعمدان والرسل.. وشاول الفرّيسيّ،
تلميذ غمالائيل، دون أن ننسى تلاميذ بولس الذين سيتبعونه في وقت لاحق.

 

والحديث عن الحكمة في اليهوديّة الأولى يعني أيضًا دراسة الإضافات
التحريريّة اللاحقة إلى الكتابات القانونية في العهد القديم (نذكر مثلا أيوب 28 أو
العناصر الحكمية المتأخّرة التي نجدها في الكتب الموسويّة الخمسة، والمزامير وكتب
الأنبياء). يوجز كارلستون بدقّة المفاهيم الأساسية المسيطرة في ذلك الوقت
والمتعلقة بالحكمة في اليهوديّة:

 

“الحكمة خلقها الله في البدء سي 1: 9؛ حك 9: 2. وهي كانت مخبأة عند الله
وساكنة في السماء، وكانت موجودة عند الخلق، وهي كانت واسطته
حك 7: 21-22؛ 8؛ 1: 3-6؛ أم 3: 19؛ إر 10: 12
(أو أداته
أي 28: 12-14؛ سي 1، 1-8؛ 1أخن 42، 1)؛ أتت إلى الأرض، أرسلت
لتدعو إسرائيل
سي 24، 8؛ با 3: 9-4، 4 والبشرية كلها أم 8: 4، 31؛ سي 1، 10، 15؛ 51: 23؛ حك 10.
بعضهم استمع إليها
أم 1: 20-33؛ 1أخن 93: 8؛ 2با 44: 14-15، ولكنّ معظمهم لم يعرها
اهتمامًا
سي 6: 22؛ 1أخن 42: 1-2أ؛ حك 10: 6-8؛ 11قمران/مزدا 18: 13.
وعندما رفضها البشر ولم تجد مكانًا للراحة – 1 أخن 42: 1؛ 94: 5 – عادت لتسكن عند
الله – 1أخن 42، 2ب؛ 4عزرا 5: 10؛ التلمود (
II Para 48,3336).” [5][5]

 

يبقى أن نضيف إلى هذا التحديد العام بعض المعلومات الخاصة. إبّان
الخبرات القاسية التي عرفها إسرائيل تحت الحكام البطالسة والسلوقيين، وبعدها، ومع
الثورة المكابيّة الدمويّة، والاضطهادات والثورات التي توالت في زمن الامبراطوريّة
الرومانيّة، لم تعد الحكمة مجرّد خير موجود في الخليقة كلها وفي الشعوب التي
تسكنها، ولكنّها اكتسبت جانبَين مختلفَين:

 

عندنا، من جهة، الحكمة (المشخصنة) الساكنة في الشريعة والمتماهية
معها. فالحكمة الحاضرة عند الخلق، في هذا النوع من الكتابات، هي الشريعة. ولذلك
كان من الضروري، لمعرفة مشيئة الله ونيل الخلاص، دراسة الشريعة الحكمة ومعرفتها
وممارستها. هذا يجعل المؤمنين في اليهودية في وضع أفضل من سائر الشعوب الذين كان
عليهم أن يتعلموا منهم الحكمة الحقيقية، إذا أرادوا أن يفهموا إرادة الله. أطلق
على هذا التيار الحكمي الذي فضلته اليهودية الربانية اسم “حكمة الشريعة”
[6][6]، وهو يجد تعبيره الأفضل في كتاب سيراخ (أنظر مثلا سي 15: 1؛ 21: 11؛
24: 1-34)، وفي مقاطع مثل با 3: 9-4، 4؛ تث 4: 6-8، وفي معظم الكتابات الربانية
(أنظر مثلا
St.-BI,79ss.974s;
II,353s
).

 

ومن جهة أخرى ارتبطت الحكمة بالاعتقاد بأن الله لا يكشف حكمته إلا
إلى مجموعة من المختارين. تتحدث هذه الحكمة عن خلاص المؤمنين وهي تستعلن بالروح
عند نهاية الأزمنة في عالم متقلب، عنيف، ومشحون بالشر. تختلط العناصر الحكمية
بالعناصر الرؤيوية والأخروية لتشكل كلها ما أسماه العلماء “الحكمة الرؤيوية”
[7][7]، وهي التيار الحكمي الذي يلازم العهد الجديد والذي يعبر به القديس
بولس عن عقيدة السر. في ما يلي تحليل لبعض من نصوص هذا التيار.

 

سرّ الحكمة الرؤيويّة في أدب ما بين العهدين

في السبعينية ينحصر استعمال العبارة اليونانية mysterion سرّ بالكتابات التي ظهرت في الحقبة الهلينستية
(طوبيا، يهوديت، الحكمة، سيراخ، دانيال، 2 مكابيين). بالإضافة إلى معانيه الوثنية
والعالمية
[8][8] تتخذ عبارة “سر” مسحة رؤيوية
وأخروية. إنّ كتاب دانيال هو “الذي يرتبط باستعمال خاص للمفهوم في الأدب
الرؤيوي لليهودية المتأخرة.”
[9][9] فيه ينكشف تصميم الله للمستقبل، ونهاية الأزمنة الأخيرة بشكل خفي،
بأحلام رمزية ورؤى.
[10][10] وحده الله (دا 2: 28، 29) والملهمون من روحه (دا 4: 9) يستطيعون
أن يفسّروا معنى هذا الإعلان السريّ.
[11][11]

 

إن المعرفة المكتسبة عن طريق الدراسة والبحث لا تكفي للإجابة على
الأسئلة الكثيرة التي يطرحها الإنسان على نفسه في ما يتعلق بمصيره وبكل الأسرار
التي يصادفها في الخليقة التي أعطاه الله إياها. يعبر كتاب أخنوخ بوضوح عن موقف
الكاتب الرؤيويّ هذا:

 

“مباركُ ربّ الأرواح، ربّ الملوك، ربّ المقتدرين، ربّ الأغنياء،
ربّ المجد، ربّ الحكمة. تألّقت قدرتك في كل خفيّ، من جيل إلى جيل، ومجدك أبديّ.
أسرارك كلها عميقة ولا عدّ لها. عدلك لا يُقاس.” (1 أخن 63: 2-3)

 

ليست هذه الأسرار فقط في السماء، بعيدة عن واقع الإنسان، ولكنها
حاضرة في كل الخليقة (أخن العبري 48: 8؛ قمران/نج 3: 15-17). يؤثر إعلانها على كلّ
الكائنات البشرية على وجه الأرض (1أخن 83: 7؛ 61: 5). أحد هذه الأسرار الأساسية
معرفة الأزمنة التي سيضع فيها الله، بحكمته، حدًا للشر والظلم. لهذا سيبتهج
القديسون والأبرار بالأسرار في حين أن الخطاة سيرفضونها (رؤباس81: 4؛ قمران/فحب 7:
1-17؛ 4 عزرا 14: 5؛ 1أخن 104: 10، 12). هذه الأسرار، التي هي التدبير الذي حدّده
الله لأجل الإنسان والخليقة أجمع، هي حكمة الله (1 أخن 48: 7) وهي موجودة منذ
الأزل في السماوات (1 أخن 48: 2-3) وإن لم تنكشف بالطريقة الملائمة يمكنها أن تسبب
الشر (1 أخن 9: 6).

 

ولكن، كيف نعرف مشاريع الله هذه؟ لقد رأينا أنّ اكتساب هذه المعرفة،
عند الكاتب الرؤيوي، مستحيل. فالله يعطي هذه المعرفة في إعلان لأشخاص محدّدين
يتلقون لاحقًا أمرًا بنقلها مدوّنة إلى جماعاتهم (رؤباس 81: 4؛ دا 12: 4). غير أنّ
الإنسان لا يمكنه لوحده أن يفهم الإعلانات. لهذا كان من الضروري أن يلعب الملائكة
دورهم في هذا المضمار. فهُمَ الذين يشرحون شيئًا فشيئًا للرائي معنى ما يراه وهم
الذين يقودونه في عالم السماوات السري ويفسرون له كلاً من أحكام الله (أنظر دا 8: 16؛
9: 21-22؛ 1 أخن 71: 3-4؛ 40: 2؛ 46: 2).

 

أما إذا لم يكن الإنسان قادرًا حتى على أن يفهم أحكام الله، فكيف له
أن ينفذها؟ من يكون قادرًا على أن يتمم الأمر الجديد؟ من يستطيع أن يتمم أحكام
الله لنهاية الأزمنة وما يليه؟ أما الجواب فهو ابن الإنسان، المختار، المسيا
(قمران/نج 9: 11)، الذي هو وحده قادر على فهم حكمة الله السرية وتنفيذها على كل
شعوب الأرض. فلننظر إلى النصين الآتيين:

 

“لأنه[12][12] قويّ بكل أسرار البر يمر العنف كالظل ولن يكون له موطئ قدم، لأنّ
المختار يقف أمام ربّ الأرواح. مجده أزليّ، وقدرته إلى جميع الدهور. فيه يقيم روح
الحكمة وروح التعليم، روح العلم وروح القدرة، روح الراقدين في البر.” (1أخن
49: 2-3)

 

“عندها سيجمع شعبًا مقدسًا يقوده في العدل. ويحكم أسباط شعب
قدسه الرب إلهه. ولن يتحمل أن يستمر الفساد من بعدُ بينهم، والإنسان المعتاد على
الشرّ لن يسكن بعد ذلك معهم. وسيعرفهم لأنهم كلهم أبناء إلههم. وسيوزعهم في
أسباطهم على الأرض. والمهاجر والغريب لن يسكنا معهم بعد ذلك. وسيحكم الشعوب والأمم
في الحكمة وفي عدله. (مزسل 17: 26-29)

 

سيجلس المختار في اليوم الأخير على العرش و”بفمه تُعلَن كل
أسرار الحكمة (1أخن 51: 3). سيتم هذا في اليوم الذي سيثاب فيه الأبرار ويعاقب
الخطأة (رؤباس 29-30؛ دا 12: 1 وما يليها؛1أخن 48: 8-9).

 

باختصار يمكننا أن نقول إنّ أدب اليهودية الأولى قد أعطى عبارة
“سر” ميزات خاصة. فالسر هو الذي قد أعده الله بحكمته منذ ما قبل الزمن
لخلاص البشر والذي ينكشف الآن عبر مرسليه (الملائكة) للذين قد اختارهم. وفي السرّ
أيضًا تدخل مختارٍ يتمم التدبير الذي حدّده الله ويملك معه بالبرّ والسلام.

 

يبقى أن نذكر، لننهي هذا الجزء من الدراسة، الاختلافات الأساسية
الثلاث التي يشير إليها بورنكام مقارِنًا بين الغنوصية والكتابات الرؤيوية الحكمية
اليهودية في ما يتعلق باستعمال عبارة “سرّ”:
[13][13]

1- إن الأسرار في الأدب الرؤيوي ليست مصيرًا محتومًا يلقاه الآلهة،
ولكنّ الله هو الذي يملكها ويتصرف بها كما يشاء.

2- اقتبال هذه الأسرار في الأدب الرؤيوي ليس تألهًا، وأضيف أنه ليس
هروبًا من الوضع الذي نعيشه، من الحالة البشرية ولكنه طريقة لفهم هذه الحالة
وعيشها.

3- إنّ الأسرار في الأدب الرؤيوي هي إعلان أخروي وعالمي وليست مجرد
شيء يهمّ فقط مجموعة صغيرة من المبتدئين.

 

سر الحكمة في الأعمال البولسية

ترد عبارة “سر” (باليونانية mysterion) 28 مرة في العهد الجديد؛

ثلاث مرات في قول مشترك عند الإزائيين (مت 13: 11؛ مر 4: 11؛ لو 8: 10)

21 في الأعمال البولسية (رو 11: 25؛ 16: 25؛ 1كور 2: 1؛ 2: 7؛ 4: 1؛
13: 2؛ 14: 2؛ 15: 51؛ أف 1: 9؛ 3: 3؛ 3: 4؛ 3: 9؛ 5: 32؛ 6: 19؛ كول 1: 26ي؛ 2: 2؛
4: 3؛ 2تس 2: 7؛ 1تي 3: 9؛ 3: 16)

4 مرات في رؤيا القديس يوحنا (رؤ 1: 20؛ 10: 7؛ 17: 5، 7).

 

تساعدنا هذه المعلومات الإحصائية على أن نستنتج أنّ عبارة
“سر” هي عبارة بولسية بامتياز، ولذا كانت الأعمال البولسية المكان
الأفضل لفهم معنى هذه العبارة الأساسيّ. ترد عبارة “سر” 9 مرات في
الرسائل الأصلية و12 مرّة في الرسائل المنسوبة إلى بولس وخصوصًا في أفسس (6 مرات)
وكولوسي (4 مرات).

 

أما التعابير الخاصة بالسر الرؤيوي الحكمي في الرسائل البولسية فهي
الآتية:

2- “إعلان السر” في رو 16: 25؛ أف 1: 9؛ 3: 3 (باليونانية apocalypsis mysteriou).

2- “إعلام السر” في 1كور 2: 1 وأف 6: 19 (باليونانية katangello / gnorizo to mysterion;).

4- “فهم السر” في أف 3: 4 (باليونانية synesis en to mysterio).

5- “تدبير السر” في أف 3: 9 (باليونانية oikonomia tou mysteriou).

6- “السر الخفي منذ الدهور” في أف 3: 9؛ كول 1: 26
(باليونانية
ton
mysterion ton apokekrymmenon apo ton aionon
).

 

انطلاقًا من هذه المعلومات الإحصائية واللغوية، يمكننا أن ننتقل إلى
تحليل مضمون النصوص البولسية التي تشير إلى السر.

 

السرّ، في الرسائل البولسية، معرفة تنبثق عن الله وتشير دائمًا إلى
عمل يسوع المسيح وخصوصًا إلى آلامه وقيامته. هذا السر أعدّ قبل خلق العالم وبقي
خفيًا منذ بدء الدهور (رو 16: 25؛ 1كور 2: 8؛ أف 3: 9؛ كول 1: 26).

 

ميزات السرّ هذه نجدها في نصوص موازية في الأدب الحكمي الرؤيوي الذي
سبق الحديث عنه. فكتاب أخنوخ الأثيوبي مثلا، يقدم المختار والأحكام التي أوكله
الله بها كسر الحكمة الإلهية المعدة منذ ما قبل الخليقة:
[14][14]

 

“لهذا صار(ابن الانسان)[15][15] المختارَ، وذاك كان خفيّا لديه قبل خلق العالم
وحتى مجيء الدهر ولكن حكمة رب الأرواح كشفته للقديسين والأبرار.” (1أخن 48: 6-7)

 

والسرّ، بالعودة إلى القديس بولس، ليس سرا لكونه تصميمًا لله خفيا
فحسب، بل أيضًا لكونه تجسد وانتشر في العالم لخير الأمم جميعها (أف 3: 5-6)، أي
لكونه صار يهم الخليقة كلها.
[16][16] بإعلان هذا السر يفهم عمل الخلق وغايته،
البداية والنهاية (كول
1: 15-20).
الحقيقة كلها تقرأ بطريقة جديدة. لهذا تبلغ الأزمنة، في إعلان السر الإلهي،
نهايتها (أف 1: 10)، لتبدأ حقبة جديدة.

نجد في الأدب الرؤيوي الحكمي المقاربة ذاتها لهذا الموضوع: إعلان
السرّ حدث عالميّ يخص البشرية كلها (قمران/ نج 3: 15-17؛ 4: 18-23؛ 4عزرا 14: 5؛
1أخن 61: 5).

 

ثمة جانب أساسيّ للسر بحسب القديس بولس وهو مشاركة الرسول في عمل
الخلاص من خلال إعلان سرّ المسيح عند الأمم. نجد هذا على سبيل المثال في كول 1: 24-29
حيث يُعتبَر بولس خادمًا للسر ووكيلاً ومتممًا لعمل المسيح الخلاصيّ. إذا درسنا
التعابير المرتبطة بالسرّ التي أتينا على ذكرها أعلاه نتأكد من أن هذا المفهوم من
الثوابت في فكر بولس: أنظر مثلا رو 16: 25-27؛ 1كور 2: 1؛ أف 3: 7-8؛ 6: 19؛ 1تي 3:
16.

 

يلعب حامل الإعلان دورًا جوهريًّا وتأسيسيًّا في أسفارالأدب الرؤيوي
اليهودي. فكاتب الكتاب هو الذي يحمل الرسالة ويحافظ على صلة لا تنقطع بالرسالة
التي أعلنها الله له: قمران/فحب 7: 1-17؛ دا 12: 4. 8-13؛ رؤباس81: 4.

 

من ميزات السرّ المهمة عند القديس بولس علاقته المباشرة بحكمة الله.
بهذه الطريقة يقدم القديس بولس إلى المؤمنين نظرة جديدة إلى العالم لا علاقة لها
بالهوى أو الظرف، بل هي حكمة أزلية وسماوية أراد الله إعلانها الآن. فلنقرأ في هذه
المرحلة بعضًا من النصوص النموذجية:

 

“25 وللقادر ان يثبتكم حسب إنجيلي والكرازة بيسوع المسيح حسب
إعلان السر
الذي كان مكتوما في الازمنة الازلية 26 ولكن ظهر الآن وأعلم به
جميع الأمم بالكتب النبوية حسب أمر الإله الأزلي لإطاعة الإيمان 27 للّه الحكيم
وحده
بيسوع المسيح له المجد الى الأبد آمين.” (رو 16: 25-27)

 

“6 لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا
الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون. 7 بل نتكلم بحكمة الله في سرّ.
الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا. 8 التي لم يعلمها أحد من
عظماء هذا الدهر.لان لو عرفوا لما صلبوا رب المجد. 9 بل كما هو مكتوب ما لم تر عين
ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه.” (1كور 2: 6-9)

 

“8 لي أنا أصغر جميع القديسين أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين
الأمم بغنى المسيح الذي لا يستقصى 9 وأنير الجميع في ما هو شركة السر
المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح. 10 لكي يعرّف الآن عند
الرؤساء والسلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة 11 حسب
قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا.” (أف 3: 8-11)

 

“24 الذي الآن افرح في آلامي لاجلكم واكمل نقائص شدائد المسيح
في جسمي لاجل جسده الذي هو الكنيسة 25 التي صرت انا خادما لها حسب تدبير الله
المعطى لي لاجلكم لتتميم كلمة الله 26 السر المكتوم منذ الدهور ومنذ
الاجيال لكنه الآن قد أظهر لقديسيه 27 الذين اراد الله ان يعرّفهم ما هو غنى مجد
هذا السر في الامم الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد 28 الذي ننادي به منذرين كل
انسان ومعلمين كل انسان بكل حكمة لكي نحضر كل انسان كاملا في المسيح يسوع.
29 الامر الذي لاجله اتعب ايضا مجاهدا بحسب عمله الذي يعمل فيّ بقوة.” (كول 1:
24-29)

 

أما رو 16: 25-27، فتشير، من جهتها، إلى أن تعليم الرسول ليس تغيير
خطةٍ في التدبير الإلهي بل إتماما لإرادته. أما 1كور 2: 6-9 وأف 3: 8-11 فتظهر
بوضوح تام ان الرسول لم ينل حكمة الله هذه عن طريق التنظير البشريّ بل عن طريق
إعلان يسوع المسيح إلى عبيده الرسل وإلى كل الكنيسة. وأخيرًا يشير نص كول 1: 24-29
إلى أن السر المعلن من خلال التعليم في الإنجيل يعطي المؤمن حكمة جديدة بالمعنى
العملي للكلمة، أي طريقة جديدة للعيش لكي يظهر كاملا أمام المسيح حين يأتي (أنظر
أف 3: 12-13).
[17][17]

 

إن مبدأ العلاقة بين السر والحكمة في الأدب الرؤيوي الحكمي هو العنصر
الذي يميز النوع الأدبيّ. فلنأخذ على سبيل المثال النصين الآتيين:

 

“في ذلك الوقت يجلس المختار على عرشي، بفمه تُعلَن كل أسرار
الحكمة لأنّ ربّ الأرواح أعطاه (إياها) ومجّده.” (1أخن 51: 3)

 

“أما الله، وفي أسرار عقله ومجد حكمته، فقد وضع حدًا لوجود
الضلال فهو يزيله بشكل نهائي في ساعة الإفتقاد.” (قمران/نج 4: 18)

 

حكمة الله هي مصدر كل معرفة وهي أيضًا، دون شك، مصدر الأسرار
السماوية (1أخن 42: 1-3؛ 63: 2-3؛ رؤباس 54: 12-13؛ 4عزرا 5: 10؛ مزسل 17: 23-27).

 

خاتمة

إن مضمون السرّ عند بولس الرسول يكمن في حكمة الله التي أُعلِنَت في
ابنه يسوع المسيح في ملء الزمان. وخادم السرّ هو بولس الذي، بشهادته عند كل الأمم،
مهد الطريق لعمل يسوع المسيح لكي ينتشر فعليًا في الخليقة كلها. لميزات الفكر
البولسي هذه، كما رأينا، ما يوازيها في أدب اليهودية الأولى.

 

من غير الصحيح أن نؤكد أن القديس بولس وتلاميذه استعملوا هذه النصوص
كمصادر لكتاباتهم. المرجع الوحيد للقديس بولس يبدأ بالكتب الموسوية الخمسة وينتهي
بكتب الأنبياء. وهو يستشهد بها دائمًا. غير أنّ الكتب الرؤيوية الحكمية شهادة على
طريقة لفهم نصوص اليهودية الكلاسيكية تساعدنا على أن نفهم بشكل أفضل إلى أي درجة
يمكن اعتبار الأعمال البولسية جزءا من هذا التيار التفسيري للكتابات المقدسة.

 

وأخيرًا لا بد من الإشارة إلى اختلاف كبير بين بولس والأدب الرؤيوي
الحكمي. فنهاية الأزمنة، بالنسبة إلى بولس، قد حصلت، وأعلن الله سره وأرسل مسيحه
الذي عاش بين الناس وأعطى تعليمه تألم على يد خاصته وجلس عن يمين الله إلى أن يأتي
ثانية. بولس موجود تحت كنف المجيء الأول والمجيء الثاني، حيث على المرء أن يتصرف
كعبد للمسيح ليوصل إلى البشرية كلها الخبر السارّ، خبر إتمام مشيئة الله في شخص
يسوع المسيح، الرب الحكيم.

 

المصادر

 الفغالي،
بولس،      أخنوخ سابع الآباء (على هامش الكتاب 3)، بيروت، 1999.

الفغالي، بولس،       رؤيا باروك في السريانية واليونانية، رؤيا
ابراهيم، رؤيا إيليا
(على هامش الكتاب 6)، بيروت، 2000.

الفغالي، بولس،       كتابات قمران، الجزء الثاني (على هامش
الكتاب 2)، بيروت، 1998.

الفغالي، بولس،       كتابات قمران، الجزء الأول (على هامش
الكتاب 1)، بيروت، 1997.

 Dupont-Sommer, André; Philonenko, Marc (Ed.), La Bible: Ecrits
Intertestamentaires
(Bibliothèque de la Pléiade), Paris 1987
.

 

الأبحاث

 Bornkamm,
G., Mysterion, in: ThWNT IV, Stuttgart et al., 1990 (reprinted),
809-834
.

 Carlston, C.E.,   Wisdom
and Eschatology in Q, in: Delobel, J. (Ed.), Logia, n.p.,
n.y., 101-119.

 Conzelmann /
Lindemann, Arbeitsbuch zum Neuen Testament (UTB 52), Tuebingen, 121998
.

 Cothenet, E.,      San Pablo en su tiempo (C.B. 26), Estella (Navarra), 1988.

 Finkenrath, G.,   Misterio, en: DTNT III, Salamanca, 1993, 94-98.

 Goetzmann, J.,            Sabidurيa, necedad, in: DTNT IV, Salamanca, 1992, 122-128.

 Kraemer, H.,      Mysterion,
en: DENT II,
Salamanca, 1998, 342-351.

 Kuechler, M.,    Frühjüdische Weisheitstraditionen. Zum
Fortgang weisheitlichen Denkens im Bereich des frühjüdischen Jahweglaubens (OBO
26),
Freiburg (Swissland) -Goettingen, 1979.

 Loening, K. / Zenger, E.,     Als Anfang schuf Gott.
Biblische Schoepfungstheologien, Duesseldorf, 1997
.

 Tarazi, P.N.,       The New Testament: An Introduction.
Volume 1 Paul and Mark, Crestwood (
New York),
1999
.

 Wilckens / Fohrer,     Sophia, in: ThDNT VII, Grand Rapids (Michigan),
1983, 465-528
.

[1][1]
انظر:

Conzelmann
/ Lindemann, Arbeitsbuch, 300-302; Bornkamm, G., mysterion,
818-820;
Goetzmann, J., Sabidurيa, 126s. Pokorny, P., Der Epheserbrief und die
Gnosis
, Berlin, 1965 (
نجد عند بوكورني دراسة مفصلة لهذا
الموضوع في رسالة أفسس
).

[18][2] لئن كان بولس يستعمل عبارات
وأفكار هلينستية ووثنية (مثل فعل “يرمز” –
allegoreo – في غلا 4: 24 وعبارة “ملء” –pleroma – في أف 1: 23؛ 3: 19)، إلا أنّ هذه العبارات والأفكار وظيفتها أن
تساعد القارئ الذي هو من أصل غير يهودي أن يفهم ويقبل تحقيق رجاء شعب الله في شخص
يسوع الناصري، المخلص، والمسيا. يعبر القديس بولس نفسه عن هذا المبدأ الأساسي لطريقة
تعليمه في 1كور 9: 21-23. أنظر في هذا الخصوص: .
Tarazi, P.N., Paul, 3-7; Cothenet,
E., Pablo, 22-24

[19][3] أي ما يسمّى بين النقّاد ب
“الخلفية التاريخية للتقاليد” (في الألمانية:
traditionsgeschichtlicher Hintergrund).

[20][4] إن بعض هذه
الكتب يعتبر قانونيا بالنسبة إلى الكنائس الأرثوذكسية وقانونيا ثانيا بالنسبة إلى
كنيسة روما ومنحولا بالنسبة إلى الكنائس البروتستانتية. أما تسميتي لها فتوافق
قانون السبعينية، التي كانت معروفة أكثر لدى يهود الشتات، والتي كانت الجماعات
البولسية، على الأرجح، تستعملها.

[21][5] عند كارلستون (Carlston. C.E., Wisdom, 101) ترد الاسشتهادات من الكتاب المقدس والكتب
المنحولة بشكل مستفيض في الحواشي.

[22][6] Cf. Kuechler, M., Weisheitstraditionen,
33-60; Wilckens/Fohrer, sophia, 505-507; Loening, K. / Zenger, E., Anfang,104-106;
Goetzmann, J., Sabidur
يa, 125,3.b.

[23][7] Cf. Kuechler, M., Weisheitstraditionen,
62-88; Wilckens/Fohrer, sophia, 503-505; Loening, K. / Zenger, E., Anfang,107-108;
Goetzmann, J., Sabidur
يa, 125,3.a.

 [1][8] في
حين أن وظيفة هذه العبارات في بعض النصوص أن تشير إلى طقوس الديانات الأسرارية (حك
14: 15، 23؛ 3 مك 2: 30)، فهي، في بعض النصوص الأخرى، ذات طابع دنيوي واضح (طو 12:
7، 11؛ يه 2: 2؛ 2 مك 13: 21؛ سي 22: 22). عندما تترجم السبعينية بعبارة
“سود” العبرية، فهي تشير بشكل خاص إلى ائتمان شخص على أمر ما معتبر
أهلاً للثقة. أما حين تترجم السبعينية بهذه العبارة، الكلمة الآرامية
“راز” فهذا يعني أننا أمام الجانب الرؤيوي لهذه العبارة. راجع في هذا
الخصوص
Bornkamm,
G., mysterion, 820s
.

[24][9] Finkenrath, G., Misterio,
95
.

[25][10] أنظر على
سبيل المثال دا 2: 1 وما يليها؛ 7: 1 وما يليها.

[26][11] Bornkamm, G., mysterion, 821.

[27][12] يتكلم هذا
المقطع عن ابن الانسان المختار. راجع الأصحاح 48.

[28][13] Bornkamm, G., mysterion,
822s
.

[29][14] في خصوص
انتظار المسيا في النصوص الرؤيوية الحكمية راجع أيضًا 1أخن 49: 2-3؛ 51: 3؛ دا 7: 13-14؛
قمران / نج 9: 11؛ رؤباس 29-30.

[30][15] راجع الآية
2

[31][16] راجع كول 1: 15-20. لاحقًا يسمي كول 1: 24-29
عمل المسيح هذا “سر الله المعلن في قديسيه”.

[32][17] ثمة نصوص
أخرى مهمة تربط الحكمة بالسر وهي رو 11: 25-36؛ أف 1: 7-12؛ كول 2: 1-3؛ 4: 2-5.



[2][2]  لئن
كان بولس يستعمل عبارات وأفكار هلينستية ووثنية (مثل فعل “يرمز” – 
 allegoreo – في غلا 4: 24
وعبارة “ملء” –
pleroma – في
أف 1: 23؛ 3: 19)، إلا أنّ هذه العبارات والأفكار وظيفتها أن تساعد القارئ الذي هو
من أصل غير يهودي أن يفهم ويقبل تحقيق رجاء شعب الله في شخص يسوع الناصري، المخلص،
والمسيا. يعبر القديس بولس نفسه عن هذا المبدأ الأساسي لطريقة تعليمه في 1كور 9:
21-23. أنظر في هذا الخصوص:
 .Tarazi, P.N., Paul, 3-7;
Cothenet, E., Pablo, 22-24

[3][3]  أي ما
يسمّى بين النقّاد بـ “الخلفية التاريخية للتقاليد” (في الألمانية:
traditionsgeschichtlicher Hintergrund).

[4][4] إن بعض هذه الكتب يعتبر قانونيا بالنسبة
إلى الكنائس الأرثوذكسية وقانونيا ثانيا بالنسبة إلى كنيسة روما ومنحولا بالنسبة
إلى الكنائس البروتستانتية. أما تسميتي لها فتوافق قانون السبعينية، التي كانت
معروفة أكثر لدى يهود الشتات، والتي كانت الجماعات البولسية، على الأرجح، تستعملها.

[5][5] عند كارلستون (Carlston. C.E., Wisdom, 101) ترد
الاسشتهادات من الكتاب المقدس والكتب المنحولة بشكل مستفيض في الحواشي.

[6][6] Cf. Kuechler, M., Weisheitstraditionen, 33-60; Wilckens/Fohrer,
sophia, 505-507; Loening, K. / Zenger, E., Anfang,104-106;
Goetzmann, J., Sabidur
يa, 125,3.b.

[7][7] Cf. Kuechler, M., Weisheitstraditionen, 62-88; Wilckens/Fohrer,
sophia, 503-505; Loening, K. / Zenger, E., Anfang,107-108;
Goetzmann, J., Sabidur
يa, 125,3.a.

[9][9] Finkenrath, G., Misterio, 95.

[10][10] أنظر على سبيل المثال دا 2:
1 وما يليها؛ 7: 1 وما يليها.

[11][11] Bornkamm, G., mysterion, 821.

[12][12] يتكلم هذا المقطع عن ابن
الانسان المختار. راجع الأصحاح 48.

[13][13] Bornkamm, G., mysterion, 822s.

[14][14] في خصوص انتظار المسيا في
النصوص الرؤيوية الحكمية راجع أيضًا 1أخن 49: 2-3؛ 51: 3؛ دا 7: 13-14؛ قمران / نج
9: 11؛ رؤباس 29-30.

[15][15] راجع الآية 2

[16][16] راجع كول 1:
15-20. لاحقًا يسمي كول 1: 24-29 عمل المسيح هذا “سر الله المعلن في
قديسيه”.

[17][17] ثمة نصوص أخرى مهمة تربط
الحكمة بالسر وهي رو 11: 25-36؛ أف 1: 7-12؛ كول 2: 1-3؛ 4: 2-5.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار