المسيحية

عيسى ابن مريم آية في حداثته



عيسى ابن مريم آية في حداثته

عيسى
ابن مريم آية في حداثته

“وجعلنا
ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين” (مؤمنون 51)

بهذه
الآية يوجز القرآن حداثة عيسى ابن مريم: لقد آواهما الله إلى ربوة منعزلة. لا يذكر
القرآن أين كانت هذه الربوة، والمفسرون مختلفون حيارى, على كل حال ليست ببعيدة عن
الهيكل الذي تربت فيه مريم، ولا عن بلد القدس الشريف الذي خلقت فيه.

يصف
تلك الربوة “ذات قرار” أي مستوية يستقر عليها ساكنوها (الجلالان). وقيل
ذات ثمار وزروع فإن ساكنيها يستقرون فيها لأجلها (البيضاوي). ويذكر أنها ذات
“معين” أي ماء جار تراه العيون. اذن كانت خلوتهما في جنة غناء على رابية،
أليس في هذا الوصف صورة لبلدة الناصرة التي يذكر الانجيل أن يسوع قضى حداثته فيها
مع أمه؟

حسب
القرآن باشر المسيح نبوته منذ طفولته: “قال أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني
نبياً” (مريم 30). ودرج على النبوة في حداثته: “يا عيسى ابن مريم اذكر
نعمتي عليك وعلى والدتك، إذ ايدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد وكهلاً”
(مائدة 113). والنبوة فُطرت معه تعلمها من الله حين ظهوره للوجود (مريم 30) وكانت
وحياً شاملاً “ويعلمه الكتاب بالحكمة والتوراة والانجيل (آل عمران 48، مائدة
110). ونبوته من المهد في طفولته وحداثته “خاصية شريفة كانت حاصلة له وما
حصلت لأحد من الأنبياء قبله وبعده” (الرازي، مائدة 113).

منذ
حداثته يظهر المسيح عنوان التقوى والفضيلة والقداسة “يكلم الناس في المهد
وكهلاً، ومن الصالحين” (آل عمران 46) قال الرازي: “ولا رتبة أعظم من كون
المرء صالحاً ومعلوم أن ذلك يتناول جميع المقامات في الدنيا والدين، فلما ذكر بعض
المقامات اردفه بهذا الكلام الذي يدل على أرفع الدرجات”. لا غرو في ذلك فهو
الصديق ابن الصديقة (مائدة 78) خاتمة الذرية النبوية (آل عمران 33) المصطفاة على
العالمين.

وُلد
على الهدى ونشأ على البركة الإلهية؛ “جعلني مباركاً أينما كنتُ وأوصاني
بالصلاة والزكاة ما دمت حياً (مريم 31). بركة الله تكتنفه أينما كان، ويقضي حياته
في الصلاة والزكاة جاعلاً فيها وحدها قرة عينه وما كان بحاجة مثل غيره ليشرح له
الله صدره ويضع عنه وزر الصغر والكبر (الشرح 1)، ولا في عوز مثل ابراهيم جد
الأنبياء إلى استغفار ربه عن شركه في حداثته وجهالته. إنه المبارك في كل زمان
ومكان.

ويذكر
القرآن من عجائب المسيح في حداثته تسليته في خلق الطيور: “ورسولاً إلى بني
اسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير، فانفخ فيه
فيكون طيراً باذن الله” (آل عمران 49). ويرجع إلى ذكر هذه الأعجوبة في سورة
المائدة: “وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً
بإذني” (110). ولئن “خلق بإذن الله” فإن فيه، على كل حال، مرت هذه
القدرة الإلهية، ولم يكن أحد غيره أهلاً لها، وما ذكر القرآن قط أن الله اعطى
نبياً مثل هذا السلطان الإلهي,

فتلك
الحداثة الخارقة، التي لا يذكر القرآن مثلها لغيره من الأنبياء والمرسلين امتازت،
مثل حياة المسيح كلها، بنعمة خاصة من الله عليه وعلى أمه، وبتأييد خاص من روح
القدس أي روح الله: “يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك، اذ أيدتك
بروح القدس” (مائدة 113). بهذه النعمة الإلهية، وبهذا التأييد الروحي كانت
حداثة المسيح عيسى ابن مريم ولم تزل آية للعالمين: “وجعلنا ابن مريم وأمه آية
وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين” (مؤمنون 51).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار