علم التاريخ

الكنسية القبطية في نهاية العصر الفاطمي



الكنسية القبطية في نهاية العصر الفاطمي

الكنسية
القبطية في نهاية العصر الفاطمي

لا
ريب أن عصر الدولة الفاطمية في مصر كان عصر هدوء وسلام وسكينة، وبذلك ساد
الاستقرار أغلب مؤسسات الدولة. ولم يحدث قط في تاريخ مصر آنذاك أن تغير شكل الحكم
بهذه المسالمة، كما أن ظفر الفاطميين بمصر قد حولها تدريجيا من دولة تابعة إلى
دولة مستقلة، وبالتالى أوصلها إلى مكانة مرموقة بين مختلف الدول المجاورة.

ولما
كان موضوعنا هو نهاية هذه الدولة، أو “مصر في القرن الحادى عشر
الميلادى” فإن هذا يساير عهد الخليفة الظاهر بن الحاكم بأمر الله.

وللعجب
أن يأتى المولود على عكس الوالد، فبعد أن ذاقت الكنيسة ومصر كلها الأمرّين على عهد
الحاكم بأمر الله، فقد جاء ” الظاهر ” بخطة تسامح وألفة، مثلما كان على
عهد جده “العزيز بالله” مما أفرز إنتاجاً غزيراً من الفكر والفن، فتبارى
العلماء والأدباء في التأليف وتبارى الشعراء في القريض، مما راجت معه سوق العلم
والأدب والاستمتاع بالموسيقى والغناء.

بل
أن الظاهر أعاد بتسامحه الكثير من الحقوق إلى الأقباط ومنح الذين غيروا دينهم في
عهد أبيه عنوة أن يرجعوا إلى دينهم الأصلى، وسمح بترميم ما تهدم من كنائس.

ولقد
عاصر العصر الفاطمى عدد كبيرا من البطاركة بلغوا اثنا عشر بطريركا، منهم خمسة
بطاركة في فترة دراستنا هذه عاشوا عهد الظاهر وبعده المستنصر، وهو الخليفة الذي
عاش أطول فترة من سابقه وعايش معظم هؤلاء البطاركة، وتولى الحكم قاصرا بوصاية أمه
السودانية الأصل، وبعد أن بلغ سن الرشد تسلم الحكم من أمه فبدأ سالما عادلا إلا أن
وزيرة “بازورى” كان يقلب على المسيحين حيث كان طامعا في المال وفى
السلطة.

 

وقد
شغل الكرسى البطريركى في القرن الحادى عشر ونهاية العصر الفاطمى كل من الاباء
البطاركة:


الأنبا زخارياس (زكريا) البطريرك الرابع والستون 1004 – 1032


الأنبا شنودة الثانى البطريرك الخامس والستون 1032- 1046


الأنبا خرستوذولوس البطريرك السادس والستون 1046 – 1077


الأنبا كيرلس الثانى البطريرك السابع والستون 1078 – 1092


الأنبا ميخائيل السنجارى البطريرك الثامن والستون 1092 – 1102

وسيكون
تركيزنا أكثر على كل من الأنبا خريستوذولس والأنبا شنودة الثانى كنموذجين متناقضين،
مع عدم الإخلال بذكر بقية الآباء.

 

 

الأنبا زخارياس (زكريا) البطريرك ال 64

+
بعد نياحة البابا فيلوتاؤس البطريرك الثالث والستون، صار صراع على الكرسى بين أحد
أثريا الاسكندرية والطامع فى المنصب وكان يدعى ابراهيم بن بشر، وبين كاهن شيخ يدعى
القس زكريا كاهن كنيسة رئيس ميخائيل فى الاسكندرية.

+
استغل ابراهيم من بشر ثراءه واستصدر من كبار رجال الدولة صكا بتولية السدة
المرقسية فى الوقت الذى سارع الاكليروس بوضع الأيدى على القس زكريا، ووضعوا ابن
بشر امام الأمر الواقع.

وأمام
غضب ابن خشبى آباء الكنيسة من تدهور الموقف سيما وأنه يحمل صكا من الخليفة بتعيينه
فأشاروا على البطريرك الانبا زكريا بتطييب خاطره ورسامته ثم رقاه قمصا ولما خلا
كرسى متوف رسموه عليه.

+
امام طيبة قلبه كانت سنينة السبع الاولى فى سلام، ولكن استغل الاكليروس طيبة قلبه
وبداوا يرتكبون المعاصى، فرسم الاساقفة من لا يستحقون هذه النعمة، وتدخل ”
القيمة ” فى أعمال الكنائس والاتجار بالنبيذ وغشه، كما توقف التعليم فى
التربية الكنسية، وترجمة اخلاق البطريرك الرفيعة على انها ضفف، وفعلا حدث تسيب
كبير فى الكنيسة، فجمعت الأموال للسيمونية باسمه وهو برئ منها

+
تجرأ أحد الرهبان من دير ابو مقار (بؤانس) وطالب بالاسقفية ولم يكن أهل لها، كما
طولب بالسيمونين فرفض وهو بأن يذهب الى القاهرة ليشتكى للخليفة واستطاع الاساقفة
أخذ الشكوى منه وأوصلوها للبطريرك الذى أحالها بدوره الى ابن أخية أسقف سخا، فحرص
الآخير على قتله والقى فى بئر وأهالوا عليه الحجارة الا أنه لم يمت، ولما علم
البطريرك بهذا حزن جدا، ورغم وعد البطريرك له برسامته اسقفا إلا أنه لم ينفذ وعده

+
وصل الراهب الى الخليفة وكان الحاكم بأمر الله فى أواخر أيامه، فأمر بالقاء
البطريرك للأسود وفعلا القى فى جب الأسود الا أنها لم تؤذيه، فأخرج منها واعتقل
ثلاثة اشهر واطلق الحاكم سراحه بعدها ليذهب الى أديرة شيهات ليظل تسع سنوات، بعدها
توسط له راهب يدعى بنيامين كان قد ضل ثم عاد للميسحية ونال حظوه لدى الحاكم فأنشأ
دير شهران ومكث فيه وكان الحاكم يذهب اليه فيه، فقابلوه بالبطريرك، وفعلا عفا عنه.
ظل البابا بعدها الى ان تنيح بسلام فى 4 يناير 1032.

الانبا
شنوده الثانى- البطريرك ال 65.

عاصر
الخليفتين الظاهر والمستنصر، كما عاصر بقيرة الرشيدى أحد المقربين لبيت الحكم،
فذهب بقيرة هذا ومعه بعض أكابر الأقباط ليستصدروا أمراُ من الخليفة بالموافقة على
تنصيب بطريرك، وكان الله معهم فسمح لهم بذلك مع تنازل بيت المال عن المبلغ الذى
كان يدفع عادة فى مثل هذه المناسبة وقدره ثلاثة الاف دينار،

إختياره

+
بدأوا بعد ذلك يتشاورن فيمن سيختارون، ووقع
إختيارهم على
انسان كان قد ترهب فى دير ابو مقار وكان سنه 14 سنة واسمه شنودة، عارفا بالكتب
المقدسة

وقبل
أن أحدهم قال إنه رأى فى رؤية فى الليل من يقول له، إن من يدخل من باب البيعة
ويقبل الأجساد المقدسة فى الدير يكون هو البطريرك ” وكان هذا الداخل هو شنودة

+
ولكن كان شنودة من الذين يشتهون هذا المنصب حيث قال انه رأى هو أيضا رؤية فيها
الرسولان بطرس ويوحنا وكأنما يسلمانه مفاتيحا “، وهذا بالطبع ليس أسلوبا
لتولى مثل هذا المنصب، فمن يدرينا بصحة هذه الرؤى، سيما واذ كان مشهورا عن شهوته
للمنصب، ولذلك سنرى النتيجة

أهم
أعماله

+
واجه الراهب شنودة مشكلة الراهب يؤانس مرة أخرى اذ طلب رسامته اسقفا حيث لم يكن
الانبا زكريا قد رسمه، فوعده برسمه على كرسى الفرما، فقبل يؤانس هذا مقابل صرف
ثلاثين دينار سنويا حيث أن الكرسى فقير، وكان هذا وعد من الراهب شنودة قبل الرسامه

+
اجتمع اراخنه الأسكندرية بالراهب شنودة وقبل رسامته طلبوا منه ان يسدد كل عام مبلغ
500 دينارا تصرف فى شئون البطريركية، وبالايستعمل السيمونية فى الرسامه،

+
بعد رسامته فى الاسكندرية واستكمالها فى القاهرة فى كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل
بجزيرة الروضة، بدأ بعدها يتنكر للمبادئه وعهوده، واستعمل القسوة فى التعامل معهم
واستعمل السيمونية بشكل كبير كرسامة أسقف ببا واسقف أسيوط، فلما علم اهل اسيوط انه
رسم لهم اسقف بالسيمونية، وقفوا ضده ومنعوه من دخول مدينتهم ثلاث سنوات فعاد الى
البطريرك ليطالبه بالمبلغ الذى دفعه له فأعاده اليه ولكن أهل اسيوط لم يمكنوه ايضا
فكان يرتكب اعمالا شائنه وعاش فى إحدى قرى اسيوط حتى مات

+
توقف الانبا شنودة الثانى عن دفع مبلغ الخمسمائه دينار التى وعد بدفعها سنويا،
وكان قد دفعها سنتين ثم توقف، وخيرهم بين السيمونية او تخفيض المبلغ، واستمر على
السيمونية تحت دعوى الصرف على وجوه البر وعلى البطريركية والعاملين فيها، وكان
يتحدى فى هذا رأى الاكليروس والأراخنة الذين كثيرا ما نصحوه بالتخلى عنه

+
فعقد هؤلاء اجتماعا برئاسة بقيرة الرشيدى وطالبوا البطريرك بالتزاماته، فطلب منهم
البطريرك الصك الذى وقع عليه ليراجعه، وما أن حصل عليه الا ومزقه، فغضب الاساقفة
والشعب المجتمعون، وتوتر الموقف على إثر إصرار كل من الطرفين على موقفه، بل وقام
جماعة من اتباع البطريرك بضرب بفيرة الرشيدى ومن معه وانفض الاجتماع على لا شئ

+
زيادة من مظاهر غضب الله على الشعب بسببه أن انخفض فيضان النيل وعم البلاء وانتشر
الفقر، مما أزاد غضب الشعب عليه

+
ظلت الكنيسة تعانى من هذا الرجل الى انه اصيب بصداع شديد فى رأسه مع سعال شديد،
وأحمى وكأن نارا تأكل رأسه وظل مريضا هكذا لمدة ثلاث سنين حتى اختاره الرب ليستر
الكنيسة فى 29 اكتوبر 1046

 

الانبا خرستوذولوس البطريرك ال 66

نشأته

كانت
بطريركيتة ايام الخليفة المستنصر، وهو من بلدة بورة بالقرب من دمياط وترهب فى دير
البراموس، وانتقل الى صومعة ليتوحد على شاطئ البحر، وكانت معه فى الصومعه عظام
القديسة تكلا تلميذه القديس بولس الرسول

إختياره

+
كان
إختياره على غير
رغبته، إذ كان يزهد فى المناصب، فقد توجه إليه فى قلايته وفد من كنيسة الاسكندرية،
وأمسكوه ورسموه فى 11 ديسمبر 1046، ثم سار إلى دير أبو مقار حسب العادة بعد رسامته
كرس(دشن) ست كنائس بالاسكندرية

+
بعد أن سارت مدته فى أولها هادئه فى سلام، بدأ الوزير البازورى، والذى اشرنا اليه
يحتك له الحبائل حيث كان شديد الكراهبة للمسيحيين، فقد قبضت قبيلة اللواته فى
الوجه البحرى على البطريرك، ولم يطلقوا سراحه الا بعد دفع 3000 دينار

ايامه

+
تعرض كذلك لمتاعب من الاساقفة انفسهم، فقد وفد على القاهرة جماعة من الاساقفة
الموقورين واتفقوا على خلع البابا بدعوى أن رسامته كانت ناقصة، حيث لم تنل بعض
الصلوات، وكان هذا هو السبب الظاهرى، أما الحقيقة فكانت توجد خصومة بين الانبا
يوحنا اسقف سخا وبين البطريرك، حيث كان الانبا خرستوزولوس حازما فى التعامل معه،
ولكنه استطاع بحنكته وتدخل احد الاراخنة (الشيخ ابو زكرى يحيى) صاحب ديوان المملكة
ان يزيل ما فى نفسيهما وصليا قداسا معا

+
اراد راهب يدعى جلوطس ان يسام اسقفا لشهوته فى المنصب فأبى البطريرك فدس له عند
الخليفة، الذى أمر بالقبض عليه ومصادرة ما لديه من أموال، وفعلا أخذ مما معه بعد
اهانات كثيرة

+
طمع احد الرهبان (القس ابو يعقوب) فى البطريركية فى وجوده، مستعينا فى ذلك برشوة
أولى الأمر الا انه بصلوات الانبا البطريرك مات ولم يكمل خطأه

+
ادعى ضده احد المسيحيين عند أمير الجيوش (بدر الجمالى) أنه على صلة ببلاد النوبة
وأنه أمر بهدم مسجد هناك عن طريق المطران بقطر وأنه يحول مسلمى الحبشة الى مسيحيين
فلما ارسل الجمالى ليتحرى الحقيقة وجد أن كل هذا اكذوبا، وكان قد القى القبض على
البطريرك، ولكنه أعادة الى كرسيه مكرما والقى القبض على المدعى و فى عهده احتفظ
الاقباط برأس القديس مرقس الرسول ضد محاولة سرقتها بمعرفة الروم مقابل عشرة الاف
دينار

أهم
اعماله

+
تشييد عدة كنائس فى الاسكندرية والاقاليم ورسامته الكثير من الأساقفه والكهنة
والشمامسة، وأعلن أن لاحق لهؤلاء فى أموال الكنيسة الا فى حدود المسموح به

+
حارب السيمونية التى كانت قد انتشرت بشكل ملفت للنظر منذ عهد سابقة له

+
قام برحلات رعوية تفقد فيها تطبيق الاكليروس لقوانين الكنيسة وقوانين المجامع
المقدسة، وعاقب الخارجين على النظم

+
فى اول زيارة له الى القاهرة راى ضرورة اتخاذها مقرا لرياسته بدلا من الاسكندرية،
لان وجود الحكام المدنيين فيها، واضطراره للتشاور معهم فى شتى المناسبات بوصفه
المسئول الاول عن الاقباط جعل وجوده فى الاسكندرية أمرا عسيرا، ورأى أن يجعل من
كنيسة المعلقة مقره المختار

+
وضع قوانين طقسية بدأ بإصدارها فى أول اغسطس 1048 بعد اقل من ستين من رسامته،
اولها خاص بطقس المعمودية، وأخرى خاصة بالعبادة وخشوع المؤمنين فى دخول الكنيسة،
وطاعة الزوجات لأزواجهم، والصوم الاربعين واسبوع الالام وطقس الخماسين وصوم الرسل
وصوم يومى الاربعاء والجمعة وصوم الميلاد وعيد الغطاس

+
منع اضافة أى شئ الى القربان لأنه كان قد تسرب من الارمن وضع ملح فى القربان
المقدس

+
ابطل عادة الإحتفاظ بقربان أحد الشعانين الى قداس خميس العهد

+
سعى الى زيادة العلاقة بين كنيسة الاسكندرية وكنيسة انطاكية وافق على أن يذكر كل
بطريرك الآخر فى قداسة

 

الانبا كيرلس الثانى- البطريرك ال 67 (1078- 1092)

إختياره

 كانت
حبرية هذا البابا الجليل فى خلافة الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، وفى عهد بدر
الجمالى الذى كان متصرفا فى شئون البلاد بشكل فعلى، وكان يغلب عليه انه مسيحى من
بلاد الصقلب اصلا (جنوب روسيا) وكان الخليفة قدا استحضره من سوريا وخلع عليه عدة
القاب منها (أمير الجيوش)، حيث كان شجاعا قويا حسن التصرف

 وقد
نعمت مصر أيامها بالسلام والهدوء، لان بدر الجمالى وفر وسائل الأمن والعدالة، وكان
يهدف الى جعل مصر دولة قوية تنعم بالرخاء، فنمت الزراعة والتجارة، حيث تنازل
للزراع عن ضرائب ثلاث سنين مضت كانت متأخرة عليهم، فزاد انتاجهم، كما ازدهرت
العلوم والفنون وروح الابتكار، وكان واسع الصور يعرف قيمة الوحدة الوطنية فأعطى
الاقباط حريتهم فنبغوا فى كل احوالهم

وكان
اعظم انجاز معمارى فى عهده هو سور القاهرة العظيم، ونفذ المهندسون رغبته وقد جعلوا
لهذا السور ثلاثة ابواب هى باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة، وكان المتولى عمارة
هذه الاسوار راهب قبطى يدعى يوحنا (يؤانس) وهو الذى اشرف على تصميمها وقد اقيمت
بعيدة عن الاسوار القديمة فأعطت القاهرة اتساعا اكثر. ووسط استتباب الأمن كلف بدر
الجمالى الاقباط بتنظيم الدواوين وتشكيلها، حيث بلغ مقدار ماجبى فى ايامه ضعفى ما
كان يجبى من قبل

رسامة
البابا كيرلس:

كان
صبيا راهبا متوحدا باسم جرجس من البحيرة، وسيم بطريركا بقرار من مجمع انعقدا فى
الدار البطريركية مؤلف من الاساقفة واراخنة والشعب القبطى، وقوبلت رسامته
بالارتياح من كل دوائر الحكم والشعب مسلمين ومسيحيين

وبعد
ان تمت مراسم الرسامة بالاسكندرية فى 22 برمهات سنة 792 الموافق 1078 م سار فى
مركب الى القاهرة قاصدا كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بجزيرة الروضة، وكان فى
استقباله الانبا يعقوب اسقف مصر والشيخ ابو الفضل يحيى بن ابراهيم ” متولى
الابواب ” (رئيس الشرطة) وديوان الصناعة، وارسل اليه حصانا ابيضا ليركبه البابا
الذى سار فى موقف مهيب من الشرطة وحفظة الأمن وعبر النيل الى مصر، وكان فى
استقباله على الشاطئ جمهور كبير، وسار فى موكبه هذا الى قصر الخليفة، فخف الى
استقباله مأمون الدولة (الاستاذ) الذى اخذه من يده بمفرده الى مكان جلوس الخليفة،
وكان الخليفة جالسا مع افراد اسرته ومعهم زجاجات الطيب فضمموه منه، وطلبوا منه
البركة فصلى لهم وفرحوا به كثيرا ثم غادر القصر فى بهجة وسرور متوجها الى قصر بدر
الجمالى، حيث استقبل استقبالا حسنا ايضا ودعا لهم، وامر بدر الجمالى والى مصر
بالخروج معه الى حيث يريد، وان يراعية ويقدم له الخدمات طيلة وجودة فى مصر، حيث
نزل فى الكنيسة المعلقة، ثم انتقل الى كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم

وقد
اجرى الله على يديه ايامه معجزة حيث لما بدا الصوم الكبير قصد دير ابى مقار وبينما
كان يصلى قداس خميس العهد وكان وعاء الميرون المقدس موضوعا على المذبح ففاض الميرون
على يديه وعلى المذبح من تلقاء ذاته فكان اعلان بركة للجميع.

ماذا
حدث فى النوبة:

قامت
المناوشات فى تلك الفترة بين ولاة منطقة اسوان وبين ملوك النوبة، إذ لم تكن
العلاقات حسنة بينهما، الا ان بدر الجمالى رأى ان السلام افضل، واظهر ملوك النوبة
الذين استجابوا له، خاصة وان ملكهم (سلمون) المسيحى كان يحب ان ينهى حياته فى أحلى
الاديرة المصرية فتنازل لجرجس ابن اخته عن الحكم وذهب الى دير ابو نوفر السائح
ليعيش، ولما دخل الى الاراضى المصرية سارع والى اسوان واسمه اسعد الدولة الى تسلمه
اسيرا الا ان بدر الجمالى رفض هذا ودعاه ليعيش فى اديرة مصر واعد له الحرس ليرافقة
الى القاهرة ليقابل الخليفة الذى زاد من احترامة له، واعد له منزلا مؤقتا ظل يعيش
فيه الا ان مات ودفن فى دير الانبا رويس فى ظاهر القاهرة، مما كان مظهرا طيبا
للروابط بين مصر والنوبة واستقل الخليفة هذه الروابط الحسنه بين البلدين وعقد
بينهما معاهدات صداقة وتجارة، كما انعم على البابا بأموال لاصلاح الاديرة والكنائس

علاقة
الاقباط بكنيسة الحبشة:

رسم
الانبا كيرلس مطرانا على الحبشة باسم الانبا ساويرس وكان ابن اخت المطران المتوفى
وكان هذا بديلا لشخص كان يدعى (كوريل) كيرلس اغتصب الكهنوت وادعى الاسقفية فى
الحبشة دون رسامة، فلما وصل المطران الشرعى ساويرس لقى مقاومة من كوريل هذا، ولما
فشل كوريل جمع اموالا كثيرا من الاحباش وحاول الهرب بها، ولكنه قبض على وسيق الى
امير الجيوش بدر الجمالى، فحاكمه وقتله بالسيف فى عام 860 شهداء

 الا
ان المطران ساويرس وجد عناء فى التعامل مع الاحباش، لأنه وجد فيهم عادات خاطئة
اراد ان يمنعهم عنها فغضبوا منه، مثل زواج السرارى والإماء وكانت حجتهم فى هذا
العهد القديم وابراهيم اب الانبياء، فاستعان بالبطريرك الانبا كيرلس فأرسل البابا
خطابا رعويا رسميا الى الملك وحاشية يمنعهم عن هذه العادة

الكنيسة
القبطية فى عهده (اعماله):

لم
تعيش الكنيسة هادئه كما كان مقدرا لها، ولكن رغم ما قام به الانبا كيرلس الثانى من
اصلاحات منها:


رسم اساقفة من الرهبان الصالحين للايبارشيات الشاغرة


دأب على التعليم حيث تعلم هو أولا لأنه لم يكن متعلما ثم دفعه هذا الى تعليم الشعب
دراسة الكتب المقدسة والتفاسير المستقيمة بدلا من بلبلة الافكار


رمم الكثير من البيع والاديرة، وكانت علاقته بالحكم والادارة ممتازة فرغم هذا
انفجرت الكنيسة من الداخل بفعل الاساقفة بزعامة الاسقف يوحنا بن الظالم الذى كان
موجودا ايام البابا السابق خرستوزولوس واثار ايامه الكثير من الحوادث، عاد ايام
هذا البابا واقلق الأمة القبطية فقد اتحد هذا الاسقف (وكان اسقفا لسخا) مع اربعة
اساقفة اخرين وهم:

اخوه
اسقف سمنود ويوحنا اسقف دميرة وخائيل اسقف ابى صير ومقارة اسقف القيس ومعهم شماس
يدعى ابو غالب احد اعيان مصر، وتواطئوا على عزل البطريرك

 فكتبوا
الى البطريرك معربين عن استيائهم من بعض الرجال الميحيطين به وطلبوا ابعادهم إلا
أنه لم يبعد سوى واحد فقط، فعادوا اليه يعاتبوه فرفض، وكان فى ديوان الخليفة ان
ذاك رجل مسموع الكلمه اسمه ابو زكريا يحيى بن مقاره، وكان شيخا وقورا عاقلا ذا
كلمة مسموعة لدى الجميع، وتدخل هذا الرجل للصلح الا ان اسقف سخا لم يكتفى بهذه
الصالحة، وطلبوا رفع الامر الى بدر الجمالى، وفعلا كتبوا له تقريرا بالطعن فى حق
البابا كيرلس الثانى مدعين عليه بدعاوى توجب عزله، واوصلوا اليه هذه الشكوى عن
طريق البستانى (بسبب) الذى كان مسيحيا، وكان البطريرك ان ذاك فى رحلة رعوية فى
التعاليم والافتقاد الخدمات فى الكنائس وتدشين الجديد من البيع.

فلما
اطلع بدر الجمالى على هذه الشكوى وكان يجل البابا – رأى انه ليس من حقه البت فيها
وحده، وانما رأى عقد مجلس من اساقفة الوجهين القبلى والبحرى وكبار رجال الامة
برياسة بدر الجمالى فى الاسكندرية فى قصره هو، فلبى دعوته سبعة واربعون شخصا، وكان
الوزير يستهدف السلام حيث قال لهم ” كونوا جميعا برأى واحد، وليكن ولاءكم
لكبيركم خالصا، وتمسكوا بكلام المسيح حين اوصى تلاميذه بأن لا يكنزوا لهم كنوزا فى
الارض.. كان يجدر بكم ترك المنابذة لأنكم المثال فى التسامح حتى يقتدى بكم الشعب
الذى ترشدونه، وطلب منهم ان يطلبوا الصفح من البابا، فتصافح الجميع امامه انه
مطرانها، وتسلط على كنائسها، ولم سمع البابا كيرلس بهذا الخبر وكلف احد رجاله بأن
يسلمهم احدا من العفو، كما امر بقطع رأس البستانى الذى سعى بالشر منه بطريركه،
فخجل الاساقفة من تانيب بدر الجمالى لهم ورجعوا الى كنيسة ابى سيفين واقاموا قداسا
استفنارا اعما عملوه وتناولوا من البابا

أهم
أعماله:

1-
نشر القوانين الكنسية على الشعب ليعرفها ويعمل بها، ووضع اربعة وثلاثين ماده دارت
حول

 أ-
عدم تقاضى رشوة لقاء الاعمال الكهنوتية ومن يفعل هذا لا تقبل رياسته للكهنوت ولا
يكون يبنا الا كالوثني والعشار

 ب-
أي قس او اسقف يرفض قبول خاطئ تائب فليقطع لأنه خالف قول السيدالمسيح

 ج-
يجب على كل اسقف ان يتفقد جميع البيع والاديرة الواقعة تحت سلطانه، وان يحافظ على
ادوايها وريعها ونظافتها وعمارتها.

 د-
يجب على كل اسقف ان يعرف حال كهنته فى مختلف الكنائس والجهات الخاصة له وان يفحص
أمورهم فى عملهم، وفى القداسات التي يقيمونها، وفى قراءة الكتب التي يفرضون على
انفسهم تلاوتها

 ه-
يجب على الاسقف ايضا ان يتعهد كهنته وشعبه بالتعاليم الالهية التي تخلصه وتخلصهم
من خطاياهم، فكل نفس من انفس الرعية مطلوبة من راعيها

و-
وبين الانبا كيرلس بعد ذلك بالتفصيل واجبات الاسقف نحو الفقراء وامعوزين الرهبان
الذين يجب ان يقبضوا العمر كله في البرير ما لم يطلب خلاف ذلك.

 ر-
يجب ان تجذر الكهنة والعلمانيون الا لتجاء الى غير حكم البيعة واسترسل البابا في
قوانينه، فبين اهمية الصوم ووجوب التمسك به، وتطرق الى ضرورة تدفيق الكهنة
واستعمال سر الزيجة فلا يعقدونه الا في ظل سلامته وشرعيته واوصى الشعب بضرورة
احترام الكهنة والاساقفة، ” ويجب على ابناء المعمودية توفير المذابح المقدسة
والهياكل الطاهرة وتزينها عند اقتحام العلمانيين لها ” وفى عهد هذا البابا تم
ترميم كنيسة القيامة بالقدس والتي كان الحاكم بأمر الله قد احرقها وارسل مندوبين
عن الكنيسة القبطية لتكريسها في موسم القيامة من عام 800 شهداء 1084 م – كما كرسوا
كنيسة بناها احد الاقباط وهو منصور التلبانى هناك.

وفى
سنه 1092 لم يقص فترة الصوم الكبير في دير الانبا مقاره وانما اكتفى بالذهاب الى
دير الشمع غرب طموه ثم الى كنيسة الملاك ميخائيل في جزيرة الروضة، ثم عاد الى
كنيسة السيدة العذراء المعلقة ليحتفل بعيد القيامة المجيد، ولم تكد الخمسين
المقدسة تنتهى حتى بلغ نهاية حياته واسلم روحة الطاهرة بعد ان قضى اربعة عشر سنه
وستة أشهر على الكرس المرقسى

 

الانبا ميخائيل الثاني البطريرك ال 68 (1092 – 1102)

إختياره

بعد
نياحة الانبا كيرلس الثاني، قام اقباط الاسكندرية بالبحث عن من يصلح خلفا له
فاجتمع اراخنتهم وكبار الكهنة ليتدبروا الامر وتوجهوا الى برية شيهات الى دير ابى
مقار حيث سمعوا عن راهب حبيس يدعى القس ميخائيل، فأخذوه بعد تمنع منه وامتحنوا
ايمانه فوجوده صالحا، واشترطوا عليه قبل رسامته ثلاثة شروط مكتوبة:

1-
ان يحرم السيمونية

2-
ان يتعهد بدفع راتب لوكيل الكرازة المرقسية بالاسكندرية

3-
ان يرد لاساقفة بعض الكراسى ما أغتصبه بعض البطاركة السابقين من ايبارشياتهم سواء
من جهة الايراد او ضم بعض الكنائس، وضربوا له مثلا ما استولى عليه البابا
خريستوزولوس من كنائس السيدة العذراء المعلقة وابو سيفين والعذراء بحارة الروم ومن
اسقفية اوسيم والجيزة كنيسةرئيس الملائكة ميخائيل بجزيرة الروضة ومن كرسى طموه دير
الشمع وديرالفخار (دير ابو سيفين الان) وغيرها فوافقهم القس ميخائيل السنجارى – المرشح
للبطريركية على ذلك – وكتب لهم بخطة ما يفيد ذلك

رسم
البابا في 12 بابه 809 ش/ 9 اكتوبر 1091 وقصد بعدها دير ابو مقار بشيهات ومنه الى
الكنيسة المعلقة بمصر. وبعد فترة طلب منه الاساقفة الوفاء بما تعهد به ورد
الكنائس، فنقض بوعده وحرم كل من يشهد بهذا، واستولى على ثلاثة نسخ من هذا الاقرار
وظلت الرابعة بحوزة الانبا سنهوت اسقف مصر فحاول اخذها منه فأبى فمنعه من الصلاة
فهاج الشعب فارجعه الى عمله، وظلا متسالمين، الا ان البابا لم يكن مرتاح إلية
واراد ان يتخلص منه، فعقد مجمعا وادعى عليه انه عقد قداسين في يوم واحد في عهد
البابا السابق وهذا يخالف قوانين الكنيسة، فلما علم بهذا الاتهام هرب واختبا، فوضع
البطريرك يده على كنائسه

ومن
اخبار الكنيسة في أيامه:

قام
البابا ميخائيل بخدمة جليلة لمصر اذ جدت ان النيل اخذ في الانخفاض عاما بعد عاما
نتيجة انشاء ملك الحبشة سدا في بلاده يمنع المياه الكثيرة عن الوصول الى مصر، فطلب
الخليفة المستنصر منه ان يذهب الى ملك الحبشة، وبما له من مكانه روحية لديه يستطيع
ان يجد حلا في هذه المياه وفعلا سافر البابا ميخائيل الى الحبشة وقابله ملكها
بالترحاب، فعرض عليه المشكلة، فأمر الملك – بعد ان اخذ هدية كان قد ارسلها معه
المستنصر – بفتح السد فوصلت المياه الى مصر وعادت الحياة الى الزرع وهبط الغلاء،
وعم السرور وكانت هذه اول زيارة لبطريرك مصر للحبشة منذ خضوعها دينيا لكنيسة
الاسكندرية عن سنة 1102 توفى مطران الحبشة فارسل ملكها وفدا الى البطريرك يطلب منه
ان يرسم لهم مطرانا اخر، فرسم لهم الراهب جرجس مطرانا، وسافر الى الحبشة مع الوفد
المصاحب له، الا انه كان طامعا في المال فغضب عليه الاحباش، والزمة ملك الحبشة برد
كل ما حصل عليه منهم واعادة الى مصر، فطرحه الوزير الافضل في السجن حتى مات. واصيب
البطريرك بالطاعون وتوفى في 30 بشنس 816 ش المواقعة 11.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار