علم الكنيسة

ثالثاً – القائد الإلهي



ثالثاً – القائد الإلهي

ثالثاً
– القائد الإلهي

 والآن
نريد أن نتوقف قليلاً عند حقيقية كون الرب نفسه وشخصياً حاضراً بالروح في وسط
أولئك المجتمعين باسمه. وعن المركز الذي ينبغي أن يأخذه الرب يسوع كرئيس الإجتماع
وعن حضور الروح القدس في وسط الجماعة.

 

“هناك
أكون في وسطهم”

 هذه
الكلمات التي صدرت من فم الرب نفسه، تضمن المؤمنين بدون أقل شك حضوره الشخصي للذين
جُمعوا على اسمه بالروح القدس. فإن هذه الكلمات ليست مجرد وعد بل هي حقيقة حية
اختبرها الآلاف الذين بالإيمان البسيط اتكلوا على هذا الوعد وقد جُمعوا معاً على
اسمه المعبود وحده. إن الإيمان يكفيه هذا الوعد الثمين، وحضور يسوع في وسط الكنيسة
التي جُمعت هو كافي لها تماماً. نعم وفيه كل الكفاية.

 

 يأتي
بعد ذلك، أنه إذا كان المخلص المبارك رأس الكنيسة حاضراً في وسطها، فهو بكل تأكيد
موجود هناك، لكي يوجه ويقود الكنيسة. وينبغي أن يُعطى مركزه حتماً كرئيس الاجتماع،
وإليه وحده تتجه الأنظار، والذي أتى لكي يشغل الدائرة المركزية، وكل قلب ينتظره
لكي يقود بروحه القدوس.

 

 ولا
ننسى أيضاً أن الذي في الوسط هو رب الكل، وهو الوحيد الذي له حق ممارسة السلطان في
الكنيسة، “إن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً” (أعمال
2: 36)، وأيضاً “أخضع كل شيء تحت قدميه وإياه جعل رأساً فوق كل شيء
للكنيسة” (أفسس 1: 22). فالمسيح هو الرب في الكنيسة وينبغي أن يعترف به هكذا،
وأن يُعطى مركزه كصاحب الحق الوحيد في القيادة والسلطان في الكنيسة. وحيث يُعترف
به كرب وكقائد فسيكون له الخضوع، وسيكون التصرف لائقاً بربوبيته، وهناك ينبغي أن
يكون الحكم والترتيب متفقاً مع فكرة وإرادة الله.

 

 ونسوق
هنا كلمات تحريض وحق قالها ماكنتوش: (إذا كان يسوع في وسطنا فلماذا نفكر في إقامة
رئيس بشري؟ لماذا لا ندعه بالإجماع ومن كل القلب يأخذ مكان الرئاسة، ونخضع له في
كل شيء؟ ولماذا نُقيم رئاسة بشرية في أي صورة أو بأي شكل من الأشكال في بيت الله؟
إن الإنسان يأخذ مركز الرئاسة في الاجتماعات التي تدّعي أنها كنائس الله. هناك
يمارس الإنسان سلطانه حيث كان ينبغي أن نرى سلطان الله وحده مُعترفاً به. وسواء
كان الرئيس “بابا” أو “رئيس أساقفة” أو “كاهناً” أو
“رئيس طائفة” فمهما اختلف الشكل فإن الإنسان يحتل مكان المسيح. ولكن عن
كان المسيح في وسطنا فنحن نستطيع أن نتكل ونُعوُّل على حضوره من جهة كل شيء. وربما
يبرز اعتراض ممن يدافعون عن السلطان البشري فيقول “كيف يتسنى لكنيسة أن تسير
وتنمو بدون أي نوع من الرئاسة البشرية؟ ألا يسوقها هذا إلى كل أنواع التشويش؟ وألا
يفتح هذا الباب لكل من هب ودب ليفرض نفسه على الكنيسة بدون اعتبار للموهبة أو
المؤهلات؟.

 

 (وجوابنا
على ذلك في غاية البساطة وهو أن الرب يسوع فيه كل الكفاية. ونؤمن أنه يستطيع أن
يحفظ الترتيب في بيته. ونحن أنفسنا نشعر أننا أكثر أمناً واطمئنانا بين يديه
الكريمتين وبقوته مما لو كنا في يديّ أفضل رئيس بشري. ولنا في يسوع كل العطايا
الروحية المكنوزة. إنه هو الرأس والمصدر الذي يمنح كل مسئوليات الخدمة، ذاك الذي
يمسك في يده السبعة الكواكب (رؤيا 1: 16). فلنثق فيه وحينئذ يسير الترتيب في
الاجتماع على أكمل وجه. هو له المجد يكفله كما كفل خلاص نفوسنا. ونحن نؤمن أن إسم
يسوع، صدقاً وحقاً فيه كل الكفاية، ليس فقط للخلاص الشخصي، بل أيضاً لكل ضروريات
وأعواز الكنيسة – للسجود وللشركة وللخدمة وللتأديب وللحكم ولكل شيء. فإذا كان هو
لنا فإننا نجد فيه كل ما يلزمنا وبوفرة.

 

(هذا
هو لب الحقيقة وجوهر موضوعنا. إن هدفنا وغرضنا الوحيد هو أن نُعظم إسم يسوع،
ولأننا نعتقد أن إسم الرب قد أهين في الكنيسة التي تدّعي أنها بيته. لقد أُنزل من
عرشه ليأخذ الإنسان مكانه.

 

 (وحتى
في كنيسة كورنثوس حيث كان يسود فيها تشويش رهيب وعدم ترتيب ولكن لم يشير الرسول
إناء الوحي بأية إشارة إلى رئاسة بشرية تحت أي إسم كان، لأن الله ليس إله تشويش بل
إله سلام كما في جميع كنائس القديسين (1 كو 14: 33). فالرب كان هناك ليحفظ الترتيب.
وكان على الكورنثيين أن ينظروا غليه ليس إلى أي إنسان مهما كان اسمه. وإقامة إنسان
ليحفظ الترتيب في كنيسة الله، سببه عدم إيمان واضح وإهانة صريحة لحضرة الله.

 

 (وكثيراً
ما يطلبنا الآخرون بالدليل الكتابي للبرهان على فكرة الرئاسة الإلهية وسط الجماعة.
وعلى الفور نجيب بأن دليلنا الكتابي “فهناك أكون في وسطهم” (متى 18)
وأيضاً “الله.. (مؤلف أم موجد
au
thor
إله السلام” (1
كورنثوس 14). على هاتين الدعامتين الكتابيتين. وليس أكثر من ذلك فإننا بكل فخار
يمكننا أن نبني عليهما الحق المجيد لخاص برئاسة الرب وسط الكنيسة، ذلك الحق الذي
يُحرر جميع من يتمسكون به من كل نظام بشري مهما كان اسمه. فإنه في اعتقادنا يستحيل
أن يعترف المرء بالمسيح مركزاً ورأساً غليها في الكنيسة، وفي نفس الوقت يصادق على
إقامة إنسان في مركز الرئاسة).

 

حضور
الروح القدس

 والرب
يسوع المسيح ليس فقط يكون حاضراً في وسط تلاميذه المجتمعين باسمه، بل إن الله
الروح القدس يكون هناك أيضاً. لقد تكلمن آنفاً على حضور وعمل الروح القدس في
الكنيسة ونريد الآن أن نلفت النظر إلى هذا الحق العظيم في ارتباطه بموضعنا الحالي.

 

 فإن
هذا الحضور الشخصي الجديد والخاص للروح القدس إلى الأرض ليسكن في المؤمن وفي
الكنيسة، حسبما جاء في 1 كورنثوس 6: 19 وأفسس 2: 22 كنتيجة للعمل الفدائي العظيم،
ولتمجيد المسيح في السماء، غنما هو إحدى أساسيات الحق العظيم لهذا التدبير الحاضر،
وهو من اللازم المميزة البارزة في المسيحية. ومع ذلك فإن حضور هذا الأقنوم الإلهي
في كنيسة الله قليلاً ما بنظر إليه ويُعترف به ويعوّل عليه. إن حضور الروح القدس
على الأرض تنكره المسيحية المعترفة ولم تعطه مكانه الصحيح كالقائد والموجه في
الكنيسة. وفي الواقع ينكر حضوره عملياً بإقامة إنسان في مركز القيادة والسلطان،
وبذلك فالروح القدس يُنحي جانباً.

 

 عندما
أعطى الرب وعده لتلاميذه بمجيء الروح القدس قال إن الروح القدس “يُعلِّمكم كل
شيء” “ويرشدكم إلى جميع الحق”، كما تكلم عنه كالمعزي (أو باراقليط)
الذي يعني في اليونانية الذي يقف بجانبنا للمعونة تدبير أمورنا (يوحنا 14: 26، 16:
13). وفي 1 كورنثوس 12 و 14 نجد روح الله القدوس هو منشئ الأعمال المتنوعة،
وإظهارات المواهب المختلفة، وأنواع الخدم في الكنيسة “هذه كلها يعملها الروح
الواحد بعينه قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء” (1 كورنثوس 12: 11). هذه
الكلمات الكتابية تُرينا بكل تأكيد أن الروح القدس في الكنيسة ليقودها ويرشدها
ويُعلّمها، وله مطلق السيادة أن يستخدم من يشاء مصلياً بلسانه ومرنماً بصوته
وخادماً بفمه.

 

حرية
الروح

 إذا
تأملنا في 1 كورنثوس 14 وهو الفصل الخاص بالترتيب في الكنيسة نجد فيه الحرية
الكاملة المكفولة لأي شخص يستخدمه الروح في اجتماعات الكنيسة. هناك الصلاة في
الروح والتسبيح بالروح والبركة بالروح (ومعنى ذلك أن روح الإنسان تنقاد بالروح
القدس). والشكر التكلم بلسان والتنبؤ ومن له مزمور أو تعليم حسبما يستخدم الأشخاص.

 

 وعبارة
مثل القول “إن كان أحد يتكلم” أو مثل القول “إن كان الجميع
يتنبأون” غيرها (ع 5 و 13 و 27 و 31) ترينا أنه كانت هناك حرية لأي أخ غير
محكوم عليه تأديباً ليؤدي دوره في الكنيسة الأولى تجتمع معاً في حرية الروح القدس
وتحت سلطانه وإرشاده الإلهي.

 

 صحيح
من الممكن أن يُساء استخدام هذه الحرية كما كان الحال في كنيسة كورنثوس، وكما يتضح
من هذا الأصحاح الرابع عشر، حيث نرى نشاطاً كبيراً، كما كن للجسد نشاطاً أيضاً.
فماذا يجب على الكنيسة أن تفعل حينئذ؟ من واجبها تصحيح الأوضاع بكلمة الله وإتباع
نصائح وتعليمات الروح القدس المعطاة في هذا الأصحاح الرابع عشر. وذلك هو العلاج
الإلهي البسيط.

 

 ولنلاحظ
أنه بالرغم من هذا التشويش الذي طرأ على كنيسة كورنثوس فإن الرسول لم يطلب إليهم
أن يغيروا نظام حرية الروح القدس، ويقوموا بتعيين شخص كخادم ليقود الاجتماع. بل إن
الرسول المُحي إليه يُعلّهم بكل بساطة كيف يساهمون معاً لأجل المنفعة ويُحرضهم
بالقول “فليكن كل شيء للبنيان… لأنكم تقدرون جميعكم أن تتنبأوا واحداً
واحداً ليتعلّم الجميع وليتعزى الجميع… وليكن كل شيء بلياقة وحسب ترتيب”
(عدد 26 و 31 و40).

 

 وهذه
التعليمات ليست لكورنثوس فقط بل كنيسة في كل مكان، كما تقول هذه الرسالة إلى
” كنيسة الله التي في كورنثوس… مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح
في كل مكان” (1 كورنثوس 1: 2)، وهكذا هذه التعليمات والإرشادات الخاصة بحرية
الروح القدس وغيرها إنما تلزم جميع المؤمنين في كل مكان الآن كما كانت حينذاك.
ولكن لا تزال كنائس المسيحية المعترفة سائرة في ترتيبها البشري ونظام العبادة الذي
من اختراع الناس وبذلك تقاوم بصراحة ما وُضع لنا في الكتاب.

 

 فهل
لا يزال القارئ مرتبطاً بأنظمة بشرية حيث يُنحِّي جانباً الروح القدس، ولا يعطي
مكانه اللائق به كقائد وموجه الاجتماع؟ فإذا كان الأمر كذلك فليته يسمع الكلمة
القائلة “اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب” وليته “يخرج غليه
خارج المحلة” (2 كورنثوس 6: 17، عبرانيين 13: 13) وأن يُجمع فقط إلى إسم يسوع
الغالي حيث يكون هو في الوسط والروح يُعترف به أنه القائد الإلهي.

 

كنائس
العهد الجديد

 في
سفر أعمال الرسل وهو السفر الذي يسطر تاريخ الكنيسة الرسولية التي أسسها المسيح،
نجد الروح القدس هو القائد والمرشد لكنائس المسيحيين في كل مكان مستخدماً من يشاء
ليتكلم بلسانه. ولا توجد مطلقاً أدنى إشارة في هذا السفر أو في الرسائل عن إقامة
شخص كراعي أو كخادم أو كقسيس يكون مسئولاً عن كنيسة من الكنائس. صحيح كان هناك
السلطان الرسولي وأولئك الذين ارتبطوا مع الرسول بولس مثل تيموثاوس وتيطس في تأسيس
الكنائس. كما كانت هناك مواهب الرعاة والمعلمين والمبشرين.. إلخ.. لكننا لا نقرأ
في أي مكان في الكتاب المقدس عن شخص يقام كخادم أو كقائد للكنيسة، لأن هذا كان
يعتبر اختلاساً لمركز وسيادة الروح القدس.

 

فكرة
الإكليروس

 إن
فكرة الرسامة والتعيين البشري للقيام بوظيفة الخدمة هي فكرة عميقة الجذور في قلب
جماهير المسيحيين في هذه الأيام. ومعناها احتكار فئة معينة من الناس حقاً مطلقاً
لا يُنازع للتبشير والتعليم وخدمة الشركة، الخ.. وهنا نورد كلمة قالها رجل تقي
معلم عظيم – يوحنا داربي – في هذا الخصوص (أنا أعتقد أن فكرة الإكليروس هي خطية
موجهة ضد الروح القدس في هذا التدبير. وأنا لا أتكلم هنا عن أفراد يرتكبون هذه
الخطية بإرادتهم بل أتكلم عن الكهانة في حد ذاتها في هذا التدبير المسيحي. وأنها
ستنتهي به إلى الخراب. فإن إحلال شيء آخر محل قوة وحضور ذلك الروح القدس المبارك،
هو الخطية التي يتميز بها هذا التدبير – الخطية التي بها تتربع كبرياء الجسد
وتتسلط الطبيعة الإنسانية غير المتجددة في المركز الذي يمكث مع المؤمنين إلى
الأبد”). حقاً إنها كلمات خطيرة وصارمة ولكنها صادقة.

 

 وفي
الختام لنفرح بهذا الحق المبارك الخاص بحضور الله الروح القدس وسط اجتماع اثنين أو
ثلاثة حول إسم المسيح الكريم. فهو العامل النشيط وهو قوة العمل في الإنسان، وهو
الذي يقود الجماعة ويرشدها، والرب يسوع نفسه يكون في وسط الجماعة. فما الحاجة بعد
على آخر؟ ليت لنا الإيمان البسيط لكي نؤمن بهذا الحق، ونعمل على أساسه، ونسلك
بخضوع القلب لطاعة الرب يسوع والروح القدس.

 

 وأليس
من الحق إن نقول في ضوء ما سبق أن استعرضناه من الفصول الكتابية أن كل ما يتنافى
مع ممارسة قيادة وإرشاد الروح القدس وحرية الروح القدس في أن يستخدم أياً شاء من
أعضاء الكنيسة، لا يمكن أن يتفق مع ترتيب كنيسة الله المجتمعة على أساس كتابي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار