علم الكنيسة

سادساً: السلطان الإلهي



سادساً: السلطان الإلهي

سادساً:
السلطان الإلهي

 لقد
طرقنا هذا الموضوع في صفحات سبقت لكننا نرى أنه من اللازم أن نعود إليه وهو
السلطان الإلهي في الكنيسة لنلمس بعض نواحيه لمسات خاصة. سبق أن قلنا أن الرب نفسه
المرفّع في السماء رأساً لكل شيء هو الحاضر في الكنيسة حتى في وسط اثنين أو ثلاثة
مجتمعين لاسمه، وبذلك هو وحده صاحب الحق دون غيره في القيادة والسلطان في الكنيسة.

 

 لكن
ليس لنا فقط حضور الرب والروح القدس كمصدر السلطان في الكنيسة بل أيضاً كلمته
المكتوبة. أي الكتاب المقدس، وفيها فكر الله وإرادته في كل شيء مفصلاً وموضحاً. إن
سلطان الله معبر لنا عنه بتفصيل مبسط في الكلمة المكتوبة وعلينا ومن حقنا أن نتبع
هذه الكلمة الموحى بها ذات السلطان وأن نعمل بمبادئها ووصاياها. “هكذا قال
الرب” هذا هو السلطان الإلهي في كنيسة الله الحي الذي تركن إليه الجماعة
باستخدام كلمة الله الحي وبإرشاد الروح القدس لحسم كل إشكال ولحل كل معضلة ولإجراء
أي عمل.

 

 وفي
هذه الأيام التي وضعت فيها قوانين الإيمان والأحكام والقرارات والقواعد الكنسية
فإنه من الضروري أن ننبّر على حقيقة أن الأسفار المقدسة – كلمة الله – فيها كل
الكفاية لإرشاد الجماعة وهي الحجة والمرجع الوحيد للسلطان في الكنيسة. ومتى كانت
لنا كلمة الله الموحى بها التي تتضمن تعليماً متكاملاً لفكر الله وطريقه لإرشاد
شعبه فماذا يعوزنا بعد لهذه القوانين والأحكام؟ هل تستطيع لغة الناس أن تقرر الحق
بأكثر وضوح من لغة الله؟ كلا بكل تأكيد. فليس أقل من الكتاب كله يكفينا ويرضينا،
وليس أيضاً أكثر من الكتاب يلزمنا. كذلك نحن لنا الروح القدس منشئ هذه الكلمة،
حاضر وسطنا ومعنا ليفسر لنا المكتوب وليرشدنا طريق تطبيقها الصحيح على مشاكلنا
وحالتنا.

 

 ونتعلم
من متى 18: 17 – 20 أن الرب أعطى السلطان أيضاً للكنيسة المجتمعة باسمه لتمارس
الأحكام التأديبية ولأن تحل وتربط مع ضمان مصادقة السماء على ما يحلونه أو يربطونه
“الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وأقول لكم
أيضاً إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قبل أبي
الذي في السماوات لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهنالك أكون في
وسطهم”.

 

 فحيثما
يكون المؤمنون يكون الرب في وسطهم ويعطي سلطانه حتى لاثنين أو لثلاثة مجتمعين
لاسمه. وتصرفاتهم بحسب المقتضى تكون مربوطة في السماء إذا كانت للربط على الأرض،
ومحلولة في السماء إذا كانت للحل على الأرض. كيفما كان الحال ووفقاً للقضية التي
عالجوها. إنهم أصحاب سلطان وهو سلطان معطى من الرب ليمارس لأجل الرب وباسم الرب
على الأرض. وكما قال واحد [ما هي قوة ومصدر السلطان في التأديب الكنسي؟ إن القوة
والمصدر هما في حضور الرب يسوع، فليس التأديب مجرد عمل جماعي بموجبه يستبعد عضو من
شركة الجماعة بل هو عمل صادر عن جماعة تجتمع بحسب مبادئ الله وتجتمع باسم الرب
يسوع وباسمه تتصرف وتحكم بسلطانه لكي تراعي القداسة التي تليق بهذا الاسم. إن وزن
أي تصرف أو حكم كنسي لا يستمد من رأي فرد واحد أو عدة أفراد من الأعضاء المجتمعين
بل يستمد من حضور الرب في وسطهم عندما يجتمعون معاً].

 

لا
سلطان مطلق

 ومع
ذلك فالكنيسة ليست معصومة من الخطأ فهي معرضة أن تخطئ في أحكامها وفي تصرفاتها.
إنها إذاً حولت نظرها عن الرب فهي عرضة لأن تتصرف بالجسد وليس بالروح وبذلك تخطئ
فكر الرب الموجود في وسطها. لهذا فمن اللازم أن تراجع الكنيسة أحكامها باستمرار في
ضوء كلمته. فإن الرب لم يعط الكنيسة سلطاناً مطلقاً بدون قيد أو شرط لتتصرف
بالاستقلال عنه أو بالاستقلال عن كلمته التي تعبر عن إرادته، وعلى ذلك فالوعد هنا
مشروط. فعندما تتطلع الجماعة إليه وتنتظره خاضعة لحكمه، وبالروح القدس تطيع فكره
المعلن في كلمته المكتوبة والتي تلقي بضوئها على الأشخاص وعلى الأحداث، فإن الرب
الحاضر في وسطهم سوف يعلن قوة سلطانه ويدرب الودعاء في الحكم ويعلم الودعاء طرقه
(مز 25: 9).

 

 وكلمات
وليم كلي في هذا الخصوص في غاية المناسبة، قال [يدّعي البعض بأن لهم سلطاناً
مطلقاً كما يدعون العصمة من الخطأ ولكن حيثما يوجد اختلاف بين الأمناء فمن العبث
الادعاء بأن هناك إتفاقاً في الحكم بقوة الروح القدس. والرسول ينفي ما يدعيه بابا
روما في السلطان المطلق والعصمة. والنتيجة عاجلاً أو آجلاً هي حدوث الخراب وليس
البنيان. إن هذا ليس فكر المسيح بل فكر الإنسان التائه في ضلاله إن لم نقل الغارق
في ادعائه].

 

 [وسواء
كان هذا الفكر هو فكر الفرد أو فكر الكنيسة فإنه فكر خيالي وإدعاء هدّام لمجد الرب.
فالوعد مقيد بشروط بكل صراحة ووضوح. إنه وعد غير مطلق. وكل فشل حصل وكل خراب دب،
إنما حصل ودب عندما كسر الشرط، وبأمانة شديدة فإن الرب لا يمنح مصادقته. ولو كان
الوعد غير مشروط لوجب أن تكون هناك عصمة، وهذه العصمة غير متوفرة حتى في الرسول،
وإنما هي من صفات الله وحده. لكنه “يدرب الودعاء في الحق…ويعلم الودعاء
طرقه”، وهذا يتحقق في الكنيسة عندما يضمن حضوره ويخضع لإرشاده ومبادئه. صحيح
قد لا يكون هناك شيء أصعب من تمييز فكر الرب وسط أفكار تتضارب وإرادات تتصادم بشكل
طبيعي. لكن الرب هناك في الوسط ليظهر إرادته الصالحة إذا ما تطلعت الجماعة إليه في
خضوع بالروح القدس للكلمة المكتوبة التي تلقي بضوئها على الأحداث والأشخاص مقنعة
إياهم (جميعهم) بأن يتصرفوا برأي واحد لا عن اضطرار ولا عن خديعة بل بخوف الله
وحتى يظهر المقاومون المعاندون سواء كانوا كثيرين أو قليلين].

 

 [أما
اعتبار أي حكم كأنه نهائي لأنه صادر عن رأي الأغلبية أو حتى لأنه صادر بإجماع
الكنيسة كلها، ولكنه يخالف الحقائق التي تؤكد حق وبر صاحبها، فمثل هذا الحكم يتصف
بالتعصب، لا أقول فقط أنه غير منطقي، بل إنه مقاومة شريرة لله. وفي مثل هذه الحالة
فالتذلل مطلوب. وكنيسة كهذه تحتاج أن تتذلل كثيراً وتحكم على نفسها فقد تسرعت
وأخطأت مدعية بأنها عرفت فكر الرب. والحقيقة أنها وقعت إما تحت تأثير قادتها
المغرضين، أو بسبب ضعف الجماعة التي فضلت الهدوء العام فسبحت مع التيار مهما كانت
النتيجة، أو للسببين معاً أو لأسباب أخرى أيضاً، فإن الطريق الوحيد الذي يسر الرب
تماماً أنه متى عرف الخطأ وتم الاعتراف به وإدانته علناً كما جرى علناً، فإنه من
الواجب عليه وعلى الكنيسة وكذلك للأفراد وللجماعة أنها تهتم بسرعة جداً ولا تتأخر
في الأمر. إن حفظ مظاهر الاحترام للناس، مهما كانوا ذوي اعتبار، الذين أخطأوا أو
ضللوا، وتقدم لهم كلمات ذات تقدير عالي أو كلمات غامضة لإخفاء ما يدلل على فشلهم
في البر، فهذا لا يليق بالمسيح أو بخدامه. فلم يكن الرسول هكذا، بل في بداية
رسالته الثانية إلى كورنثوس لم يدعي السيادة على إيمان القديسين وفي النهاية يبرهن
على رغبته المخلصة لكي يتجنب قدر الإمكان أن يتعامل بصرامة مع الذين يخطئون لكي لا
يستخدم السلطان المعطى له للبنيان لا للهدم]

 

(شرح
الرسالة الثانية إلى كورنثوس صفحة 245 – 247)

 والآن
نترك موضوع التأديب الكنسي والحل والربط حيث أن هذا كله سنعود إليه عندما نتكلم عن
موضوع التأديب في الكنيسة.

 

سبعة
أشياء ثمينة

 إلا
أننا نضع أمام القارئ ملحوظة ختامية تتعلق بهذه العبارة الكريمة الثمينة الواردة
في متى 18: 20 التي كنا نتأملها قبلاً فهذا الوعد الذهبي هو وعد كامل وقيل إنها
سباعية كنسيج إلهي متكامل هكذا:

 (1)
حيثما المكان الإلهي

 (2)
جُمَع القوة الإلهية (أي جُمَع بقوة الروح)

 (3)
اثنان أو ثلاث العدد الإلهي

 (4)
معاً (وهي مُقدّره في كلمة جُمِع) الوحدانية الإلهية

 (5)
إلى اسمي الاسم الإلهي ومركز الإجتماع

 (6)
هناك أكون الأقنوم الإلهي وحضوره

 (7)
في وسطهم المركز الإلهي

 ليت
قلوبنا تمتلئ إلى كل ملء البركة الكفاية لهذا الوعد والعظيم في بساطته والثمين
أيضاً الذي نطق به مخلصنا الرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار