المسيحية

تجسد الله



تجسد الله

تجسد
الله

سؤال: تأتينا خطابات كثيرة عن سؤال واحد هو: كيف يا
نصارى
تعبدون إلها بشر يأكل ويشرب ويبول ويقضي حاجة، ألا تخزون من هذا
الكفر؟

الإجابة:

(1)
أحب أن أوضح أولا أننا لا نثور من مثل هذه الأسئلة المستفزة، ولا نحولها إلى إهانة
لا تغتفر، فلماذا يثور أحباؤنا المسلمون من تساؤلاتنا عن الإسلام؟

(2)
ولكننا نقول أنه من
حق الإنسان أن يسأل، ومن حقه
أن يحصل على
إجابة سليمة منطقية تقنع العقل.

(3)
والواقع أن الإجابة على هذا في منتهى البساطة التي لا يتخيلها المسلم، ولكن
شحن
الفكر

من فوق منابر الجوامع وفي التلفزيونات والقنوات الفضائية والصحف والمجلات بأن
النصارى كفرة يعبدون إلها يبول، جعلت المسلم يصدق إفتراءاتهم ويحتقر المسيحيين،
ويمتنع
عن سماع

أي مناقشة بهذا الخصوص.

(4)
ولكن
العقلاء من المسلمين يسألون ويناقشون بذهن منفتح،
ولهؤلاء نوجه حوارنا.

(5)
فإني أقول لأحبائنا المسلمين، أننا نؤمن بأن
المسيح بشر
كامل
،
أي إنسان مثلنا، ولكنه بدون خطية، ويشهد له بذلك القرآن والأحاديث.

(6)
ونؤمن أن الله
قد تجلى أي ظهر في هذا الجسد
الطاهر.

 

سؤال: هل يمكن أن تذكر للمشاهدين من أين جاء هذا الاعتقاد؟

الإجابة: سوف أذكر قليلا من الآيات الكثيرة التي في
الكتاب المقدس:

(1)
(1تي 3: 16) “عظيم هو سر التقوى
الله ظهر في
الجسد

(2)
وأيضا (كو2: 9) “فإنه فيه يحل كل
ملء اللاهوت
جسديا

 

سؤال: (1) اسمح لي أن نتوقف عند هذه النقطة قبل أن
تسترسل في الحديث.

(2)
فإن الشخص المسلم لا يستطيع أن يتقبل هذه الفكرة
بأن الله يحل في شيء مادي، فما بالك بما
تقوله: أنه تجلى في بشر. فكيف تشرح هذه النقطة؟

 الإجابة:

(1)
أنا أعلم أن المسلم مطعم ضد قبول هذه الفكرة، ولكني أتكلم إلى المنفتحين فقط، المستعدين للتفاهم.

(2)
افتح معي أيها المشاهد الكريم (سورة الأعراف
آية 143) “… فلما تجلى ربه للجبل جعله
دكا وخر موسى صعقا …”

(3)
ويفسر القرطبي هذه الآية قائلا: “تَجَلَّى مَعْنَاهُ
ظَهَرَ
،… وَتَجَلَّى
الشَّيْء اِنْكَشَفَ”، وأكمل قائلا: “إنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى اللَّه فَلِذَلِكَ
خَرَّ صَعِقًا , وَأَنَّ الْجَبَل رَأَى رَبّه
فَصَارَ دَكًّا”

 

سؤال: هذا دليل واضح أن الله تجلى وظهر في جبل. فهل
يوجد دليل آخر من القرآن؟

 الإجابة: بكل تأكيد

(1)
(سورة القصص 30) “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي
الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ
الشَّجَرَةِ
أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا
اللَّهُ
رَبُّ العالمين”، ونجد ذلك ايضا في (سورة طه وسورة النمل)

(2)
قال ابن كثير والقرطبي [عن المهدَوي]: “َكَلَّمَهُ
اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الشَّجَرَة
” وقال له “إني أنا
الله رب العالمين”

(3)
ومن هنا يتضح أن الله ظهر في شجرة أيضا
وتكلم منها.

 

سؤال: وهذا دليل آخر من القرآن والتفاسير أن الله ظهر
أو تجلى في أشياء مادية وتكلم منها كما
أوضحت. إذن ما هي النتيجة التي تريد أن
توضحها للمشاهدين؟

 الإجابة:

(1)
أقول إن كان الله قد ظهر في الجبل وهو حجر،
وظهر لموسى في شجر، أفيعتبر كفرا إن قلنا
أن الله ظهر أو تجلى في بشر.

(2)
مع ملاحظة أن البشر أرقى من الحجر والشجر.

 

سؤال: هذا استنتاج منطقي مقنع. ولكن تبقى إشكالية هامة:
هل معنى ما تقوله أن الله أصبح إنسانا يبول؟

 الإجابة:

(1)
هذا اعتراض وارد لمن لا يفهم الحقيقة. نحن نؤمن أن اللاهوت
[أي الطبيعة الإلهية] ظهر وتجلى واتحد بالناسوت
[أي الطبيعة البشرية للمسيح[

(2)
ولكن دون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.

 

سؤال: عفوا، ماذا تقصد بهذا الكلام؟

 الإجابة:

(1)
دون اختلاط: أقصد أن الطبيعة الإلهية لم تختلط بالطبيعة البشرية. أي لم يتم خلط بين
الطبيعتين.

(2)
ودون امتزج: أي لم يذوبا في بعضهما ليتكون
منهما مزيج واحد. فليس هناك امتزاج بين الطبيعتين.

(3)
ودون تتغير: أي أن الطبيعة الإلهية لم
تتغير إلى طبيعة بشرية، ولا الطبيعة البشرية تغيرت إلى طبيعة إلهية.

(4)
بل كان الاتحاد في طبيعة جديدة مع احتفاظ كل طبيعة
بخواصها.

 

سؤال: أعتقد أن هذا الكلام رغم الشرح هو صعب الفهم
أليس كذلك؟؟

 الإجابة:

(1)
قد يرى البعض فيه صعوبة، خاصة إن كان
يسمعه لأول مرة.

(2)
ولكني سوف أسوق تشبيها بسيطا يستخدم للتوضيح: هو اتحاد
النار بالحديد
، وكنت قد أوضحت ذلك في لقاءاتي السابقة.

(3)
فلو وضعنا قضيب حديد في النار، فإنها تتحد به، ويصير لاتحادهما اسم جديد هو: [الحديد المحمى]. مع أن الحديد لم يفقد خواصه وكذلك
النار لم تفقد خواصها.

(4)
الحديد: يرمز إلى الطبيعة البشرية للمسيح،
والنار يرمز إلى طبيعة الله الذي ظهر فيه.

(5)
ولماذا نضرب كل هذه الأمثال، والقرآن يعترف أن الله
ظهر في جبل وظهر في شجر
، وكل طبيعة احتفظت بخواصها، فعلى هذا الغرار
كان ظهور الله في المسيح.

 

سؤال: (1) أعتقد أن الموضوع اتضح تماما، ففي التشبيه
حقا إقناع وإمتاع.

(2)
ولكن جاءنا سؤال آخر يقول: عندما جُرب المسيح من الشيطان، قال له: “للرب إلهك
تسجد وغياه وحده تعبد” فكيف يقول ذلك وهو الله بحسب اعتقادكم؟

الإجابة:

(1)
أعتقد أن السائل بعد أن يسمع الإجابة السابقة التي شرحتها سيعرف أن المسيح
بالطبيعة الجسدية واجه الشيطان نيابة عن البشرية فقد كان المسيح يمثلها، وأخفى
لاهوته عنه.فانتصر المسيح للبشرية في هذه المعارك او التجارب على الجبل.

(2)
عموما كقاعدة عامة أقولها لمن يريد أن يفهم، إذا قرأت شيئا عن المسيح يتصرف أو
يتكلم كإنسان، فاعلم أن هذا يتفق وطبيعته البشرية، وإن تصرفت أوتكلم كإله فهذه هي
طبيعته الإلهية.

 

سؤال: (1) هذه قاعدة جميلة تحل إشكالات كثيرة في عقل
الأخ المسلم.

(2)
جاءنا سؤال آخر يقول: هل ورد في الكتاب المقدس نص على لسان المسيح يقول فيه “إني أنا الله فاعبدوني“؟

 الإجابة:

أولا: قبل أن أوضح هذه النصوص أحب أن أسأل السائل:

1
هل هناك نص في القرآن يقول أن الدين الإسلامي هو
دين التوحيد؟

2
قد يقول هناك العديد من الآيات التي تنص على أن الله
واحد
مثل “قل هو الله أحد” (سورة الإخلاص1)، ولكن الواقع أنه
لا يوجد نص واحد في القرآن كله بهذا
المنطوق: “إن الإسلام دين التوحيد فاتبعوه“.

5
أقول هذا لمن يطلب نصا أن المسيح قال “إني أنا
الله فاعبدوني
“؟

ثانيا: (1) الواقع أن هذا السؤال يدل على أن السائل لا يفهم طبيعة المسيح كما سبق أن بينا، فالمسيح له
طبيعة إلهية ظهرت في طبيعة جسدية.

(2)
فهذا النص الذي يطلبه السائل، هو نص فيه إنكار لطبيعة المسيح البشرية، وهذه هي
هرطقة أوطاخي، التي حرمتها الكنيسة.

ثالثا:
أما عن الآيات التي تؤكد أن المسيح هو الله الظاهر في الجسد فكثيرة.

 

سؤال: هل يمكن أن تذكر لنا بعض هذه الآيات التي توضح
أن المسيح هو الله الظاهر في الجسد.

 الإجابة: قلت سابقا، وأضيف علي ما قلت بعضا آخر:

(1)
(1تي
3: 16) “عظيم هو سر التقوى
الله ظهر في الجسد

(2)
وأيضا (كو2: 9) “فإنه فيه يحل كل
ملء اللاهوت
جسديا

(3)
قال السيد المسيح في (يوحنا 14: 414) “أنا في الآب والآب فيَّ … من رآني
فقد رآى الآب … الآب الحال فيَّ يعمل الأعمال”

(4)
من جهة لاهوته قال السيد المسيح في (يوحنا 10: 30) “أنا والآب واحد”

(5)
(يوحنا 1: 1 14) “في البدء كان الكلمة والكلمة كان الله … والكلمة صار
جسدا”

 

سؤال: عفوا ما معنى أن الكلمة صار جسدا؟

الإجابة:

(1)
هذه نقطة مهمة: قلنا في لقاء سابق أن الله له صفات ذاتية: الوجود، والروح، والعقل.

(2)
والعقل يعبر عن نفسه
بالكلام.

(3)
ويمكن أن يجسد كلامه على ورقة بالمداد، فالكلام المكتوب يظهر ما يفكر فيه العقل.

(4)
وهذا هو الحاصل مع الكائن الأعظم الله: فقد
جسد كلمته الأزلية في جسد المسيح، ومن هنا جاء قول القرآن والحديث القدسي أن المسيح هو كلمة الله.

(5)
وقد
قال الشيخ محي الدين العربي: “الكلمة هي الله متجلياً
وهي عين الذات
الإلهية لا غيرها”. (كتاب نصوص الحكم جزء 2 ص 35). وقال أيضا “الكلمة هي
اللاهوت”. (كتاب فصوص الحكم جزء 24 ص 134)

 

سؤال: شكرا لهذا التوضيح، وجاءنا السؤال التالي أيضا: يقول
القرآن: “لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح
ابن مريم” فما رأيك؟

 الإجابة:

(1)
للرد على هذا السؤال أقول ينبغي أن نتذكر ما قلته سابقا أن المسيح له طبيعتان
متحدتان في طبيعة واحدة وضربت لذلك مثل النار والحديد.

(2)
فحيث أننا لا نقدر أن نقول عن الحديد المحمى
أنه حديد فقط، أو نار فقط. هكذا يخطئ من يقول أن المسيح لاهوت فقط، أو ناسوت فقط،
بل هو ظهور الله في جسد.

(3)
الواقع أنه ظهرت هرطقتان بخصوص المسيح:

1
هرطقة آريوس: قال أن المسيح هو إنسان فقط. وهذا خطأ وحرمته المسيحية.

2
ومن الجانب الآخر ظهرت هرطقة أوطاخي للرد
على آريوس فقال أن المسيح لاهوت فقط، وهذا
أيضا خطأ وحرمته الكنيسة.

3
ووجد الإسلام في الجزيرة العربية فرقة من هذه الهرطقة الأوطاخية التي تقول أن
المسيح هو الله فقط، فقال “كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ..”

4
أما إيماننا الصحيح فهو كما قلت وأقول
لتتضح للمشاهدين: نحن نؤمن أن الله ظهر في جسد المسيح
كما ظهر لموسى في الجبل وفي الشجرة. وهذا ليس بكفر وأن لا إله إلا الله.

 

سؤال: ما رأيك في قول القرآن “المسيح كلمة من الله وروح منه“؟

الإجابة:

(1)
جاء هذا في (سورة النساء 171) “إنما
المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه”

(2)
وجاء في الحديث القدسي “حديث الشفاعة”
رقم (329) “ائتوا عيسى عبد الله ورسوله
وكلمة الله وروحه…” ففي الآية
القرآنية وفي الحديث القدسي إيضاح لطبيعة المسيح المتحدة:

1 الطبيعة الجسدية: في القول أن المسيح عبد الله ورسوله كبشر.

2 الطبيعة اللاهوتية: المسيح كلمة الله وروحه.

وهذا
هو ما نقوله، ويقوله المسلم دون أن يدري.

 وقد
قال الشيخ محي الدين العربي: “الكلمة هي الله متجلياً
وهي عين الذات الإلهية لا غيرها”. (كتاب نصوص الحكم جزء 2 ص
35). وقال أيضا “الكلمة هي اللاهوت”. (كتاب فصوص الحكم جزء 24 ص 134)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار