المسيحية

الكعبات وبيوت الأرباب



الكعبات وبيوت الأرباب

الكعبات
وبيوت الأرباب

للتاريخ
العربي أن يحدثنا عن مكة وكعبتها على أنها قبلة العرب- قبل الإسلام- ومحجهم؟ وله
أن يحدثنا عن رفع إبراهيم القواعد من البيت؟ ولنا أن نقبل كل ذلك دينياً وألا
نناقشه- إذا ثبت صحته- ولنا أن نقبل كذلك كل الأساطير التي أوردها المؤرخون حول
الثعبان الذي كان يحرس الكعبة؟ والرخ الذي قتله وألقاه بعيداً عند بنائها (السيرة
الحلبية 1: 233), ولكن كل ذلك لا مجال له في هذا البحث؟ لأننا نبحث في التاريخ؟
ويحق لنا ألا نثق في معظم ما جاءت به الأخبار,

وإذا
بحثنا في موضوع الكعبة- تاريخياً- نجد أنها لم تكن الكعبة الوحيدة في الجزيرة
العربية؟ ولكن كان هناك كثير غيرها في طول الجزيرة وعرضها, وبالنسبة لكعبة مكة
يقول الدكتور طه حسين: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل؟ وللقرآن أن يحدثنا
أيضاً؟ لكن ورود هذين الاسمين في التوراة لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي؟ فضلاً
عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب
المستعربة فيها؟ ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات
الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة
أخرى؟ وأقدم عصر يمكن أن تكون نشأت فيه هذه الفكرة؟ إنما هو العصر الذي أخذ اليهود
يستوطنون فيه شمال البلاد العربية؟ ويبثون فيه المستعمرات, فنحن نعلم أن حروباً
عنيفة شبت بين اليهود المستعمرين؟ وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد؟
وقد انتهت بشيء من الملاينة؟ ونوع من المحالفة والمهادنة, فليس ببعيد أن يكون هذا
الصلح الذي استقر بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأه هذه القصة التي تجعل العرب
واليهود أبناء عمومة؟ لا سيما وقد رأى الفريقان شيئاً من التشابه بين الفريقين غير
قليل؟ فأولئك وهؤلاء ساميون,,, وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه
الأسطورة في القرن السابع للمسيح (في الشعر الجاهلي- د, طه حسين- ص 26 و27), هذا
ما يقرره طه حسين بالنسبة لتاريخية كعبة مكة, وكان في الجزيرة عدة كعبات أخرى وإن
لم تكن بشهرةكعبة مكة- منتشرة في أنحاء الجزيرة؟ وكانت العرب تحج إليها في أوقات معلومة-
وغير معلومة- وتذبح عندها وتقدم لها النذور والهدايا؟ وتطوف بها في طريق
الميثولجيا عند العرب- محمود سليم الحوت), وأما أشهر كعبات الجزيرة قبل الإسلام-
بعد كعبة مكة- بيت ثقيف؟ وبيت اللات؟ وكعبة نجران؟ وكعبة شداد الايادي؟ وكعبة ذي
الشرى؟ وبيت الأقيصر؟ وبيت رضا؟ وكعبة رحيم؟ وبيت العزى؟ وبيت ذي الخلصة (راجع-
المفصل- جواد علي- ج 5 ص 398 وما بعدها وطوالع البعثة المحمدية- العقاد- صفحة
130),

تشريعات
الكعبات:

لم
تكن عبادة العرب متوقفة على مجرد الطواف حول الكعبات أو الأصنام؟ أو حتى الذبح
عندها والحلق والتقصير؟ بل كان لهذه الكعبات عدة تشريعات أخرى لم يكن يجرؤ أحد على
انتهاكها؟ كتحريم القتال عندها وتقديم الأموال التي كانت بمثابة خراج يقدم
الموسرون لإضافة الحجيج؟ بل إن الأمر بلغ بالعرب اعتبار من يعتلي كعبة مكة من
العبيد حراً؟ لأنهم لم يساووا بين عز اعتلائها وذل العبودية (المفصل 6: 431),
وكانت كعبة مكة تتميز عن بقية الكعبات بعدة أشياء- مع اشتراكها في باقي أركان
العبادة الخاصة بتلك الكعبات- مثل ما ذكره السيوطي في سبب نزول البقرة 2: 158
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ
اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا أن العرب- بعد الإسلام-
كانوا يتحرجون من السعي بين الصفا والمروة لأنهم كانوا يفعلون ذلك قبل الإسلام؟
فظنوا أن ذلك من شعائر الجاهلية, فأخبروا النبي بذلك فوضح لهم أن السعي بينهما من
شعائر الله التي توارثوها عن جدهم الأكبر إسماعيل, ومما تميز به بيت مكة أيضاً: رمي
الجمرات والوقوف بعرفة؟ والإفاضة من المزدلفة؟ واستلام الركن؟ وتقبيل الحجر
الأسود؟ إجارة المستعيذ بالبيت وتحريم إيذائه؟ وكل هذا مما وافق عليه الإسلام
وأقره (المفصل ج 6 ف 74- الحزب الهاشمي- د, القمني- ص 21 وما بعدها),

ومثلما
وافق الإسلام على كل ما سبق إلا أنه لم يوافق على جملة أشياء كطواف العراة؟ فقد
قال النبي: لا يوف بالكعبة عريان، ولم يكن العرب يطوفون بالبيت عراة لانحلالهم كما
يصور لنا ذلك رواة التاريخ؟ ولكنهم كانوا يتحرجون من الطواف في الملابس التي اقترفوا
فيها الذنوب- لقداسة الكعبة عندهم- فكانوا يستعيرون- أو يبتاعون- ملابس الحُمس
لاعتقادهم أن القريشيين هم اهل بيت الله؟ وأنهم أطهر منهم, وكان أحدهم إذا لم يجد
ما يرتديه من ملابس الحُمس؟ طاف بالبيت عرياناً, وتذكر الكتب أن امرأة كانت تطوف
بالبيت شبه عارية- لأنها لم تجد من ثياب الحُمس ما ترتديه- فأخذت تطوف وهي تنشد:

اليوم
يبدو بعضُهُ أو كله– وما بدا منه فلا أُحله

(بلوغ
الأرب ج 1 ص 244)

لماذا
الكعبات:

تشترك
جميع كعبات الجزيرة في صفتين أساسيتين؟ فجميعها أبنية مكعبة؟ وجميعها أُطر لأحجار
سوداء, وقد قال الدكتور القمني في كتابه الحزب الهاشمي: أن هذه الأحجار إما نيزكية
أو بركانية؟ وإن سبب اسوداد لونها هو عوامل الاحتراق التي تعرضت لها؟ وإن سبب
تقديس هذه الأحجار هو كونها آتية من عالم مجهول؟ فالحجر البركاني مقذوف ناري من
باطن الأرض؟ وما صيغ حوله من أساطير قسمته طبقات ودرجات واحتسبته علماً لأرواح
السالفين المقدسين؟ كذلك الحجر النيزكي؟ وربما كان أكثر جلالاً؟ لكونه يصل إلى
الأرض وسط مظاهرة احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور (الحزب الهاشمي- د, سيد
القمني ص 21 و22),

لكني
أختلف مع الدكتور القمني في جزئية واحدة؟ وهي أن بعض هذه الأحجار السوداء إنما هي
أحجار بركانية؟ فإنه من المرجح- إذا كانت هذه الاحجار بركانية- أن تنشأ عبادة لها
طقوس أخرى؟ مثل حرق جثث الموتى؟ وتقديم ذبائح بشرية حية لهذه الآلهة- البراكين-
لتسكين غضبها؟ كما كان يحدث في جنوب شرق آسيا واليابان؟ أو للتقرب إليها كما يحدث
في الهند؟ ولانتشرت المجوسية أكثر من أي ديانة أخرى في شبه الجزيرة ولأحدثت
البراكين حرائق يستحيل على البدوي أن يسيطر عليها- وهذا كله لم يحدث ولم يسجل لنا
التاريخ أي شيء كهذا- ولكن عبادة تقديم القرابين البشرية الحية كانت متوقفة على
عبدة الزهرة كما ذكرنا من قبل؟ وكانت ذبائحهم دائماً من الأطفال الصغار,

وفي
رأيي أن هذه العبادة لم تكن منتشرة لا في الجزيرة؟ ولا في الشام ومصر؟ لبعد هذه
البلاد عن المناطق البركانية؟ فلم تكن النار بالنسبة لهم سوى إلاهاً مستأنساً لا
يخافون بطشه؟ وإن كان كثير منهم يعظمونه ويجلونه لفائدته لهم؟ وبالنسبة لما قاله
الدكتور القمني؟ من أن هذه الأحجار السوداء؟ أحجار نيزكية؟ فهذا الرأي له شواهده
في كتب التراث بل وفي القرآن؟ إذ يقول في سورة الجن 72: 9 وَأَنَّا كُنَّا
نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهَاباً رَصَداً، وفي كتب السيرة نجد الكثير عن تلك الشهب (أو النيازك) التي كانت
تُرمى بها الشياطين (السيرة الحلبية- ج 2 ص 335 وما بعدها) وعلى هذا الأساس ترجع
تسمية الكعبات؟ ببيوت الله- كما ذكر د, القمني- فهذه الأحجار تأتي لهم من عند إله
السماوات؟ فجعلوا لها بيوتاً؟ وقدسوها؟ وعظموها وحجوا إليها؟ ظناً منهم بأنهم هكذا
إنما يزورون الله في بيته ممثلاً في هذه الأحجار السوداء,

مكة:

أما
بيت مكة فقد كانت له تلك المكانة الخاصة لعدة عوامل؟ منها وقوع مكة في ملتقى
القوافل؟ ووجود معظم معبودات العرب حولها؟ ووجود بئر زمزم- مع ما راج حوله من
أساطير- جعلها أكثر استقراراً من غيرها من المناطق, بالاضافة إلى هذا فإن تلك
المكانة- لمكة وقريش- لم تكن وليدة الصدفة بل لقد ترسخت عبر سنين عديدة بواسطة
أشخاص عملوا على إعطاء مكة وقريش هذه المكانة الكبيرة؟ مثل: كعب بن لؤى؟ وقصي بن
كلاب؟ وهاشم بن عبد مناف؟ وعبد المطلب بن هاشم (راجع قريش من القبيلة إلى الدولة
المركزية- لخليل عبد الكريم),

ومن
العوامل الهامة أيضاً وجود الحُمس؟ فالعرب يرون للحُمس فضلاً ومكانة؟ حيث أنهم هم
أهل الحرم والقائمون على أمر الدين, والحُمس هم: المتشددون في الدين؟ وكانوا إذا
أحرموا لا يلبسون الوبر ولا الشعر؟ ولا يستظلون به ما داموا حُرماً؟ ولا يغزلون
الوبر ولا الشعر ولا ينسجونه؟ ولا يأكلون شيئاً من نبات الحرم؟ وكانوا يعظمون
الأشهر الحرام ولا يظلمون فيها أحداً وكانوا يطوفون في ملابسهم ولا يخلعونها؟ وإذا
أرادوا شيئاً من بيوتهم وهم محرمون دخلوا من الأَبواب- عكس سائر العرب- وقد بقيت
هذه النظرة للحُمس- وهم قريش ومن ولدت من قبائل وكذلك حلفاؤها في بعض الروايات-
إلى ما بعد الإسلام؟ فيروي النيسابوري: أن الناس في الجاهلية وأول الإسلام إذا
أحرم الرجل منهم بالحج والعمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه؟ فإن
كان من اهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج؟ أو يتخذ سلماً فيصعد منه؟
وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يُحل من
إرحامه ويرون ذلك ذماً إلا أن يكون من الحُمس- وهم: قريش وكنانة وخزاعة وثقيف
وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النظر بن معاوية- سموا حُمساً لشدتهم في دينهم-
فدخل رسول الله بيتاً لبعض الأنصار؟ فدخل رجل من الأنصار على أثره من الباب وهو
محرم؟ فأنكروا عليه ذلك؟ فقال له رسول الله: لِمَ دخلت من الباب وأنت محرم؟ فقال: رأيتك
دخلت من الباب فدخلت على أثرك، فقال رسول الله: إني أحمسي؟ قال الرجل: إن كنت
أحمسياً فإني أحمسي؟ ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك؟ فأنزل الله وليس البرّ
بأن تأتوا البيوت من ظهورها (أسباب النزول- النيسابوري- 2 40),

فالواضح
إذن من النص السابق أن هذه المكانة لقريش ومكة والكعبة؟ كانت راسخة في العقل
العربي- حتى النبي نفسه- إلى ما بعد الإسلام؟ مع ما كان لها من تأثير كبير في عدة
أمور هامة؟ كالخلافة؟ والإمارة- كما سنرى لاحقاً- ولم تتوقف مكانة مكة وكعبتها عند
هذا الحد؟ بل إن الأمر وصل بالعرب؟ ألا يضعوا مواثيقهم وعهودهم إلا داخلها
لقدسيتها؟ ومكانتها عندهم,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار