علم التاريخ

الْباٌباٌُ الْعِشْرُونَ



الْباٌباٌُ الْعِشْرُونَ

الْباٌباٌُ الْعِشْرُونَ

 

20. أثناسيوس الأول الرسولى

الوطن الأصلي
الأسم قبل البطريركية
تاريخ التقدمة
تاريخ النياحة
مدة الأقامة على الكرسي
مدة خلو الكرسي
محل أقامة البطريرك مدة الرئاسة

محل الدفن
الملوك المعاصرون

الأسكندرية

أثناسيوس

8 بشنس 44 للشهداء – 5 مايو 328 للميلاد

9 أبيب – 3يوليو 166 للميلاد

45 سنة

13 يوما

المرقسية ثم الدومينيكوم
الديونيسي ثم المعبد

القيصري ثم الدومينيكوم
الديونيسي

كنيسة بوكاليا

قسطنطين الكبير و يوليانوس و
جوفيانوس و فالنس

 

+ ولد
هذا الأب من أبوين وثنيين، ولما مات والده أتت به أمه إلى البابا الكسندروس
فعلمهما أصول الدين المسيحى وعمدهما ففرقا كل مالهما على المساكين ومكثا عند
البابا البطريرك.

+
رسمه البابا شماساً وجعله سكرتيراً خاصاً له. وأختير للبطريركية فى 8 بشنس سنة 44
للشهداء بعد نياحة البابا الكسندروس.

+
انفرد مع القديس أنطونيوس أب الرهبان وتعلم منه النسك.

+ بعد
أن صار بابا رسم لأثيوبيا أول مطران لها وهو الأنبا سلامة.

+
نُفى عن كرسيه خمس مرات.

+
للبابا أثناسيوس كتباً عدة عن الأريوسيين وفى التجسد وغيرها.

+ هو
أول بابا يلبس زى الرهبنة من يد القديس الأنبا أنطونيوس.

+ تنيح
بسلام بعد أن قضى على الكرسى المرقسى خمساً وأربعين سنة.

+
تعيد الكنيسة بتذكار نياحته فى السابع من شهر بشنس.

 

نياحة
البابا أثناسيوس الرسولى ال20 ( 7 بشنس)

في مثل هذا
اليوم من سنة 89 ش ( 373 ) تنيح البابا العظيم الأنبا أثناسيوس الرسولي العشرين من
باباوات الكرازة المرقسية وقد ولد هذا الأب من أبوين وثنيين نحو سنتي 295 و298 م.
وحدث وهو في المكتب أن رأي بعض أولاد المسيحيين يقومون بتمثيل الطقوس المسيحية
فجعلوا البعض منهم قسوسا والبعض شمامسة وأحدهم أسقفا فطلب أن يشترك معهم فمنعوه
قائلين : أن وثني ولا يجوز لك الاختلاط بنا فقال لهم : أنا من الآن نصراني ففرحوا
به وجعلوه عليهم بطريركا وأجلسوه في مكان عال وصاروا يقدمون له الخضوع واتفق عبور
البابا الكسندروس في تلك الساعة فلما رآهم علي هذه الحال قال للذين معه عن
أثناسيوس لابد أن يرتقي هذا الصبي إلى درجة سامية يوما ما.

ولما مات
والد القديس أثناسيوس أتت به أمه إلى البابا الكسندروس فعلمهما أصول الدين المسيحي
وعمدهما وفرقا كل مالهما علي المساكين ومكثا عند البابا البطريرك فعلم أثناسيوس
علوم الكنيسة ورسمه شماسا وجعله سكرتيرا خاصا له فتضاعفت عليه مواهب الروح واختير
للبطريركية في 8 بشنس سنة 44 ش 5 مايو 328 م بعد نياحة البابا الكسندروس

وكان البابا
الكسندروس قد أوصي بانتخاب أثناسيوس شماسه الذي انفرد مع القديس أنطونيوس أب
الرهبان واخذ منه النسك والذي ظهر نبوغه في فضح أريوس في المجمع المسكوني عندما
قال أريوس عن السيد المسيح ( المشابه في الجوهر ) فقال أثناسيوس ( المساوي في
الجوهر ) وبهذا ظهر نبوغه.

ولكن
أثناسيوس بعد وفاة البابا اختفي في الجبال – لاعتقاده بعدم أهليته لهذا المركز
الخطير – فسعي الشعب وراءه إلى أن عثر عليه وأحضره إلى الأساقفة فرسموه بابا سنة
327 م. وقد شهد سقراط المؤرخ ( في ك 2ف 387 ) قائلا ” ان فصاحة أثناسيوس في
المجمع النيقاوي جرت عليه كل البلايا التي صادفها في حياته “.

وبعد أن صار
بابا رسم لأثيوبيا أول مطران لها هو الأنبا سلامة فاستقرت الأمور الدينية فيها بعد
أن تبعت الكرازة المرقسية.

وقد نفي
البابا عن كرسيه خمس سنوات

الأولى

عندما حاول
أريوس بعد حرمه أن يرجع ثانية إلى الإسكندرية وقدم للملك قسطنطين خطابا مملوءا
بعبارات ملتبسة تأثر بها الملك وطلب من أثناسيوس البابا أعادته فرفض البابا قبوله
لما في ذلك من مخالفة لقرار المجمع المسكوني. فقام الأريوسيون بإلصاق بعض التهم
بالبابا منها :

1 – انه
يساعد البابا فيلومينس الثائر علي الحكومة

2 – انه كسر
كأس القس اسكيرا وهدم مذبحه

3 – أنه قتل
الأسقف أرسانيوس واستخدم ذراعيه في السحر

4 – أنه
اغتصب أيضا راهبة

وقد برأ
البابا نفسه من التهمة الأولي وانعقد مجمع في صور ضد البابا أغلبه من الأريوسين
ونظر المجمع في التهم ففي الأولي حرك الرب قلب القس اسكيرا الذي اتفق معهم علي
شهادة الزور وبرأ البابا. وفي التهمة الثانية حضر الأسقف أرسانيوس عن اتفاقهم الذي
اتهم البابا زورا بقتله فحفظه البابا في غرفة مجاورة وكان الأريوسين قد أحضروا
ذراعي ميت. وادعوا أنهما لأرسانيوس ولكن أرسانيوس أظهر ذراعيه للجمع وأظهر ندامته
فقال الأريوسيون أن أثناسيوس سحار استطاع أن يوجد ذراعين وهاجوا ضده فخرج أرسانيوس
من وسطهم ومضي للملك

ثم نظرت
تهمة الراهبة وأتوا بفاجرة ادعت هذا الادعاء علي القديس فقال القس تيموثاوس من
حاشية البابا ” كيف تتجاسرين وتقولين أني نزلت ببيتك وقهرت أرادتك ؟ ”
فظنت أنه أثناسيوس لأنها لم تكن تعرفه وقالت : ” أنت هو ” فافتضح أمرها.

أما البابا
فلم يستطع مقابلة الملك بسبب تدخل الأريوسين الذين اتهموه لدي الملك أنه يمنع
تصدير الغلال من الإسكندرية إلى الملك فأصدر الملك أمره بنفي البابا إلى تريف في
فرنسا في 5 فبراير سنة 335 م حيث قابله أسقفها بإكرام جزيل، ولكن أريوس مات ميته
شنيعة كما قال سقراط ( ك 1 ف 68 ) “إنما أمات الله اريوس في مرحاض عمومي حيث
اندلقت أمعاؤه وقد اعتبر الشعب هذه الميتة انتقاما للعدل الإلهي، فلما بلغ الملك
ذلك عرف براءة البابا وأوصي سنة 337 م بإعادته وهو علي فراش الموت وقسمت المملكة
بعده إلى قسطنطين الصغير علي فرنسا وصارت مصر تابعة لقسطنديوس وإيطاليا إلى قسطاس.
وبتوسط قسطنطين رجع البابا سنة 338 م فاستقبله الشعب بفرح وصار كل بيت ككنيسة.

النفي الثاني

الأريوسين
لم يسكتوا، فعقدوا مجمعا حرموا فيه أثناسيوس وعينوا بدله غريغوريوس وبعثوا بالقرار
إلى يوليوس أسقف روما فعقد البابا سنة 340 م مجمعا بالإسكندرية أحتج فيه علي
الأريوسين ثم حرر رسالة دورية لجميع الكنائس فظهرت منها براءته، ولكن الأريوسين
أثروا علي فيلوغوريوس ليساعد بطريركهم للاستيلاء علي كنائس الإسكندرية وأثروا علي
الإمبراطور قسطنديوس أيضا، فأرتاع الشعب الإسكندري وقرر المقاومة إلا أن الأريوسين
هجموا علي الكنائس يوم جمعة الصلب وهتكوا العذارى وذبحوا كثيرين من المصلين.
فاستغاث البابا بكل الكنائس في العالم وترك كرسيه وسافر إلى روما وانعقد مجمع في
سرديكا وقرروا أولا براءة البابا أثناسيوس، وثانيا تثبيت قانون مجمع نيقية، وثالثا
حرم الأساقفة الأريوسين، ورابعا عزل غريغوريوس. وانتدبوا أسقفين ليقابلا
الإمبراطور قسطاس حاكم إيطاليا الذي وافق علي ما قرره المجمع وهدد شقيقه بالحرب ان
لم يرجع أثناسيوس وفي هذه الأثناء قام الشواذ من المصريين بقتل غريغوريوس سنة 349
م فعاد البابا إلى كرسيه مرة ثانية واستقبل الشعب البابا كما قال غريغوريوس
الثيئولوغي واضع القداس ” كان ازدحامها أشبه بالنيل عند فيضانه ” وأشار
إلى سعوف النخل والابسطة وكثرة الأيدي المصفقة.

النفي
الثالث : خروج البابا للمرة الثالثة بسبب قسطنديوس

احتمل
الأريوسيون علي مضض رجوع أثناسيوس إلى أن مات قسطاس حاكم إيطاليا وأوغروا صدر
قسطنديوس فحكم بمجمع أريوس بنفي البابا أثناسيوس فذهب الجند إلى كنيسة السيدة
العذراء التي بناها البابا ثاونا. وكان البابا يصلي صلاة الغروب ويقول ” لأن
إلى الأبد رحمته فاندفع الجند بشدة إلى داخل الكنيسة للقبض علي البابا لكن الله
وضع غشاوة علي عيونهم فلم يميزوه عن الشعب وانطفأت المصابيح وخرج البابا وذهب إلى
الصحراء وبقي مدة مع الآباء الرهبان وعين الأريوسيون جورجيوس الكبادوكي أسقفا على
الأرثوذكس فلم يقبلوه، فاستولي علي أوقاف الكنائس، إلا أن الوثنيين الذين اضطهدهم
قتلوه واحرقوا جسده.

عودة البابا
بسبب يوليانس ثم تركه الكرسي للمرة الرابعة.

لم يستمر
الحال هكذا فقد مات الإمبراطور قسطنديوس وقام ابن عمه يوليانس وكان يريد أن يجذب
قلوب الشعب فطلب إرجاع أثناسيوس فعقد البابا مجمعا سنة 362 م ووضع شروط قبول
الأريوسيين الراجعين كما اهتم بالتبشير وسط الوثنيين فلم يلق هذا قبولا لدي
يوليانس الذي كان يحب الوثنيين، فطلب القبض علي أثناسيوس فخرج البابا من الإسكندرية
وركب مركبا إلى الصعيد فتبعه الوالي في مركب أخرى ولما اقتربت من مركب البابا
سألوا عن مركب البابا أثناسيوس فقالوا أنها كانت ذاهبة إلى طيبة وهو ليس ببعيد
عنكم فأسرع الوالي بمركبه في طريقه ولما وصل إلى أقرب مدينة لم يعثر علي أثناسيوس
لأنه كان قد اختفي في مكان أخر، وقد تأثر من حوله لكثرة الاضطهادات التي وقعت عليه
فأظهر لهم أنه في وقت الاضطهاد يشعر بسلام داخلي وبازدياد شموله بنعمة الله أكثر
من الوقت العادي، ثم زاد في قوله ” ان اضطهاد يوليانس كسحابه صيف سوف تنقشع
وبينما هم في هذه الأحاديث أتاهم الخبر أن يوليانس قد قتل في حرب الفرس وقد قتله
مرقوريوس أبو سيفين وقد لفظ الدم من جسده وهو يقول ” لقد غلبتني يا ابن مريم

عودة البابا
وانفراده للمرة الخامسة بعيدا عن كرسيه، وذلك في مقبرة أبيه

بعد أن قتل
يوليانوس تولي يوبيانس ثم تولي فالنز وكان أريوسيا وفي سنة 367 م أصدر قرارا بنفي
البابا فاضطر أن يهجر الإسكندرية ويختفي في مقبرة والده. قتل في أثنائها الملك
ثلاثين أسقفا من الموالين لأثناسيوس. ومع هذا رأي صلابة الأقباط فقرر رفع الاضطهاد
عنهم وإعادة أثناسيوس إلى كرسيه سنة 368 م

ومع أن
أثناسيوس كان قد بلغ من العمر 72 سنة إلا أنه لم يقصر في واجباته ولثبات البابا في
الحق أتي المثل الإفرنجي ” أثناسيوس ضد العالم “. وللبابا أثناسيوس كتب
عدة عن الأريوسيين وفي التجسد وغيرها، وقد قرظ الأنبا قزمان هذه المؤلفات في قوله
: من يجد شيئا منها فليكتبه حالا علي قرطاس ومن لم يجد فليدونه علي ثيابه، وهذا
البابا هو أول من لبس زي الرهبنة من يد القديس أنطونيوس وجعله زيا لكل البطاركة
والأساقفة وهو الذي رسم القديس أنطونيوس قسا فقمصا وتنيح بسلام بعد أن قضي علي
الكرسي المرقسي خمسا وأربعين سنة.

صلاته تكون
معنا ولربنا المجد دائما. آمين

 

V أثناسيوس الرسولي البابا العشرون

نشأته

كان
الله يهيئ هذا الإناء المختار ليقف بقوة الروح والحق أمام أريوس والأريوسيين،
محافظًا على إيمان الكنيسة الجامعة بخصوص لاهوت السيد المسيح. فقد وُلد أثناسيوس
غالبًا في صعيد مصر من عائلة متدينة تقية حوالي عام 297
م، وكان والده كاهنًا، تشرب منه الحياة
الكنسية الورعة، هذا وقد نزحت الأسرة إلى الإسكندرية (غالبًا بعد نياحة والده)
ليراه البابا الكسندروس (19) وهو مطل من شرفة البطريركية يقوم بدور عماد أصدقاء له
على شاط
ىء البحر، فاستدعاه وحاوره
فأحبه وقبله تلميذًا له وسكرتيرًا خاصًا، بهذا كان الله يهيئه للعمل على مستوى عام
وشامل.

لم
يُبتلع أثناسيوس في أعمال إدارية بل ركز بالأكثر على الدراسة العلمية والفلسفية
والأدبية والقانونية، وأعطى اهتمامات للدارسات الإنجيلية اللاهوتية على أساس
آبائي. ومما ألهب قلبه أن معلميه الذين يقرأ لهم أستشهد بعضهم في شبابه وربما عاين
بنفسه شهادتهم من أجل تمسكهم بالإيمان بالسيد المسيح، فكانت كلماتهم مدعّمة في
نفسه بالجهاد حتى الموت.

أما
بالنسبة للجانب النسكي فقد تتلمذ القديس أثناسيوس فترة لدى القديس أنبا أنطونيوس
ألهبت فيه زهد العالم وحبه للعبادة والتأمل وعدم مهابة الموت.

يظهر
نضوجه المبكر من كتابيه “ضد الوثنيين”، “تجسد الكلمة” اللذين
وضعهما قبل عام 319

م، الأول دعا
فيه الوثنيين إلى ترك الوثنية، والثاني عرض فيه فكرًا لاهوتيًا بأسلوب علمي عن
التجسد الإلهي.

في
مجمع نقية (سنة 325

م)

قيل
أن البابا ألكسندروس سام أثناسيوس قسًا أثناء المجمع ليعطيه حق الكلمة، فقد كان
النجم اللامع، خذل الأريوسيين منكري لاهوت السيد المسيح، مؤكدًا أنه “واحد مع
الآب في الجوهر”.

بابا
الإسكندرية

حاول
أثناسيوس الهروب حين وجد رجال الإكليروس مع الشعب يلحون على سيامته أسقفًا
للإسكندرية بعد أن تنيح البابا ألكسندروس (عام 328)، ما عدا قلة من الأريوسيين
والميليتيين (أتباع ميليتس أسقف أسيوط الذي أنكر الأيمان أثناء الاضطهاد ثم عاد
فحرض الأساقفة على الانشقاق، وحاول اغتصاب الكرسي الباباوي حينما كان القديس بطرس
خاتم الشهداء مسجونًا).

سيم
أسقفًا على الإسكندرية وبابا للكرازة وهو شاب (حوالي الثلاثين من عمره) وقد بقى
سبع سنوات في جو من الهدوء، فيها سام فرمنتيوس أسقفًا على أكسوم بأثيوبيا (الأنبا
سلامة)، وكان ذلك بداية تأسيس كنيسة أثيوبيا، حوالي سنة 3
30 م، وإن كان بعض الدارسين يرى أنها تحققت
حوالي عام
357 م. وفى هذه الفترة قام بزيارة رعوية
لصعيد مصر، فيها التقى بالقديس باخوميوس الذي هرب من لقائه حتى اطمأن أنه لن يرسمه
كاهنًا.

مقاومة
الأريوسيين له

كان
الأريوسيون مع الميليتيين على اتصال بيوسابيوس أسقف نيقوميديا يدبرون الخطط لتحطيم
البابا أثناسيوس، فقد بقى حوالي أربعين عامًا لا يعرف طعم الراحة، نلحظها في
النقاط التالية:

1. بتحريض يوسابيوس أصدر
الإمبراطور قسطنطين أمره لأثناسيوس بقبول آريوس في الشركة، بعد أن ادعى الأخير
توبته وكتب قانون إيمانه بصيغة ملتوية، وقد رفضه البابا، وكان ذلك حوالي سنة 330
م.

2. أبحر ثلاثة أساقفة ميليتيون
إلى نيقوميديا يقدمون عريظة اتهام ضد البابا، وكان لدى الإمبراطور كاهنان كشفا
كذبهم للإمبراطور، فأدانهم واستدعى البابا، فجاء وكشف بطلان حججهم ضده (إنه حطم
كأس الأفخارستيا الذي يستخدمه أسخيراس الكاهن، وقتل الأسقف أرسانيوس… الأول أتى
للبابا نادمًا ومعترفًا أنهم أغروه برشوة ليدعي كذبًا، والثاني كان مختفيًا في
صور).

3. في
سنة 335 عقد مجمع في صور يرأسه يوسابيوس القيصري يحركه يوسابيوس النيقوميدي، فيه
قامت امرأة زانية تتهمه باغتصابه لها، فقام تلميذه الشماس تيموثاوس يحدثها كأنه
أثناسيوس فقالت له بوقاحة أنه هو الذي سلبها عفتها وبتوليتها…. عندئذ خزي الكل!
عرضوا أيضًا قضية الكاهن أسخيراس والأسقف أرسانيوس وجاءوا بشهود من اليهود يدعون
أنهم موعوظون جدد.

ومع
ظهور براءته هاج المجمع وماج، فترك البابا المجمع وانطلق إلى القسطنطينية.

وإذ
شعر يوسابيوس وأعوانه بالخطر يلاحقهم أسرعوا ليدعوا بأن البابا هدد بمنع إرسال
القمح من الإسكندرية إلى القسطنطينية، فهاج الملك ونفاه إلى تريف وكان ذلك في
فبراير 336
م. في جرأة قال البابا
للإمبراطور: ” الرب يحكم بيني وبينك”….

بعد
مجمع صور عُقد مجمع في أورشليم

– بعد تدشين
كنيسة القبر المقدس- من الأريوسيين أصدروا قرارًا بعودة أريوس إلى الإسكندرية في
غياب البابا المنفي، فعاد أريوس تحت حراسة مشددة لكن ثورة الشعب ضده ألزمت الوالي
أن يطالب بسحبه ورده إلى القسطنطينية، فاستدعاه الإمبراطور.

بذل
يوسابيوس النيقوميدي كل الجهد لعودة أريوس للشركة الكنسية فكان البطريرك
القسطنطيني الكسندروس مرّ النفس، ولما أُلزم بقبوله صلى إلى الله، فمات أريوس في
مرحاض عام وهو في طريقه إلى الكنيسة.

بعد
حوالي عام إذ كان قسطنطين على فراش الموت أوصى بعودة البابا أثناسيوس إلى كرسيه،
وبالفعل عاد ليجد الإسكندرية كلها تترقبه على الشاطئ كملاك انحدر إليهم من السماء!

4. لم يهدأ يوسابيوس النيقوميدي
عن مقاومة البابا، فقد نجح في إقناع الإمبراطور أن يستدعي الوالي ثيوذوروس لأنه
كان صديقًا للبابا ويرسل فيلاجيوس الكبادوكي عوضًا عنه، الذي كان قد حكم
الإسكندرية قبلا (
335 – 337 م) وهو عدو عنيف للبابا.

قام
الأريوسيون بأعمال شغب وتخريب وقتل لإثارة الإمبراطور بأن وجود البابا ينزع السلام
عن الإسكندرية، كما وجهوا ضده اتهامات كاستيلائه على القمح الخاص بالفقراء،
وإعلانهم أن عودته غير كنسية لأنها بدون قرار مجمعي، وقد نزل القديس أنبا أنطونيوس
يساند البابا المتألم.

5. خلال عام 338 أنهمك يوسابيوس
النيقوميدي في الانتقال من نيقوميديا إلى أسقفية القسطنطينية، لأن العاصمة كانت قد
انتقلت رسميًا من نيقوميديا إلى القسطنطينية، وإذ نجح في ذلك تفرغ لمقاومة البابا
أثناسيوس ففي نهاية 338 أقنع الإمبراطور قنسطانطيوس بعقد مجمع في إنطاكية، فيه
يصدر قرارًا بعزل البابا، صدر الأمر وانطلق الرعاع إلى كنيسة ثيؤناس لقتله، فهرب
البابا. تعرض الكهنة والرهبان مع الشعب حتى النساء إلى موجة مرة من العذابات بل
وذُبح البعض وسُجن آخرون، وبعد أربعة أيام دخل غريغوريوس الكبادوكي كأسقف للمدينة
يضطهد المؤمنين.

لم
يقف الرهبان مكتوفي الأيدي، فقد أرسل القديس أنبا أنطونيوس عدة رسائل منها إلى
الأسقف الدخيل وبعض الضباط يؤنبهم عن تصرفاتهم، كما بعث القديس باخوميوس أفضل
راهبين عنده هما زكاوس وتادرس ليسندا المؤمنين بالإسكندرية في غيبة البابا.

سافر
البابا أثناسيوس إلى روما ليلتقي بصديقه البابا يوليوس حيث كتب الأخير رسالة إلى
يوسابيوس النيقوميدي وجماعته كطلب مجمع روما، في هذه الزيارة دخلت الرهبنة إلى
الغرب، وتشبع الفكر اللاتيني بلاهوتيات أثناسيوس.

اعتبر
اتباع يوسابيوس رسالة يوليوس التي برأت البابا أثناسيوس إهانة لكرامتهم، فعقدوا
مجمعًا بإنطاكية، وكتبوا له يتهكمون ويهددون لكن في شيء من الحذاقة.

في
سنة 342 التقى البابا أثناسيوس بإمبراطور الغرب قسطانس في ميلان وقد حاول
اليوسابيون أن يصوروا لأخيه إمبراطور الشرق قسطنطيوس أنه تلاقى معه ليطلب عقد مجمع
عام لأساقفة الشرق والغرب، وقد أكد
ّ
البابا أنه لم يفعل ذلك، إنما كانت الفكرة لدى قسطانس قبل لقائه بالبابا.

6. رأى الإمبراطوران الشرقي
والغربي أن يُعقد مجمع في سرديكا أي صوفيا (عاصمة بلغاريا) على حدود المملكتين
وكان ذلك في عام 343، وقد جاء الأساقفة الأريوسيون من الشرق (كان يوسابيوس قد
مات)، ورفضوا حضور المجمع لدخول البابا أثناسيوس وجماعته فيه، وإنما اجتمعوا في
مدينة فيلوبوليس مقابل سرديكا وتقع في حدود مملكة الشرق، وقد تركوا خطابًا بيد
يوستاثيوس كاهن كنيسة سرديكا يعتذرون أنهم اضطروا للرجوع لدعوة الإمبراطور لهم بعد
عودته منتصرًا على الفرس، فيه حرموا هوسيوس ويوليوس وأثناسيوس وغيرهم. أما آباء
مجمع سرديكا فوقعوا حرمانًا على أحد عشر أسقفًا أريوسيًا.

استخدم
الأريوسيون إجراءات حازمة لمنع دخول أثناسيوس ورجاله إلى الإسكندرية لكن الرب بدد
مشورتهم بأيد
ٍ أريوسية، فقد أتى بعض الأريوسيين
بامرأة شريرة ودخلوا بها إلى أسقفين كانا مندوبي الإمبراطور قسطانس موفدين إلى
أخيه إمبراطور الشرق. وإذ دخلت المرأة إلى حجرة أحدهما ووجدته شيخًا وقورًا يغط في
النوم صرخت، وتجمعت المدينة وأعلنت ما قد حدث، وبسببها عُزل الأريوسي إسطفانوس
أسقف إنطاكية. هنا تيقظ ضمير إمبراطور الشرق ليدرك شر الأريوسيين وألاعيبهم فأمر
بعودة جميع المنفيين بسببهم، بل وأرسل ثلاثة خطابات للبابا أثناسيوس يعلن فيها
شوقه لرؤياه، مترجيًا عودته إلى كرسيه.

قبل
أن يذهب إلى الإمبراطور التقى أثناسيوس بصديقه الحميم يوليوس أسقف روما التي اهتزت
نفسه بالفرح فكتب رسالة إلى كهنة الإسكندرية وشعبها يهنئهم على عودة أبيهم
المناضل.

التقى
رجل الآلام بالإمبراطور، ثم انتقل إلى بلاده، ليستقبله شعبه بفرح عجيب عام 346
م، بعد غياب طال أكثر من سبع سنوات، فيه
ذاق الشعب مرارة الحرمان من رعاية البابا مع سقوطهم تحت اضطهاد الأريوسيين
والميليتيين لهم، فكان رجوعه سبب بركة إذ رسم الأساقفة للإيبارشيات الخالية وازداد
عدد المكرسين للخدمة والمتبتلين والرهبان بصورة ضخمة، وانطلق الكل يود تعويض
السنوات العجاف.

7. انتهز الأريوسيين قتل قسطانس
صديق البابا أثناسيوس حيث قامت حرب أهلية بين قاتل قسطانس ماجننتيوس والإمبراطور
قسطنطيوس الذي صار إمبراطورًا للشرق والغرب شغلت الإمبراطورية أكثر من ثلاث سنوات،
واتهموا البابا أن له علاقة سرية بالقاتل. وإذ تخلص الإمبراطور من ماجننتيوس تفرغ
لمقاومة البابا الذي كان يكن له كراهية بغيضة في داخله. وبغضب شديد ألزم أساقفة
الشرق والغرب بعقد مجمعين في آرل بفرنسا وميلان لعزل البابا ونفيه، وقد احتمل بعض
الأساقفة النفي مثل باولينيوس أسقف تريف، ولوسيفر مطران سردينيا، ويوسابيوس أسقف
فرشيلي بإيطاليا، وديوناسيوس أسقف ميلان، وهوسيوس أسقف قرطبة الذي كان قد بلغ
المائة من عمره، أما ليبريوس أسقف روما فقد ثابر إلى حين وأخيرًا زلّ صاغرًا ووقّع
على وثيقة الأريوسيين بعد أن أمضى في النفي سنتين.

هاجم
الجند كنيسة القديس ثيوناس بينما كان البابا يصلي مع الكهنة والشعب، وإذ ماجت
الجموع وسط بريق السيوف أراد البابا أن يبقى حتى يخرج أخر شخص، لكن الكهنة
والرهبان ألزموه بالانسحاب خاصة وأن الظلام ح
لّ بالموقع حين انطفأت الشموع والمصابيح.

بقى
أثناسيوس هاربًا ست سنوات يطلب الإمبراطور رأسه دون جدوى!

قدم
الإمبراطور جورج الكبادوكي أسقفًا يغتصب الشعب ويتسلم الكنائس عنوة ويجمع الأموال،
لكنه لم يستطع أن يحتمل البقاء في الإسكندرية، فهرب ليعود بعد موت الإمبراطور (سنة
361) فيقتله الوثنيون الذين كانوا يبغضونه (ربما للاستيلاء على أمواله).

كان
أثناسيوس في منفاه الاختياري يتنقل من دير إلى دير ومن موضع إلى أخر
، بقلبه الملتهب بحب الله وشعبه، يرعى أولاده خلال كتاباته العميقة، فكان خصبًا في إنتاجه الروحي. كتب سيرة
الأنبا أنطونيوس
، ودفاعه عن هروبه، وأرسل خطابات إلى أساقفة مصر وليبيا
ولوسيفر أسقف ك
الاريس (كاجلياري بجزيرة
سردينيا غرب إيطاليا) وإلى الرهبان المصريين، وأربع مقالات ضد الأريوسيين، وخمس
رسائل عقائدية لسيرابيون أسقف تمى، وخطابات عن الروح القدس
، وكتاب المجامع.

بموت
قسطانطيوس وتولي يوليانوس الحكم ظهر البابا أثناسيوس عام 362 ومعه لوسيفر أسقف
كلاديوس وأوسابيوس أسقف فرشيلي اللذان كانا منفيين بالصعيد.

عقد
البابا مجمعًا بالإسكندرية عام 362 دعي “مجمع القديسين والمعترفين”
، إذ كان جميعهم قد حضروا من النفي أو
نالوا عذابات، لكن لم يدم الحال
، فقد شعر يوليانوس بخطورة
البابا أثناسيوس على الوثنية فبعث لوالي الإسكندرية يقول بأن الأمر بعودة المنفيين
إلى بلادهم لا إلى كراسيهم
، آمرًا إياه بطرد أثناسيوس
خارج مصر
، فاضطر البابا إلى الاختفاء
في مقبرة أبيه 6 شهور. وإذ شدد الإمبراطور على الوالي اضطر البابا
إلى ترك الإسكندرية متجهًا إلى الصعيد في
مركب لحقتها مركب الوالي
، فسأله الجند عن أثناسيوس،
أما هو فقال لهم: “إنه ليس بعيد عنكم” فأسرعوا نحو الصعيد، وعاد هو إلى
مدينة كايرو بجوار ممفيس، وبعد فترة صار يتنقل بين الأديرة في الصعيد.

قُتل
يوليانوس وتولى جوفيان الحكم فأرسل خطابًا ود
ّيًا للبابا يدعوه للعودة، كما أمر بعودة
كل المنفيين. رجع البابا إلى الإسكندرية حيث عقد مجمعًا فيه كتب خطابًا يحوي قانون
الإيمان النيقوي
، ثم انطلق لمقابلة الإمبراطور
الذي قابله بالترحاب ليعود إلى الإسكندرية في فبراير 364، حاملاً معه خطابات
الإمبراطور.

مات
جوفنيان في فبراير 364 وتولى فالنتينان الحكم في نفس الشهر فاستلم الغرب وسل
ّم أخاه فالنس الأريوسي الشرق.

8. بعث فالنس منشورًا بعودة جميع
الأساقفة الذين سبق نفيهم في حكم يوليانوس إلى أماكن نفيهم، اضطر البابا أن يغادر
الإسكندرية إلى بيت ريفي. وتحت ضغط الشعب رجع أثناسيوس إلى كرسيه بعد حوالي تسعة
شهور
(مايو 635 – فبراير366) فامتلأت الإسكندرية فرحًا.

عاد
البابا من نفيه الخامس وقد بلغ حوالي السبعين من عمره ليمارس رعايته لشعبه بروح
متقدة بالغيرة، خاصة في تطهير البلد من كل فكر أريوسي.

في
عام
369 عقد مجمعًا بالإسكندرية
من 90 أسقفًا للاهتمام بالفكر الإيماني المستقيم، وبقى عاملاً حتى بلغ الخامسة
والسبعين من عمره ليسلم للأجيال وديعة الإيمان المستقيم بلا انحراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار