مقالات

جوهر الإيمان المسيحي الحي وكيف نعيشه

جوهر الإيمان المسيحي ينبض بقوة حياة تستطيع أن ترفع الإنسان لحضن الله بسهولة، هذا أن وعاه الإنسان وعاش به كما هو وببساطة الأطفال محباً لله القدوس الذي هو مصدر وجوده وحياته …

فجوهر الإيمان يقوم على أن العداوة التي نشأت بسبب التعدي وسقوط الإنسان بحريته مختطفاً قضية الموت لنفسه، قد أبطلها الله بالمصالحة بينه هو الثالوث القدوس، ثالوث المحبة، وبين الإنسان الساقط تحت سلطان الخطية والموت: [ الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة ] (2كورنثوس 5: 18)، [ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني (فكني، حررني) من ناموس الخطية والموت ] (رومية 8: 2)

هذه المصالحة في الإيمان المسيحي النابض بالحياة، لا يمكن أن تتم إطلاقاً عن طرق ملائكة أو رؤساء آباء ولا أنبياء عظام، بل فقط عن طريق الثالوث المحبة خالق الكل، ففداء البشرية واتحادها بالله تممها الله بمحبته وبنفسه، لأن صورة الله ومثاله التي فقدها وشوهها الإنسان بسقوطه ليس باستطاعة الإنسان إعادتها بكامل عملها إلا إذا كان هذا الإنسان إلهاً !!!
لأن من يقدر أن يعيد صورة الله في داخل نفسه إلا لو كان له القدرة على الخلق أو التجديد، وهذا يستحيل على البشرية ككل !!!
فالإله المتجسد شخص يسوع المسيح، هو وحده فقط بصفه أن به كان كل شيء فهو القادر أن يَرُد ويُعيد إلى جنسنا الساقط صورته الإلهية الأولى الذي شوهناها، ويُعيد مثاله المفقود في داخلنا ويجعلنا واحداً معه …
لذلك في قانون الإيمان الحي نعترف بالرب المسيح أنه هو [ مولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر ]

مشكلة الإنسان اليوم، أنه يُريد أن يعيش بعقله الهابط روحياً والمضغوط بقوى فلسفية ونفسيه، ومقيد بعجزه وضعفه الذي يعاني منه ويشعر انه مُعاق عن الوصول للحياة مع الله، ولا يستطيع أن يتذوق حرية الابن الحقيقي لله، بل حينما يحاول أن يدخل في علاقة مع الله يضع بنودها في حدود حريته المُقيدة تحت جهاده الشخصي وقدراته الخاصة، وأن تقدم قليلاً في الطريق الروحاني بشق الأنفس، يقدم لله عبادة في حدود الجسد، فهو يعطي العشور وينفذ الصلوات بقدر الإمكان ويخدم في الكنيسة … الخ … لكي في النهاية يصل لإرضاء الله الذي يظن أن هذه هي الطريقة التي تُرضي الله وتريح قلبه من ثقل إحساسه بالخطية، وخوفه من عقاب الله في النهاية، هذا العقاب – حسب ظنه – هو الذي يتذوق منه في حياته اليومية بآلامه ومعاناته مع الدنيا وما فيها !!!

للأسف الكثيرين اليوم لا يعون ولا يدركون عمل المسيح الرب في عمق التدبير الخلاصي، بل اقتصره البعض على إزالة الخطية وكأن هذا هو كل شيء، وعند إزالة خطية آدم ينتهي الموضوع وينتظر جهادنا الشخصي لنتبرر، لأن البعض ينظر أن المشكلة كلها تنحصر في خطية آدم وحده وهي العائق الرئيسي للإنسان، مع أنه لم يأتي إلينا فقط من أجل إزالة عائق الخطية عموماً ويزيل سلطان الموت، بل كان الهدف أن يزيل هذا العائق ليُدخلنا في سر التبني، لا كمجرد مرتبة أدبية عالية، أو مجرد حياة أخلاقية سامية أو لمجرد عبادة لله ببنود وناموس جديد، أو ليهبنا ديناً جديداً لنتدين ونعيش بدين أسمى أو أعظم من باقي الأديان، هذا ليس عمل الرب يسوع في ملء الزمان على الإطلاق، بل عمله الحقيقي يتلخص في :
أنه أولاً أعطانا الحرية بفكنا من سلطان الموت ووهبنا حياته الخاصة وعرفنا سرّ بنوته للآب، وأدخلنا فيها (بالتبني)، لكي به أي بشخصه، يصير لنا حق الدخول للأقداس العُليا كبنين متطبعين بالطبع الإلهي فينا، لذلك إذ هو النور شع علينا بقيامته فجعلنا عملياً أن نكون نور العالم، أي صرنا نور مثله لأنه أخذ طبعنا الخاص ومجده، وأعطانا نوره الخاص، وأصبح يشع فينا نصرته، فكابن وحيد – حسب الطبيعة – للآب تمجد بقيامته من الأموات لنتمجد معه أيضاً لأننا واحد معه، لا بالتشريف ولا بمجرد الاعتقاد أو الاسم أو الشكل، إنما واحد فعلاً وعلى مستوى تجسده الشخصي الحقيقي في ملء الزمان حسب التدبير !!!
حتى أنه بعد ما تمم عمله لأجلنا أعطانا ختم البنوة اي الروح القدس نفسه لكي نكون مختومين كبنين لله الآب في الابن الوحيد: [ الذي فيه أيضاً أنتم إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضاً إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس ] (أفسس 1: 13)

اليوم يا أحبائي علينا أن ندرك عمق أبعاد إيماننا الحي بالمسيح يسوع لندخل في هذا السر العظيم، سر الوحدة مع الله بالروح القدس الذي يُغيرنا إلى شخص المسيح ابن الله الحي [ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كورنثوس 3: 18)، لنصير لله أبناء فيه، حينئذٍ فقط ستسقط الخطية وحدها بدون عناء، بل وسيسقط كل عائق يمنعنا من أن نقترب من الله الحي، الذي يشع فينا نور ابنه الوحيد، وهو الذي يعطينا الأسلحة التي بها نجاهد ضد مكائد عدو الإنسان الحقيقي أي الشيطان، ويهبنا نعمة لكي نثبت فيه ونغلب الخطية وكل ميول لا يتفق مع صلاحه، لأن لنا طبع نوراني جديد يرفعنا إلى علو المجد مع المسيح في سر التقوى بعمل الروح القدس في داخلنا، هذا أن آمنا فعلاً وخضعنا للروح القدس بإرادتنا، وفي هذه الحالة نتحرر ونعبد الله بالروح والحق، وليس حسب حركات الجسد وبنود قانون أو ناموس حرفي، إنما كبنين يحبون أبيهم في المسيح فيفرحوا به جداً ويصير هو فرحهم الحي، وتتدفق المحبة في القلب بالروح [ محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رومية 5: 5)، فنحب الله من كل القلب والفكر والنفس والقدرة، ومستحيل أن نكف عن الصلاة أبداً أو قراءة كلمته وحفظها في القلب ووضعها على الرأس بإكرام شديد، بالحياة بها في ملء قوتها، [ فأن هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه ووصاياه ليست ثقيلة ] (1يوحنا 5: 3)، [ من حفظ كلمته فحقاً في هذا قد تكملت محبة الله، بهذا نعرف إننا فيه ] (1يوحنا 2: 5)، [ بهذا أُظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به ] (1يوحنا 4: 9)، وفي هذه الحالة لن نشكو أو نئن تحت ثقل الخطية لأنها ستسقط بسهولة ويسر ونغلب بقوة غلبه يسوع التي في داخلنا، ولذلك نجد الرسول يقول: [ أحفظوا أنفسكم في محبة الله منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الابدية ] (يهوذا 1: 21)

فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة (رومية 6: 4)
لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته (رومية 6: 5)
عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية (رومية 6: 6)
فان كنا قد متنا مع المسيح نؤمن إننا سنحيا أيضاً معه (رومية 6: 8)
فأن كنا أولاداً فأننا ورثة أيضاً ورثة الله ووارثون مع المسيح إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه (رومية 8: 17)
الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء (رومية 8: 32)
و أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع (أفسس 2: 6)
مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات (كولوسي 2: 12)
وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحا لكم بجميع الخطايا (كولوسي 2: 13)
متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضاً معه في المجد (كولوسي 3: 4)
فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقا كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده. وكاهن عظيم على بيت الله. لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي. لنتمسك بإقرار الرجاء راسخا لأن الذي وعد هو أمين. (عبرانيين 10: 19 – 23)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار