علم

الكرازة الرسولية للقديس ايريناوس أسقف ليون



الكرازة الرسولية للقديس ايريناوس أسقف ليون

الكرازة
الرسولية للقديس ايريناوس أسقف ليون

الجزء
الأول: القديس إيرينيوس أسقف ليون

 

القديس
ايريناوس أسقف ليون

القديس
إيرينيوس أو صانع السلام – كما يعنى اسمه – هو أشهر آباء القرن الثانى فى شهادته
للإيمان الرسولى ودفاعه عن العقيدة المسيحية فى مواجهة البدع الغنوسية. ولذلك
يستحق أن يُلقب بمؤسس علم اللاهوت المسيحى، ولُقب أيضًا ب”أبو التقليد”.

 

نشأته:

 من الصعب
تحديد تاريخ ميلاد إيرينيوس بالضبط، ولكن علماء الآباء يرجحون أنه وُلد ما بين 135
– 145م، إذ يخبرنا إيرينيوس نفسه أنه فى شبابه المبكر عرف القديس بوليكاربوس الذى
كان تلميذًا ليوحنا الرسول، وأن القديس يوحنا الرسول هو الذى أقام بوليكاربوس
أسقفًا على كنيسة سميرنا أو أزمير[1]، إذ سجل لنا يوسابيوس المؤرخ من بين ما سجل
من كتابات القديس إيرينيوس الرسالة التى كتبها القديس إيرينيوس إلى فلورينوس:

 

[
لأننى لما كنت صبيًا رأيتك فى آسيا السفلى مع بوليكاربوس تتحرك فى عظمة الحاشية
الملكية، ومحاولاً أن تنال رضاه. وإننى أتذكر حوادث ذلك الوقت بوضوح أكثر من حوادث
السنوات الأخيرة. لأن ما يتعلّمه الصبيان يرسخ فى عقولهم. كذلك ففى إمكانى وصف نفس
المكان الذى كان يجلس فيه المغبوط بوليكاربوس وهو يلقى أحاديثه، ودخوله وخروجه،
وطريقة حياته، وهيئة جسمه، وأحاديثه للشعب، والوصف الذى قدمه عن عِشرته ليوحنا،
والآخرين الذين رأوا الرب، ولأن بوليكاربوس كان متذكرًا كلماتهم، وما سمعه منهم عن
الرب وعن معجزاته وتعاليمه لاستلامها من شهود شهدوا بأعينهم كلمة الحياة، فقد روى
كل شئ بما يتفق مع الأسفار المقدسة. وإذ أصغيت إلى هذه الأمور برحمة الله بانتباه
كبير مسجلاً إياها ليس على ورقٍ بل فى قلبى صرتُ أرددها على الدوام بأمانة بنعمة
الله][2].

 

 ومن هذه
الكلمات يتضح تمامًا أن إيرينيوس اتصل بالعصر الرسولى عن طريق القديس بوليكاربوس،
وهذا ما أعده لكى يكون شاهدًا أمينًا للتقليد الرسولى الذى استلمه بواسطة
بوليكاربوس الذى كان تلميذًا وصديقًا للقديس يوحنا الرسول وآخرين غيرهم من الذين
رأوا الرب. وبعد عدة سنوات من استشهاد القديس بوليكاربوس فى سنة 156م، رحل إلى
الغرب متجهًا إلى بلاد الغال (فرنسا حاليًا)، وربما يكون قد مكث بعض الوقت فى روما
وهو فى الطريق إلى فرنسا، وقد يكون تتلمذ لبعض الوقت لمعلّمين مثل يوستينوس الذى
كان فى روما فى تلك الفترة قبل استشهاده. ثم بعد ذلك انتهى به المطاف إلى الغال.

 

 وفى سنة
177م أرسله شهداء كنائس ليون وفيينا، الذين كانوا فى السجن، إذ كان قسيسًا لكنيسة
ليون، للتوسط فى الصراع الذى نشأ بخصوص بدعة مونتانوس فى آسيا الصغرى. وكان يحمل
رسالة كنائس فيينا وليون إلى كنائس آسيا وفريجية، والتى يرى بعض العلماء أنها من
قلم إيرينيوس نفسه، وقد حُفظت أجزاء من هذه الرسالة فى تاريخ يوسابيوس الكتاب
الخامس: 1-3.

 

 كما أن
كنائس ليون وفيينا أرسلت رسالة أخرى إلى إليفثريوس أسقف روما (175-189) بواسطة
إيرينيوس، وقد شهد هؤلاء المعترفون من السجن الشهادة التالية عن إيرينيوس فى هذه
الرسالة:

 

 [ أيها الأب
إليفثريوس إننا مرة أخرى نرجو لك السلام من الله على الدوام. ولقد طلبنا من أخينا
ورفيقنا إيرينيوس أن يحمل هذه الرسالة إليك، ونتوسل إليك أن توقره وقارًا كبيرًا
لأنه مملوء غيرةً على وديعة المسيح وعهده. فلو كان المركز يُضفى برًا على أى واحد
لكنا أوصينا، فهو به أول من يستحقون التوصية لكونه قسيس الكنيسة وهذا هو
مركزه][3].

 

 وبعد أن رجع
إيرينيوس من روما، فإن أسقف ليون المُسن فوتيوس توفى شهيدًا، وصار إيرينيوس أسقفًا
لليون خلفًا له.

 

إيرينيوس
ومشكلة الأربعشرية (أى تعييد الفصح يوم 14 نيسان العبرى):

 فى سنة 190م
حدث خلاف بين كنائس آسيا الصغرى وبين فيكتور الأول أسقف روما حول ميعاد تعييد
الفصح المسيحى. وعقد فيكتور مجمعًا فى روما حرّم فيه أساقفة آسيا بسبب تعييدهم عيد
القيامة يوم 14 نيسان. وطلب أسقف روما من كل كنائس العالم أن تتبع تقليد كنيسة
رومية بخصوص عيد الفصح وهو أن يكون العيد المسيحى فى الأحد التالى للفصح اليهودى،
فى حين أن كنائس آسيا الصغرى كانت تُعيّد عيد القيامة مع اليهود فى اليوم الرابع
عشر من نيسان العبرى، فى أى يوم اتفق من أيام الأسبوع. قائلين إنهم تسلموا هذا
التقليد من بوليكاربوس، وأنه بدوره استلمه من يوحنا الرسول.

 

 وفى هذا
الموقف الصعب فى هذا العصر برز إيرينيوس وقام بدور هام لحفظ سلامة الكنيسة، فكتب
عددًا من الرسائل إلى الأساقفة فى آسيا وإلى فيكتور أسقف روما نفسه، يحث فيها
الجميع على السلام أو بحسب تعبير يوسابيوس المؤرخ فإنه قال: [ إن سر قيامة الرب
يجب أن يُحفظ فقط فى يوم الرب]. ويضيف يوسابيوس قائلاً: [حقًا فعل (إيرينيوس) إذ
نصح فيكتور بألاّ يقطع كنائس الله برمتها وهى حافظة تقليد عادة قديمة
.. وهكذا صار
إيرينيوس صانعًا للسلام، وهذا هو معنى اسمه، إذ قدم النصائح وأرسل الرسائل اللازمة
على هذا الوجه من أجل سلام الكنائس][4].

 

 بعد هذا
الموقف الذى ظهر فيه دور إيرينيوس الرسولى فى إعادة السلام بين الكنائس مما جعل
جيروم يسميه “الأسقف الرسولى والشهيد” وذلك فى سياق تفسيره لسفر إشعياء.
ويذكر كواستن[5] أنه بعد هذا الدور البارز لصانع سلام الكنيسة كلها لم يرد ذكر
لإيرينيوس فى المصادر التاريخية إلى أن ذكره غريغوريوس أسقف تور (573-594)[6]،
الذى ذكر أنه مات شهيدًا سنة 202م. وهكذا يكون القديس إيرينيوس قد شهد خراب مدينة
ليون الذى حدث سنة 197م.

 

كتابات
إيرينيوس:

 بالإضافة
إلى عمل إيرينيوس الرعائى كأسقف لإيبارشية، فإنه كرّس جزءً كبيرًا من وقته لمهمة
دحض الهرطقات الغنوسية بواسطة الكتابات الكثيرة التى كتبها لهذا الغرض. وتظهر
براعته وموهبته فى دحض التعاليم المنحرفة بنوع خاص فى الكتاب المشهور والضخم الذى
كتبه القديس إيرينيوس وعُرِف باسم “ضد الهرطقات” فى خمس كتب. هذا ولقد
جمع إيرينيوس بين معرفة واسعة وشاملة لمصادر الإيمان والتقليد مع روح جادة وحماس
دينى كبير. فإن معرفته الشاملة بالتقليد الكنسى التى يدين بها لعلاقته بالقديس
بوليكاربوس وغيره من تلاميذ الرسل الآخرين، هذه المعرفة بالتقليد الكنسى كانت مصدر
قوة عظيمة جدًا فى كفاحه ضد الهراطقة.

 

 ومما يُؤسف
له أن كتاباته باللغة اليونانية فُقدت فى وقت مبكر. ولم يتبق من كتاباته وأعماله
الكثيرة التى كتبها بلغته اليونانية سوى كتابان:

 

 1 – أحد
هذين الكتابين هو كتابه الذى يفوق كل الكتب الأخرى فى أهميته من جهة الإيمان. وهذا
الكتاب هو ما اشتهر باسم “ضد الهرطقات”، ولكنه لم يصلنا فى لغته
اليونانية الأصلية التى كُتب بها بل فى ترجمة لاتينية وهى ترجمة حرفية. وهذا
الكتاب يتكون من جزءين رئيسيين. الجزء الأول يكشف أصول وتفاصيل الهرطقة الغنوسية.
ويذكر فيه أسماء الهراطقة الغنوسيين ويعتبره العلماء أفضل مصدر لمعرفة الغنوسية وتاريخها.
والجزء الثانى يدحض فيه تعاليم الغنوسيين خاصة فالنتينوس وماركيون، كما يوضّح
عقيدة الكنيسة عن الآب والابن، وكل عقائد الإيمان الأساسية المُسلّمة من الرسل.

 

 

 2 – والكتاب
الثانى الهام الذى كتبه القديس إيرينيوس هو “شرح الكرازة الرسولية”
ولسهول الاستعمال سنذكره بعنوان “الكرازة الرسولية”. هذا الكتاب كان
أصله اليونانى مفقودًا طوال القرون الماضية. ولم يكن لدينا سوى اسمه فقط، وقد حُفظ
اسمه فى كتاب تاريخ الكنيسة ليوسابيوس (الكتاب الخامس فصل26)، وفى سنة 1904م أراد
الله أن يُكتشف هذا الكتاب الهام كاملاً فى ترجمة باللغة الأرمينية، والذى اكتشفه
هو “تيرمكيرتشيان” (
Ter
-Mekerttschian
) الذى قام بنشره
للمرة الأولى سنة 1907م.

————-

[1]
انظر
Against The Heresies (=AH)
3: 3: 4
، وأيضًا يوسابيوس
القيصرى، تاريخ الكنيسة.

[2]
يوسابيوس القيصرى: تاريخ الكنيسة، ترجمة القمص مرقس داود، ك5 فصل5: 20-7، الطبعة
الثانية، مكتبة المحبة القاهرة 1970، ص272-273.

[3]
يوسابيوس القيصرى، تاريخ الكنيسة، 2: 4: 5، ص 247.

[4]
يوسابيوس القيصرى، تاريخ الكنيسة11: 24: 5، 18.

[5]
Quasten, Patrology Vol. I, 288.

[6]
انظر
Historia Francorum,!, 27، وانظر Murray
Dictionary of Christian Biography, Vol. 2, p. 771, London 1880
.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نرجو اغلاق مانع الاعلانات لدعم الموقع كي نتمكن من الاستمرار