المسيحية

خاتمة



خاتمة

خاتمة

عندما
كان باب الاجتهاد مفتوحاً للمسلمين في صدر الاسلام، شكك جماعةٌ من الخوارج
والمعتزلة في كون القرآن كُتب في لوح محفوظ منذ الازل وقبل ان يخلق الله الارض
والسماء، وقالوا ان القرآن مخلوق. ولو كان صحيحاً أن القرأن مكتوب في لوح محفوظ
لنزلت أياته بدون الحاجة الى مناسبات بعينها لإنزال الايات. ولكن الذي حدث ان اغلب
الايات، باستثاء القصص، نزلت في مناسبات معينة أو عندما سأل الناس النبي اسئلة
معينة. وبعض المناسبات التي نزلت بها آيات ما كانت تستدعي نزول آيات، فمثلاً:

 

لما
عادت حفصة بنت عمر، أحدى زوجات النبي، من زيارة أبيها ووجدت النبي مع مارية
القبطية في سريرها، بكت، فخرج النبي يتصبب عرقاً، وأقسم لها أنه سيحرّم على نفسه
مارية القبطية وطلب من حفصة ألا تخبر أحداً بما حدث. وكما نتوقع، لم تستطع حفصة
كتمان الخبر، فأخبرت عائشة بما حدث. ولما علم النبي بذلك ثارت ثائرته وأعتزل
نساءه. فأنزل الله: ” وإذ أسر النبي الى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به
وأظهره ألله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال
نبأني العليم الخبير، إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله
هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرُ”

 

 وهذه
واقعة أُسرية تخص محمد وزوجاته فقط، وليس لبقية المسلمين دخل بما حدث بين محمد
وازواجه، فلماذا، يا تُرى، اضطر الله ان ينزل آياتٍ بسببها. فاذا كان القرآن
مكتوباً منذ الازل في اللوح المحفوظ وعلم الله ان محمداً سوف يُضاجع مارية القبطية
في بيت حفصة، أما كان من الممكن تفادي ما حدث قبل أن يحدث؟ ثم لماذا كل هذا العدد
الهائل من النصراء لمحمد ضد عائشة وحفصة؟ فإن لم يتوبا فسيكون الله وجبريل
والملائكة وصالح المسلمين عوناً له ضدهما.

 

وحادثة
الافك، لما اصطحب الرسول زوجته عائشة في إحدى غزواته وقد عسكر الجيش في مكانٍ ما،
ولما هموا بالرحيل رفع بعض الرجال هودج عائشة على الجمل، ظناً منهم أن عائشة به،
وعائشة كانت قد خرجت للخلاء لقضاء حاجتها، فرحلوا من دونها. فلما رجعت عائشة
للمعسكر لم تجدهم فجلست مكانها حتى أتى عليها رجل يدعى صفوان بن المعطل السلمي،
فحملها على بعيره حتى لحق بها الركب، فتهامس الناس أن عائشة وصفوان خانا الرسول مع
بعضهما. فغضب الرسول ولم يكلم عائشة لمدة شهر أو أطول من ذلك فنزلت: ” إن
الذين جاءوا بالافك منكم عُصبة..”، فقال الرسول إن الله برأ عائشة وأمر النبي
بجلد حسان بن ثابت وحمنة أخت زينب بنت جحش ومسطح بن أثاثة. وهذه كذلك كانت مسألة
شخصية تخص محمداً وعائشة ولا منفعة لعامة المسلمين من الذي حدث. ونسأل مرة أخرى:
لو علم الله مسبقاً بأن عائشة سوف تتخلف عن الركب ويحدث ما حدث، أما كان الاجدر ان
ينبه محمداً الى ان عائشة ليست بهودجها وليرسل وراءها من يُحضرها قبل ان يتحرك
الركب؟

 

والمعتزلة
الذين قالوا ان القرآن مخلوق، كانت حجتهم ان جزءاً لا يستهان به من ألآيات نزل
بإيعاز من الصحابة وخاصة عمر بن الخطاب. وهناك فصل في كتاب ” الاتقان ”
للسيوطي يتكلم عن الآيات التي أُنزلت بإيعاز من الصحابة. ويقول مجاهد بن جبر، أحد
العلماء المتشددين، يقول: ان عمر بن الخطاب كان يأتي برأي ثم ينزل القرآن بما قال.
وعمر نفسه قال ان هناك أربع آيات نزلت بالرأي الذي أبداه. فيحدثنا يونس بن حبيب،
حدثه أبو داود، حدثه حماد بن سلمى حدثه علي بن يزيد عن أنس قال: قال عمر رضي الله
عنه: وافقت ربي في أربعٍ. فقد نزلت هذه الآية: ” ولقد خلقنا ألانسان من سلالة
من طين” فقلت أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين. فنزلت ألآية: ” فتبارك
الله أحسن الخالقين”. وواضح ان هذه الاضافة ليس لها معنى مفيد، اذ ان هناك
خالقٌ واحدٌ فقط هو الله، فكيف يكون الله احسن الخالقين وليس هناك خالقون غيره؟

 

ولما
وجدت حفصة الرسول مع مارية القبطية وأخبرت عائشة بذلك، غضب عليهن الرسول واعتزل
جميع نسائه، فدخل عليه عمر ووجده مغتماً فقال له: يا رسول الله ما يشق عليك من أمر
النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وأنا وابو بكر والمؤمنون معك. فتبسم
الرسول ونزلت الآية: ” عسى ربه إن طلقكن أن يُبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات
مؤمنات قانتات تآئبات عابدات سائحات ثيب وابكاراً”. فقال عمر: أحمد الله، قلّ
ما تكلمت بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي.

 

ويحدث
مجاهد عن عائشة قالت: كنت آكل مع النبي (ص) حيساً في قعب (وعاء) فمر عمر فدعاه
فأكل معنا، فأصاب أصبعه أصبعي فقال: لو تأمر نساءك يتحجبن ولا يكلمن الرجال الا من
وراء حجاب. فنزلت الآية: ” يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن
يُوذن لكم الى طعام غير ناظرين إناءه ولكن إذا دُعيتم فأدخلوا فإذا طعمتم فأنتشروا
ولا مستأنسين لحديثٍ إن ذلكم كان يُؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق
وإذا سألتموهن فأسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم”.

 

وقد
سبق أن ذكرنا انه بعد موقعة بدر لما سأل النبي اصحابه ماذا يفعل بالاسرى، وقال له
عمر: نقتلهم، ونصح ابو بكر بقبول الفداء، وأخذ الرسول برأي أبي بكر فنزلت الآية:
” ما كان لنبي ان يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض” مؤيدة لما قال عمر.

 

ويقول
الامام الرازي في تفسيره: مر النبي – ص- بالمقام ومعه عمر فقال يا رسول الله: أليس
هذا مقام أبينا ابراهيم؟ قال: بلى، قال أفلا نتخذه مصلى؟ قال: لم أُمر بذلك فلم
تغب الشمس من يومهم حتى نزلت ألآية ” وأتخذوا من مقام إبراهيم مصلى”.

 

وأخرج
أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن يهودياً لقي
عمر فقال: إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا. فقال عمر: من كان عدواً لله
وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين. فنزلت ألآية الثامنة
والتسعون من سورة البقرة مطابقة لما قال عمر.

 

وروي
من حديث عُقبة بن عامر وأبي هريرة عن النبي – ص- أنه قال: لو كان بعدي نبي لكان
عمر.

 

وحتى
اقرب الاقربين الى محمد كان يساورهم الشك في نزول بعض آيات القرأن، فمثلاً لما
عرضت إحدى النساء نفسها على النبي بعد الهجرة وقبلها النبي، قالت له عائشة: ألا
تستحي المرأة تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله: ” تُرجي من تشاء منهن وتُؤوي
إليك من تشاء”. فقالت له عائشة: إني أرى ربك يُسارع لك في هواك.

 

ورغم
أن الاسلام يقول المسلمين سواسية كأسنان المشط، نجد أن معاملة الرسول لأهل بيته
ولبني هاشم تختلف عن معاملته لبقية المسلمين، وهذا لا يجوز ان يحدث من نبي ارسله
الله لكافة البشر، فيجب عليه ان يعامل الناس معاملة متساوية، ولكن هذا لم يحدث، فقد
قال ابن اسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن عبد الله بن
عباس، أن النبي قال لأصحابه يوم وقعة بدر: ” إني قد عرفت أن رجالاً من بني
هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني
هاشم فلا يقتله، ومن لقي ابا البختري بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد
المطلب (عم رسول الله) فلا يقتله، فإنه إنما أُخرج مستكرهاً “. فقال ابو
حذيفة بن عُتبة بن ربيعة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن
لقيته لألحمنه بالسيف. فبلغ ذلك رسول الله فقال لعمر: ” يا أبا حفص، أيُضرب
وجه عم رسول الله بالسيف”. فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه (يعني
ابا حذيفة) بالسيف فوالله لقد نافق.

 

وبعد
المعركة كان في الاسرى أبو العاص بن الربيع بن عبد العُزى بن عبد شمس، زوج زينب
بنت الرسول، ولم يكن قد أسلم بعد. وكان الذي أسره خراش بن الصّمة. فلما بعث أهل
مكة المال في فداء اسراهم، بعثت زينب (وكانت بعدها في مكة لم تهاجر الى المدينة)
في فداء أبي العاص بمالٍ وبعثت فيه قلادة كانت خديجة قد أدخلتها بها على أبي
العاص. فلما رأى الرسول القلادة رق لها رقةً شديدة وقال: ” إن رأيتم ان تُطلقوا
لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فأفعلوا”. فأطلقوا أبا العاص وردوا لها
الذي لها، ولكن لم يردوا لبقية أهل مكة مالهم.

 

وكانت
زينب يومها في مكة وزوجها ابو العاص كافر، ولم يسلم حتى عام ثمانية للهجرة. وهذا
يعنى انها ظلت متزوجة من كافر مدة تزيد عن العشرين سنة (ثلاثة عشر سنة التي قضاها
الرسول في مكة قبل الهجرة) وثماني سنوات بعد أن هاجر النبي الى المدينة. فهي إن
كانت قد أسلمت مع أمها خديجة، فقد ظلت متزوجة من كافر كل هذه السنين رغم تحريم هذا
النوع من الزواج، او انها لم تسلم حتى هاجرت الى المدينة بعد عامين من هجرة الرسول
اليها.

 

وقبيل
فتح مكة في عام ثمانية للهجرة، خرج ابو العاص (زوج زينب) في تجارةٍ فلما قفل من
الشام، لقيته سرية من المسلمين فأخذوا ماله لكنه هرب منهم والتجأ الى زينب بنت
الرسول في المدينة. فأجارته زينب وصاحت في المسجد بعد صلاة الصبح: أيها الناس أجرت
أبا العاص بن الربيع. فحث رسول الله المسلمين على رد ماله له، ففعلوا. وذهب الرسول
الى زينب وقال لها: ” أي بُنية أكرمي مثواه ولا يخلص اليك فانك لا تحلين
له”. وقد رأينا أنها حلت له ما يقارب العشرين عاماً. وعندما اسلم ابو العاص
في نفس العام رد عليه رسول الله زينب على النكاح الاول ولم يُحدث شيئاً. وهذا يعني
انها لم تكن تطلقت منه اصلاً والا لكانت تحتاج الى عقد زواج جديد.

 

وقالوا
أن الرسول منع علي بن أبي طالب من ان يتزوج على فاطمة بنت الرسول وقال: ”
فاطمة بضعةٌ مني، يُريبني ما يُريبها ويُؤذيني ما أذاها”. فلم يتزوج عليها
عليّ حتى مات الرسول. فإذا كان زواج أكثر من واحدة يؤذي الزوجة الاولى، لماذا سمح
الاسلام للمسلمين بزواج اربعة ازواج؟

 

كل
هذه الاشياء مجتمعة جعلت المسلمين الاوائل يُشككون في الاسلام وودوا ان يرتدوا
ولكنهم خافوا أن يحاربهم النبي كما حارب المشركين. وبعد موته مباشرة ارتدت أعداد
هائلة منهم ولكن ابو بكر شن عليهم حروب الردة وأرجعهم للاسلام بالقوة. ولذلك يرى
أُناس كثير ان الاسلام انتشر بحد السيف ولا خيار فيه للمرء. كل من ترك الاسلام فهو
مرتد ويُقطع رأسه.

 

والمسلمون
طبعاً يقولون ان القرآن غير قابل للتغير او المحاكاة
Inimitable. وكذلك قال المسيحيون عن الانجيل في القرون الماضية، وقالوا انه
غير قابل للخطأ
Inerrant وقد قال جون وليام بيرغن John William Burgeon
قبل اكثر من مائة عام: ” ألانجيل ليس الا صوت الأله الذي يجلس على العرش. كل
كتاب منه، وكل سورة، وكل آية، وكل كلمة، وكل حرف هو صوت ألإله “. ولكن بمرور
الزمن ومع اغتناء الغربيين حرياتهم المطلقة التي سمحت لهم بإنتقاد كل شئ، بما في
ذلك الدين، لم يعد هناك من يصدق ما قاله جون بيرغن.

 

أما
في الاسلام فالتزمت والتعصب لا يسمح لأحد بنقد الخلفاء الراشدين، دع عنك الرسول او
القرآن. وعندما قال الكاتب والاستاذ الجامعي المصري نصر ابو زيد يجب ان يخضع
القرآن لدراسات علمية، إتهموه بالزندقة وحكموا عليه ان يُطلّق زوجته. وعندما هرب
من مصر، ابتهج الشيخ يوسف البدري الذي قاد الحملة ضده وكتب: نحن لسنا إرهابيين، لم
نستعمل رصاص او بنادق لنوقف عدو الاسلام أبو زيد من الاستهزاء بالاسلام. لن يتجرأ
أحد بعد اليوم على ألاساءة الى الاسلام.

 

وفي
عام 1992 أُقتيل الصحفي المصري فراج عودة لكتاباته ضد الاخوان المسلمين. وفي عام
1994 طُعن الكاتب نجيب محفوظ لانه كتب ” أطفال ٌقبلاوي” وفيه نقد غير
مباشر للاسلام. وحتى طه حسين اعتبروه مرتداً لان كتاباته فيها تشكيك في بعض
المعتقدات الاسلامية. وقصة سلمان رشدي وفتوة الخميني ضده ليست بعيدة عن الاذهان.

كل
هذا حمل المستشرق وليام ميور
William
Muir
ان يكتب عن المسلمين
والقرآن: أنهم أشد اعداء الحضارة، والحرية والحقيقة التي عرفها عالم اليوم.

 

والاسلام
لا يعرف التسامح مع الديانات الاخرى. فبمجرد أن نزلت ألآية 29 من سورة التوبة:
” قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحّرمون ما حرم الله
ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اُوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم
صاغرون”. حتى سمى المسلمون كل اليهود والنصارى والصابئيين الذين قال عنهم
القرآن ” لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، ذميين وطلبوا منهم الجزية، التي
يجب أن تُدفع وهم صاغرون.

 

وقد
قالوا ” صاغرون” يعني ذليلون حقيرون مهانون، فاذا لا يجوز اعزاز أهل الذمة
ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء. ولذا اشترط عليهم أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم.

 

وقد
كتب عبد الرحمن بن غنم ألاشعري كتاباً الى عمر بن الخطاب حينما صالح نصارى من أهل
الشام: ” بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من
نصارى مدينة كذا وكذا: إنكم لما قدمتم علينا سألناكم ألامان لأنفسنا وذرارينا
وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها
ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها ولا نُحيي منها ما
كان خططاً للمسلمين وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليلٍ ولا
نهار وأن نوسع أبوابها للمارة وأبن السبيل وأن ننزل من رأينا من المسلمين ثلاثة
أيام نطعمهم ولا نئوي كنائسنا ولا منازلنا جاسوساً ولا نكتم غشاً للمسلمين ولا
نُعلّم أولادنا القرآن ولا نُظهر شركاً ولا ندعوا اليه أحداً ولا نمنع أحداً من
ذوي قرابتنا الدخول في الاسلام إن أرادوه وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من
مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبه بهم في شئ من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا
نعلين ولا فرق شعر ولا نتكلم بكلامهم ولا نكتب بكتابهم ولا نركب السروج ولا نتقلد
السيوف ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا
نبيع الخمور وأن نجز مقاديم رءوسنا وأن نلزم زيناً حيثما كنا وأن نشد الزنانير على
أوساطنا وان لا نُظهر الصليب على كنائسنا وأن لا نُظهر صلبنا ولا كتبنا في شئ من
طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفيفاً وأن لا
نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا ولا نخرج شعانين ولا بعوثاً ولا نرفع أصواتنا في
موتانا ولا نُظهر النيران معهم في شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم ولا نجاورهم
بموتانا ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ولا نطلع عليهم في
منازلهم”.

وكأن
كل هذا التحقير للذميين حتى بعد أن يموتوا لا يكفي، فعندما أتى الكتاب الى عمر بن
الخطاب أضاف عليه: ” ولا نضرب أحداً من المسلمين شرطنا لكم ذلك على أنفسنا
وأهل ملتنا وقبلنا عليه ألامان فإن نحن خالفنا في شئ مما شرطناه لكم ووظفنا على
أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يُحل من أهل المعاندة والشقاق”.

 

 والرجل
الغير مسلم، أي الذمي، لا تُقبل شهادته في المحاكم الاسلامية اذ انه لا يحلف على
المصحف، ومن لا يحلف على المصحف لا تقبل شهادته. ويقول احمد بن نقيب المصري:
” الشهادة القانونية تقبل فقط من رجل مؤمن، فعدم الايمان أسوأ انواع
الفساد”.

 

والانسان
الغير مسلم لا يسمح له بممارسة العبادة بحرية في بلاد كالسعودية وايران والكويت،
ولا يسمح للمسيحيين ببناء كنائس في هذه البلاد لاعتماد اهل هذه البلاد على حديث
ينسب للرسول يقول: ” لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”. ولكن نفس هولاء
المسلمين يشترون احسن الاراضي في أوربا وامريكا لبناء المساجد، وعندما بنى الملك
فهد بن عبد العزيز آل سعود مسجداً ضخماً في روما، هللت الصحف المسلمة بالحدث.

 

وهذا
هو الامير سلطان بن عبد العزيز يقول عندما سُئل عن وجود كنائس في المملكة مع كثرة
وجود الجنود الاميريكان بها: ” من قال هذا الكلام هم أهل الكنائس، ونحن نقول
أن وجود كنائس في السعودية لا صحة له سابقاً أو حالياً أو لاحقاً”.

 

ونفس
هذه الروح بعدم التسامح مع الاديان الاخرى تنطبق على عدم التسامح او الاعتراف
بحقوق الانسان المتعارف عليها في الاتفاقيات الدولية. فهاهو سيد رجاء خراساني،
الممثل الدائم لجمهورية ايران الاسلامية لدى الامم المتحدة، يعلن: ” نفس
مفهوم حقوق الانسان مفهوم مسيحي يهودي لا يُسمح به في الاسلام.. وكما قال آيات
الله خمينى انه من اكبر الكبائر ان ايران كانت من أولى الدول التي اجازت وثيقة
حقوق الانسان بالامم المتحدة تحت حكم الشاه”.

 

والاسلام
لا يتسامح حتى مع الاقليات المسلمة في البلاد الاسلامية، فمثلاً في مدينة مزاري
الشريف في افغانستان في أغسطس عام 1998 قال المولى مانون نيازي عن قبيلة الحزارة
الشيعية: ” الحزارة غير مسلمين، يمكنكم قتلهم، فدمهم مباح ولا يمثل قتلهم
جريمة”. وقد قتلت حركة الطلبان اعداداً هائلة من الحزارة. وفي المملكة
العربية السعودية لا يعترف الوهابيون بالشيعة ويعتبرونهم كفاراً. فهذا هو الشيخ
علي خرسان من مؤسسة الدعوة، ومن الداعين للوهابية يقول عن الشيعة: ” هولاء
الناس كفار لانهم لا يتّبعون السنة المحمدية، ويدعّون ان القرآن غير كامل ويكرهون
السنيين”.

 

وزعماء
المسلمين يعتبرون ان الاسلام ” دينٌ ودولة” وهو كامل لا يحتاج الى
قوانين وضعية من صنع الانسان. وحتى الاصلاحيين من علماء المسلمين مثل العالم
المصري محمد عبده (1849-1905)، يقولون ان الشورى الاسلامية هي بمثابة البرلمان في
الدول الغربية، واجماع العلماء المسلمين بمثابة الراي العام.

 

والاستاذ
محمد عبده كان يعلم ان مجالس الشورى المنتشرة في البلاد العربية ليست الا تمويه
للحقيقة. فلم تكن هذه المجالس منتخبة انتخاباً حراً كالذي يحدث في البلدان
اليمقراطية. وحتى لو تم انتخاب مثل هذه المجالس انتخاباً حراً، فالقانون في اي
دولة اسلامية يجب ان ينبع من الشريعة ” ومن لم يحكم بما انزل الله فقد ضل
ضلالاً بعيدا”. وفي اعتقادي ان الذي اتاح لامريكا ان تصبح اعظم دولة في
العالم، بعد ان كانت مستعمرة انجليزية، في ظرف مائتين وخمسين عاما، ان مؤسس
الدولة، توماس جيفرسون قال عندما طرد الانجليز: ” يجب ان يكون هناك حائطٌ بين
الدولة والكنيسة”.

 

وعلى
النقيض من هذا القول، نجد تلميذ المفكر محمد عبده، محمد رشيد رضا (1865-1935)
يقول: ” يجب ان تخضع كل أمور الدولة المسلمة الى دستور مستمد من القرآن
والحديث واقوال وافعال الخلفاء الراشدين”. والصحفي التونسي محمد الهاشمي حمدي
كذلك يقول: ” جوهر الامر انه ليست هناك اي دولة مسلمة يمكن ان تكون سلطتها
شرعية في نظر مواطنيها اذا لم تتبع هذه الدولة تعاليم الشريعة الاسلامية”.

 

والمفكر
المصري سيد قطب، احد مؤسسى جماعة الاخوان المسلمين في مصر، قال: ” الله، وليس
الانسان، هو الذي يحكم. الله هو مصدر كل السلطة، بما فيها السلطة السياسية.
والفضيلة، وليست الحرية، هي اقيم المثُل الانسانية. ولذا يجب ان يكون قانون الله،
وليس قانون الانسان الوضعي، هو الذي يحكم أي مجتمع”.

 

وهذا
هو الامام الخميني يتباكي على عجز علماء المسلمين عن تطبيق الشريعة، فيقول: ”
ما فائدة علماء المسلمين عندما يفتون بقطع يد السارق او رجم الزاني والزانية، وليس
في ايديهم السلطة لتطبيق هذه الاحكام؟” أما الشيخ المصري محمد الغزالي (1917-
1966) فقد قال في فتوة مشهورة: ” ان الذين يدعون الى فصل الدين من الدولة فهم
مرتدون، وليس في الاسلام عقاب لمن يقتل هولاء المرتدين”.

 

وهذا
هو عباس الفاس، الامين العام لحزب الاستقلال المغربي المشارك في الحكومة، يقول في
لقاء صحفي: ” الشعب المغربي لا يرغب ولا يفكر اليوم في فصل الدين عن الدولة،
فالمغرب بلد اسلامي اراد الاسلام وقبل به كدين ودولة، اسلام مبني على الانفتاح
والتسامح والتضامن والعدل ومحاربة الظلم”. كلام جميل ولا شك ولكن من أين
سيأتي الشعب المغربي بهذا الاسلام المبني على التسامح والانفتاح ومحاربة الظلم.
وعدم التسامح في الاسلام هو الذي يقودنا للارتداد.

 

لم
يذكر القرآن ولو مرة واحدة ان المرتد عقابه القتل، ولم يرتد أحد في حياة النبي،
لنعلم منه حكم السنة في الارتداد، الا كاتب الوحي عبد الله بن سعد بن ابي سرح،
وكان من ضمن الذين أمر الرسول بقتلهم حينما فتح مكة، لكن عبد الله هذا أستأمن
بعثمان بن عفان فعفا عنه الرسول. والقران يخبرنا صراحة في سورة البقرة ألآية 217:
” ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت اعمالهم في الدنيا
والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”. فالله هنا لم يقل أقتلوا من
أرتد. وكذلك في سورة المائدة الآية 54: ” يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم
عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع
عليم”.

 

ولكن
لان علماء المسلمين جعلوا الخلفاء كالنبي، معصومين عن الخطأ، اصبح ما فعله ابو بكر
حكماً شرعياً.

 

وحكم
الارتداد في الاسلام لا يتطلب ان يقف الشخص في مكان عام ويقول اني قد ارتديت عن
الاسلام. يكفي ان تقول اي شئ يُعتبر اهانة للرسول او احد زوجاته او احد الخلفاء
الراشدين. فكم من صحفي مسلم يقبع في السجون الآن في البلاد العربية، وكم من صحيفة
صودرت ومُنعت من النشر لان احد المحررين كتب شيئاً يُعتبر غير لائق بالذات العليا،
كما حدث في الاردن مع مجلة الهلال التي نشرت مقال اعتبره المتزمتون اساءةً لاحد
زوجات الرسول، وفي بيروت مع صحيفة النهار عندما نشرت ” رسالة الى الله”.
وأما في السودان فقد شُنق الكاتب محمود محمد طه لان كتاباته أعتبرت ارتداداً عن
الاسلام.

 

وحتى
غير المسلمين لا يسلمون من هذه الاحكام التعسفية، فمثلاً أيوب مسيح، وهو مسيحي
باكستاني، اتهمه احد المسلمين بانه قال كل مسلم يجب ان يقرأ كتاب سلمان رشدي
” آيات شيطانية”. هذا ألايوب محكوم عليه بالاعدام لانه اساء للاسلام
بطريقة غير مباشرة، رغم انه انكر انه قال تلك الجملة. ولكن شهادة الذمي لا تُقبل،
ولذا وجدت المحكمة ان التهمة ثابتة عليه. وحتى في مصر التي تُعتبر من اكثر البلاد
المسلمة انفتاحاً، حكمت محكمة سوهاج على سوريال قايد اسحاق، وهو قبطي، بالحكم
ثلاثة سنوات في يوليو عام 2000 لانه اساء للاسلام.

 

فهل
بعد كل هذا يتجرأ شيوخ الاسلام ويكتبون ان الاسلام دين سلام وتسامح وعدل؟ وهل سيجد
شعب المغرب الدين الاسلامي المتسامح الذي قال امين عام حزب الاستقلال المغربي انهم
قبلوا به ديناً ودولة، وكأنه استفتأ الشعب المغربي في هذا الامر واخبره الشعب ان
هذا هو مطلبهم. ولكن المأساة انه في كل البلاد الاسلامية والعربية يزعم كل شيخ وكل
حاكم انه أعلم بخبايا نفوس الشعب وانه أحرص على ادخالهم الجنة اكثر من حرصهم هم
انفسهم على دخول الجنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار